Emarat Al Youm

الوجود الأميركي في سورية أكثر خطورة من أي وقت مضى

ثبت أن قرار واشنطن دعم المعارضة السورية في مستهل الحرب الأهلية السورية كان كالمشي في حقل ألغام، وساعد على ظهور تنظيم «داعش»، إضافة إلى الميليشيات. تواصل واشنطن تقديم مزيد من تكاليف الدماء والأموال من أجل صراع لا ينتهي أبدا، والذي كلف الآلاف من أرواح المدن

- جيف لامير* *باحث في منظمة ديفنس برايوريتيز الفكرية الأميركية ترجمة: حسن عبده حسن ⬛ عن «ناشيونال إنترست»

يبدو المبدأ القائل «علينا ترك القديم والبدء بما هو جديد» هو الذي تسير وفقه الولايات المتحدة في سورية في مستهل العام 2023. إذ تستأنف القوات الأميركية عملياتها بعد توقف إثر الهجوم التركي على القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة. ويتجاهل هذا التوجه حالة الوضع الراهن المحفوف بالمخاطر التي جعلت الوجود المتواصل للولايات المتحدة في سورية يواجه مخاطر متزايدة.

وثبت أن قرار واشنطن دعم المعارضة السورية في مستهل الحرب الأهلية السورية كان كالمشي في حقل ألغام، وساعد على ظهور تنظيم «داعش»، إضافة الى مجموعات أخرى من الميليشيات. وعززت المذبحة الناجمة عن هذه الحرب مزيداً من التدخل الأميركي، ومع هزيمة «داعش»، أصبح مرر واشنطن للبقاء في سورية أكر تشوشاً. والآن يتمثل المنطق الأعوج الذي تستند إليه الولايات المتحدة لبقاء قواتها في سورية في حماية هذه القوات فقط. ولقد طال أمد دائرة الاكتفاء الذاتي هذه، التي تقوم واشنطن من خالها بطرح المشكات أمام أي حل، أكر مما ينبغي.

الصواريخ التركية

وعلى الرغم من أن استراتيجية واشنطن تبدو ساكنة، إلا أن الوضع يبدو متحركاً وأكر تقلقاً من أي وقت مضى. وسقطت الصواريخ التي أطلقتها تركيا في هجومها على القوات الكردية على مكان يبعد نحو 130 متراً عن القوات الأميركية.

وتعتر تركيا حلفاء واشنطن الأكراد مجموعة من الإرهابين، كما أن التفجير الذي وقع في إسطنبول قبل فترة قصيرة أثار احتمال حدوث هجوم بري تركي آخر على سورية. وتركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي، وقامت قبل فترة بحظر انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف نتيجة قلقها من الميليشيات الكردية. وعلى الأغلب لن تستفيد الولايات المتحدة شيئاً من زيادة تورطها في صراع استمر منذ سبعينات القرن الماضي. وإضافة إلى ذلك، ستؤدي معاداة تركيا، على الأرجح، إلى زعزعة تماسك حلف الناتو، بالنظر إلى مدى جدية أنقرة في التعامل مع التهديدات الإرهابية.

وبصورة مشابهة فإن الوجود الأميركي في سورية قد استمر أكر من الهدف المرجو منه. وخال الفترة القريبة فقد «داعش» زعيمه للمرة الثالثة. وبعد ثاث سنوات على خسارة «داعش» لأراضي التي كان

يسيطر عليها، تم القضاء على وجود التنظيم لدرجة أن الزعيمن الأخيرين الذين قتا للتنظيم لم تعرف هويتهما. وأوقف حلفاء واشنطن من الأكراد عملياتهم ضد «داعش» بصورة كاملة. ولكن لماذا تظل الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بمئات الجنود الأميركين لقتال عدو قد أصبح في حالة شبه انقراض؟

لا ينبغي قبول المخاطرة

وحتى قبل الهجمات الأخيرة لتركيا في سورية، كان هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى انسحاب القوات الأميركية. ولطالما كانت الميليشيات المدعومة من إيران تستهدف القوات الأميركية بصورة

منتظمة داخل العراق وسورية. ولا ينبغي على الولايات المتحدة قبول هذه المخاطرة. وستواصل هذه الميليشيات قتالها ضد القوات الأميركية حتى تخرج من المنطقة. ولا يعتر انسحاب القوات الأميركية تنازلاً عن مبادرتها، ولا هزيمة لها، وإنما اعتراف بأن عقد من تكتيكات التحركات العبثية التي لم تحقق أي مكتسبات. وفي الواقع فإن واجب واشنطن هو أمام الشعب الأميركي، وليس في مهمة مشكوك فيها وذات أهداف غير واضحة.

احتلال سورية زهيد الكلفة

ولا تعتر سورية من صميم اهتمامات الولايات المتحدة، إذ إنها تقع على أطراف منطقة عملت الولايات المتحدة على إهمالها في استراتيجيت­ها الدفاعية الوطنية. وبالمقارنة، فإن سورية مهمة جداً بالنسبة لإيران. وبناءً عليه إذا كانت الولايات المتحدة الاعب الأكر، فإن إيران مستعدة للمخاطرة إلى أبعد حد للحفاظ على نفوذها في سورية. وهذا يعني أنها ستعمل على دعم الهجمات الخطرة على الجنود الأميركين، كي تضغط على واشنطن، كي تسحب قواتها من سورية.

وربما يبدو احتال سورية زهيد الكلفة، لكنه ليس كذلك في واقع الأمر لأسباب عدة: فبينما يبدو أن 900 جندي أميركي قوة صغيرة، إلا أنه يغفل المعدات والتكاليف الازمة من أجل تأمن الدعم الازم والمستمر لهم. ولا تؤثر النفقات المنخفضة أيضاً على مخاطر التصعيد مع إيران، التي يمكن أن يثبت بأن تأثيرها مدمر على قوات الولايات المتحدة في الخليج العربي. ويقع عشرات الآلاف من الجنود الأميركين في أماكن قريبة في مرمى الصواريخ الإيرانية البالستية، وكذلك طائرات الدرون التي لا يمكن نكران آثارها المدمرة.

وتواصل واشنطن تقديم مزيد من تكاليف الدماء والأموال من أجل صراع لا ينتهي أبداً، والذي كلف الآلاف من أرواح المدنين. وربما يكون إطالة أمد هذه المهمة العسكرية الأميركية إلى أجل غير مسمى سهاً من الناحية السياسية، ولكن تفوح منه رائحة الجبن الأخاقي، بهدف عدم تغيير النموذج الفاشل للعقد الماضي. وفي الواقع فإن حصيلة التدخل الخاطئ منذ البداية في سورية، لا يمكن حسابه في ساحة المعركة فقط، فهناك الأمهات، والآباء، والأطفال الذين يتحملون ابتعاد آبائهم عنهم إلى فترات غير محددة والخوف من فقدان الأحباء. لقد حان الآن الوقت كي تفكر واشنطن في وضع نهاية لهذا الصداع، وتعيد جنودنا من سورية إلى موطنهم وعائاتهم.

 ?? ?? الوجود الأميركي في سورية استمر أكثر من الهدف المرجو منه. ⬛ أ.ف.ب
الوجود الأميركي في سورية استمر أكثر من الهدف المرجو منه. ⬛ أ.ف.ب
 ?? ⬛ أرشيفية ?? القوات التركية في سورية تعتبر حلفاء واشنطن الأكراد مجموعة من الإرهابيين.
⬛ أرشيفية القوات التركية في سورية تعتبر حلفاء واشنطن الأكراد مجموعة من الإرهابيين.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates