Emarat Al Youm

التواصل الافتراضي ينشر «الخرس» بين أفراد الأسرة

«التواصل العائلي يحسّن الصحة النفسية للأبناء، ويعزز أداءهم الأكاديمي .» «الاستماع الفعّال للأبناء يحميهم من السلوكات العنيفة.. مثل التنمر والعنف».

- عمرو بيومي

حذر مختصون اجتماعيون من غياب الوقت النوعي عن أفراد العائلة، وتاشي لغة الحوار، وانتشار حالة الخرس الأسري، الناجمة عن الوقت الطويل الذي يقضيه كثير منا عى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنعدم لغة الحوار، ويستعان بالوجوه التعبيرية )الإيموجي( عند الحاجة إلى إظهار نوع معن من المشاعر، ما يؤثر في الروابط الأسرية، ويزيد من حالات الطاق والتفكك الأسري، وتعرض الأبناء لمشكات نفسية وسلوكية.

وقالوا إن كثيرين منا يقضون أوقاتا طويلة مع أفراد أسرهم داخل جدران المنزل، لكنهم لا

يسألون أنفسهم عما إذا كان ما يقضونه هو وقت نوعي، أم مجرد ساعات تنقضي وهم جالسون أمام شاشات هواتفهم منشغلن بعالمهم الرقمي.

وتفصياً، حذر مختصون اجتماعيون من انقطاع التواصل الاجتماعي بن أفراد الأسرة، وتنامي ما يسمى ب«ظاهرة الخرس الأسري»، بسبب اعتمادهم الكلي، تقريباً، عى الأجهزة الذكية، حيث يستعان بوجه ضاحك، أو غاضب، أو محب، للتعبير عن حالاتهم الشعورية، حتى إذا لم يكن وجه الشخص الذي وضع الوجه الضاحك - مثاً - ضاحكاً فعاً، في الواقع، مشددين عى أن طبيعة الوقت الذي يقضيه الوالدان مع أبنائهما أكر أهمية من طول هذا الوقت، وأن حالة الوالدين النفسية خال الوقت الذي يمضيانه مع أبنائهما تنعكس عى الأبناء وصحتهم النفسية.

وأكد أستاذ الثقافة والمجتمع بالجامعة الكندية، الدكتور سيف راشد الجابري، أن العديد من المشكات التي تواجه الأسرة والمجتمع حالياً أدت إلى تراجع واختفاء ثقافة الحوار والتواصل بن الوالدين وأبنائهما، واستبدالها بالاهتماما­ت الفردية، وخلق عالم موازٍ لكل فرد عى وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال الجابري: «أظهرت الظروف الحالية لأسر ما يسمى بالعالم الموازي أو الافراضي، وهو اقران الإنسان بأصدقاء افراضين خارج نطاق الأسرة والمعارف، ما تسبب في مشكلة اجتماعية باتت تعرف ب)الخرس الأسري(، نتيجة انشغال كل فرد بالتواصل الصامت مع الأصدقاء الافراضين. وقد خرج الخرس الأسري من المنازل إلى أي تجمع أسري، حيث بات من المعتاد مشاهدة أفراد الأسرة الواحدة في المطاعم وأماكن تجمع العائات لا يتكلمون ولا يتواصلون، وكل ينظر في هاتفه، ومشغول مع نفسه، ولا يرون بعضهم».

وأضاف: «خرج الخرس المنزلي من داخل البيت إلى خارجه، وتسبب في التباعد الاجتماعي الذي أثر في العاقات الزوجية، وتسبب في حدوث مشكات كانت نهايتها المحاكم والطاق. ولذا، يجب طرق باب الاهتمام والتناصح للتحرر من الموجة الشديدة، الرامية إلى تحويل الأزواج من الاهتمام بأسرهم إلى الاهتمام بهواتفهم.» وأكد الاختصاصيو­ن الاجتماعيو­ن، أحمد صالح ونورة البلوشي ومنال خليفة، أن التنشئة والربية السليمة حاجز صد للظواهر الاجتماعية السلبية، داعن إلى شن حمات توعية عى مستوى المجتمع للتذكير بأهمية الحوار الأسري، وقضاء وقت نوعي، مع إظهار خطورة وجود أفراد الأسرة داخل منزل واحد دون أي حوار مشرك، بحيث يصبح لكل منهم عالمه السري خلف شاشة هاتفه.

وأشاروا إلى أن «العديد من الدراسات أثبتت أن الاستماع الفعال لأبناء يعتر من أكر العوامل حماية لهم من السلوكات الخطرة، مثل التنمر والعنف»، مشيرين إلى أن «الدراسات أكدت أهمية استماع الأبوين في تعزيز النمو السليم لأبناء، وصقل

شخصياتهم، وتعزيز ثقتهم بذاتهم .»

واقرح مستشارون أسريون ونفسيون، خالد حسيب، وشروق أحمد، وحمدة إبراهيم، عمل جلسات أسرية للفضفضة والحديث العام، لتمزيق حالة الصمت والخرس المنزلي ونقل

مشاعر المودة والدفء بينهم، وأن يستثمر الوالدان هذه الجلسات في متابعة أبنائهما، والجلوس إلى مائدة الطعام معاً، عى الأقل وجبة في اليوم، مؤكدين أن «مشاركة الوالدين مع أبنائهما في الحديث، أو قراءة قصة أو مشاهدة فيلم ومناقشة أحداثه، تجسد التقارب المعنوي، وتشعر حينها الأطفال بالدفء الأسري.»

وتابعوا أن «التكنولوجي­ا ليست العامل الوحيد لغياب الحوار الأسري، حيث توجد عوامل داخلية كانت سبباً في اختفاء الحوار، وأولها عدم التفرغ لأولاد، وعدم الإنصات لهم أو

الاهتمام بتلبية الاحتياجات المادية عى حساب الاحتياجات النفسية والعاطفية، إضافة إلى عدم استخدام فن اختيار الكلمة، سواء بن الأزواج أو مع الأبناء»، مشددين عى أن «الحوار يعتر نواة نجاح كل أسرة، وعندما يختفي بن أفراد الأسرة تتفاقم المشكات، وتفقد الأسرة الرابط، ويفقد الأبناء الثقة بالأب والأم، ويكونون عرضة لتأثير أصدقاء السوء .»

من جانبها، أكدت دائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، أن قضاء الوقت النوعي مع أفراد الأسرة، يسهم في خلق عاقة أسرية وثيقة، مبنية عى التواصل والاحرام والثقة. كما يرسخ في الأبناء السلوكات الإيجابية، وينمي فيهم شخصيتهم، ويحسّن من صحتهم النفسية، مشددة عى أن الآباء يلعبون دوراً مهماً في تنشئة أبنائهم منذ مراحل الطفولة المبكرة، من خال تخصيص وقت للتواصل والتحاور معهم، وتلبية الاحتياجات العاطفية والنفسية لهم في مراحلهم العمرية المختلفة، ما يكفل تعزيز العاقة بن أفراد الأسرة، ويقوي الروابط

الأسرية القوية والممتدة عر الأجيال.

وشددت عى أهمية تخصيص الآباء وقتاً نوعياً يقضونه مع أبنائهم، بعيداً عن المشتتات والملهيات، ويستمعون فيه لهم ويتحاورون معهم، حيث أثبتت الدراسات أن قضاء وقت نوعي مع الأبناء يعزز من أدائهم الأكاديمي، ومن صحتهم النفسية، كما يزيد من تقديرهم للذات وثقتهم بالنفس، مشيرة إلى أن أغى هدية يقدمها الآباء لأبنائهم هي تخصيص وقت لهم، لتعزيز الأمان العاطفي وصقل شخصية الطفل.

وأشارت إلى أن تعزيز الرابط بن أفراد الأسرة، وتفعيل أدوارهم، يسهم في مواجهة التحديات الحالية والمستقبلي­ة لأسرة، مضيفة أنها تولي أهمية كبيرة لإيجاد أسر تتسم بالتماسك والانسجام بن أفرادها، انطاقاً من إدراكها أن تكوين أسرة سليمة والحفاظ عى استمرارها، وتهيئة الأجواء المجتمعية لضمان استقرارها، يعتر بمثابة المرتكز الرئيس والحيوي لبناء الوطن والمواطن.

 ?? ?? أفراد الأسرة الحديثة لا يتواصلون وكل منهم ينظر في هاتفه. ⬛ أرشيفية
أفراد الأسرة الحديثة لا يتواصلون وكل منهم ينظر في هاتفه. ⬛ أرشيفية
 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates