محمد العلي البسام..
الﺸرﻳﻚ المﺆسﺲ لـ «ﺷمﺎغ الﺒﺴﺎم»
تــعــتــبــر عـــائـــلـــة البسام النجدية التميمية التي حـمـلـت هـــذا االســـم نسبة إلــى جدها األكـبـر «بسام بــــن عــقــبــة بــــن ريـــــس بن زاخــــــــــــر»، الـــــــــذي ينتهي نـسـبـه إلـــى نـــزار بــن معد بــــن عـــــدنـــــان، مــــن األســـــــر العريقة كثيرة الذكر في الصكوك واألوراق والـــوصـــايـــا واملـــؤلـــفـــات الخاصة بــتــاريــخ الـخـلـيـج وشــبــه الجزيرة العربية ألســبــاب عـــدة، لعل أولها حـــرصـــهـــا عـــلـــى تــعــلــيــم أبنائها وبناتها، ما جعلهم متميزين عن أقــرانــهــم فــي أزمـــــان لــم يــكــن فيها الـــكـــثـــيـــرون يـــكـــتـــرثـــون بالتعليم والــــعــــلــــوم واملـــــــعـــــــارف، وثانيها امــتــهــانــهــم ملــهــن راقـــيـــة كالقضاء والــــتــــجــــارة والـــــــزراعـــــــة، وثالثها اتـــصـــافـــهـــم بــــالــــصــــدق واألمـــــانـــــة فـي أنشطتهم ومعاماتهم وتسامحهم إزاء اﻵخـريـن وحبهم للخير ومساعدة الناس، ورابعها مصاهراتهم الكثيرة مع العائات السعودية والخليجية الـكـريـمـة، وخامسها عـامـل مهم هـو عشقهم للمغامرات واألسفار التي قادتهم من موطنهم في مدينة عنيزة القصيمية إلى بــاد بعيدة طلبًا لـلـرزق وتحسن أحـوالـهـم املعيشية، فانتشروا في عموم دول الخليج والعراق وباد الشام وصوال إلى كلكتا وبومباي في الهند منذ منتصف القرن التاسع عشر، قاطعن املسافات الطويلة على ظهور اإلبل أو السفن الشراعية وسط ظروف صعبة، غير آبهن بمخاطر ومشاق الطريق، فكان أن أطلق البعض عليهم لقب «الطيور املهاجرة» كناية عن كثرة هجراتهم. بـــرز مــن هـــذه األســــرة الـكـريـمـة الــعــديــد مــن الـشـخـصـيـات فــي مختلف املجاالت، والكثير من األسماء التي نجحت في تأسيس نفوذ تجاري واجتماعي لنفسها داخل وطنها السعودي وفي باد املهجر فدخلت التاريخ من أوسع أبوابه. ومنهم عدد سافر إلى الهند البريطانية حيث استقر وعمل في التجارة وكـون أسـرًا وأنجب البنن والبنات وأسس عــاقــات وروابـــط مــع علية الــقــوم. مــن هــؤالء الــذيــن اسـتـوطـنـوا الهند
وذاع صيتهم هناك في أوساط العرب والهنود على حد سواء: عبدالله عبداملحسن عـبـدالـرحـمـن حـمـد الـبـسـام وأبــنــاؤه محمد وعبدالعزيز وعبداملحسن وعمهم محمد عبداملحسن عبدالرحمن البسام وحمد السليمان البسام في كلكتا، وفي بومباي برز حمد محمد عبدالعزيز حمد البسام وأخـــوه عبدالعزيز محمد عبدالعزيز حمد البسام وأبـنـاؤه عبدالله وعبدالرحمن وسليمان وحفيده حمد عبدالله البسام، الذي أمضى في بومباي نحو أربعن عامًا ممارسًا التجارة مع أبيه ودارسًا العلوم الطبية في كلية امللك إدوار السابع إلى أن تخرج طبيبًا ودخل التاريخ كأول طبيب سعودي من نجد. غير أن حديثنا في هذه املادة سيكون محوره شخصيتن أخرين مـن آل البسام فـي الهند هما محمد بـن علي بـن عبدالله الحمد السليمان الـحـمـد الـبـسـام، الـــذي تقاطعت سـيـرتـه مــع سـيـرة عمه صالح بن عبدالله الحمد السليمان الحمد البسام. وهـذا األخير ولد في عنيزة سنة 1٨62 وهاجر منها إلى بومباي سنة 7٨٨1 وهو في الخامسة والعشرين من عمره، فعمل هناك في استيراد وبـيـع الـتـمـور والــذهــب وتـصـديـر الـحـرايـر واألقــطــان وغـيـرهـا من السلع هندية املنشأ، فازدهرت تجارته وتوسعت في العقد الثالث من القرن العشرين، خصوصًا بعدما حصل على وكالة «الشماغ األحمر»، التي عرفت مذاك بوكالة «شماغ البسام». لكن الرجل ترك الهند قبل قيام الحرب العاملية الثانية وانتقل لإلقامة في البصرة عند أبناء عمومته من آل البسام الذين سبقوه إلى هناك، ليتوفى على أرض العراق في عام .1942 وهكذا آلت تجارة شماغ البسام في الهند إلى ابن أخيه محمد العلي البسام وإلى ولديه عبدالله صــالــح الــبــســام وعـبـدالـعـزيـز صــالــح الــبــســام، فــقــام مـحـمـد العلي البسام بتطوير شماغ البسام، إلى درجة صار ال يذكر فيها الشماغ إال ويذكر اسم البسام أو العكس. والحقيقة أن صالح البسام وقـت قدومه إلـى بومباي كـان فقيرًا، لكنه اجتهد وكافح في سبيل لقمة العيش من خـال العمل لدى أقـاربـه مـن آل البسام فـي الهند، حيث التحق بالعمل فـي املكتب التجاري للتاجر حمد بن محمد بن عبدالعزيز البسام، الذي كان قد قدم من عنيزة الى بومباي في 1٨64 وهو في السادسة عشرة من عمره وعمل لدى إحـدى األسـر النجدية املقيمة هناك قبل أن يستقل ويفتح مكتبه الخاص لتصدير الشاي والحبوب والتوابل والبهارات إلى نجد والكويت والبحرين والبصرة، وبعد أن تعلم صالح البسام أسـرار التجارة وادخـر بعض املـال من نشاطه، قرر أن يستقيل من عمله ويؤسس لنفسه تجارته الخاصة في تصدير املواد الغذائية. وشيئًا فشيئًا استطاع أن يتوسع بمعاونة قريبه وساعده األيمن سليمان عبدالله البسام. وحينما قرر األخير ترك الهند إلـى البصرة، استدعى صالح البسام إلـى الهند من عنيزة ابن أخيه محمد العلي البسام (املترجم له) كي يعينه في أعماله.
وحــرصــًا مــنــه عــلــى استمرارية وتـــطـــور أعــمــالــه أســــس مـــع ابن أخيه محمد العلي البسام شركة تـــجـــاريـــة تــحــت اســـــم «مؤسسة صالح عبدالله البسام وشركاه» اتخذت من عمارة بـدري بشارع نـــــاجـــــديـــــفـــــي فـــــــي حـــــــي الـــــعـــــرب ببومباي مقرًا لها. في عام 192٨ حصلت املؤسسة على وكــالــة الـشـمـاغ األحــمــر من مصنعيه اإلنجليز، فكانت تلك خطوة نحو تعزيز مكانتها، ثم تـــعـــززت مـكـانـتـهـا أكــثــر حينما قــامــت بــشــراء كــامــل املـصـنـع في بــريــطــانــيــا. وبــعــد وفــــاة صالح البسام فـي البصرة عــام ،1942 كـمـا أسـلـفـنـا، قــرر محمد العلي الــبــســام إعــــادة تـأسـيـس الشركة كــي تـضـم ورثـــة الــراحــل (ولديه عـبـدالـلـه وعــبــدالــعــزيــز). غـيـر أن الـشـراكـة انفضت بعد مــدة ليقوم عبدالله صالح البسام وأخوه عبدالعزيز بتأسيس شركتهما الخاصة املستقلة عن محمد العلي الـبـسـام. ورغــم هــذا االنـفـصـال الــذي حــدث فـي وقــت تـراجـعـت فيه األحوال التجارية في عموم الهند بعيد استقالها عن بريطانيا العظمى، فﺈن شركاتهم ومكاتبهم ظلت تعمل حتى .2016 ذكرت الزميلة الباحثة حصة عوض الحربي في الصفحة 226 من كتابها التوثيقي القيم عن العاقات الكويتية الهندية في الفترة من 1٨96 إلى ،1965 أن عبدالله صالح البسام ظل يتنقل ما بن بومباي والكويت إلى أن توفي باألخيرة سنة ،2011 بينما راح شقيقه عبدالعزيز صالح البسام يتنقل ما بن بومباي ولندن إلى أن توفي سنة .2003 أما محمد العلي البسام فقد أثرى كثيرًا وظل مقيمًا في الهند مع زوجته «موضي بنت إبراهيم البسام» وأبنائه عـلـي وبــســام وخــالــد ومــضــاوي ونـــورة ولــولــوة وفـاطـمـة وفريدة وفـوزيـة حتى وفاته رحمه الله في بومباي في أكتوبر من سنة 4٨91، ودفنه هناك في املقبرة اإلسامية التي يوجد فيها أيضا قبر زوجته موضي إبراهيم وقبر ابنه خالد وابنته مضاوي. وبعد وفاته اشترك ورثته وأبناء صالح البسام مع شركة سعد العجان وأوالده في إنتاج وتسويق وتصدير «شماغ البسام»، الذي مر اﻵن أكــثــر مــن مــائــة سـنـة عـلـى تأسيس مـــصـــنـــعـــه فــــــي اململكة املتحدة.