المجرم الخائب
من الوقائع التي ال تخلو من طرافة وغرابة، واقـــعـــة شــخــص قـــرر اإلثـــــراء مـــن تـــرويـــج املـــخـــدرات، لـــــكـــــن لـــــــم تـــــكـــــن لــــــديــــــه خــــــــــربة كـــــافـــــيـــــة بــــــهــــــذا الــــنــــشــــاط اإلجــــــرامــــــي الــــخــــطــــر، فـــظـــل يـــتـــلـــمـــس طـــريـــقـــه إىل أن تــوصــل إىل أحـــد تــجــار هـــذه الــســمــوم، واتــفــق معه عـــى شـــــراء كــمــيــة مـــن «الــــهــــرويــــن»، كــلــفــتــه مـبـلـغـاً طائاً، عى أن يبيعها الحقاً بنظام التجزئة.
وأثـــنـــاء عـمـلـيـة الـــتـــفـــاوض، أدرك الــتــاجــر عــدم خربة املشري، وبعد انتهاء عملية التسليم قبض عـــــى األخــــــــر مـــــن قــــبــــل رجــــــــال مـــكـــافـــحـــة املـــــخـــــدرات، وأقــــر مــبــاشــرة بـتـفـاصـيـل جــريــمــة الــجــلــب والــحــيــازة بــــقــــصــــد االتـــــــــجـــــــــار، مـــــنـــــتـــــظـــــرا مـــــــصـــــــرا مــــظــــلــــمــــا داخـــــــل السجن، لكن حدثت مفاجأة لم يتوقعها.
أحـــــيـــــلـــــت عــــيــــنــــة مـــــــن املـــــــــخـــــــــدرات املـــــضـــــبـــــوطـــــة إىل املـــخـــتـــرب الـــجـــنـــايئ لــفــحــصــهــا، وتـــبـــن أنـــهـــا عـــبـــارة عـن «بـــودرة» أطـفـال، وأدرك أنـه تعرض الحتيال من الــــتــــاجــــر الــــــــذي بـــــاعـــــه إيـــــاهـــــا بــــاعــــتــــبــــارهــــا «هــــــرويــــــن»، وســــيــــطــــرت عـــلـــيـــه مـــشـــاعـــر مـــخـــتـــلـــطـــة، بـــــن ســـعـــادة بــإفــاتــه مـــن تــهــمــة خـــطـــرة، وبــــن شـــعـــور بــاإلحــبــاط مـن خـسـارة مـدخـراتـه، وعـوقـب يف النهاية بتهمة الشروع.
وبالحديث عن جريمة الـشـروع، فإنه يعرف بحسب املادة 35 من قانون العقوبات االتحادي، بأنه «البدء يف تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جريمة»، إذا أوقــــــــف أو خــــــاب أثــــــــره ألســـــبـــــاب ال دخــــــل إلرادة الجاين فيها.
وثمة اختاف فقهي حول ركن البدء يف تنفيذ الــــــجــــــريــــــمــــــة، وانـــــــقـــــــســـــــام إىل مــــــذهــــــبــــــن: مـــــوضـــــوعـــــي وشخيص.
ويرى أصحاب املذهب األول أن الفعل ال يعد بـــدءاً يف التنفيذ إال إذا كـان داخـــاً يف الـركـن املــادي للجريمة. ففي حالة السرقة - عى سبيل املثال - ال يـتـحـقـق الـــشـــروع إال إذا وضـــع الـــســـارق يـــده عى الـــــيء املـــمـــلـــوك لـــغـــره، أو تــســلــق جـــــدار مـــنـــزل أو مستودع أو كسر بابه.
أمـــــــــا الـــــــذيـــــــن يـــــتـــــبـــــنـــــون املـــــــذهـــــــب الـــــشـــــخـــــيص، فـــا يــنــظــرون إىل الــفــعــل، بــقــدر مــا يــنــظــرون إىل داللـتـه عـــــــى خـــــــطـــــــورة شــــخــــصــــيــــة الــــــــجــــــــاين، وإقـــــــــدامـــــــــه عـــى ارتكاب الجريمة.
وبـــالـــنـــظـــر إىل الـــواقـــعـــة الـــتـــي بــــدأنــــا بـــهـــا املـــقـــال، يـــــمـــــكـــــن أن يـــــتـــــحـــــقـــــق فـــــيـــــهـــــا مـــــــــا يـــــســـــمـــــى «الـــــجـــــريـــــمـــــة الخائبة»، وهي أن يرتكب الجاين جميع األفعال الـــتـــنـــفـــيـــذيـــة املـــــؤديـــــة إىل وقـــــــوع الـــجـــريـــمـــة، لــكــنــهــا ال تتحقق لسبب أو آلخـــر، مـثـل شـخـص يطلق الـنـار عــــــــى خـــــصـــــمـــــه فــــيــــخــــطــــئــــه. ويــــــظــــــل «الـــــــــــشـــــــــــروع» مـــن املـــســـائـــل الـــتـــي تـــعـــكـــس عـــبـــقـــريـــة الــــقــــانــــون، وجـــمـــال دراسته والتبّحر فيه.