Okaz

صدمة الجهاز العصبي للعالم

- حمود أبوطالب HABUTALIB@HOTMAIL.COM

من الطبيعي أن يكون الظام الرقمي الذي أصاب العالم قبل ثاثة أيام هو الحدث اإلعامي األبرز، لقد طغى على أهم األخبار ألن العالم دخل فجأة حـــالـــة شــلــل شــبــه تـــــام، تــعــطــل جـــهـــاز­ه العصبي الـــــذي يـــرســـل اإلشــــــ­ــارات لــكــل أعـــضـــا­ئـــه ويتحكم فــي حـركـاتـهـ­ا وسـكـنـاتـ­هـا، لــم يـعـد مـهـمـًا حينها أي حـــدث ســيــاســ­ي، نــســي الــنــاس بــايــدن وترمب وسخونة املشهد األمريكي، ولم يعد تهمهم حرب أوكرانيا وروسيا، كل األزمات السياسية تراجعت إلــى موقع متأخر فـي لحظة عندما حــدث الخلل التقني في شركة الحماية الرقمية العاملية «كراود سترايك» وأصبحت أنظمة التشغيل العاملية في مهب الريح. لم يعد مهمًا في تلك اللحظات الحرجة غير تشغيل العالم الـذي توقف، املطارات والبنوك والشركات الـضـخـمـة وأســـــوا­ق املــــال واملــصــا­نــع الــكــبــ­رى، أي شراين الحياة للبشر، كانت الهم األكبر خال ذلك االختبار الحرج، وال ننسى أنظمة األمن والدفاع الحساسة التي يمكن أن ينتج عن تعطلها كوارث في عالم مضطرب ومليء باملتهورين. كانت تلك اللحظات جديرة بالتفكير الجاد في سؤال مقلق: ما الذي يمكن أن يحدث للعالم عندما يرتهن كل ما فيه إلى أزرار تتحكم فيها شركات تقنية محدودة، يمكن أن تتعطل فجأة نتيجة خلل غير متوقع أو ربــمــا متعمد ألي ســبــب. تـخـيـلـوا هــذا الـعـالـم إذا أصـبـح صامتًا مظلمًا مـشـلـوال فــي لحظة بسبب التقنية التي اخترعها اإلنـسـان لتسهيل الحياة لتصبح في لحظة سببًا في تعطيلها تمامًا. إنــه شــيء مخيف عندما نتخيل السيناريوه­ات الـــتـــي يــمــكــن أن تـــحـــدث بــســبــب الـــتـــق­ـــدم العلمي والتقني، أو بمعنى أدق سوء استخدام هذا التقدم، أو فقدان السيطرة عليه ألي سبب، حتى لو لفترة قصيرة جــدًا. اخـتـرع اإلنـسـان اللقاحات املضادة لكثير من األمـراض الوبائية لكنه ما زال يحتفﻆ بـجـراثـيـ­مـهـا فــي مـخـتـبـرا­تـه لـلـتـهـدي­ـد بالحروب البيولوجية، واخـتـرع التقنية الرقمية لكن ظهر معها شبح الحروب السيبرانية، كل تقدم علمي له جانبان، أحدهما مشرق بحسن استخدامه واﻵخر مرعب بسوء توظيفه أو فقدان التحكم فيه، خذوا موضوع الذكاء االصطناعي كمثال، وكيف أصبح يمثل هاجسًا مقلقًا للبشرية رغم كل فوائده. إنه اإلنسان، إنها البشرية التي تصنع سعادتها ورفــاهــي­ــتــهــا بـــيـــد، وقـــــد تــصــنــع دمــــارهـ­ـــا باليد األخرى.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia