اﻟﻌرب ودولة اﻹنسان
اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺛﺮوات اﻟﺪول اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ، ﺻﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺮ اﻟﻤﻘﻮﻻت اﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ
تعددت األيديولوجيات واألفكار والمرجعيات المفاهيمية والفلسفية التي سادت في العالم العربي.. وتمكنت بعﻀها من الحكم وإدارة بعﺾ الدول العربية على أسﺲ ومبادئ تلﻚ األفكار واأليديولوجيات. فﺄصبحت في العالم العربي دول تتبنى النظرية المارﻛسية، وتعمل بﺈمكانات الدولة إلى تعميم الرؤية المارﻛسية وإخﻀاع ﻛل الشرائﺢ والفﺌات إلى تلﻚ الرؤية األيديولوجية. ﻛما تشكلت دول وفق النظرية القومية، حيﺚ عمل أصحاب هذه النظرية إلى تسيير شﺆون الدولة والمجتمﻊ وفق الرؤية والمعايير القومية. وتعددت في العالم العربي الدول التي تتبنى رؤية أيديولوجية، وعملت عـلـى إخــضــاع كــل مــؤســســات الــدولــة إلـــى الــرؤيــة األيــديــولــوجــيــة، التي تحملها وتتبناها النخب السياسية السائدة.. ودخلت هذه األيديولوجيات في حروب وصراعات مفتوحة، ولقد شهد العالم العربي وعبر فترات زمنية مختلفة تلك الصراعات والحروب؛ الــتــي عـمـل كــل طــرف عـلـى إثــبــات أيـديـولـوجـيـتـه ومـصـالـحـه بـعـيـدًا عن مصالح األمـة وأمـن املجتمعات العربية.. ومـع أن هـذه األيديولوجيات دخلت في حروب وصراعات دامية مع بعضها، إال أن بينها قــواســم أيــديــولــوجــيــة وســلــوكــيــة وســيــاســيــة واحــــدة.. ولــعــل مــن أهـــم الــقــواســم املــشــتــركــة بــني أصحاب األيديولوجيات التي سادت في العالم العربي، وسـيـطـرت بشكل أو بــﺂخــر إمــا عـلـى الدولة ومـــؤســـســـاتـــهـــا أو املــجــتــمــع ومؤسساته هــو أن أصــحــاب هــذه األيـديـولـوجـيـات ال يعتنون كثيرًا بحاجات اإلنسان العربي ومــتــطــلــبــاتــه األســــاســــيــــة. فـــكـــل الجهود واإلمـــــكـــــانـــــات تــــصــــرف بـــاتـــجـــاه تثبيت وتــعــمــيــم ونــشــر املـــقـــوالت األيديولوجية بـعـيـدًا عــن االهــتــمــام بــحــاجــات اإلنــســان أو اإلنصات إلى مطالبه ومطامحه.. لــذلــك فـــﺈن الـكـثـيـر مــن ثــــروات وإمــكــانــات الدول األيـــــديـــــولـــــوجـــــيـــــة، صـــــرفـــــت عــــلــــى نــــشــــر املـــــقـــــوالت األيـديـولـوجـيـة والــحــزبــيــة، وكـــأن نـشـر هــذه املــقــوالت هو الــهــدف األســمــى والــغــايــة الـعـلـيـا.. ووفـــق هــذا الـسـلـوك والــتــصــرف الذي مارسته الــدول األيديولوجية، كما مارسته الجماعات األيديولوجية، ضاعت حاجات اإلنـسـان فــردًا وجماعة، واضمحلت حقوقه األساسية، واعـتـبـر اإلنــســان كقيمة وحــقــوق وكــرامــة فــي أدنـــى سـلـم االهــتــمــام. وال نحتاج إلــى كثير عـنـاء إلثـبـات هــذه الحقيقة الناصعة فـي الكثير من الدول والتجارب. فيكفي أن تذهب إلى أي دولة أيديولوجية أو تقدمية في العالم العربي، الكتشاف هذه الحقيقة. حيث كل اإلمكانات تتجه إلى الشعارات وإثبات صحة املقوالت األيديولوجية والحزبية التي قامت عليها الــدولــة، بينما اإلنــســان فــي هــذه الـــدول يعيش الــعــوز والضنك والصعوبات الحياتية املختلفة.. فهذه التجارب والدول، تحارب وبشعارات ثورية وتقدمية حقوق اإلنسان، وتعمل على إبـقـاء مواطنيها يلهثون ليل نهار مـن أجــل لقمة العيش اليومية، لذلك فﺈن هذه الدول، لم تحقق أي إنجاز يذكر ملواطنيها، كما أنها لم تحقق وخالل سنوات طويلة من الحكم والسيطرة على مقاليد األمور والشعارات التي رفعتها، حينما وصلت إلى سدة الحكم. فـــالـــدول الــتــي رفــعــت شــعــار الـــوحـــدة لــم تـنـجـز إال املــزيــد مــن التجزئة والتشظي، والـــدول التي رفعت لــواء الـدفـاع عـن الطبقات املحرومة في املــجــتــمــع، أضــحــت هـــذه الــطــبــقــات هــي أولــــى ضــحــايــا هذه التجربة وهذه الدولة.. ويشير إلى هذه املسألة الدكتور (برهان غليون) بقوله: أزمـة الدولة أعمق إذن مما تبدو عليه عـادة وكأنها أزمـة نظام، إنها أزمـة فكرتها ذاتها. وتالشي روح الوالء للسلطة الوطنية واالنتساب للمشروع الذي كانت تقترحه على املجتمع نابع بالضبط من انكشاف عـجـز الـسـلـطـة هـــذه عــن إنـــجـــازه، أي عن خيانتها له، وليس بسبب تحققه. وهذا يعني أيضًا أنه نابع من تنامي االقتناع بأن هذا املشروع بالصورة التي تبلور فيها ال يمكن أن يشكل مدخال إلى التقدم اإلنساني. وهكذا، وفي أقل من عقدين، أصبحت القيم التي كــانــت تــغــذى لـــدى الـجـمـهـور الــواســع شعبية دولة التقدم وتثير حماسة لالنخراط فيها والتماهي معها، هــي نفسها القيم الـتـي تـدفـع الجمهور إلــى رفضها والتنكر لـهـا. لقد كان يكفي أن تظهر ال فاعلية البرنامج الوطني أو عيوبه، عروبيا كان هذا البرنامج أم قطريًا، حتى تفقد الدولة توازناتها املادية واملعنوية، وتـضـيـع هــي نفسها هـويـتـهـا وتـفـقـد مـقـدرتـهـا عـلـى اسـتـقـطـاب الوالء وتحقيق االندماج واإلجماع. فـــالـــدول األيــديــولــوجــيــة الــتــي اســتــخــدمــت كــل إمــكــانــات الـــدولـــة لتعميم أيـديـولـوجـيـتـهـا وقــهــر الــنــاس عــلــى خــيــاراتــهــا ومـتـبـنـيـاتـهـا السياسية والثقافية، هي ذاتها الدول التي أجهضت كل مشروعات التحرر الحقيقي والــخــروج مـن مــﺂزق الــراهــن. وهــذه الــدول بنمطها القروسطوي وعنفها وجبروتها وعسكرتها ملجتمعها، أجهضت الكثير من اﻵمال والتطلعات.
أﺻﺤﺎب أﻳدﻳوﻟوﺟيﺎت ﻻ ﻳﻌﺘنون ﻛﺜيرا بﺤﺎﺟﺎت اﻹﻧسﺎن اﻟﻌربﻲ ومﺘﻄلبﺎﺗﻪ
ﻫﺬا اﻟﻤﺸﺮوع ﺑﺎﻟﺼﻮرة اﻟﺘﻲ ﺗﺒﻠﻮر ﻓﻴﻬﺎ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﺸِّﻜﻞ ﻣﺪﺧًﻼ ﻟﻠﺘﻘﺪم اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ