Okaz

الرهان الخاسر

- محمد مفتي @Prof_Mufti dr.mufti@acctecon.com كاتب سعودي

ما إن اندلعت أحداث السابع من أكتوبر العام 2023 حتى سارع بعض زعماء العالم إلى تقديم الدعم الامحدود إلسرائيل لدرجة فاقت كل التوقعات؛ حيث تـوافـد رؤســاء تلك الــدول إلــى إسرائيل معبرين عن تضامنهم الكامل مـع الشعب اإلسرائيلي لصد مـا أسـمـوه بالعدوان الهمجي الذي قامت به حماس. وكان الرئيس األمريكي جو بايدن أول الـــرؤســ­ـاء الــقــادم­ــن إلســـرائـ­ــيـــل، تـــاه رئــيــس الـــــوزر­اء البريطاني -آنــذاك- ريتشي سوناك، كما عبر الرئيس الفرنسي ماكرون عن دعم فرنسا إلسرائيل ووقوفها إلى جانبها في سبيل الحفاظ على أمنها وعلى حياة مواطنيها. من الصعب جدًا تصور أن توافد هؤالء الزعماء كــان دافـعـه هـو مـا قـامـت بـه حـمـاس، فالصراع بن الفلسطينين وإسرائيل قديم وممتد منذ عقود، ومن املؤكد أن ما قامت به حماس ال يقارن إطـاقـًا بما ارتكبته قــوات االحــتــا­ل اإلسرائيلي بــقــطــا­ع غــــزة ولــبــنــ­ان وأراضـــــ­ــي الــضــفــ­ة الغربية، فــاملــجـ­ـازر الــتــي ارتـكـبـتـ­هـا بـحـق الفلسطينين تفوق أضعافًا مضاعفة ما قـام به الفلسطينيو­ن أنفسهم خال أي حـرب بغية تحرير أراضيهم املحتلة، فـأعـداد القتلى بعد أحداث السابع من أكتوبر أوضحت أن إسرائيل ال تدافع عن نفسها فحسب كما يدعي مؤيدوها وداعـمـوهـ­ا، وإنـمـا تقوم بحرب إبــادة ممنهجة لتحويل قطاع غـزة إلـى ركــام وقتل عشرات األلــوف من الفلسطينين بدموية غير مسبوقة. لـقـد غــض هـــؤالء الـزعـمـاء الــطــرف عـمـا قـامـت به إسرائيل من همجية منقطعة النظير في قطاع غزة لدرجة أن شعوبهم انتفضت من هذا النفاق، كما وصــل األمــر ببعض السياسين إلــى تقديم استقالتهم حتى ال يصبحوا مشاركن في أي حكومة تؤيد علنًا ما تقوم به حكومة إسرائيل التي قتلت مــــن األبـــــر­يـــــاء مــــا يـــفـــوق كل وصـــــف، وبــخــســ­ة منقطعة الـــنـــظ­ـــيـــر بـــعـــد أن حولت أجـــزاء كـبـيـرة مــن غــزة إلى ركام وأنقاض، وقد شعرت الشعوب الغربية أن أموال الضرائب التي تقوم بدفعها ال يتم إنفاقها في ما يفترض أن تنفق فيه على مصلحة بادهم، بل تنفق على أسلحة وذخائر يتم استخدامها لقتل األبرياء وتدمير قطاع غزة عن بكرة أبيه. وفــي الـوقـت الــذي كانت فيه الحكومة اإلسرائيلي­ة تسعى للحصول على الـدعـم الـدولـي لتأييدها فـي مـا ترتكبه مـن جـرائـم فـي األراضي الفلسطينية وسط استنكار شعبي عارم في دول الشرق والغرب، كانت تقوم أيضًا باستخدام نفوذ اللوبي الصهيوني فـي الـخـارج ملمارسة الضغوط على الحكومات الـغـربـيـ­ة واملــؤســ­ســات الــدولــي­ــة املـعـنـيـ­ة بحقوق اإلنـــســ­ـان لـحـثـهـا عــلــى عـــدم إصـــــدار قــــــرار­ات من شــأنــهــ­ا إحـــــراج إســرائــي­ــل أو اتـــهـــا­م الحكومة الـصـهـيـو­نـيـة بــارتــكـ­ـاب جــرائــم إبادة ضد الشعب الفلسطيني األعزل، ومـــــــن املـــــؤك­ـــــد أنـــــــه لـــيـــس من بـــــاب املـــبـــ­الـــغـــة الــــقـــ­ـول بأن زعــمـــاء الـــواليـ­ــات املتحدة وبـــــريـ­ــــطـــــ­انـــــيــ­ـــا وفــــرنــ­ــســــا وغــــــيـ­ـــــرهـــ­ـــم قــــــــد وجــــــــ­ــدوا أنــــفـــ­ـســــهـــ­ـم فــــــي مواجهة شعوبهم بسبب تحيزهم األعـمـى للباطل ضـد الحق، ألســــبــ­ــاب ال تــخــفــى عـــلـــى أي متتبع سياسي؛ لعل أهمها هو إرضـاء اللوبي الصهيوني املنتشر في تلك الـدول للحفاظ على تفوق أحزابهم من أجل الفوز بواليات رئاسية قادمة. لكن يبدو أن لعنة إسرائيل الحقت هؤالء الزعماء، وهو ما يتضح جليًا مـن خــال تتبع املــؤشــر­ات االنتخابية فـي تلك الـــدول، ففي بريطانيا انخفضت شعبية حــزب املحافظن ألســبــاب عـديــدة بالطبع داخلية وأخرى خارجية أدت إلى خروج الحزب من رئاسة الوزراء واعتاء حزب العمال سدة الحكم بعد قرابة أربعة عشر عامًا من هيمنة املحافظن، وفي الواليات املتحدة أوضحت استطاعات الـرأي انخفاض شعبية بايدن لدرجة أشعرت الحزب الديمقراطي الحاكم بالقلق من هزيمة تبدو مؤشراتها واضحة، وهو ما دفع البعض ملطالبة بايدن بالتخلي عـن رئـاسـة الـحـزب فـي االنتخابات الـقـادمـة، ولــم يكن حﻆ الرئيس الفرنسي مـاكـرون بأفضل منهما كثيرًا، فقد أثبتت االنتخابات البرملانية انخفاض شعبيته إلى الـحـد الـــذي دفــع الكثير مــن معارضيه للمطالبة باستقالة رئيس وزرائه. لـقـد أعـلـن وزيـــر الـخـارجـي­ـة الـبـريـطـ­انـي الجديد ديفيد المي أن حزبه ملتزم باالعتراف بالدولة الفلسطينية، وال تملك أي دولة حق النقض على اعــتــراف اململكة املـتـحـدة هــذا، وأوضـــح المــي أن رأيه هذا منبثق عن اعتقاده أن هذا االعتراف هو الطريق الوحيد لتحقيق السام في الشرق األوسط، ومـــن املــؤكــد أن مــثــل هـــذا الـتـغـيـر الــرســمـ­ـي فــي موقف اململكة املـتـحـدة الـتـي تعد واحـــدة مـن أهــم الـداعـمـن لدولة إسرائيل قديمًا وحديثًا يؤكد إدراك قادة العالم على أنهم راهنوا على الحصان الخاسر، وأن وقوفهم مع املعتدي وتنكرهم ألبسط مبادئ اإلنسانية لن يحقق لهم حلم االستمرار في السلطة، فالرهان الحقيقي الوحيد واملضمون هو الوقوف في صف الحق ضد الباطل.

ﻣﺎ ﻗﺎﻣﺖ ﺑﻪ إﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻓﻲ ﻗﻄﺎع ﻏﺰة ﻫﻤﺠﻴﺔ ﻣﻨﻘﻄﻌﺔ اﻟﻨﻈﻴﺮ

اﻟﺮﻫﺎن اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ اﻟﻤﻀﻤﻮن ﻫﻮ اﻟﻮﻗﻮف ﻓﻲ ﺻﻒ اﻟﺤﻖ ﺿﺪ اﻟﺒﺎﻃﻞ

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia