Emarat Al Youm

إنجاز «بريكست».. مرحلة جديدة من المتاعب الاقتصادية والاجتماعي­ة

- ترجمة: مكي معمري À عن «فور ين أفيرز»

في ليلة ال31 من يناير، غادرت المملكة المتحدة رسمياً الاتحاد الأوروبي، وبعد نحو 50 عاماً من عضوية الاتحاد، وثلاث سنوات من الانقسام المرير حول التصويت للمغادرة، أصبحت لحظة المغادرة الرسمية علامة تاريخية. لكن القول بأن الريطانين «أنجزوا الخروج من الاتحاد الأوروبي أخراً»، كما يقول رئيس الوزراء بوريس جونسون، فهو نوع من التفاؤل اليائس. وفي اليوم التالي بدأت بريطانيا مرحلة جديدة وغر مؤكدة، بخروجها من الاتحاد، وليس نهايتها.

ولاتزال الحكومة الريطانية بحاجة إلى التفاوض بشأن شروط علاقاتها المستقبلية مع الكتلة الأوروبية، وهي مهمة معقدة للغاية يشك الكثرون في إمكانية إتمامها بحلول نهاية العام، عندما تلوح مهلة مشؤومة أخرى. وفي هذه الأثناء، ستكون البلاد عالقة في حالة من الجمود، ولاتزال ملزمة بقوانن الاتحاد وأنظمته، لكنها عاجزة عن تشكيل هذه القوانن، كل ذلك في انتظار إبرام صفقات تجارية مع دول أخرى. وفي الداخل، ستستمر الآثار السلبية للانقسام الذي تسبب في «بريكست»، وربما تعيد تشكيل السياسة الريطانية لسنوات مقبلة.

الكابوس مستمر

وافق الرلمان على دفع فاتورة طلاق ضخمة لروكسل، لكن إلى جانب ذلك لايزال الكثر من علاقات بريطانيا المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي غر معروف. والمتشائمو­ن مثل ويليام كيغان، وهو كاتب عمود في صحيفة «الغارديان»، يتوقعون حدوث كارثة اقتصادية في

مجالي التصنيع والزراعة. ويبدو المسؤولون الحكوميون أقل استعداداً لخطط مفصلة حول كيفية إدارة حركة البضائع والأشخاص والخدمات. ولاتزال الحقوق والمزايا الاجتماعية لنحو 2.7 مليون مواطن من الاتحاد الأوروبي، ممن تقدموا بطلبات للبقاء في

بريطانيا، غر واضحة. وقد عرت لندن عن عزمها مغادرة الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة للاتحاد، واستخدام هذه الحرية لإبرام صفقات تجارية جديدة، بما في ذلك مع الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، تأمل الحكومة الحفاظ على سهولة الوصول إلى الأسواق عر القناة من خلال اتفاقية تعرفة خاصة للتجارة الحرة مع الاتحاد. وبالطبع، ليس لدى بروكسل مصلحة في ظهور «سنغافورة جديدة» على نهر «التايمز»؛ لذا ستكون المفاوضات التجارية طويلة ومثرة للجدل.

متاعب على الطريق

عملية مطولة تعني المتاعب، بالنسبة إلى لندن، وإذا فشل جونسون في التفاوض على صفقة مرضية مع الاتحاد الأوروبي، بحلول نهاية العام، فستخرج المملكة المتحدة من الإطار الاقتصادي للاتحاد، مع كل مخاطر «بريكست صعب»؛ بما في ذلك فرض تعرفة جمركية على السلع والخدمات الريطانية، وتعطل سلاسل الإمداد، وغرها. وحتى إذا تم تجنب هذا السيناريو الأسوأ، فإن الخروج سيتسبب في اضطراب مكلف بالاقتصاد الريطاني.

وفي تطور مثر للسخرية، تُعد المناطق التي من المتوقع أن تكون الأكر تضرراً، جراء فقدان المساعدات الإقليمية للاتحاد الأوروبي، معاقل مؤيدة ل «بريكست»، في «ميدلاندز» وشمال إنجلترا. إلى ذلك، وقعت لندن على اتفاقيات تجارية مع عدد من الدول، بما في ذلك لبنان وتونس وليختنشتاي­ن، لكن من غر المحتمل أن تعوض هذه عن فقدان الوصول غر المقيد إلى الأسواق الأوروبية، بنحو 450 مليون مستهلك.

إمكانية التحول

قد تكون الترتيبات مع بروكسل أقل خطورة، في نهاية المطاف، من الترتيبات التي يجب على بريطانيا أن تتخذها مع نفسها في أعقاب كل توترات وصراعات سنوات خروج بريطانيا، لذا فإن السياسة الريطانية يمكن أن تتغر.

بالفعل، أظهرت الانتخابات العامة، في ديسمر، التحولات السياسية الهائلة التي أحدثها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فقد فاز حزب المحافظن بأكر أغلبية برلمانية منذ عام 1987، وحصل على أعلى نسبة تصويت منذ عام 1979. وفي ظل جرمي كوربن، فاز حزب العمال، في المقابل، بأقل عدد من المقاعد منذ عام 1935، وعانى هزيمته الرابعة على التوالي.

ويدين جونسون بفوزه، على الأرجح، لرسالته المركزة؛ إذ كرر، بانضباط كبر، تعويذة حزب المحافظن: «يجب إنجاز الريكست»؛ وفي هذه الأثناء، بقي كوربن غر واضح في ما يخص مسألة الخروج، ما أغضب كلاً من المغادرين والباقن. وفهم جونسون، أيضاً، جاذبية «مبدأ المحافظن لأمة الواحدة»، والذي يمزج بن القومية التقليدية والالتزام بخدمات الرعاية الاجتماعية. واستهدف المحافظون،

بقوة، معاقل المؤيدين للخروج، ومناطق التعدين في شمال إنجلترا، التي تعتر معاقل حزب العمال التقليدية، مع قطع تعهدات بإنهاء التقشف وضخ الأموال؛ وفي كثر من هذه المناطق، نجحوا في كسب الثقة.

أحزاب معطلة

في الوقت الحالي، لدى حكومة المحافظن أغلبية برلمانية، واتفاقية انسحاب موقعة مع بروكسل، وأحزاب معارضة معطلة ومشتتة،

وهي تتمتع بسلطة غر مقيدة إلى حد كبر في وستمنستر. وقد يتلاشى هذا النجاح بمجرد أن يتغلب حزب العمال والديمقراط­يون الليراليون على الصدمة الانتخابية الأخرة، ويستقروا على قادة جدد، الأمر الذي قد يؤدي، أيضاً، إلى إعادة تنظيم سياسي دائم، يعالج الانقسامات الثقافية العميقة بن الشباب والكبار وبن الشمال والجنوب.

وبعد الفوز الساحق الذي حققه حزب المحافظن، أقر جونسون بأن ناخبن مؤيدين لحزب العمال «أقرضوه» تصويتهم، بناءً على تعهده «بإنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد». وكسب قلوب هؤلاء المصوتن يعتمد، جزئياً، على نجاح أو فشل مقامرة «أمة واحدة» التي يتبناها المحافظون. ووعدت الحكومة بمزيد من الإنفاق العام في شمال إنجلترا، خصوصاً على المستشفيات والتعليم العالي والسكك الحديدية. لكن هذه الاستثمارا­ت ستستغرق سنوات عدة، وربما عقوداً، لتؤتي ثمارها، وفي الوقت نفسه تواجه العديد من مدن الشمال فجوات في الإنفاق.

حتى لو أدى الاستثمار العام، في نهاية المطاف، إلى تحسن الظروف المعيشية في المناطق شمالاً،

فإن ذلك لن يفعل الكثر لمعالجة الانقسامات الثقافية التي أدت إلى التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في تلك المناطق، مثلما حدث في أماكن أخرى، في البلاد. وفي ما يبدو، ستستمر الانقسامات العميقة بن الليرالين والمحافظن، مع احتضان الجانب الأول للعولمة والتعددية الثقافية والانفتاح على التغر الاجتماعي، فيما تراجع الثاني إلى القومية وكراهية الأجانب والاستياء من فقدان القيم التقليدية.

وقد تنتهي تلك الحروب الثقافية لمصلحة جونسون، لكن هذا غر وارد. وإذا فشلت وعود دعاة الخروج وتراجعت قوة المملكة المتحدة وازدهارها ومكانتها، فقد يصاب الناس بخيبة أمل حيال الحكومة. ومع تحول الأجندة السياسية، مرة أخرى، إلى أسباب القلق التقليدية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، فقد تستعيد أحزاب المعارضة، لاسيما حزب العمال، الدعم في معاقلها. وفي هذا السيناريو، قد تثبت انتخابات ديسمر أنها انحراف عرضي، ولا تُنذر بإعادة ترتيب الشعبوية، على المدى الطويل.

قد يتلاشى نجاح حزب المحافظين بمجرد أن يتغلب حزب العمال والديمقراط­يون الليبراليو­ن على الصدمة الانتخابية الأخيرة، ويستقروا على قادة جدد، الأمر الذي قد يؤدي، أيضا، إلى إعادة تنظيم سياسي دائم، يعالج الانقسامات الثقافية العميقة بين الشباب والكبار وبين الشمال والجنوب.

وافق البرلمان على دفع فاتورة طلاق ضخمة لبروكسل، لكن إلى جانب ذلك لايزال الكثير من علاقات بريطانيا المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي غير معروف. والمتشائمو­ن مثل ويليام كيغان، وهو كاتب عمود في صحيفة «الغارديان»، يتوقعون حدوث كارثة اقتصادية في مجالي التصنيع والزراعة. ويبدو المسؤولون الحكوميون أقل استعدادا لخطط مفصلة حول كيفية إدارة حركة البضائع والأشخاص والخدمات.

 ?? À أرشيفية ?? سيكتشف البريطانيو­ن تبعات الطلاق من الاتحاد الأوروبي.
À أرشيفية سيكتشف البريطانيو­ن تبعات الطلاق من الاتحاد الأوروبي.
 ??  ??
 ?? À أرشيفية ?? بوريس جونسون أنجز ال«بريكست» بعد سنوات من الاستفتاء.
À أرشيفية بوريس جونسون أنجز ال«بريكست» بعد سنوات من الاستفتاء.
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates