Emarat Al Youm

الولايات المتحدة لم تتعلم أن العقوبات الاقتصادية لا تحل مشكلاتها

أنصار العقوبات يشيرون إلى أن هذه العقوبات ستشجع النظام على تغيير سياساته إذا لم تغير الأنظمة نفسها.

- باربرا سالفين* *صحافية أميركية ترجمة: حسن عبده حسن ⬛ عن «رسبنسبل ستيتكرافت»

يقال إن تعريف الجنون هو فعل اليء نفسه مراراً وتكراراً، وتوقع الحصول عى نتائج مختلفة. ومع ذلك، فإن هذا بالضبط ما تقوم به الولايات المتحدة وآخرون من صُناع السياسة الغربية، عندما يفرضون عقوبات اقتصادية واسعة ضد الأنظمة التي يعتبرونها عدوة، أو التي تثر المتاعب لهم.

وعموماً لم تكن نتائج هذه العقوبات إيجابية. وبدلاً من إقناع قادة هذه الدول بتغير سلوكياتهم، كانت هذه العقوبات الشاملة تعزز قناعتهم بما يقومون به، وحفزت انتشار الأسلحة النووية، وأشياء أخرى، في حن أن المواطنن العادين لهذه الدول كانوا يعانون بالنظر إلى تدهور مستويات المعيشة وزيادة سيطرة الحكومات، بينما تزدهر أحوال النخبة من خال السيطرة عى الموارد المحدودة في الدولة. وشهدنا هذا يحدث مراراً وتكراراً في أماكن

متعددة مثل فنزويا، وإيران، وكوبا، وسورية، وكوريا الشمالية.

صورة محزنة

وهذه الدولة الأخرة بصورة خاصة بمثابة صورة محزنة لهذه العقوبات. ومنذ أن بدأت بتطوير وتجريب الأسلحة النووية، بعد انسحاب إدارة جورج بوش الابن من اتفاقية حظر الانتشار النووي المعروفة باسم «الإطار المتفق عليه» عام 2002، توالت موجات العقوبات عى كوريا الشمالية، وأصبحت تزداد عزلة. وعى الرغم من عدم وجود مجاعة عى نطاق واسع كالتي قتلت مليوني شخص في تسعينات القرن الماضي، إلا أنه يوجد انعدام أمن غذائي خطر لدى العديد من الكورين الشمالين الذين يأكلون وجبة واحدة في اليوم، وفق مصادر مطلعة جيداً.

169 برج مراقبة

وباستخدام جائحة كورونا ذريعة، رفضت حكومة الرئيس الكوري الشمالي، كيم يونغ اون، التعامل مع وكالات المساعدات الدولية مثل برنامج الغذاء العالمي، وزادت من تعقيد الأمر عى شعبها كي لا يعرف ما الذي يجري خارج بلدهم أو يتمكن من الهرب كاجئ إلى دول أخرى. وكانت الحدود الصينية الكورية الشمالية سهلة الاخراق نسبياً بالنسبة للكورين الشمالين، لكنها أصبحت الآن مغلقة تماماً، حيث قالت مصادر مطلعة إنه نصب فيها 169 برج مراقبة، وأساك شائكة مضاعفة، لمنع الكورين الشمالين من الوصول إلى نهر «يالو» وعبوره، وفي النهاية الهرب إلى كوريا الجنوبية عن طريق دولة ثالثة. وفي هذه الأثناء نفذت كوريا الشمالية تجارب صاروخية عدة العام الجاري، وأعادت تشغيل مفاعل نووي في يونغ بيون، وهو ما يحتمل أن يكون كارثة إشعاعية يجري تحضرها.

نموذج إيران

وتعتبر إيران مثالاً آخر للعقوبات التي يتم فرضها. وتم فرض العديد من العقوبات قبل عام 2015 حيث لعبت اتفاقية «خطة العمل الشاملة والمشركة» دوراً في التشجيع عى مفاوضات نووية، ولكنها فقدت هدفها عندما انسحبت إدارة الرئيس الأمركي السابق دونالد ترامب من هذه الاتفاقية عام 2018، في الوقت الذي كانت فيه إيران تمتثل لها. وبدلاً من التفاوض عى اتفاقية أفضل، قامت إيران بتطوير برنامجها النووي إلى درجة أصبحت فيها قادرة عى إنتاج مواد انشطارية قادرة عى صنع قنبلة نووية في غضون أيام. وقامت إيران بتطوير برامج صاروخية متطورة، إضافة إلى طائرات با طيار «درون»

الدور الأساسي لإفقار الدولة

وتدهور الوضع السياسي في إيران نتيجة العقوبات. إذ أدى انسحاب ترامب من هذه الاتفاقية إلى تدمر الحظوظ السياسية لمن يؤيدونها في الحكومة الإيرانية. وبعد حدوث الاضطرابات الأخرة في إيران تم فرض مزيد من العقوبات. ولكن المفاوضات الرامية لإنعاش اتفاقية خطة العمل المشرك، التي من الممكن أن تخفف العقوبات المفروضة عى بنوك إيران، وصادرات نفطها وصناعاتها، أصبحت في حالة سبات.

وتلعب العقوبات الأمركية عى إيران الدور الرئيس في تدهور الوضع الاقتصادي في البلد. وتزايد فقر الشعب الإيراني، كما انخفضت قيمة العملة المتداولة داخل الدولة، وتزايد التضخم، وانخفضت الاستثمارا­ت والتجارة. ويعتبر نحو ثلث سكان الشعب الإيراني البالغ تعدادهم نحو 80 مليون نسمة في عداد الفقراء، وذلك وفق معاير الحكومة الإيرانية ذاتها، حيث بدأ الانحدار الاقتصادي عى نطاق واسع في الدولة، منذ أن بدأت واشنطن عقوباتها الاقتصادية عليها، قبل عقد من الزمن.

وكتب الخبر التجاري الإيراني بيجان خاجبور مقالة قال فيها «استمرار إضعاف الطبقة المتوسطة في الدولة سيزيد من التآكل الاقتصادي الذي تعانيه الدولة نتيجة الافتقار إلى استثمارات البنية التحتية»

وكذلك الدول التي واجهت مثل هذه العقوبات الاقتصادية الكبرة،

مثل كوبا، وفنزويا، وسورية، لم تتمكن من تغير اقتصادها نحو الأفضل. وأخراً قامت إدارة الرئيس الأمركي جو بايدن بتخفيف قيود الاستثمارا­ت الأمركية في إنتاج النفط في فنزويا، لتعويض النفط الذي نقص في السوق بسبب العقوبات الكبرة التي فرضتها واشنطن عى روسيا.

ويشر أنصار العقوبات إلى أن هذه العقوبات ستشجع النظام عى تغير سياساته، إذا لم تغر الأنظمة نفسها. ولكن العاقة بن العقوبات وتغير النظام بسيطة وواهية، إن لم تكن غر موجودة أصاً، ويبدو أن العقوبات غالباً ما تطيل أمد أسوأ الأنظمة، ولا تؤدي إلى انهيارها.

وبناء عليه، لماذا يستمر فرض العقوبات؟ إشارة إلى الفضيلة؟ بدياً عن الحرب؟ لاسرضاء الجماهر السياسية المحلية؟ أم جميع ما سبق؟

هناك العديد من الأسباب، ولكن لا يبدو أن النتائج تبرر الوسيلة. وهل سيعرف السياسيون بالحقائق ويغرون هذا الطريق الذي يسرون فيه؟

 ?? ⬛ إي.بي.إيه ?? كيم يشرف على إطلاق صاروخ باليستي.
⬛ إي.بي.إيه كيم يشرف على إطلاق صاروخ باليستي.
 ?? ⬛ رويترز ?? إدارة بايدن خففت قيود الاستثمارا­ت على فنزويلا لتعويض نفط روسيا بعد فرض العقوبات عليها.
⬛ رويترز إدارة بايدن خففت قيود الاستثمارا­ت على فنزويلا لتعويض نفط روسيا بعد فرض العقوبات عليها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates