Trending Events - Future Concepts

‪Conflict Memory‬

تأثرات “ذاكرة الصراع“ على تطور الحروب الأهلية

- أ.د. مثنى العبيدي

عميد كلية العلوم السياسية بجامعة تكريت - العراق

تواجه عملية تسوية الصراعات عدة عوائق ترتبط بإرث الماضي وخبرة الصراع المتجذرة في الذاكرة الجمعية للأطراف، والتي تعترض قدرتها على التعايش المشترك في ظل هيمنة نزعات الثأر والانتقام على مدركات النخب وصانعي القرار والمجتمعات، وهو ما يزيد من أهمية التعافي من خبرات التاريخ السلبية والمصالحة مع الماضي كمقدمة لتسوية الصراعات المعقدة.

اأولاً: اأركان ذاكرة ال�سراع

يقصد بالذاكرة الترسيخ الذهني لتجارب الماضي التي تؤثر على تفاعلات وقيم وثقافة المجتمعات والتي تتأثر بعامل الزمن والسياقات الاجتماعية والتاريخية) (، وعادة ما تعرف "الذاكرة الجماعية" بأنها

1 "الأنماط التي تتذكر بها الجماعات تاريخها وعادة ما تتشكل بصورة كلية عبر التفاعل مع السياقات السياسية والاقتصادي­ة والاجتماعي­ة والعلاقات الخارجية للدولة) .)

2 وتتضمن "ذاكرة الصراع" "السرديات المتداولة للأحداث والوقائع الماثلة في أذهان المجتمعات والشعوب، وكانت سبباً في إحداث صراع في الماضي وتأجيجه في الحاضر"، وعادة ما تخضع الأحداث للعديد من التأويلات والتحيزات المعتقدات حول الذات والآخر، بالإضافة إلى محفزات وأسانيد تاريخية تدفع للتصعيد ورفض قبول التسوية) .)

3 وترى أدبيات الصراع أن التناقضات والصدامات الراهنة تستمد زخمها من الإرث التاريخي للعداء والصراعات القديمة التي لا تزال حاضرة في ذاكرة المجتمعات وتغذي عقلية الخصومة، مما يزيد من احتمالات تفجر الصراع مستقبلاً مع ترسخ الصور الذهنية السلبية التي تقترن بأسانيد تاريخية) (، وفي هذا الإطار تتمثل الأركان

4 الرئيسية لذاكرة الصراع فيما يلي: 1- الأحداث التاريخية: الوقائع التي سببت ترسخ العداء بين أطراف الصراع والتي لم تتمكن المجتمعات من تجاوزها، ويتم استحضارها من جانب النخب والجماعات لدعم استمرار الصراع والتعصب، وقد يشوب تفسير هذه الأحداث مغالطات تاريخية أو تأطير غير محايد ‪Historical Framing(‬ ،) مما يزيد من حدة الصراع ويبقي ذاكرة هذا الصراع مشحونة بالعداء) .

)5 2- المعتقدات: تشكل ركناً أساسياً لذاكرة الصراع، وتتضمن نسق القيم والأفكار والصور الذهنية الراسخة عن الذات والآخر والأسس الفكرية والدينية الداعمة لاستمرار الصراع ورفض التسوية وتقديم تنازلات خلال التفاوض. 3- المظلومية التاريخية: ترسخ الشعور بالغبن والانكسار الذي يتم إرجاعه لعدم العدالة ومسؤولية الأطراف الأخرى التي تتعمد الإضرار بمصالح الجماعة وفقاً للقناعات الثابتة في ذاكرتها الجماعية، وهو ما يرتبط باتجاهات إنكار المسؤولية عن الماضي. 4- ثقافة الثأر: تهيمن على المجتمعات التي تشهد صراعات ممتدة قيم الانتقام والرغبة في إيقاع خسائر مؤلمة بالطرف الآخر رداً على ما عانته الجماعة نتيجة للصراع مع الطرف الآخر، وهو ما يؤدي لتصاعد التطرف والاتجاهات الفكرية الجامدة لدى أطراف الصراع، وهو ما يعوق تفسير أي اتجاهات للتصالح والتهدئة من الطرف الآخر، بحيث يتم اعتبارها مناورة تكتيكية أو محاولة للخداع لا تعبر عن رغبة حقيقية في إنهاء الصراع .)

6)

ثانياً: تاأثيرات الذاكرة على الت�سوية

تعد ذاكرة الصراع ضمن العوامل التي تتسبب في عرقلة عملية التسوية أو تنصل الأطراف الرئيسية من تنفيذها، وتتمثل أهم تأثيرات الذاكرة الجماعية على التسوية فيما يلي:

1- مقاومة ضغوط التهدئة: تدفع ذاكرة الصراع الأطراف الرئيسية لرفض الاعتراف بمعطيات الواقع التي تحفز للقبول بالتهدئة، مثل استنزاف القدرات العسكرية والموارد وحالة الإنهاك التي يسببها الاستمرار في الصراع بالإضافة لتفكك التحالفات وضغوط المجتمع الدولي والأطراف الخارجية لوقف الصراع، إذ تهيمن على إدراك المنخرطين في الصراع أفكار جامدة حول حتمية الصراع واستحالة التسوية وفقدان الثقة في الأطراف الأخرى) .)

7 2- سياسات إحياء الذاكرة: تعتمد بعض المجتمعات على إجراءات للمحافظة على ذاكرة الصرع وإحيائها وتوريثها للأجيال القادمة من خلال الطقوس الاحتفالية وتداول الروايات وتأسيس النصب التذكارية، بالإضافة لعمليات التعليم والتنشئة، مما يجعل التسوية ضمن الخطوط الحمراء غير المقبولة، والتي يتم رفضها واستهجانها اجتماعياً) .)

8 3- عمليات تسييس الماضي: يتم توظيف ذاكرة الصراع من جانب النخب السياسية في بعض الدول بهدف تضخيم عقدة الصراع لدى الجماهير وصياغة روايات حول ارتباط بقاء الدولة والجماعات المتصارعة بالاستمرار في الصراع بهدف تعزيز مكانتهم السياسية وصرف انتباه المواطنين عن إشكاليات وتعقيدات الداخل والتحكم في تطلعاتهم السياسية، وهو ما يؤدي لتعزيز رفض التفاوض) .)

9 4- توظيف التناقضات الثقافية: يرتبط بترسيخ ذاكرة الصراع قيام النخب الفكرية وقادة الرأي العام باستحضار فكرة صراع الحضارات والأديان والتناقضات الثقافية بين الذات والآخر نتيجة لحالة التعبئة السياسية والشحن المجتمعي المستمرة، مما يزيد جمود الذاكرة الجمعية ويجعلها تستعصي على محاولات التغيير المستقبلية للتعاطي مع أطروحات التسوية ومبادرات السلام، وهو ما يرتبط بحالة الاستقطاب الديني والطائفي التي تسهم في تأجيج الصراع واستمراريت­ه.

وتعد منطقة الشرق الأوسط نموذجاً على كيفية تأثير الموروثات التاريخية والعقائدية على تسوية الصراعات، حيث يصبح الإرث التاريخي عبئاً ثقيلاً على المجتمعات يعرقل تقدمها وتجاوزها للانقسامات التقليدية مما يسهم في تعثر التسويات وعدم اكتمالها) .)

10

ويستدل على ذلك بعدم تمكن دول الصراعات بالمنطقة العربية من التعامل مع إرث الانقسامات الداخلية والاستقطاب الحاد على أسس أولية نتيجة للتصورات الذهنية حول تعارض المصالح وتعارض الولاءات داخل الدول والصور الذهنية السلبية المتبادلة التي تعطي مبررات لفقدان الثقة في الآخر والنزوع لاستمرار التصعيد وعدم قبول التسوية) .)

11

ثالثاً: اآليات تحييد تاأثيرات الما�سي

تتبع الدول والمنظمات الدولية العديد من الآليات والمداخل لتحييد تأثيرات ذاكرة الصراع على التسوية، ويأتي في مقدمة هذه المداخل تفكيك الروايات السائدة عن تاريخ الصراع وإعادة صياغتها بصورة تخفف من وطأة الاستقطاب والخلافات والصور الذهنية السلبية المتداولة وتعزز من اتجاهات التسامح وقبول الآخر وبناء السلام وتجاوز الإرث التاريخي للتصعيد والعنف.

ويتصل ذلك باستبعاد كل ما من شأنه استحضار الأحداث التاريخية التي تحفز العداء والجدل وتعيد ذكرى الصراع للمجتمعات بهدف تجنب إحياء الانقسامات والخلافات ضمن الجدل المتزايد حول الماضي، وعلى سبيل المثال اختارت بعض الدول، مثل رواندا والبوسنة والهرسك، تجنب تدريس تاريخ الصراعات الحديثة بهدف تجاوز الاستقطاب والعداء والتعارض بين الروايات التاريخية حول أحداث الصراع) .)

12 وتعد العدالة الانتقالية ضمن مداخل مواجهة إرث الصراعات الداخلية عبر المحاسبة على أخطاء الماضي ومحاكمة المتورطين في الانتهاكات والاعتراف المتبادل وقبول المسؤولية المشتركة عن أخطاء الماضي بهدف إعادة بناء الثقة والتعايش المشترك) .)

13 ويتطلب تجاوز إرث الصراع كذلك بناء علاقات مستدامة ترتكز على المصالح المشتركة وتخلق أنماطاً من "الاعتماد المتبادل" بين أطراف الصراعات، مما يسهم في إعاقة تجدد الصراعات بسبب الخسائر التي ستترتب على انقطاع التفاعلات التعاونية التي تعود بالنفع على الأطراف الرئيسية للصراع وتدفعهم للتمسك بالسلام وعدم الارتداد لحالة العداء) .)

14

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates