صدمة الجهاز العصبي للعالم
من الطبيعي أن يكون الظام الرقمي الذي أصاب العالم قبل ثاثة أيام هو الحدث اإلعامي األبرز، لقد طغى على أهم األخبار ألن العالم دخل فجأة حـــالـــة شــلــل شــبــه تـــــام، تــعــطــل جـــهـــازه العصبي الـــــذي يـــرســـل اإلشــــــــارات لــكــل أعـــضـــائـــه ويتحكم فــي حـركـاتـهـا وسـكـنـاتـهـا، لــم يـعـد مـهـمـًا حينها أي حـــدث ســيــاســي، نــســي الــنــاس بــايــدن وترمب وسخونة املشهد األمريكي، ولم يعد تهمهم حرب أوكرانيا وروسيا، كل األزمات السياسية تراجعت إلــى موقع متأخر فـي لحظة عندما حــدث الخلل التقني في شركة الحماية الرقمية العاملية «كراود سترايك» وأصبحت أنظمة التشغيل العاملية في مهب الريح. لم يعد مهمًا في تلك اللحظات الحرجة غير تشغيل العالم الـذي توقف، املطارات والبنوك والشركات الـضـخـمـة وأســـــواق املــــال واملــصــانــع الــكــبــرى، أي شراين الحياة للبشر، كانت الهم األكبر خال ذلك االختبار الحرج، وال ننسى أنظمة األمن والدفاع الحساسة التي يمكن أن ينتج عن تعطلها كوارث في عالم مضطرب ومليء باملتهورين. كانت تلك اللحظات جديرة بالتفكير الجاد في سؤال مقلق: ما الذي يمكن أن يحدث للعالم عندما يرتهن كل ما فيه إلى أزرار تتحكم فيها شركات تقنية محدودة، يمكن أن تتعطل فجأة نتيجة خلل غير متوقع أو ربــمــا متعمد ألي ســبــب. تـخـيـلـوا هــذا الـعـالـم إذا أصـبـح صامتًا مظلمًا مـشـلـوال فــي لحظة بسبب التقنية التي اخترعها اإلنـسـان لتسهيل الحياة لتصبح في لحظة سببًا في تعطيلها تمامًا. إنــه شــيء مخيف عندما نتخيل السيناريوهات الـــتـــي يــمــكــن أن تـــحـــدث بــســبــب الـــتـــقـــدم العلمي والتقني، أو بمعنى أدق سوء استخدام هذا التقدم، أو فقدان السيطرة عليه ألي سبب، حتى لو لفترة قصيرة جــدًا. اخـتـرع اإلنـسـان اللقاحات املضادة لكثير من األمـراض الوبائية لكنه ما زال يحتفﻆ بـجـراثـيـمـهـا فــي مـخـتـبـراتـه لـلـتـهـديـد بالحروب البيولوجية، واخـتـرع التقنية الرقمية لكن ظهر معها شبح الحروب السيبرانية، كل تقدم علمي له جانبان، أحدهما مشرق بحسن استخدامه واﻵخر مرعب بسوء توظيفه أو فقدان التحكم فيه، خذوا موضوع الذكاء االصطناعي كمثال، وكيف أصبح يمثل هاجسًا مقلقًا للبشرية رغم كل فوائده. إنه اإلنسان، إنها البشرية التي تصنع سعادتها ورفــاهــيــتــهــا بـــيـــد، وقـــــد تــصــنــع دمــــارهــــا باليد األخرى.