Trending Events - Future Concepts

‪Conflict Settlement‬

مفاهيم واقترابات التعامل مع الصراعات المعقدة

- دينا ابراهيم حسن

معيدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة

تهدف عملية التسوية إلى صياغة اتفاق بين أطراف الصراع يحظى بالقبول المتبادل ويتم التوصل إليه عبر عملية تفاوض ممتدة تتضمن حلولاً وسطاً وتوفيقاً بين المصالح المتعارضة، بما يؤدي لتخلي الفاعلين عن توظيف القوة المسلحة في حسم خلافاتهم والعودة لحالة السلم السابقة لتفجر الصراع.

اأولاً: خريطة المفاهيم الرئي�سية

تتضمن عملية التسوية تقديم الأطراف تنازلات متبادلة وقبولاً بمبدأ "المصالح الناقصة" الذي يقوم على تحقيق مكاسب نسبية للطرفين بدلاً من تحقيق طرف واحد للمكاسب المطلقة عبر حسم الصراع المسلح لصالحه) (، وفي هذا الإطار تتمثل أهم المفاهيم المرتبطة

1 بالتسوية فيما يلي: 1- حل الصراع ‪Conflict Resolution(‬ :) يشير هذا المفهوم إلى جميع أنواع الجهود الهادفة لإنهاء حالة التناقض في المصالح والنزاع بين أطراف الصراع، ويتم التركيز على التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع بما يؤدي لإنهاء حالة العنف بشكل دائم) (. وعلى

2 الرغم من شيوع المفهوم، فإن تعقيدات الصراعات تجعل التوصل لحل نهائي يواجه العديد من المعوقات على المستوى الواقعي مما يجعل التسوية هي الاقتراب الممكن للتعامل مع الصراعات. 2- إدارة الصراع ‪:)Conflict Management(‬ يركز هذا المفهوم على احتواء الصراع ومنع تفاقمه وتحجيم اتجاهات التصعيد بين أطرافه، ويكون الهدف هو السيطرة على الصراع والتحكم فيه وليس إنهاءه، لأن تعقيدات الصراع تتجاوز قدرة الوسطاء والآليات المؤسسية والقانونية المتاحة على معالجة الأسباب الجذرية للصراع) .)

3 3- التفاوض Negotiatio­n(:) يقصد بالتفاوض مجمل عمليات الحوار والتواصل بين أطراف الصراع بهدف التوصل لاتفاق ينهي حالة التناقض في المصالح، ويكون الهدف هو التوفيق السلمي بين مصالح متنافرة ومتباينة بين أطراف الصراع، سواء كانت دولاً أو كيانات سياسية أو جماعات. وعادة ما يكون على الطرفين القبول بحل وسط Compromise() بين مواقفهم الأولية قبل بدء التفاوض، وهذا لا يعني التساوي في التكاليف والعوائد لأطراف الصراع، حيث تخضع نتائج التفاوض لتوازنات القوة) .)

4 4- الوساطة :)Mediation( قيام طرف ثالث محايد وغير منخرط في الصراع بجهود التوفيق بين أطراف الصراع سواء عبر المشاركة في المفاوضات أو طرح حلول وسط على الأطراف المتصارعة أو توفير ضمانات الالتزام بما يتم الاتفاق عليه خلال المفاوضات بين أطراف الصراع) .)

5 5- تحويل الصراع ‪:)Conflict Transforma­tion(‬ طرح "جون برتون" هذا المفهوم في تسعينيات القرن الماضي قاصداً إحداث تغييرات مقصودة وإيجابية في السياقات المحيطة بالصراع والتعامل مع المصادر الاجتماعية والسياسية والنفسية المسببة لاستمرار أعمال العنف والتصعيد، وتشمل عمليات التحويل تغيير عوامل مثل الأفكار والأيديولو­جيا والأوضاع الاقتصادية والترتيبات الاجتماعية والسياسية وإصلاح المؤسسات، وغيرها من التغييرات التي تؤدي لتغيير بيئة الصراع وتدفع نحو تجنب العنف والتصعيد) .)

6

ثانياً: خ�سائ�ص عملية الت�سوية

يرى "لويس كريسبرج" أن الصراعات عادة ما تمر بدورة كاملة تبدأ بمرحلة ظهور الصراع، ثم مرحلة التصعيد تليها مراحل الاستقطاب والتوسع وتشكل فخ الصراع Entrapment() ثم تبدأ السياقات المهيئة لبدء التسوية بداية من خفض حدة التصعيد وفض الاشتباك

عقب تيقن الأطراف أن أياً منهم غير قادرٍ على حسم الصراع وأن الأخير يتضمن تكلفة لا يمكن تحملها) )، وفي هذا الإطار تتسم

7 التسوية بعدة خصائص تتمثل فيما يلي: 1- الطابع السياسي: عادة ما تكون التسوية عبر مسار سياسي ودبلوماسي قوامه التفاوض والتوفيق بين المصالح وحلول الوسط، ويكون الهدف هو تهيئة السياقات لوقف حالة النزاع المسلح والتوصل لاتفاق مقبول من الأطراف كافة وتنفيذه وعدم الإخلال بالالتزاما­ت في إطاره. 2- السلام البارد ‪Cold Peace(‬ :) لا تعكس تسوية الصراعات الاستجابة العادلة لمطالب واحتياجات أطراف الصراع بصورة متساوية، وإنما تظل غير مرضية بشكل كامل للطرفين وربما تتضمن تفضيلاً لطرف على حساب الآخر وفقاً لواقع توازن القوى، وهو ما يعتبر تطبيقاً لمبدأ المصالح الناقصة. 3- معضلة الاستدامة: تتعرض التسويات إلى مراحل ارتداد وانحسار خلال عملية تطبيقها نتيجة لتجذر الصراع واتساع نطاق التناقضات بين أطرافه، وتظل احتمالية تجدد الصراع وصعوده على السطح مرة أخرى قائمة وغير مستبعدة. 4- بناء السلام: لا تنتهي عملية التسوية بالتوصل لاتفاق بين أطراف الصراع والبدء في تنفيذه وإنما تتضمن الإجراءات لتهيئة السياقات المحيطة لمنع تجدد الصراع، من خلال إعادة تشييد البنية التحتية، وبناء المؤسسات، وتقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة توطين النازحين، وتحقيق العدالة الانتقالية) .(

8

ثالثاً: تف�سيرات الارتداد لل�سراع

تتعدد التفسيرات النظرية لاستعصاء الصراعات على التسوية وإخفاق عمليات التسوية السياسية وحدوث حالة ارتداد للصراع عقب بدء التسوية، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عدة عوامل رئيسية: 1- تناقضات الهوية: تعد الهوية في صدارة مداخل تفسير استدامة الصراعات، إذ إن التناقضات الحادة بين أطراف الصراع والتي تستند لأسس دينية وعرقية وإثنية تزيد من احتمالات إخفاق التسوية، خاصةً إذا ارتبطت هذه الانقسامات بإرث ممتد من الصراعات وتصدع روابط الولاء الوطني لصالح الانتماءات الأولية وتمكن الكيانات الأولية من الإحلال محل الدولة الوطنية. 2- ثقافة الانتقام: يؤدي ترسخ الصراع ضمن منظومة القيم الحاكمة للجماعات المختلفة إلى تزايد صعوبة التوصل للتسوية بسبب هيمنة اتجاهات الانتقام على سلوك الأفراد ورغبتهم في إيذاء الطرف الآخر رداً على ما تعرضوا له خلال مرحلة التصعيد، وهو ما يرتبط بترسخ ذاكرة الصراع في الوعي الجمعي للأفراد والجماعات وعدم إمكانية تجاوزها عبر ترتيبات سياسية تتوصل إليها النخب) .(

9 3- تصدع الثقة: يترتب على افتقاد أطراف الصراع للثقة المتبادلة في الالتزام بمقتضيات التسوية، تزايد احتمالات تجدد الصراع نتيجة لسوء الإدراك والتفسير الخاطئ لسلوكيات الطرف الآخر والافتقاد لآليات التواصل وتبادل المعلومات والإنذار المبكر، بالإضافة للاحتفاظ بأدوات التصعيد، مثل ترسانات الأسلحة خوفاً من نوايا الطرف الآخر ومحاولته العودة للتصعيد مجدداً) .(

10 4- المصالح الاقتصادية: يتوقع أن تقوم الجماعات التي تستفيد اقتصادياً من استمرار الصراع بمحاولة عرقلة التسوية بشتى الطرق، وحتى في حال التوصل لاتفاق فإنها تعمل على منع تطبيقه بحيث تستمر حالة التصعيد، وتشمل هذه الجماعات الميليشيات المسلحة والمرتزقة وأمراء الحرب وعصابات التهريب.

ختاماً، يمكن القول إن عملية التسوية تقوم على التوفيق بين مصالح أطراف الصراع والتوصل لحلول وسط تؤدي لوقف أعمال التصعيد المسلح، مما يجعل الصراع قابلاً للحل بصورة جذرية في مرحلة لاحقة، وهو ما يعني أن التسوية تعد مرحلة ضمن عملية ممتدة تنتهي بتبديد العوامل الجذرية المسببة للصراع.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates