الفصول الدراسية الثالثة.. ما الجدوى؟!
أيام معدودات وينطلق العام الدراسي الجديد في ٨1 أغسطس املقبل، بعد أن حسمت وزارة التعليم أمـرهـا باالستمرار فـي نظام الفصول الـدراسـيـة الثاثة، قاطعة بذلك الطريق على الشائعات والتخرصات التي ذهبت إلى القول بعودة نظام التعليم إلى سابق عهده مع الفصلن الدراسين، تبعا لحاالت الشكوى والتذمر من األسر، ووالة األمور وقطاعات عديدة من املجتمع، ذهب بعضهم إلى التأكيد املطلق بفشل النظام الجديد، وعدم جدواه وتحقيقه للغرض املأمول منه. ومــع يقيني الـتـام بــأن املـسـؤولـن عـن التعليم فـي وطننا على قــدر عــال مـن التأهيل والتدريب واملكانة التربوية التي تخولهم اختيار أفضل النظم التعليمية التي تحقق الـغـايـات املـنـشـودة، واملستهدفات املطلوبة لوطننا فـي ظـل رؤيــة ،2030 الـهـادفـة إال أن اإلصغاء إلى األطــراف األخــرى -وهـي أطــراف أصيلة في العملية التعليمية- يبدو ضروريا ومهما لبلوغ املرامي املنتظرة، واألهداف املرجوة. وحتى ال يكون األمــر ضـربـا مـن األمـنـيـات، وانسياقا نحو الـرغـبـات الشخصية غير املسنودة؛ علينا املوازنة املنطقية بن مرامي نظام التعليم الثاثي الجديد، وما كان قبله، فما ال شك فيه أن الوجه اإليجابي لهذا النظام يتمثل في كونه مرنا يتيح للطاب فرصة تحسن املعدل التراكمي، واألداء العام، كما أنه نظريا يفك الضغط عن الطاب واملعلمن بتوزيع املقرر الـدراسـي على مـدى زمني أطــول، بما يقلل اإلرهــاق الذهني والعصبي، ويتيح الفرصة لـزيـادة وتـنـوع املــقــررات الـدراسـيـة، ويجعل مـن السهولة امتصاصها وحسن تلقيها، برجاء الـوصـول إلـى تحصيل أكاديمي مثمر وذي نفع وجـــدوى، آخـذيـن فـي االعتبار أيـضـا مـا يتخلل هــذا النظام مـن إجـــازات متقطعة من شأنها أن تمنح الطاب فرصة لتجديد نشاطهم والعودة للدراسة بذهن صاف، حسب املتوقع. غير أننا في املقابل نجد أن نظام الفصول الدراسية كان له أثر سالب ومباشر على األسر واملعلمن واملثابات التعليمية، ولـم يحقق الغايات املنشودة منه بالصورة املثالية املطروحة، فمثل هذا النظام عبئا واضحا على األسر سواء على املستوى املادي، بزيادة املصروفات، أو على النفسي بفتور الهمة واإلحساس بامللل وعدم الرغبة، واستعجال نهاية العام بأي شكل من األشكال، وبدا ذلك جليا في كثرة الغياب عن الحضور، وعدم انتظام الجدول الدراسي بحيث ال يخلو يوم دراسي عن حصة أو حصتن با تدريس أو أنشطة، مما يزيد من عوامل الفوضى واالضـطـراب بن الطاب، خاصة في سني املراهقة وفتوة الصبيان، كما أن زيادة املدى الزمني للدراسة زاد من الضغط األكاديمي. وبالنسبة للمعلمن، تقلصت مدة اإلجـازة، واختل بذلك جدول حياتهم اليومي، كما أن اإلجازات القصيرة التي تتخلل هذا النظام لم تسهم في رفع معدل النشاط، بقدر ما أسهمت في اختال الساعات البيولوجية لدى الطاب واملعلمن واألسر، ونتيجة ذلك واضحة في جداول الحضور والغياب في املدارس ودور التعليم املختلفة. وإذا ما وسعنا دائـرة النظر في آثار نظام الفصول الدراسية الثاثة، فأول ما نلمسه هـو امــتــداد أثــر الــزحــام املـــروري على الـطـرقـات على مــدى أشـهـر تـقـارب الـعـشـرة، وما يتبع الزحام املـروري من أثر بيئي، وحـوادث وآثار نفسية عديدة، كما أن هذا النظام لم يحقق الغاية املـرجـوة من تنشيط السياحة الداخلية، بوصفها أحـد املستهدفات الكبيرة في رؤية اململكة ،2030 فقصر اإلجــازات، مع عوامل أخرى مرتبطة بصناعة
مثل النﻈام عبئا واضحا على األسر سواء على المستوى المادي، بزيادة المصروفات، أو على النفسي بفتور الهمة واإلحساس بالملل وعدم الرغبة
السياحة عندنا، بقدر ما قيدت حركة السفر إلى الخارج، وحدت من رحات السياحة الخارجية سابقا، لكنها لم تتح الفرصة الكافية للتمدد في السياحة الداخلية بالشكل املطلوب واملنتظر، خاصة وأننا نعيش فترة ذهبية زاهية من حياتنا بما تقوم به هيئة الترفيه من برنامج ومواسم ترفيهية في أرجاء الوطن تتعارض مع هذه الفصول الثاثة الدراسية. والحال كذلك، وددت لو أشركت وزارة التعليم األسر والطاب، وكل من له أي صلة بأي صور من الصور في مخرجات ومسيرة العملية التعليمية، لتخرج بتصور متكامل عن جدوى أي نظام تتبعه، فليس بكاف أن يكون نظام الفصول الدراسية الثاثة قد حقق نجاحه في بيئات بعينها، مثل أملانيا، سنغافورة، واململكة املتحدة، والبرتغال، وكوريا الجنوبية، وغيرها، فلكل بيئة ظروفها، ومستهدفاتها، فلو أن الوزارة عندنا مثا قامت بتجريب هذا النظام في نطاق محدود أوال، وراقبت مخرجاته، واستيقنت من جــدواه، ومن ثم عممت التجربة لكان ذلك أوفـق وأجـدى من العودة بعد التجربة إلتـاحـة خـيـار املفاضلة لبعض الجامعات بـن النظامن؛ الثنائي أو الـثـاثـي، وفق مرئياتها، فطاملا تركت األمـر للجامعات لتقرير ما تشاء، فذلك يعني عدم املوثوقية املطلقة بمخرجات النظام الجديد. وتماشيا مع الوضع القائم، وحقيقة أننا مقبلون على عـام دراســي ثاثي الفصول، فمن املهم تافي السلبيات السابقة، والعمل ما أمكن من أجل تطوير املناهج الدراسية لتتناسب مع هذا النظام، مع ضرورة زيادة األنشطة غير الصفية لرفع معدل النشاط وتقليل حـاالت امللل، مع التركيز على تنمية املـهـارات، واعتماد الـدراسـة عن بعد في بعض املـواد بما يقلل من الحضور الصفي، وينوع خيارات الطاب، ويرفع الضغط عن املعلمن. كل أمنياتي لطابنا بعام دراسي ممتع؛ حافل بالجهد املثمر، والتحصيل األكاديمي املفيد.