بدر الشعر العربي لن ينطفﺊ
يا غريب الدرب وأشواقك سفر، العنا في القلب والشكوى نظر. لو جرحت الــروح، لو دمعي همى، يا ﻇما املجروح ما بعدك ﻇـمـا، ال يغيب صـائـغ هــذه الــحــروف، ولــو غيبته األقـــدار، إنه يبقى كالسراج ينير الليل واألشــواق، ال يغيب األمير الشاعر ولو غاب الجسد. وبدر الشعر، صاحب السمو امللكي األمير بدر بن عبداملحسن بن عبدالعزيز، يبقى من أولئك الحاضرين الذين اعتمر قلبهم بحب الشعر وحـب الخير والجمال الــذي يتجاوز أفـق املوت، ليعبر إلــى األســــرار الـعـلـويـة بـــروح يغمرها الــحــب واإليمان والصفاء والخلود. تتيح الثقافة واإلبداع في حياتنا البشرية لﻺنسان البواعث التي تحفزه على العطاء، أكـان أديبًا أم غير ذلــك. والشعر عمل إبـداعـي إنساني يـــعـــكـــس روح الـــخـــلـــق واإلضــــــافــــــة لدى الشاعر، ويمنح القدرة على التعبير من دون قيود أو حدود في الـرأي واملواقف اإلنسانية. كتابة الشعر عملية تجسد ما يدور في نفس الشاعر من خلجات يعبر فيها عـن تـجـارب تجلو مكامن ذكرياته وحرقات قلبه ومواجيد نفسه، وتكشف عن نفحات الحب والجمال. كان شاعرنا األمير، رحمه الله، إنسانًا فذًا يجمع في مخيلته أجمل العبارات املفعمة بالفرح ولني الكلمة وضـوء األقمار البعيدة، بحيث يدخل شعُره النفس من دون استئذان. البدر لديه مخزون ثقافي يجسد سعة اطالعه وجميل لغته التي تحمل بني ثناياها اإلدهاش واالبتكار واإلبداع. شــعــر الــبــدر مـمـيـز يــرتــقــي بــالــذائــقــة الــشــعــريــة بـالـنـفـس معًا، فقصيدة البدر لها طابعها الخاص، كما هي الحال في قصائد نزار قباني وسعيد عقل، فمجرد أن يلمح القارئ النص حتى يعرف فورًا أنه ينتمي إلى ذلك الشاعر، وهو األمر الذي يجعل سمو الـبـدر فـي مصاف كبار الـشـعـراء املـرمـوقـني الـذيـن أثروا األدب العربي، وأغنوا املشهد الثقافي بﺈشراقاتهم اإلبداعية املميزة شعرًا وعـطـاء وأصــالــة، فالشعر لغة الـجـمـال، وخمرة الفن، وسر النار. لقد استحوذ شاعرنا الـبـدر على الـذائـقـة الشعرية، ليس في اململكة والخليج وحــســب، بــل فــي الــوطــن الـعـربـي، وغنى كـبـار املـطـربـني قـصـائـده. إنــه فـعـال أيقونة الشعر السعودي فخرًا وعزًا
ومــــــــــجــــــــــدًا، وألجل ذلك عم الحزن وتساقط علينا في لحظة الغياب. قصائد البدر تهل علينا كاملطر مضاءة بأنوار األمل، فترسم البهجة في نفوسنا، وتنير كلماته دروبنا بالشغف، فأميرنا وإن غـيـبـه املــــوت، فـــﺈن إشـعـاعـاتـه الــبــدريــة ستظل معنا ومع األجيال القادمة دائمًا، وسنبقى في ضيافة شعره بعد رحيله، وسيواصل إرثه الجميل اإلشراق جيال بعد جيل. قصائد البدر تعبق بالسالم والسمو واملحبة، وتتشح بالروح الـوطـنـيـة، حيث تفاعل الجمهور الـسـعـودي مــع األوبريتات االفتتاحية للمهرجانات التي يكتبها البدر، حتى أصبحت قصيدة «فوق هام السحب» نشيدًا وطنيًا يذاع في املناسبات الـرسـمـيـة الـتـي تـقـام داخـــل اململكة وخــارجــهــا، وال أعــتــقــد أن أحـــــدًا يــســتــطــيــع أن يــعــارضــهــا أو يــضــاهــيــهــا بــمــثــل هــــذه الــنــبــرة الصادقة والبوح الصافي، وقد قال الكاتب والناقد الــســعــودي األســتــاذ محمد الـعـبـاس في ذلك «ما يميز البدر هو الجودة اﻵسرة لكتاباته الغنائية. فكلماته مزيج لغوي بـبـصـمـتـه ومـــزاجـــه الـــخـــاص لعناصر مفرداتية وشـعـوريـة وتخييلية تتشكل في نصوص فريدة وقوية يتردد صداها عــبــر عــــقــــود. فــهــو يــعــيــد تــعــريــف الكلمات االستعمالية من خالل إعادة موضعتها لتكتسب داللــــة أقــــوى وأوســــــع. وذلــــك فــي إطــــار تـوﻇـيـفـهـا خارج محدوديتها التقليدية املستهلكة. عبر استحداث ارتباطات سياقية لتوليد صور جديدة». لفد عرفت شاعرنا البدر أثناء فترة عملي سفيرًا في املغرب، وخــالل استقبالي لصاحب السمو امللكي أخيه األمير سعود عبد املحسن بن عبدالعزيز، الذي هو اﻵخر قامة وطنية شامخة وذو مناقبية عالية، فله منا أجل العزاء في فقيد الوطن الذي عرفته إنسانًا راقيًا متواضعًا بلغ أقصى درجات النبل، وكان لقاؤنا فرصة ال تقدر بثمن، حيث تبادلت األحاديث معه حول الشعر وعنفوان الكلمة، فهو حقًا رائد في التحديث واإلبداع، وقيمة إبداعية وثروة وطنية. وال ريــب فـي أن املشهد الثقافي الخليجي والـعـربـي قـد خيم عليه الـحـزن، السيما ونحن إزاء هـذه الفوضى الشعرية غير الخالقة أبـدًا. البدر صاحب قلم مبتكر أضـاء لنا الــدروب عبر إبداعاته في الفن وصناعة األصالة الشعرية. وهـذا ما يفسر حالة الفقدان الفادح التي شملت الوطن العربي، وعبرت عنها الصحف واملنابر اإلعالمية ووسائل التواصل االجتماعي التي آملها انطفاء الوهج لشاعر نادر. لــك الــرحــمــة الــواســعــة أيــهــا الــبــدر املــشــع دومًا،
ولشعرك الخلود والصهيل.
يﺒقﻰ ﻛالﺴراج يﻨﻴر الﻠﻴﻞ واﻷﺷواق، ﻻ يﻐﻴﺐ اﻷﻣﻴر الﺸاﻋر ولو ﻏاب الجﺴد