Trending Events - Future Concepts

تعقيدات السلام

الأطر النظرية المُفسرة لتعثر تسوية الصراعات في العالم

-

تفترض أدبيات العلاقات الدولية أن الخطوط الفاصلة بين الصراع والسلام خلال المراحل الأولية للتسوية تكون ضئيلة للغاية، إذ تكون العوامل المحفزة على تعثر التسوية والعودة للاقتتال حاضرةً بقوة ويتمثل أهمها في التناقضات الكاملة بين أطراف الصراعات، وتأثيرات الإرث التاريخي للصدام بين الفرقاء وتعقيدات ذاكرة الصراع وتحريض الأطراف الخارجية ووجود مكاسب لاستمرار الصراعات، بالإضافة إلى الانتقال الجيلي في مجتمعات الصراعات وصعود أجيال نشأت في بيئة صراعية وأصبح الصراع جزءاً من ثوابت رؤيتهم للعالم.

وفي هذا الإطار يرى "لويس كريسبرج" أن هناك مرحلة وسيطة تفصل ما بين التصعيد والتهدئة في مسار الصراع يطلق عليها "فخ الصراع" ‪Conflict Entrapment(‬ ) وتتسم بترسخ إدراك أطراف الصراعات باستحالة التسوية مع انتشار نزعات الانتقام والثأر وإيذاء الطرف الآخر، وتبلور ما يمكن أن يطلق عليه "ثقافة الصراع" وهي جملة القيم والمعتقدات والأفكار الداعمة للاعتقاد في حتمية حسم الصراعات عسكرياً وعبر الهزيمة الكاملة والقضاء التام على الطرف الآخر.

ولا يؤدي "الإنهاك المتبادل" واستنزاف الموارد وفقدان أطراف الصراع للقدرة على حسم الصراع عسكرياً إلى تلاشي تلك المعتقدات الصراعية، مما يجعل الجنوح للتسوية مجرد مناورة تكتيكية مؤقتة قبيل استئناف الاقتتال والعودة للتصعيد، وهو ما يرتبط بعدة معطيات يتصدرها تبلور "اقتصادات الصراع" التي تعتمد على استمرار حالة الاشتباك العسكري وعدم نجاح التسوية، ويكون المستفيدون الميليشيات المسلحة وجماعات التهريب العابرة للحدود والعصابات الإجرامية التي تحفز الاستمرار في الصراعات.

ويرتبط ما سبق بالتعدد المفرط للفاعلين المنخرطين في الصراع والذين يجب تضمينهم في عملية التسوية، وهو ما يعني ضرورة التوفيق بين عدد كبير من المصالح المتعارضة وضمان استمرار هؤلاء الفاعلين في التسوية وعدم العودة للتصعيد، ولا ينفصل ذلك عن انتشار الأسلحة بصورة غير قابلة للسيطرة بسبب تفكك مؤسسات دول الصراعات وتمسك الجماعات بقدراتها العسكرية باعتبارها ضمن تدابير الدفاع عن النفس في "حرب الكل ضد الكل".

وعلى الرغم من وجود بعض القوى الخارجية الداعمة للتسوية، فإن آخرين يرون في استمرار الصراع دعماً لمصالحهم، خاصةً

في حالة الحروب بالوكالة والتعارض التام في أجندات الأطراف المتدخلة في الصراعات، ويعزز استدعاء العامل الخارجي في الصراعات من تعقيد الصراع بسبب كونها ضمن تجليات الاستقطاب بين الأطراف الداخلية والافتقاد لمرجعيات مقبولة للتسوية أو وسطاء محل اتفاق بينهم.

ويؤدي الاشتباك بين أدوار الأطراف الداخلية والقوى الإقليمية والدولية إلى تزايد تعقيد الصراع، خاصةً ما يرتبط بتحديد قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء والمساحات المحظورة بين الأطراف المنخرطة في الصراع بسبب تعدد المتغيرات المؤثرة على وتيرة الحروب الأهلية، والتي ينبغي تضمينها في عمليات التسوية. كما يصبح تقاسم مناطق النفوذ بين الأطراف المتدخلة في الصراع ضمن العوامل المسببة للتصعيد بسبب الاشتباكات على الحدود الفاصلة بين مناطق النفوذ التابعة للقوى المتدخلة، وهو ما يزيد من تعقيد عملية التسوية.

وفي هذا الإطار، يركز ملحق مفاهيم المستقبل على الأطر النظرية والمفاهيم المفسرة لتعثر عمليات تسوية الصراعات مع التركيز على الصراعات الداخلية الممتدة، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، إذ تعد التسوية وفقاً للاتجاهات النظرية الرئيسية هي المسار الأكثر قابلية للتحقق مقارنة باحتواء الصراعات حيث يقوم على تحجيم التأثيرات أو حل الصراعات بصورة نهائية إما بحسمها عسكرياً أو إنهاء التناقضات بين مصالح الأطراف بصورة كاملة.

ويتناول الملحق عدداً من الموضوعات يتمثل أهمها في الجدل النظري حول خريطة المفاهيم المرتبطة بالتسوية، مثل حل الصراع وإدارة الصراع والتفاوض والوساطة وتحجيم الصراع، والخصائص الرئيسية للتسوية وتفسيرات الارتداد للصراع، كما يركز الملحق على "سياسة الصفقات" وتصاعد تجلياتها في العلاقات الدولية وبناء الثقة كأحد العوامل الوسيطة المؤثرة على التسوية.

ويناقش الملحق أيضاً "ذاكرة الصراع" وتأثيرها على التسوية وانعكاسات إرث الماضي وخبرة الصراع المتجذرة في الذاكرة الجمعية للشعوب على عملية التسوية، بالإضافة إلى مراحل ما بعد التسوية والإشكاليا­ت التي تتسبب في الارتداد للتصعيد، مثل صراعات التسوية التي تسببها التناقضات الهيكلية في مصالح الأطراف والتسويات غير المتوازنة، بالإضافة لأدوار رافضي التسوية ممن يسعون لإنهائها بسبب تضررهم من إنهاء الصراع.

المحرر

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates