إعادة تصور الاستدامة في بنوك الشرق الأوسط
وصلنا إلى عام 2020 والتغيير المناخي لا يزال آخذًا في التسارع، مع زيادة ارتفاع مستويات تلوث الأرض والهواء والماء. وفي ظل تزايد سكان العالم ومع انبثاق الثورة الرقمية الجديدة، أصبحت الحاجة للحفاظ على المجتمع والاقتصادات والبيئة ملحةً أكثر من أي وقتٍ مضى. ولسنواتٍ عديدة، لم تكن الاستدامة سوى مجرد كلمةٍ رائجة يتناقلها الأفراد. ولكن مؤخرًا، أصبح هناك تركيزٌ كبيرٌ عليها لدى المنظمات الدولية -التي تتجاوز حدود الولاية الوطنية- والدول والجهات التنظيمية والمؤسسات متعددة الجنسية.
كما شهدت المبادئ المحيطة بالتنمية المستدامة هي الأخرى تطورًا ملحوظًا. وعلى الصعيد العالمي، أطلق مجلس الاستقرار المالي Financial Stability Board( ) فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية للمشاريع المتعلقة بالمناخ TCFD(.) وفي وقتٍ مبكرٍ من العام الماضي، أطلقت مبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP() «مبادئ الصيرفة المسؤولة»، عقب إطلاقها «مبادئ الاستثمار المسؤول». وتُعرَّف الاستدامة بكونها: «التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة» وفقًا للجنة برونتلند العالمية المعنية بالبيئة والتنمية.
وفي دول مجلس التعاون الخليجي، تعد الاستدامة موضوعًا منتشرًا عبر مختلف الرؤى والإستراتيجيات لدى دول الخليج الست، مع انضمام أسواق المال في خمسٍ منها كشركاء في مبادرة أسواق المال المستدامة. وبذلك أصبحت الاستدامة جزءًا لا يتجزأ من خطط مجالس الإدارات والإدارة التنفيذية في عددٍ من الكيانات في الشرق الأوسط، إذ أن أغلبية المصارف العشرة الأولى في الشرق الأوسط، أصدرت تقارير رسميةً للاستدامة لعام 2018، وفقًا لفوربس.
لكن، ما هي الخطوات التي تستطيع البنوك اتخاذها حقًا؟ وما مدى التأثير الذي تستطيع إحداثه؟ وفقًا لمبادئ الصيرفة المسؤولة الصادرة من مبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، هناك 6 مبادئ معنية بالصيرفة المسؤولة يتعين اتباعها، وهي:
المبدأ الأول: المواءمة
ويشمل مواءمة إستراتيجيات الأعمال مع تحقيق أهداف الاستدامة في المجتمعات عبر دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال وتمكينهم، بجانب التركيز على الشمول المالي وتوفير سهولة وصول العامة للخدمات المالية، ويشمل ذلك تحديد المخاطر البيئية والاجتماعية داخل برامج إدارة المخاطر.
المبدأ الثاني: التأثير ووضع الأهداف
ويشمل وضع الأهداف التي تضمن مواصلة تقدم البنوك فيما يتعلق بالحد من الآثار السلبية الواقعة على الأفراد والبيئات نتيجةً لتقديم المنتجات والخدمات المناسبة. وتعهدت شركة )ING( للخدمات المالية بتمويل المباني المكتبية الخضراء فقط، بدءًا من عام 2018 كجزءٍ من التزامها بإستراتيجيات الاستدامة.
المبدأ الثالث: العملاء
يتعلق المبدأ الثالث بالعمل بمسؤوليةٍ مع العملاء لتشجيع ممارسات الاستدامة ودعم الأنشطة الاقتصادية لتعزيز أجيال المستقبل. وتعهدت شركة Citibank() ضمن إستراتيجية التقدم المستدام بتقديم 100 مليار دولار خلال فترةٍ قوامها 10 سنواتٍ للاستثمار في التمويل البيئي، بهدف تمويل المشاريع التي تركز على الحلول البيئية والتغيير المناخي، وتقديم المشورة إليها. وأصدرت شركة ING() السندات الخضراء المقدرة بمليارات الدولارات مرتين في عام 2015 وعام 2018، مع استخدام العائدات المحققة منها في تمويل حافظة قروضٍ خضراء.
المبدأ الرابع: الجهات المعنية
ويشمل هذا المبدأ وضع الآليات التي تضمن إقامة الشراكات بين البنوك وبين الجهات المعنية المناسبة التي تشاركها القيم والأهداف المعنية بالحفاظ على البيئة والمجتمع والاقتصاد. وتعمل العديد من البنوك العالمية على تنظيم منتديات الموردين التي تستهدف نقل هذه القيم إلى إجمالي سلاسل الإمداد.
المبدأ الخامس: الحوكمة والثقافة
ويتمثل في تحديد هياكل الحوكمة المناسبة للتنمية المستدامة، والتي قد تشمل تحديد الأدوار والمسؤوليات داخل المؤسسات، وإدماج هذه المبادئ في سياسات البنوك ومدونات قواعد السلوك الخاصة بها.
المبدأ السادس: الشفافية والمساءلة
ويشمل الاستعراض الدوري لمدى التزام البنوك بهذه المبادئ لضمان الشفافية والإفصاح العام بشأن هذه الممارسات. ونظرًا إلى التأثير الاقتصادي واسع النطاق الذي تتمتع به هذه المؤسسات، أصبحت البنوك في وضعٍ حقيقي يمكِّنها من التأثير على البيئة والمجتمع والاقتصاد. ومع تطور احتياجات المجتمعات -وفي ظل التغييرات المتواصلة التي يشهدها نظامنا البيئي- يتعين علينا تبني إستراتيجيات الاستدامة والخطط ذات الصلة بشكلٍ كبير، حتى تتمكن البنوك من تحقيق الإدارة الفعالة للإستراتيجيات والمخاطر التي تهدد السمعة.