«اليابان وكوريا.. الضعف الﺬي وّلد قوة!»
هناك قاعدة ذهبية في تأهيل القيادات الـتـنـفـيـذيـة الـعـلـيـا يـتـم تـرسـيـخـهـا عند بـدايـات اإلعــداد والتأهيل، وهـي أهمية تحويل حـالـة النقم والـغـيـرة والغضب من املنافس لك إلى طاقة إبداعية ملهمة وخاقة كفيلة بأن تكون شرارة داخلية تـــولـــد طـــاقـــة جـــبـــارة تــجــعــلــك تتخطى املنافس وتهزمه بنفس أدواته. وهــذا التوصيف ينطبق إلــى حـد كبير جدًا على الحالة التنافسية الشرسة بن الــيــابــان وكــوريــا الـجـنـوبـيـة. فالتاريخ املـــشـــتـــرك بــــن الـــبـــلـــديـــن أقـــــل مــــا يمكن وصـــفـــه بــــه هــــو كـــونـــه تـــاريـــخـــًا دمويًا وعــنــيــفــًا وعـــدوانـــيـــًا ومــهــيــنــًا. اليابان احـتـلـت واســتــعــمــرت كــوريــا لـفـتـرة غير بسيطة من الزمن عاملت فيها رجالها بمنتهى االحتقار وجعلت مـن نسائها بـــنـــات مــتــعــة، فــــي إذالل غــيــر مسبوق لنسوة شعب بأكمله. هذا التعامل جعل الــكــوري نـاقـمـًا وحــاقــدًا عـلـى كــل مــا هو ياباني، ولكن هـذا الشعور الغاضب لم يوقف الصعود الصاروخي لاقتصاد الياباني منذ حقبة الستينات امليادية حتى اليوم، بينما كان االقتصاد الكوري هــشــًا وضــعــيــفــًا ومــشــتــتــًا ويــصــنــف في خانات ضعيفة متخلفًا عن دول عربية مثل مصر وسورية. ومــــنــــذ بــــدايــــة الـــثـــمـــانـــيـــنـــات امليادية حـــصـــل الـــتـــحـــول الـــهـــائـــل واالســـــتـــــدارة الــكــبــرى فــي كــوريــا الــجــنــوبــيــة، وبدأت فــي تـطـبـيـق ســيــاســات طـمـوحـة ومهمة لـــتـــقـــويـــة االقـــــتـــــصـــــاد الــــوطــــنــــي ودعـــــم الــشــركــات الـخـاصـة فـيـه، وحقيقة األمر أن مــا حــصــل لـــم يــكــن ســـوى استنساخ لــلــتــجــربــة الـــيـــابـــانـــيـــة. اهـــتـــمـــت كوريا الــجــنــوبــيــة بــحــمــايــة الــشــركــات الكبرى مثل سامسونج، وإل جي (كانت تعرف وقتها باسم جولد سـتـار)، وهيونداي، ودايـــو، ولـوتـي، وعـرفـت هــذه املجموعة مــن الــشــركــات بــاســم «الــشــيــبــول»، وهذا اسـتـنـسـاخ تــام لنفس الـفـكـرة اليابانية والتي استحدثت قديمًا لحماية الشركات الكبرى مثل سوميتومو، وماروبيني، ومــيــتــســوبــيــشــي، وســــي ايــــتــــوه، والتي عرفت باسم «الساجو شوشا». وكانت الشركات الكورية تقلد الشركات الـيـابـانـيـة تـمـامـًا، فــ«سـامـسـونـج» و«إل جــــي» كــانــتــا تــــطــــاردان شــركــتــي سوني وباناسونيك في التصاميم واملواصفات تــمــامــًا كــمــا كـــانـــت تــفــعــل «هيونداي» و«كــــيــــا» فـــي مــاحــقــة «تــــويــــوتــــا». ولم تـقـتـصـر روح الـتـقـلـيـد الـتـنـافـسـي على القطاع الصناعي فحسب، ولكنه توسع ليشمل قطاعات أخــرى تدخل معظمها فيما يمكن تسميته بالقوى الناعمة. فكما روجــت الـيـابـان لرياضتي الدفاع عــن الـنـفـس الــجــودو والــكــاراتــيــه قامت كـــوريـــا الــجــنــوبــيــة بــعــمــل نــفــس الشيء بترويجها للتايكوندو. ونشرت اليابان منتجات مطبخها الشهير مثل السوشي، والساشيمي، والـتـامـبـورا، والهاباشي، ولم يفت على كوريا الجنوبية أن تنشر أهم منتجات مطبخها هي األخرى مثل الكيمشي، والشواء الكوري. واهـــتـــمـــت الـــيـــابـــان بــتــصــديــر أفامها والــــرســــومــــات املـــتـــحـــركـــة مـــثـــل املانجا واإليـــمـــي لـتـقـوم كــوريــا الـجـنـوبـيـة برد أعـنـف فتتفوق بمسلساتها وأفامها ومـوسـيـقـاهـا الـتـي بـاتـت غــازيــة للعالم وتـعـرف اﻵن باسم كـي بــوب، نسبة إلى كـــوريـــا. لــيــس بـــالـــضـــرورة أن نــقــول إن كوريا الجنوبية هزمت اليابان وتفوقت عليها، ألن االقـتـصـاد الياباني ال يزال أكـــبـــر وأهـــــــم، ولـــكـــن الـــعـــبـــرة األهــــــم هي الكيفية التي استطاعت كوريا الجنوبية فيها توظيف الطاقة السلبية التي كانت لديها تجاه الـيـابـان لتولد فيها روحًا فعالة ومؤثرة، وهذا في حد ذاته نجاح كبير.