Okaz

«ديوان العرب» ﻳﻔﺘﺶ ﻋﻦ ﻇﺎهرة ﺷﻌرﻳة

بﻐيﺎب اﻟبدر ودروﻳﺶ وﻧﺰار وﻋبداﻟﺼبور واﻟﺜبيﺘﻲ

- علي الرباعي )الباحة( @Al_ARobai

منذ عقد من الزمان وأكثر، رحل نجوم وبـدور الشعر، لم تعد القصائد الشعرية التي ينام شعراؤها عن شواردها «ويسهر الخلق جراها ويختصموا» حاضرة؛ شــأن ّقصيدة محمود درويـــش، ونــزار قباني، وصــالح عبدالصبور، وأمــل دنقل، ومظفر الــنــواب، وبــدر بـن عبداملحسن، التي كــان يتناقلها ويحفظها الـعـرب من املحيط إلى الخليج.. ونستطلع هنا رأي مبدعني عن سبب غياب الظواهر الشعرية؛ هل هو غياب حقيقي؟ أم تغييب؟ وما أثر ذلك على مسيرة اإلبداع؟ يرى الناقد محمد الحرز أن الظواهر بمفهومها العام إذا ما تعلقت بالحياة والفكر والثقافة واألدب والعلم فنادرًا ما تنطفﺊ شمعتها وتختفي بطريقة أو بأخرى، إذا دامت الحياة مستمرة فالناس في حركة دائبة على جميع األصعدة واملستويات. وأوضح أنه لو اقتصرنا مفهوم (الظاهرة) على الشعر في ارتباطها، بشاعر محدد ذي أثــر كبير فـي فترة مـن فـتـرات تاريخية فهذا تالشى وانتهى مـع أفــول حقبة التسعينيات من القرن املنصرم. وأضاف: يمكن اإلشارة إلى مفهوم النجومية بدال من الظاهرة ألني أراها الكلمة األكثر مناسبة من كلمة الظاهرة، فالنجومية في املجال الشعري بالتأكيد تنطبق على نزار قباني كما تنطبق على محمود درويش والجواهري والبردوني وشوقي قبلهم، مع التفاوت في حجم النجومية وقيمتها من شاعر إلى آخر، الفتًا إلى تفتت فكرة النجومية في الفن واألدب والفكر، إذ لم يعد هناك ما نسميه باألوحد في فنه، كون النظام الجديد للحياة أدخلنا في حالة من الغليان والسرعة التي أصبحت معها فكرة النجومية فكرة (سيالة) ال تقبل التعيني والتحديد من فـرط قابلية الزمن في الحياة اليومية للسرعة الهائلة، مشيرًا إلى أنه بمجرد ما تلتفت يمنة أو يسرة، ترى أن النجم األوحد ما قبل هذا النظام تحول إلى نجوم ال تحصى في هذا النظام الجديد من الحضارة املعاصرة. فيما ذهـب الشاعر السماح عبدالله إلـى أن زمـن الظواهر الشعرية لم ينته، لكنه تبدل مثلما تبدل كل شــيء، تبدل شكل الظاهرة في الغناء فانحدرنا من محمد عبدالوهاب إلى حمو بيكا، وفي التمثيل انحدرنا من محمود ياسني إلى محمد رمضان، كذلك في الشعر، فأصبح هشام الجﺦ هو الظاهرة. وأوضـح أن القضية لها بعدان؛ األول اجتماعي متعلق باملزاج العام للمتلقي، إذ انقرضت الطبقة املتوسطة التي كانت تسيد ذوقها في الفن واألدب، وكانت كتب طه حسني والعقاد وأترابهما تطبع أكثر مـن 0٤ طبعة للكتاب الــواحــد، وفـرضـت الطبقات الطفيلية التي طـفـت عـلـى سـطـح املجتمع ذائـقـتـهـ­ا، فـظـهـرت أغــانــي املهرجانات، وكتاب مواقع التواصل االجتماعي، وشعراء الفيسبوك، وأصبح لهم دولة وحاشية وزبائن. والــبــعـ­ـد الــســيــ­اســي مـتـعـلـق بــرؤيــة الــنــظــ­ام الــحــاكـ­ـم لـــﻸدبـــ­اء، فالنظام الــســيــ­اســي فــي حــاجــة لــشــاعــ­ر بــــالط، والــشــاع­ــر فــي حــاجــة للمناصب والجوائز والفلوس، فيتربع الشاعر على كرسي املجد، وبمرور الوقت يصبح نجمًا وﻇـاهـرة، ويتكرر اسمه كثيرًا، والشاعر الرافﺾ يقصى، ما يصنع منه نجمًا وﻇاهرة، فالشاعر أمل دنقل كان ممنوعًا ولو من مجرد ذكر اسمه في األخبار األدبية التي تنشرها الجرائد، ودواوينه كانت تطبع في بيروت وتونس وطرابلس، وال تطبع في مصر، وهــذا التعتيم صنع منه نجومية كبيرة وأصبح ﻇاهرة، كذلك الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي قضى جل عمره في املعتقالت، خرج منها نجمًا واسمًا المعًا وﻇاهرة، ولعل األنظمة لم تعد تبدي اهتمامًا بـــاألدب واألدبــــ­ـاء، ال هــي احتضنت مـادحـيـهـ­ا فصنعت منهم نجومًا، وال حجبت غيرهم وحولتهم إلى ﻇواهر شعرية. وأضــاف: ال أريــد أن أناقش املستوى الفني للشاعر، فأنا أتحدث بمعزل عن التقييم األدبــي، ألنني أدرك أن فنية نــزار قباني ومحمود درويش وسواهما، ال غبار عليها على اإلطالق، لكنني أقصد العوامل املساعدة التي تسند وقوف الشاعر على منصته الشعرية، فال شك أن القضية الفلسطينية، مثال، ساندت كثيرًا من شعراء األرض املحتلة، إال أن هذه العوامل املساعدة، أو تلك الوسائط، اختلفت تمامًا باختالف الـذائـقـة الـتـي أصـبـح يتحكم فيها سائقو التكاتك، ورواد الفضاء األزرق. فيما يؤكد الشاعر نمر سعدي أنه أصبح لزامًا عليه أن يرد على حيرة القلب فـي مـا يفسر انهزامية الشعر وانتهاء ﻇـواهـره وغــروب شمسه عندنا وفــي أمـاكـن أخــرى مـن الـعـالـم. وعــد الكثير مـن األسئلة النازفة واملتعلقة باملصير الحتمي للشعر خصوصًا، ولﻺبداع عمومًا تلح عليه اليوم كما لم تلح بهذا الزخم وبهذه الحساسية في أي وقت مضى، كوننا نعيش على شفا مرحلة فاصلة في تاريﺦ البشر من انعدام مركزية الخطاب الحضاري، املتمثلة بــازدهــا­ر الـفـنـون واﻵداب وانـتـهـاء زمــن الـتـفـرد والـنـجـوم­ـيـة واألضواء، وفقدان الكلمة قيمتها العليا. وأضاف: أحيانًا أرجع التراجع في القيمة األدبية أو الفكرية عندنا، إلى فقر في تجاربنا الحياتية بالقياس إلى الغرب، أو إلى عقلية غــيــر مــتــحــر­رة بــعــد مــن قــيــود عــديــدة مـنـهـا الــديــنـ­ـيــة واألخالقية واالجتماعي­ة والنفسية. و يــرى أن لدينا مـواهـب ربما بحجم مـدهـش، ولكننا ال نملك أدبًا كأدب الغير وال أدباء مكرسني وناجحني في الوقت نفسه كهنري ميلر وماركيز وتوماس مـان وغيرهم لسبب بسيط فقط، ألنهم جعلوا من الحرية اإلنسانية قيمة عليا فوق كل القيم واالعتبارا­ت، وألن لغتهم مـمـتـزجـة إلـــى الـــقـــر­ار بــدمــاء تــجــاربـ­ـهــم الــحــيــ­اتــيــة، ومــتــقــ­اطــعــة مع خطوطها الكثيرة الطولية والعرضية كـل تقاطع، ومتماهية مــع ذواتــهــم إلــى الـنـهـايـ­ة، وال سلطة ألعـــراف وتــابــوه­ــات أو أخـالقـيـا­ت أو تقاليد مجتمع على أقـالمـهـم، فهنالك فقط إخالص للفن والتجربة، مشيرًا إلى أنه اعتقد كما يعتقد الــحــالـ­ـم أن الـشـعـر مــا زال املــلــك، أو كـمـا قـــال نــــزار قباني يوما عنه بأنه «ملك امللكات»، «وهـذا إحساس يصحبني وأحاول أن أخدع نفسي به»، ولكن الحقيقة الواقعية تقول إن الشعر لــم يعد ملكًا وال حتى صعلوكًا بــل أقــل مــن ذلك بـكـثـيـر. ولـــم تـعـد هـــذه املـهـنـة تـــرد عـلـى تـقـلـبـات روح العصر وسؤالها الوجودي الصعب. وأضـــــــ­اف: قـــادنـــ­ي إحــســاسـ­ـي بــهــذ الــــفـــ­ـراغ الــنــســ­بــي لــجــمــا­لــيــات الحياة وروحانيتها وشعوري بضحالة تجربتها وسطحيتها أن أطـرح على الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم ســـؤاال: إلــى مــاذا يحتاج الشاعر العربي اليوم لكي «يكون»؟ فأجاب: عليه أن تتوفر له ثالثة أسـبـاب أو عناصر مـهـمـة، العنصر األول هـو االسـتـعـد­اد النفسي السيكولوجي الــداعــي الــى تحفيز السليقة البدهية لــدى الشاعر للكتابة ومحاورة األشياء، واملوهبة الفطرية التي تولد معه وتنمو بالرعاية والقراءة والتثقيف وتصقلها األسفار وهي الشيء املحتفﻆ بفرادة اإلنسان وتميز طابعه، والعنصر الثاني الرهبنة الشعرية أو االنقطاع والتكرس للشعر واإلخالص له واإليمان بقيمته العليا وجعله فـوق كل اعتبار آخــر، والعنصر األخير التجربة الشخصية الحياتية بكل ما فيها من تقلبات ورغبات وبكل ما تحمل من جموح الحياة وتناقضاتها.

الﺸﻌر لﻢ يﻌد ﻣﻠﻜا وﻻ ﺣتﻰ ﺻﻌﻠوﻛا ﺑﻞ أﻗﻞ ﻣﻦ ذلﻚ ﺑﻜﺜﻴر

 ?? ??
 ?? ?? محمد الثبيتي
محمد الثبيتي
 ?? ?? السماح عبدالله
السماح عبدالله
 ?? ?? محمود درويﺶ
محمود درويﺶ
 ?? ?? نمر سعدي
نمر سعدي
 ?? ?? محمد الحرز
محمد الحرز
 ?? ?? نزار قباني
نزار قباني

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia