تعددت األوساط والرقﺺ واحد
هل جربت يومًا أن تنتقل من وسطك الذي تنتمي إليه إلى وسـط آخـر يختلف تمامًا عن ميولك وإمكاناتك ولـو على هيئة (إعارة) كما يفعلون في األندية الرياضية؟! ال أظنها فــكــرة سـيـئـة، بــل عـلـى الـعـكـس هــي فــرصــة جميلة لتغيير الـــروتـــني أوال وإشـــبـــاع ﻏــريــزة الــتــعــرف عــلــى عــالــم جديد وخوض تجربة جديدة ثانيًا وثالثًا. والـــوســـط حـسـب اعــتــقــادي املــتــواضــع -وكــــم هــو مــؤلــم أن نصف مـا نعتقده دائـمـًا بـالـتـواضـع- مصطلح صحافي نشأ مع الصحافة الورقية تزامنًا مع تبويبها وتقسيمها إلــى أقـسـام متخصصة سـنـه قـدمـاء الصحافة ومخرجو صفحاتها العظام ليخففوا على الـقـارئ زحمة وتداخل املواضيع ليصبح بعد ذلك مصطلحًا اجتماعيًا وثقافيًا متداوال، يعني بالضرورة كل مجتمع صغير يشترك فيه عدد من الناس الذين تجمعهم أرضية مشتركة في مجال ما. وألنه ال مشاحة في االصطاح -كما يقول الفقهاء- فإنني لن أتوقف عند تفسير املصطلح وسأكمل حديثي عن فكرة التنقل مـن وســط ﻵخــر، وكيف أنها أصبحت شبه ظاهرة يمارسها الكثير ممن يعشقون العيش في األوسـاط بروح الكائنات التي تظن أنها مفيدة فتحاول إنعاش الوسط إذا ما شعرت أنه على وشك املوت أو تجتهد في خلق قضايا جــديــدة داخــلــه أو تــؤســس فـيـه لـجـبـهـات عــــدة.. املــهــم أنها تتحرك في هذا الوسط وتحافﻆ على بقائه ال ألنها تشعر باالنتماء إليه بقدر ما أنها تخشى أن تندثر باندثاره أو لنقل إنها تخشى أن تنتهي حفلة الرقص فتحاول دائمًا أن يكون الطبال بخير، وذات املوال يسري معهم من وسط ﻵخر مع تبدل األقنعة واإلستراتيجيات التي تليق بوسط عن سواه.
األوساط بكل مجاالتها تقولب الشخصية التي ال تجيد العيﺶ خارج أسوارها مهما كان هﺬا الوسﻂ ﺟاد ًا أو حتى نخبوي ًا واألوســــاط ليست حـالـة حتمية تجبر كــل مـنـتـم لانتماء إليها بالضرورة، فقد تكون شاعرًا أو كاتبًا فذًا أو رياضيًا مــحــتــرمــًا أو فــنــانــًا مــســتــقــا أو صــحــافــيــًا المــعــًا أو حتى (ســوشــيــالــيــًا) مــشــهــورًا ومــرمــوقــًا دون أن تــكــون منتميًا للوسط الذي يتوازى مع ما تنتمي إليه أنت، بل إن اإلصرار والركض الدائم صوب أضواء هذه األوساط إنما هو ركض صوب أضواء املوت الحقيقي ملا تحبه وتنتمي إليه، ولهذا ستجد عوالم النجومية قريبة من كف يديك كلما ركضت أكثر في الـوسـط، لكنه وبـنـاء على التزاحم الــذي تكتﻆ به أبواب هذه األوساط ستكون عمليات اإلزاحة أقرب وستغدو كالنجم إذا هوى. الــطــريــف والــظــريــف فــي كــل ذلـــك هــو أن األوســــــاط بكل مجاالتها تقولب الشخصية التي ال تجيد العيش خارج أسـوارهـا مهما كـان هـذا الوسط جــادًا أو حتى نخبويًا فـهـي تـخـنـدق ساكنيها وتجعلهم أشــبــاحــًا متشابهة، ما يجعلك تحتار في التفريق بني شاعر أو فنان وبني مشجع رياضي.
ستجد عوالم النجومية قريبة من كف يديك كلما ركضت أكثر في الوسط