Trending Events - Future Concepts

‪Third Parties‬

تصاعد أدوار ”الأطراف الثالثة“ في العلاقات الدولية

-

لم تكن العلاقات الدولية في أي فترة من تاريخها مجرد تفاعل خطي بين أطراف مباشرة وفقاً للمسلمات السائدة في النظريات الكلاسيكية، فلقد فرضت اعتبارات الدراسة التحكمية للظواهر ومحاولة ضبط التطورات وإخضاعها للتحليل استبعاد كل ما يصعب دراسته أو تحليله مثل العلاقات غير المعلنة والتفاعلات غير الملحوظة والتداعيات غير المقصودة والتحولات غير المتوقعة، بحيث تقتصر الدراسة العلمية للعلاقات الدولية على كل ما يمكن ملاحظته واخضاعه للاختبار والتحقق.

أدى ذلك لاستبعاد كم ضخم من الظواهر ومجموعات كبيرة من الفاعلين المؤثرين في العلاقات الدولية مما جعل ظواهر عديدة تثير جدلاً محتدماً في الدوائر الأكاديمية، مثل انتقال الاضطرابات والثورات عبر الحدود، وعدوى عدم الاستقرار في الأقاليم المختلفة، والانتقال السريع لتأثيرات التحولات العالمية، والأزمات المالية والحروب التجارية، وتوسع نطاقات الأزمات والصراعات نتيجة للترابط الوثيق بين الداخل والخارج، وغياب الحدود الفاصلة بين نطاقات التفاعل.

وفي خضم تلك التحولات، تصاعد الاهتمام بوضع الأطراف الثالثة التي يفترض ألا تكون طرفاً مباشراً في المعادلات التقليدية للتفاعلات بالمفهوم المدرسي للعلاقات الدولية، إلا أنها تعد طرفاً بصورة مغايرة وتتأثر سلباً وإيجاباً بتلك التفاعلات، سواء بتحقيق مكاسب أو تحمل تكلفة ومواجهة أضرار أو تحريك الأحداث والتأثير في مسارها دون الظهور أو الإعلان عن ذاتها.

وتتعدد تجليات الأطراف الثالثة في التفاعلات الدولية ما بين الأطراف المستفيدة من تحولات إقليمية ودولية بعينها والتي يطلق عليها "الراكب المجاني"، مثل استفادة الصين من تأمين الولايات المتحدة لتدفقات النفط من منطقة الشرق الأوسط، وفي المقابل توجد أطراف متضررة من تفاعلات أخرى على الرغم من عدم كونها منخرطة بصورة مباشرة بها، مثل تأثر بعض الدول النامية بتداعيات الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة وتأثر الدول بتداعيات الصراعات في الجوار الجغرافي المباشر.

وتعد الفواعل الخفية نموذجاً آخر على الأطراف الدولية التي تؤثر في التطورات من دون أن تعلن عن ذاتها، سواء بصياغة القواعد الحاكمة للتفاعلات أو التخطيط لسياسات بعينها أو التنفيذ بالوكالة ومن دون إعلان للمسؤولية.

ويقع على النقيض من ذلك الأطراف المتدخلة التي تعلن عن ذاتها وتقوم بالتدخل في النزاعات والتأثير المباشر في مسارات تطور الصراعات لتحقيق مصالحها مع الإعلان بصورة واضحة عن تدخلها وبعض الغايات والمصالح التي تحظى بأولوية لديها.

ولا تقتصر الأطراف الثالثة على العلاقات الدولية التقليدية في ظل تعدد نماذج الأطراف الثالثة في المجال السيبراني التي يمكنها الإفادة من العلاقة المباشرة بين مقدمي الخدمات والمستخدمي­ن من دون أن يقع عليهم أي التزامات أو مسؤولية تجاه المستخدم مع عدم الكشف عن وجودهم ضمن المعادلة.

وتستهدف هذه الأطراف تحقيق أرباح ومكاسب مادية من أداء أدوار، مثل جمع المعلومات وتحليل حزم البيانات والاختراق والتأثير في سلوك المستخدمين وتوجهاتهم عبر صياغة الإعلانات المؤثرة واستهداف الأفراد والتلاعب بتفضيلاتهم.

وفي هذا الإطار، يركز ملحق مفاهيم المستقبل بالعدد 31 من مجلة اتجاهات الأحداث على مفهوم "الأطراف الثالثة" في العلاقات الدولية، حيث يتناول عدة أنماط، يتمثل أهمها في الطرف المستفيد والأطراف المتضررة والمتدخلين في بؤر الصراعات، والفواعل الخفية والمخترقين في المجال السيبراني.

ويقدم الملحق إطاراً نظرياً لدراسة أدوار وتأثيرات هذه الفئات من الفاعلين بهدف إعادة تقييم المسلمات الحاكمة لدراسة العلاقات الدولية، والتي تقوم على التركيز على الفاعلين المباشرين، وتجنب دراسة الدوائر الأوسع لتأثير التفاعلات العابرة للحدود، والتداخل بين نطاقات التأثير الداخلية والإقليمية والعالمية، والتعدد اللانهائي للفاعلين والمؤثرين في مسارات العلاقات بين الدول.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates