Emarat Al Youm

دورا مار.. الفنانة العبقرية و«السيدة الباكية»

-

كثرات هن الاتي مررن عى حياة الإسباني بابلو بيكاسو، أحد أشهر فناني القرن ال 20، وأهم مؤسي الحركة التكعيبية في الفن، إلا أن دورا مار كانت قادرة، وبشهادة الكثرين ممن صاحبوهما، أن يجدوا فيها الملهمة التي استطاعت أن تعيد الحياة إليه، وتستفز حسه الفني مرة أخرى، مقدماً بعد ارتباطه بها مجموعة من أشهر أعماله الفنية، وأغاها سعراً في تاريخ الفن.

المصورة، والرسامة، والشاعرة، دورا مار، بشعرها الداكن، ومامحها الهادئة، وعينيها الشفافتن بزرقة باهتة، كانت قادرة عى أن تتحول إلى الملهمة والمادة الرئيسة، التي غالبا ما جسَّدها في قالب حزين وباكٍ، وسواء كان ذلك بسبب ما استطاع أن يبصره بداخلها، أو بسبب معاناتها الشخصية معه، وحربها المستمرة مع عشيقته وأم ابنته، التي لم ينفصل عنها حتى وفاته، كان لهذا الحزن الذي عكسته مامح دورا قدرته عى أن يؤجج في داخله شرارة الفن، ويحول هذه الفنانة السابقة لأوانها إلى ملهمة أثرت العالم الفني حتى يومنا هذا.

عى الرغم من أنها اشتهرت باسم دورا مار، الذي اختارته لنفسها لاحقاً عام 1926 كنوع من الاختصار لاسمها الحقيقي، إلا أنها ولدت باسم هرييت ثيودورا ماركوفيتش، في 22 نوفمر 1907، لمهندس كرواتي درس في فيينا، واستقر في باريس، حيث تزوج بالفرنسية لويس جولي فيزون، وأنجب منها ابنته الوحيدة.

تنقل

انتقلت الأسرة عام 1910 إلى عاصمة الأرجنتن بوينس آيريس، حيث ترعرعت الطفلة وكرت، بينما قدم والدها العديد من الإنجازات والمشروعات الهندسية المهمة، ونجح في أن يحقق مكانة اجتماعية مهمة، وتم تكريمه من الإمراطور فرانسيس جوزيف الأول. بجذور كرواتية فرنسية، وخلفية أرجنتينية، ولسان إسباني، عادت هرييت في عمر ال 19 مع عائلتها إلى باريس عام 1926، وبطبيعة الحال، اختارت الشابة الجميلة أن تدرس التصوير والرسم في عدد من كليات الفنون هناك، وهي الفرة التي تعرفت فيها إلى مجموعة من أهم فناني القرن ال 20، الذين استمرت صداقتها بهم عقوداً طويلة. عودة دورا مار إلى باريس كانت في فرة انطاق الحركة السريالية في الفنون، مقدمة مجموعة كبرة من الأعمال الفنية في عالم التصوير الفوتوغراف­ي، الذي أتقنته بذكاء ورغبة عازمة عى التطور. مالت أعمال دورا مار إلى التجريب المستمر، بينما التقطت عيناها دائماً تلك التفاصيل التي يصعب ماحظتها، في توجه واضح إلى رصد ما سببه الانهيار الاقتصادي عام 1929، حيث تنقلت بن برشلونة ولندن بعد توقف الدراسة، بمعداتها وكامرتها، مقدمة لمحة واقعية لما تعانيه الأحياء الفقرة، لتعود لاحقاً إلى باريس وتفتتح استوديو التصوير الخاص

بها بمساعدة من والدها.

شهرة نادرة

عى الرغم من ارتباط اسمها لاحقاً وكلياً ببيكاسو، إلا أنها كانت مصورة وفنانة معروفة وناشطة يسارية معارضة للفاشية قبل لقائهما، إلى جانب موهبتها المميزة في الرسم، وتعتر واحدة من أكر المصورات الفوتوغراف­يات تقدماً وإبداعاً وندرة في تلك الفرة، سواء عر أعمالها الفنية الخاصة، أو الأخرى التجارية، حيث استطاعت في ثاثينات القرن الماضي، وفي فرة يصعب أن تحظى خالها المرأة بفرص كسب المال في مجال الفن، كانت مار قادرة عى بيع صورها ونشرها في المجات الفنية، بينما قدمت أيضاً معرضها الفني الخاص عام 1932.

بيكاسو جديد

التقت مار ببيكاسو في المرة الأولى في نهاية عام 1935، حيث كانت تعمل عى بعض الصور الرويجية لفيلم رعب شهر لجون رنوار، وعى الرغم من انجذابها الشديد للرسام الذي يكرها ب 26 عاماً آنذاك، إلا أنه لم يتم تعريفها عليه إلا بعد ذلك بعام، حيث قدمها له صديقهما المشرك بول إيلوارد، في إحدى المقاهي التي يردد عليها مثقفو وفنانو السريالية آنذاك، وقد سرد حكاية لقائهما المشحون الكاتب جون بول كريسبيل، قائاً : « كان وجه الشابة الجاد تنره عيناها الزرقاوان الشاحبتان، اللتان كانتا تبدوان أكر شحوباً تحت حاجبيها الداكنن، كان وجهها حساساً ومتوتراً، بينما تراقص الضوء والظل مروراً عى وجهها. كانت لا تتوقف عن تمرير سكن رفيعة بن أصابعها فوق الطاولة الخشبية، وحن جرحتها السكن ولونت قطرة الدم الأزهار المطرزة عى قفازها، طلب بيكاسو من دورا أن تعطيه القفاز، الذي احتفظ به في صندوق مقتنياته الخاصة». كانت مار قادرة عى استفزاز مجموعة معقدة من المشاعر في بيكاسو، تلك الشابة ذات المامح الجميلة والحزينة في آن واحد، بكثر من الذكاء والنقاشات المثرة التي لا تتوقف، وبلسان إسباني شدَّه منذ اللحظة الأولى، الأمر الذي كان قادراً عى تعزيز الحوار بينهما بلسان الفنان الأم، وعى الرغم من مرور الكثر من النساء عى حياته، إلا أن مار كانت واحدة من أكر الملهمات الاتي بقي أثرهن راسخاً فيه . « الشرارة الدراماتيك­ية» التي أحاطت بدورا مار، وشخصيتها المغوية المتلذذة بالألم كانت قادرة عى أن تغذي الإلهام بداخل بيكاسو، الذي كان يعاني في تلك الفرة من انقطاع الوحي والشح الفني بعد انفصاله عن زوجته، وتوتر عاقته بعشيقته ماري تريز وولر وأم ابنته مايا، فكانت مار الشغف الجديد في حياته، بل وصفه البعض بعد بدء عاقتهما بأنه كان « بيكاسو جديد » ، واستمرت العاقة نحو عقد من الزمان، وكانت ثمرته العديد من الأعمال التي كانت انعكاساً لها أو تأثراً بها، مقدماً في تلك الفرة مجموعة من أهم أعماله الفنية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates