Okaz

حقوق اﻹنسان في القاموس األمريكي

تﻜﻔﻞ ﺣرية الرأي لﻠمﻨﺸقﻴﻦ وتﻌتقﻞ ﻣواﻃﻨﻴﻬا في ﻧﻔس الوﻗﺖ ﻻ تﻠقي ﺑﺸﻌار اﻻﺣترام لﺤقوق اﻹﻧﺴان؛ الﺬي تﻐري ﺑﻪ الﻌالﻢ، لﻪ ﺑاﻻ

- @Prof_Mufti dr.mufti@acctecon.com

لطاملا أطـلـق السياسيون فـي الــواليــ­ات املتحدة تصريحات عدائية ضد حكومات بعﺾ من صنفتهم بدول العالم الثالث بحجة افتقار تلك الدول ألبسط حقوق اإلنسان -على حد زعمها-، وقد تكون هناك بالفعل بعﺾ الـدول التي انتهكت حقوق اإلنسان بشكل علني، لكن املثير لالستفزاز أن هناك دوال أخرى أشد انتهاكًا لحقوق اإلنسان، غير أن الواليات املتحدة لم تجرؤ حتى على انتقادها، والسبب في ذلك أن أي تصريح ألي سياسي أمريكي يرتبط في املقام األول بمصالح اإلدارة األمريكية وعالقتها بتلك الدول. لقد عـودت نفسي دومـًا على عدم الحكم على األمــور بسطحية وكذلك على عـدم االنجراف إلى الشعارات البراقة، كما أنني ال أرغب في أن أصدر حكمًا على أمر دون اإلملام الكافي بكافة تفاصيله، ألنــه فــي هــذه الـحـالـة أشـبـه بلوحة منقوصة األجـــزاء، وقــد تكمن الحقيقة فـي تلك األجزاء املفقودة والتي قد يتم إخفاؤها عمدًا، وفي عالم السياسة قد تعد تصريحات بعﺾ السياسيني أشبه بدس السم في العسل، لذلك دومًا ما أكون حذرًا تجاه تصريحات بعﺾ الساسة الغربيني وخاصة األمريكيني، وقد عززت هذه الشكوك مواقف كثيرة آخرها موقف اإلدارة األمريكية الحالية من الصراع الدائر في غزة. منذ بدء الصراع في غزة شنت إسرائيل عمليات عسكرية عدوانية ال مثيل لها في التاريﺦ الحديث على السكان املدنيني، فقتلت عشرات اﻵالف منهم وتركت ما يزيد على مليون فلسطيني فريسة للجوع والعطش وضحية للعديد مـن األمـــراض، وبسبب دعــم إدارة بايدن إلسرائيل انتفﺾ الشعب األمريكي وخرج في مظاهرات عارمة إلجبار الحكومة األمريكية على وقــف الـدعـم العسكري لحكومة إسرائيل، ونتيجة لعدم مـبـاالة إدارة بـايـدن بذلك تحولت تلك االحتجاجات العتصامات في العديد من الجامعات األمريكية لوقف نزيف الدم والجرائم املرتكبة ضد اإلنسانية التي تجري على مسمع ومرأى من العالم أجمع. لقد تابعت كغيري قيام الشرطة األمريكية بفﺾ تلك االعتصامات بعنف من خالل دفع املحتجني أرضًا قبل أن يقوم رجال الشرطة بوضع األصفاد في أيديهم (ومنهم أساتذة في تلك الجامعات) ولم أصدق ألول وهــلــة مـــا يــجــري وتــوقــعـ­ـت أن مثل هذه املقاطع مفبركة أو تخص أحداثًا أخرى، غير أن الكثير مـن املنصات اإلخــــــ­ـبـــــــا­ريـــــــة تناقلت أخــبــار تــلــك املظاهرات، وقد شعرت -حينذاك- كما لو أن الزمن قد توقف بي وأن تفكيري قـد أصـابـه الشلل بسبب كمية التناقضات بـل والـنـفـاق -إن صح التعبير- في مواقف وسياسة اإلدارة األمريكية، التي تسير في فلكها أيضًا بعﺾ الدول الغربية. لقد استقبلت الواليات املتحدة عشرات املنشقني الهاربني من أوطانهم ومنحتهم حـق اللجوء السياسي، وفتحت لهم منابرها اإلعالمية بدعوى أنهم مضطهدون في بالدهم ومحرومون من حرية الرأي، فـﺈن كانت الـواليـات املتحدة نفسها تقوم باعتقال مواطنيها الذين اعــتــصــ­مــوا فــي حـــرم بــعــﺾ الــجــامـ­ـعــات تــنــديــ­دًا بــمــوقــ­ف حكومتهم ودعــمــهـ­ـا الــالمــح­ــدود لـلـجـرائـ­م الــتــي تـرتـكـب ضــد اإلنــســا­نــيــة وضد املدنيني فـي غــزة والضفة الغربية، فكيف تـحـرص على توفير حــريــة الــــرأي لــهــؤالء املـنـشـقـ­ني وتـعـتـقـل مـواطـنـيـ­هـا في نـفـس الـــوقـــ­ت؟ كـيـف يـمـكـن تـفـسـيـر هــذيــن املوقفني املتناقضني في الوقت الذي تسعى فيه إلقناعنا بأنها حامية حقوق اإلنسان؟!. الـجـواب املؤكد هو أن هــؤالء املنشقني ليسوا أكثر من قنابل موقوتة ترغب الواليات املتحدة في تفجيرها في املكان والوقت املناسبني لها، وهـــم أدواتـــهـ­ــا الــرخــيـ­ـصــة البـــتـــ­زاز حكومات الــدول التي خـرج منها هــؤالء، والشعار الذي تغري به العالم هو احترامها لحقوق اإلنسان الذي ال تلقي الواليات املتحدة له باال. خــالل الـحـرب األخــيــر­ة على غــزة الـتـي راح ضحيتها عشرات اﻵالف من األبرياء بدعم شبه مطلق من العديد من الحكومات الغربية، عجت العديد من املنصات اإللكتروني­ة باتهامات هؤالء املنشقني وسخريتهم من مواقف الدول العربية (وعلى األخص الدول الخليجية) إزاء تلك الحرب، وكأنهم كانوا السبب في اندالعها من األســاس، لكن مثار استغرابي الحقيقي هو عدم تجرؤ أي منهم على توجيه النقد لـلـدول التي منحتهم حـق اللجوء بسبب دعمها املـفـرط إلسـرائـيـ­ل، فـي الـوقـت الــذي نجد فيه أن مواطني تلك الدول قـد اعتصموا فـي الـسـاحـات واملـيـادي­ـن والـجـامـع­ـات تـنـديـدًا بموقف حكوماتهم الداعم إلسرائيل، واألمــر ال يحتاج إلى تفسير؛ فأي نقد أو إســـاءة للحكومات الـتـي منحتهم حـق الـلـجـوء يعني مخالفتهم للشروط التي حددتها تلك الدول لبقائهم فيها.

تفكيري أصابه الشلل بسبب ﻛمية التناقﻀات بل والنفاق في سياسة اﻹدارة األمريكية، التي تسير في فلكها بعﺾ الدول الﻐربية..

 ?? ﻛاتب سعودي ?? محمد مفتي
ﻛاتب سعودي محمد مفتي

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia