Okaz

ُقمري شّل ولدنا

- علي بن محمد الرباعي @Al_ARobai ﻛاتب سعودي

أوقفت (أم نشبان) عمرها، وشبابها الغﺾ، على وحيدها (نشبان) الذي مات أبوه يوم والدته، وبرغم عاطفتها تجاهه، إال أنها تتشاء م منه لكثرة بـكـائـه، وعـنـدمـا ترضعه تشعر أنــه مــا يشبع، والحظت سرعة نموه، وإذا نفد صبرها قالت «أخشعك الله، بتغدي أطول من ليلة ما فيها عشا»، وكأنه يفهم فيبكي، فتنفعل وتقرصه في هبرته قائلة: «أبـــرد إن كــان مـا غير تصوي مـا كنك إال مـن فــروخ الكلبة»، ثم تشفق عليه وتحتضنه، وإذا جف صدرها، تحط خنصرها بني شفتيه، وتتمقل في مالمحه فتشعر ّبقلق، وعندما نبتت أسنانه كان يقرط أصبعها، فتضعه في الحيلة وتصفقه، فيصرخ محتجًا، ثم تسارع الحتضانه، والتسمية عليه. كانت تخاف عليه من هبة الرياح، وما تالم فيه غزة الشوكة، ونذرت وقتها وعافيتها وكل جهدها لخدمته، تسرح في الصباحات الباكرة تتشقوى مع جماعة القرية تحصد وتصرم وتختلي، وهو ملفوف في حوكة، ومعلق في الزافر داخل امليزب، وتوصي جارتها اليمانية ترقبه، وعندما يصحو يبدأ بالبكاء، فتأتي الجارة الطيبة، وتشتله من امليزب، وتتقعفز طرف العتبة، وتضعه على فخذيها، وتغني له (متى شتكبر يا صبي، ونحج بك عند النبي، ونزوجك بنت الظبي، نزفها فوق الجمل، وترشف الريق العسل، من نحلة في رأس الجبل)، فيهدأ ويــركــز نـظـره فــي عيني جــارتــه، ويـمـد يــده ويـنـاسـل شعرها فتستحي، وتسارع إلعادته للميزب وتغادر. وعندما تعود األم للبيت، تعبر جارتها عـن دهشتها من هذا الصبي، فتنشدها، ليش (يا عاقفة) فتروي لها نظراته، ومد يده على شعرها، فتضحك األم، وتردد ما عاد عليك إال، تقولني رضيعي (فحل) وهو ما كما صوص الدجاج اللي دوبه فقس، الطية جنحانه في جمبه. طلبت الجارة من أمه تحضر به عند زوجها، فهو باني بالنهار، وفقيه بالليل، وسألتها، وش يسوي به، فقالت (ينجمه)، جاء ت به، وفكت عنه اللفافة، وأول عبارة قالها، (ناجي) يعوه عليك، هذا استقبال تستقبلني به يا عاق والديه، ثم فتح باطن كفه اليسرى، وقال «حوت يبلع ما يشبع، وعينه في كل شيء تدنع، وبعد عينك منه تدمع وال تهجع». ما أحسنت ﻇنًا في كالمه، وكانت تسلي نفسها، بأن ناجي ما يعلم الغيب، وعندما جـرت الدماء في محاشمه ومباصمه، ما غـدت أمه تقدر تقطبه، يهطش ويبطش، ويسري ويهري، وقالت له في يوم، ليت البوك بدية يا بو ذا السوايا، فرد عليها، اللي انقضى أجله ما عــاد معه ال عدية وال بـديـة. وكــان فـي كـل يــوم يجيها بشكوى، مرة يـعـود مــرثــوم فــي خشمه، ويـــوم ثيابه مـشـتـرة، فيسمع أهــل القرية مناقرته ألمه، وإذا بكت، تذكرت كالم ناجي، فتقول، الله ال يعفي عن ناجي وال عاقفة. استوى (نشبان) رجــال، يتحاشى أكثر الناس األخــذ والعطاء معه، ويــوم نصحه خـالـه الفقيه يصلي فــي املـسـيـد، فلزمه بـرقـابـة ثوبه ودفسه، وقال: إذا أعطيت أمي حقها يا فاجر ساعتها يجي لك وجه تنصحني، فقال: خالك خالك أعقب أعقب، قال: تخلخت سيقانك اللي كما مسوط العتم يا السراق، ورماه في عقشة جنب املسيد.

الﻠي اﻧقضﻰ أجﻠﻪ ﻣا ﻋاد ﻣﻌﻪ ﻻ ﻋدية وﻻ ﺑدية.. وﻛان في ﻛﻞ يوم يجﻴﻬا ﺑﺸﻜوى

ﺣوت يﺒﻠﻊ ﻣا يﺸﺒﻊ، وﻋﻴﻨﻪ في ﻛﻞ ﺷيء تدﻧﻊ، وﺑﻌد ﻋﻴﻨﻚ ﻣﻨﻪ تدﻣﻊ وﻻ تﻬجﻊ

العريفة الهواوي، وده بأم نشبان، فصار يتودد له، ويمرر له بعﺾ األسرار، ويقترح عليه بعﺾ املساري، ويولع له سيجارة كلما جاه، ويــصــب لــه شــاهــي ســيــالنـ­ـي، واقـــتـــ­رح عـلـيـه يــومــًا يـسـلـفـه ويشتري (مــرتــدس) وعـنـدمـا رفــﺾ وقــال مـا أعــرف أســوق نفسي، خــل أسوق شـاحـنـة، فـقـال العريفة: أحـطـك مـع الــجــاوة مـعـاون سـنـة، تسافر من شدن إلى عدن. تلبسته فكرة الشاحنات، وعينه على (قمريه) بنت الجيران، وركبت في رأسه، إذا عادت قمريه لبالدها، يصير ّمسدحه ومقدحه عندها، ثم تقبل شور العريفة، واشتغل معاون، يشغل املوتر يحمى، ويمسح الـقـزاز، ويعبي مويه في التوانك، ويطبﺦ، ويغسل، وألنــه متعافي، يأخذ حقه وافي. عــود بعد سنة وهـو سايق محترف، وقــال للعريفة: انـت باقي على كالمك، فانتفﺾ العريفة وتـسـاءل: شنهو كالمي اللي باقي عليه؟ قـال: املرتدس، فرك دقنه، وضم ركبتيه لبعضها، وطلب منه يقعد، وسأله: وش أنا في شوفك يا نشبان؟ فقال: عريفة تنشر لك البيضاء، رد عـلـيـه: مــا جبتها يــا ولــد الـغـالـيـ­ة، فـنـشـده نـشـبـان: وش تبغاني أشوفك؟ قال: كما أبوك، وألنه ما يعرف أبوه، قال: كما ابي، كما ابي. جــاء والعريفة يتقهوى عند أمــه، فـرحـب وســهــل، ويــوم شــاف ريقه حالي معه، أخـرج عشرة آالف ريــال، ورق أحمر، وأوصــاه، يحرزها، وإذا وصــل جــدة يــروح للهطالني، ويسلم لـه عليه، ويـقـل له أنــا مـن طــرف العريفة (بــو صـمـالن) وبيقضي لزومك، وكـل حملة توديها وإال تجيبها، تــودي له قصده، وتـحـفـﻆ الــبــاقـ­ـي، وآخـــر الـسـنـة نـتـحـاسـب، وأمك شاهد لنا وعلينا، فقال نشبان: ما ودك ادعي خــالــي يــشــهــد، فــوضــع أصــبــعــ­ه عــلــى براطمه مـــــــرد­دًا (ابـــــصــ­ـــم)، خــلــه يــنــتــس­ــم عــنــد محرقة الــقــرصـ­ـان، أمــك عـنـدي بـمـيـة مــن عـيـنـة خالك، فتبسمت األمية، وزحفت شوية ويليه. اشتل الدراهم وبقشة هتافيره، ولقاهم ﻇهره، فعلقت األم، كـنـت ارتــجــي خــيــره، والــيــوم ليتني اسلم من شـره، فخامسها العريفة وأقسم ما يجيها الـشـر ورأســـه يـشـم الــهــوا، وشـعـرت أمــه أن غيبة نشبان طولت، وكل يوم تندب عليه، وطوال الليل تسرح ضأن، وتروح معزا، والعريفة يؤكد أنه رجال ما بيضيع، وهي تقول، قلبي يأكلني من يوم سافر (ناجي، وعاقفة، وقمريه)، وكلما تنشدت عنه السواقني، ما أشفوا خاطرها بما تتمناه من األخبار، طلبت من العريفة يسافر يلمح لـه، قالت: افلح دور له ما رد الــراس، فقال: ويـن اغـدي أملـح له، تلقينه ضـيـع فـلـوسـي، وأقـسـم لينتصرها مـن كـبـده متى مـا حقته عينه، وأضـاف، بلطافة وغمزة، وانتي من يلمح لك؟ فتحفظت على كالمه، قالت: قد لك سنة ما تروحتاني، ما غير تضوي وتقفي، قال: أتروحك في بيتك، نتعشى انحن وأخوك فقيه الشعف، وديكان، على واحـدة من الغنم، وهذا منزلها وهذا محلها، فضحكت مـرددة، الله ربنا وربك. بعد ﻇهيرة اليوم التالي لزواجها، اقتربت املذياع، وفتحت البداية، ودرجـــت املــؤشــر، وإذا بـصـوت املغني (قـمـري شــل بنتنا) فقالت أم نشبان (ال والله إال شل ولدنا).

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia