Emarat Al Youm

المجرم الخائب

- محمد نجيب* *محكم ومستشار قانوين

من الوقائع التي ال تخلو من طرافة وغرابة، واقـــعـــ­ة شــخــص قـــرر اإلثـــــر­اء مـــن تـــرويـــ­ج املـــخـــ­درات، لـــــكـــ­ــن لـــــــم تـــــكـــ­ــن لــــــديـ­ـــــه خـــــــــ­ـربة كـــــافــ­ـــيـــــة بــــــهــ­ــــذا الــــنـــ­ـشــــاط اإلجــــــ­رامــــــي الــــخـــ­ـطــــر، فـــظـــل يـــتـــلـ­ــمـــس طـــريـــق­ـــه إىل أن تــوصــل إىل أحـــد تــجــار هـــذه الــســمــ­وم، واتــفــق معه عـــى شـــــراء كــمــيــة مـــن «الــــهـــ­ـرويــــن»، كــلــفــت­ــه مـبـلـغـاً طائاً، عى أن يبيعها الحقاً بنظام التجزئة.

وأثـــنـــ­اء عـمـلـيـة الـــتـــف­ـــاوض، أدرك الــتــاجـ­ـر عــدم خربة املشري، وبعد انتهاء عملية التسليم قبض عـــــى األخــــــ­ــر مـــــن قــــبــــ­ل رجــــــــ­ال مـــكـــاف­ـــحـــة املـــــخـ­ــــدرات، وأقــــر مــبــاشــ­رة بـتـفـاصـي­ـل جــريــمــ­ة الــجــلــ­ب والــحــيـ­ـازة بــــقــــ­صــــد االتــــــ­ـــجــــــ­ـــار، مـــــنـــ­ــتـــــظـ­ــــرا مـــــــصـ­ــــــرا مــــظــــ­لــــمــــ­ا داخـــــــ­ل السجن، لكن حدثت مفاجأة لم يتوقعها.

أحـــــيــ­ـــلـــــت عــــيــــ­نــــة مـــــــن املـــــــ­ــخـــــــ­ــدرات املـــــضـ­ــــبـــــ­وطـــــة إىل املـــخـــ­تـــرب الـــجـــن­ـــايئ لــفــحــص­ــهــا، وتـــبـــن أنـــهـــا عـــبـــار­ة عـن «بـــودرة» أطـفـال، وأدرك أنـه تعرض الحتيال من الــــتـــ­ـاجــــر الــــــــ­ذي بـــــاعــ­ـــه إيـــــاهـ­ــــا بــــاعـــ­ـتــــبـــ­ـارهــــا «هــــــروي­ــــــن»، وســــيـــ­ـطــــرت عـــلـــيـ­ــه مـــشـــاع­ـــر مـــخـــتـ­ــلـــطـــ­ة، بـــــن ســـعـــاد­ة بــإفــاتـ­ـه مـــن تــهــمــة خـــطـــرة، وبــــن شـــعـــور بــاإلحــب­ــاط مـن خـسـارة مـدخـراتـه، وعـوقـب يف النهاية بتهمة الشروع.

وبالحديث عن جريمة الـشـروع، فإنه يعرف بحسب املادة 35 من قانون العقوبات االتحادي، بأنه «البدء يف تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة»، إذا أوقـــــــ­ـف أو خــــــاب أثــــــــ­ره ألســـــبـ­ــــاب ال دخــــــل إلرادة الجاين فيها.

وثمة اختاف فقهي حول ركن البدء يف تنفيذ الــــــجـ­ـــــريـــ­ـــمــــــ­ة، وانـــــــ­قـــــــسـ­ــــــام إىل مــــــذهـ­ـــــبــــ­ــن: مـــــوضــ­ـــوعـــــ­ي وشخيص.

ويرى أصحاب املذهب األول أن الفعل ال يعد بـــدءاً يف التنفيذ إال إذا كـان داخـــاً يف الـركـن املــادي للجريمة. ففي حالة السرقة - عى سبيل املثال - ال يـتـحـقـق الـــشـــر­وع إال إذا وضـــع الـــســـا­رق يـــده عى الـــــيء املـــمـــ­لـــوك لـــغـــره، أو تــســلــق جـــــدار مـــنـــزل أو مستودع أو كسر بابه.

أمــــــــ­ـا الـــــــذ­يـــــــن يـــــتـــ­ــبـــــنـ­ــــون املـــــــ­ذهـــــــب الـــــشــ­ـــخـــــي­ص، فـــا يــنــظــر­ون إىل الــفــعــ­ل، بــقــدر مــا يــنــظــر­ون إىل داللـتـه عـــــــى خـــــــطـ­ــــــورة شــــخــــ­صــــيــــ­ة الــــــــ­جــــــــا­ين، وإقـــــــ­ــدامـــــ­ــــه عـــى ارتكاب الجريمة.

وبـــالـــ­نـــظـــر إىل الـــواقــ­ـعـــة الـــتـــي بــــدأنــ­ــا بـــهـــا املـــقـــ­ال، يـــــمـــ­ــكـــــن أن يـــــتـــ­ــحـــــقـ­ــــق فـــــيـــ­ــهـــــا مـــــــــ­ا يـــــســـ­ــمـــــى «الـــــجــ­ـــريـــــ­مـــــة الخائبة»، وهي أن يرتكب الجاين جميع األفعال الـــتـــن­ـــفـــيــ­ـذيـــة املـــــؤد­يـــــة إىل وقـــــــو­ع الـــجـــر­يـــمـــة، لــكــنــه­ــا ال تتحقق لسبب أو آلخـــر، مـثـل شـخـص يطلق الـنـار عــــــــى خـــــصـــ­ــمـــــه فــــيــــ­خــــطــــ­ئــــه. ويــــــظـ­ـــــل «الــــــــ­ـــشــــــ­ـــــروع» مـــن املـــســـ­ائـــل الـــتـــي تـــعـــكـ­ــس عـــبـــقـ­ــريـــة الــــقـــ­ـانــــون، وجـــمـــا­ل دراسته والتبّحر فيه.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates