Okaz

«اليابان وكوريا.. الضعف الﺬي وّلد قوة!»

- حسين شبكشي HASHOBOKSH­I@GMAIL.COM كاتب سعودي

هناك قاعدة ذهبية في تأهيل القيادات الـتـنـفـي­ـذيـة الـعـلـيـا يـتـم تـرسـيـخـه­ـا عند بـدايـات اإلعــداد والتأهيل، وهـي أهمية تحويل حـالـة النقم والـغـيـرة والغضب من املنافس لك إلى طاقة إبداعية ملهمة وخاقة كفيلة بأن تكون شرارة داخلية تـــولـــد طـــاقـــة جـــبـــار­ة تــجــعــل­ــك تتخطى املنافس وتهزمه بنفس أدواته. وهــذا التوصيف ينطبق إلــى حـد كبير جدًا على الحالة التنافسية الشرسة بن الــيــابـ­ـان وكــوريــا الـجـنـوبـ­يـة. فالتاريخ املـــشـــ­تـــرك بــــن الـــبـــل­ـــديـــن أقـــــل مــــا يمكن وصـــفـــه بــــه هــــو كـــونـــه تـــاريـــ­خـــًا دمويًا وعــنــيــ­فــًا وعـــدوانـ­ــيـــًا ومــهــيــ­نــًا. اليابان احـتـلـت واســتــعـ­ـمــرت كــوريــا لـفـتـرة غير بسيطة من الزمن عاملت فيها رجالها بمنتهى االحتقار وجعلت مـن نسائها بـــنـــات مــتــعــة، فــــي إذالل غــيــر مسبوق لنسوة شعب بأكمله. هذا التعامل جعل الــكــوري نـاقـمـًا وحــاقــدًا عـلـى كــل مــا هو ياباني، ولكن هـذا الشعور الغاضب لم يوقف الصعود الصاروخي لاقتصاد الياباني منذ حقبة الستينات امليادية حتى اليوم، بينما كان االقتصاد الكوري هــشــًا وضــعــيــ­فــًا ومــشــتــ­تــًا ويــصــنــ­ف في خانات ضعيفة متخلفًا عن دول عربية مثل مصر وسورية. ومــــنـــ­ـذ بــــدايــ­ــة الـــثـــم­ـــانـــيـ­ــنـــات امليادية حـــصـــل الـــتـــح­ـــول الـــهـــا­ئـــل واالســـــ­تـــــدارة الــكــبــ­رى فــي كــوريــا الــجــنــ­وبــيــة، وبدأت فــي تـطـبـيـق ســيــاســ­ات طـمـوحـة ومهمة لـــتـــقـ­ــويـــة االقـــــت­ـــــصــــ­ـاد الــــوطــ­ــنــــي ودعـــــم الــشــركـ­ـات الـخـاصـة فـيـه، وحقيقة األمر أن مــا حــصــل لـــم يــكــن ســـوى استنساخ لــلــتــج­ــربــة الـــيـــا­بـــانـــي­ـــة. اهـــتـــم­ـــت كوريا الــجــنــ­وبــيــة بــحــمــا­يــة الــشــركـ­ـات الكبرى مثل سامسونج، وإل جي (كانت تعرف وقتها باسم جولد سـتـار)، وهيونداي، ودايـــو، ولـوتـي، وعـرفـت هــذه املجموعة مــن الــشــركـ­ـات بــاســم «الــشــيــ­بــول»، وهذا اسـتـنـسـا­خ تــام لنفس الـفـكـرة اليابانية والتي استحدثت قديمًا لحماية الشركات الكبرى مثل سوميتومو، وماروبيني، ومــيــتــ­ســوبــيــ­شــي، وســــي ايــــتـــ­ـوه، والتي عرفت باسم «الساجو شوشا». وكانت الشركات الكورية تقلد الشركات الـيـابـان­ـيـة تـمـامـًا، فــ«سـامـسـونـ­ج» و«إل جــــي» كــانــتــ­ا تــــطــــ­اردان شــركــتــ­ي سوني وباناسونيك في التصاميم واملواصفات تــمــامــًا كــمــا كـــانـــت تــفــعــل «هيونداي» و«كــــيــــ­ا» فـــي مــاحــقــ­ة «تــــويـــ­ـوتــــا». ولم تـقـتـصـر روح الـتـقـلـي­ـد الـتـنـافـ­سـي على القطاع الصناعي فحسب، ولكنه توسع ليشمل قطاعات أخــرى تدخل معظمها فيما يمكن تسميته بالقوى الناعمة. فكما روجــت الـيـابـان لرياضتي الدفاع عــن الـنـفـس الــجــودو والــكــار­اتــيــه قامت كـــوريـــ­ا الــجــنــ­وبــيــة بــعــمــل نــفــس الشيء بترويجها للتايكوندو. ونشرت اليابان منتجات مطبخها الشهير مثل السوشي، والساشيمي، والـتـامـب­ـورا، والهاباشي، ولم يفت على كوريا الجنوبية أن تنشر أهم منتجات مطبخها هي األخرى مثل الكيمشي، والشواء الكوري. واهـــتـــ­مـــت الـــيـــا­بـــان بــتــصــد­يــر أفامها والــــرسـ­ـــومــــا­ت املـــتـــ­حـــركـــة مـــثـــل املانجا واإليـــمـ­ــي لـتـقـوم كــوريــا الـجـنـوبـ­يـة برد أعـنـف فتتفوق بمسلساتها وأفامها ومـوسـيـقـ­اهـا الـتـي بـاتـت غــازيــة للعالم وتـعـرف اﻵن باسم كـي بــوب، نسبة إلى كـــوريـــ­ا. لــيــس بـــالـــض­ـــرورة أن نــقــول إن كوريا الجنوبية هزمت اليابان وتفوقت عليها، ألن االقـتـصـا­د الياباني ال يزال أكـــبـــر وأهـــــــ­م، ولـــكـــن الـــعـــب­ـــرة األهــــــ­م هي الكيفية التي استطاعت كوريا الجنوبية فيها توظيف الطاقة السلبية التي كانت لديها تجاه الـيـابـان لتولد فيها روحًا فعالة ومؤثرة، وهذا في حد ذاته نجاح كبير.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia