Trending Events - Future Concepts

‪Free Riders‬

صعود ”المستفيدين“ من واقع التفاعلات العالمية

- أحمد الباز

باحث في الدراسات الأمنية وشؤون الشرق الأوسط

ركزت أدبيات العلاقات الدولية على دراسة الطرف المستفيد من التفاعلات الدولية الاقتصادية والسياسية والعسكرية من دون دفع تكلفة هذه الاستفادة أو تحمل تبعاتها، حيث تم طرح مصطلح "الراكب المجاني" لوصف هذه الفئة من الفاعلين ممن يمكنهم الإفادة من معطيات واقع العلاقات الدولية وتحقيق مكاسب ملموسة من دون تحمل تكلفة أو مسؤولية أو المشاركة المباشرة في الترتيبات التي تسهم في تشكل هذه السياقات المواتية لتحقيق مصالحهم.

اأولاً: مفهوم واأنماط الطرف الم�صتفيد

مبكراً، ظهر مصطلح "الراكب الرخيص" ‪Cheap rider(‬ ) إلى جوار مصطلح "الراكب المجاني" ‪Free Rider(‬ ) ليشير إلى نمط من الانتفاع يحققه طرف من دون أن يقابله التحمل بجزء من التكلفة أو المسؤولية، وصورته البسيطة عند جون ستيوارت ميل، وجود عمال يأخذون قراراً منفرداً بالعمل ساعة إضافية مقابل أجر، الأمر الذي يجعل المؤسسة تتخذ قراراً بإضافة ساعة عمل بأجر زائد عن ساعات العمل المقررة، وهو ما يستفيد منه العامل غير المجتهد الذي يستفيد من الأجر الإضافي معتمداً على مجهود زملائه الأكثر نشاطاً وإنتاجية في العمل( .(

1 ويمكن تطبيق حالة الراكب المجاني على كل من الدولة والفرد، فقد نجد دولة تقرر الانضمام إلى تحالف أو فرد يقرر الانضمام إلى نقابة، لأغراض ليس من ضمنها التعاون أو تحمل المسؤوليات، بل حصد المكاسب.

اقتصادياً، تعمّق الاقتصادي الأمريكي؛ مانكور أولسون، في تحليل مفهوم "الراكب المجاني" بالاعتماد على منظور عقلاني،

والذي بموجبه يتخذ الأفراد قرارات عقلانية تستند لحسابات التكلفة والعائد، حيث جادل أولسون أن هناك حافزاً عقلانياً قليلاً للأفراد للمساهمة في إنتاج سلعة عامة أو مشتركة، بالنظر إلى التكاليف التي سيتكبدونها، لأنهم سيستفيدون من المنافع العامة، بغض النظر عن مساهمتهم في الإنتاج( .(

2 وعلى الصعيد العسكري، يمكن استعراض نموذج الراكب المجاني بتلك الدول التي انضمت لحلف شمال الأطلسي رغبة منها في التمتع بميزة المادة الخامسة من معاهدة الناتو التي تقتضي قيام الحلف بالدفاع عن أي دولة عضو قد تتعرض للهجوم.

وقد بدأ مصطلح "الراكب المجاني" في الظهور بشكل مضطرد منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، عندما بدأ العديد من الباحثين استخدامه لوصف موقف الصين من اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية والتعاون البيئي، ليصبح وصف الصين "ك"راكب مجاني" أمراً ملحوظاً في دراسات التفاعلات السياسية في حقل العلاقات الدولية، ففي قاعدة بيانات "فاكتيفيا" (Factiva( تزايد معدل وصف الصين كراكب مجاني ‪Free Rider(‬ ) من 39% سنوياً خلال الفترة من 2005 إلى 2009 ليصل إلى 75% خلال الفترة من 2010 إلى 2013 .(

3) كما ظهر مصطلح "الراكب المجاني" ثلاث مرات أثناء الحوار المطول الذي أجرته مجلة "ذا أتلانتيك" بعنوان "عقيدة أوباما"، في أبريل 2016، مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، للإشارة إلى الحلفاء الذين لا يتحملون مسؤوليتهم أو الذين يتركون الولايات المتحدة تقوم بالمهمة بالنيابة عنهم( .(

4 فالراكب المجاني، هو نمط من الفاعلين الدوليين يمكنه

الحصول على مكاسب متعددة مستفيداً من حركة وسياقات التفاعلات الدولية، من دون أن يدفع هذا الطرف المستفيد أي تكلفة لمكسبه هذا، سواء تكلفة مادية أو عسكرية. وهناك العديد من الأنماط التي يمكن من خلالها تصنيف "الراكب المجاني" في العلاقات الدولية:

1- الراكب المجاني التابع: يكتسب الراكب المجاني هذا الوصف من خلال اتفاق دولي يجني من خلاله مكاسب أمنية أو عسكرية أو اقتصادية، من دون تحمل أعباء مادية، لكنه قد يتخلى عن جزء من سيادته ومكانته الاعتبارية، على غرار حالة اتفاقية الحماية الأمريكية لليابان( .(

5 2- الراكب المجاني المُقتنص: تحقيق طرف دولي مكاسب مجانية جراء سوء التقدير في سياسات أحد أطراف التفاعلات الدولية، إزاء آخر أو آخرين، ما ينتج عنه حصاد "طرف ثالث" لنتائج إيجابية من غير أن يتحمل أي تبعات، ومثال ذلك السياسات الأمريكية التجارية والعسكرية التي تستفيد منها الصين بشكل كبير وكذا روسيا بدرجة أقل.

3- الراكب المجاني الاتفاقي: وهو نمط عادة ما تعمد إليه القوى الدولية الصغرى، والتي تتداخل بعلاقات اتفاقية مع قوى كبرى بما يمكنها من الاستفادة من اختلاف أهداف الدول الرئيسية في تحالف ما، مثل حال الدول الكبرى وتلك الصغرى في حلف الناتو.

ومؤخراً، دخلت مشكلة "التغير المناخي" على خط توصيف "الراكب المجاني" عند وصف تلك الدول التي تعبث باستقرار مناخ الكوكب مستفيدين بمكاسب التصنيع من دون تحمل تكاليف ما يُسمى بصيانة الكوكب أو كبح الخطر الناجم عن تحديات التصنيع المناخية والبيئية( .(

6

ثانياً: نماذج الاأطراف الم�صتفيدة في العلاقات الدولية

ينظر إلى الصين وروسيا، وكذلك حلف الناتو، باعتبارهم من القوى الدولية الكبرى الرئيسية التي تعتمد استراتيجية "الراكب المجاني" لتحقيق أهدافها مستفيدة من سياسات الولايات المتحدة من جهة، ومن طبيعة وسياقات النظام الدولي والتفاعلات الدولية والإقليمية الراهنة من جهة أخرى، وتتمثل أهم نماذج الأطراف المستفيدة في العلاقات الدولية فيما يلي: 1- سياسات الصين لتجنب التكلفة: لطالما وُصفت الصين ك"راكب مجاني" يستفيد من حركة التفاعلات السياسية الدولية، فهي تنأى بنفسها دائماً عن تحمل عدة مسؤوليات بما يتناسب وحجمها في بنية النظام العالمي، ويمكن تناول أبرز مظاهر الاستفادة الصينية من علاقاتها الدولية على النحو التالي: أ- الراكب المجاني "الأمني": تتمثل أبرز نماذج ذلك في عدم مشاركة الصين في الحملة الدولية على تنظيم "داعش"، واهتمامها فقط بالاستفادة من زخم تلك الحملة لمصلحة الداخل الصيني بتأكيدها خطورة التنظيمات الإرهابية، لمواجهة الحركات المتطرفة المرتبطة بالأقليات.

ب- الراكب المجاني "التشاركي": أجادت الصين استثمار أخطاء السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط، وقدمت نفسها كبديل "تشاركي"، بدلاً من النموذج الأمريكي "المسيطر"، فمبادرة الحزام والطريق على سبيل المثال تعتبر نقيضاً للتمدد الأمريكي أمنياً وعسكرياً، ومغايرة لنهج القوة الأمريكية الصلبة، فالمبادرة تقدر دور التنمية ورأس المال البشري وعلاقات الاستثمار من أجل مستقبل أفضل للجميع بحسب رؤية الرئيس الصيني، وهي رسالة أجادت الصين استغلالها لصالح أهدافها الاستراتيج­ية( .(

7

ج- الراكب المجاني "المُقْرِض": جاءت العقوبات الأمريكية على إيران كفرصة للصين، حيث استغلت عدم استعداد البنوك الأوروبية لإقراض إيران من دون أي ضمانات سيادية، للنفاذ إلى الداخل الإيراني من خلال شركة "سي آي تي آي سي" CITIC() وبنك التنمية الصيني اللذين منحا قروضاً تبلغ 15 مليار دولار لإيران، الأمر الذي حدا ب"فريال مستوفي" رئيس لجنة الاستثمار بغرفة التجارة الإيرانية إلى القول "إنه من الأفضل للشركات الأوروبية أن تأتي إلى إيران وإلا فستستحوذ الصين على كل شيء".

د- الراكب المجاني "البائع": بموجب العقوبات الأمريكية على إيران، سوف تقوم الصين بالإبقاء على المال الإيراني لديها في حساب مغلق تستطيع إيران من خلاله أن تشترى سلعاً صينية لا تشملها العقوبات، وبطبيعة الحال فإن الصين ستكون لديها أيضاً القدرة على بيع هذه السلع بالسعر الذي تراه مناسباً لها، والذي

سيكون غالباً مرتفعاً، مستفيدة من الأزمة، حيث لم يعد لدى إيران سوى الخيار الصيني مهما كانت تكلفته. ه- الراكب المجاني "الضامن": تتجلى مكاسب هذا النوع من السياسات في أن الصين الآن بات لها نفوذ تجاري تستطيع من خلاله خوض حرب ترامب التجارية وتقديم اليوان كعملة دولية يمكنها مستقبلاً منافسة الدولار، بالإضافة إلى أن بكين تستطيع أن تقدم نفسها من هذا الباب بأنها قوة اقتصادية عالمية لديها مسؤولية دولية لضمان عدم انهيار إحدى الدول في دائرة الفشل نتيجة السياسات الاقتصادية الليبرالية) .)

8 و- الراكب المجاني "المُساعد": ساهمت الأزمات التي اندلعت في منطقة الشرق الأوسط في استكشاف الصين احتياجات المنطقة، ودراسة أنماط علاقاتها مع القوى الدولية خصوصاً الولايات المتحدة، وتلافي الأخطاء الأمريكية والاهتمام بتلبية طموحات دول المنطقة وتقديم المساعدات اللازمة لها، ومن أمثلة ذلك الانخراط الصيني في إعادة إعمار سوريا من دون شروط مسبقة بخلاف الموقف الأمريكي القائم على المشروطية والحسابات المعقدة.

وفي هذا الإطار، وعلى الرغم من الوجود الصيني المكثف في منطقة الشرق الأوسط، فإنها غير مهتمة بالمشاركة في تأمين ممرات التجارة والنفط، حيث تستغل قيام الولايات المتحدة بهذه المهمة نظراً لأنها أكثر اهتماماً بتأمين نفوذها في منطقة مجالها الحيوي التاريخي، ما يمكن وصفه بأنه أكثر مظاهر الانتفاع مجاناً) (. وهو سلوك مشابه

9 لما أحرزته الصين عبر الاستفادة من الجهود العسكرية الأمريكية بالعراق للدفع نحو استقرار نسبي، ساهم في عودة حركة التجارة التي استفادت منها الصين بالاستثمار في العراق. 2- الاستفادة الروسية من العقوبات النفطية: استفادت روسيا من العقوبات الأمريكية المفروضة على نفط إيران وفنزويلا، حيث أدت هذه العقوبات إلى ارتفاع الطلب على خام الأورال الروسي. فمنذ فرض الولايات المتحدة حزمة عقوبات على إيران في نوفمبر 2018، فإن الخزانة الروسية قد حصلت على مكاسب ضخمة نتيجة ارتفاع الطلب على النفط الروسي بما قيمته 905 ملايين دولار خلال الفترة من نوفمبر 2018 حتى يوليو 2019.

وفي الوقت الذي كان يتفوق فيه سعر خام برنت على سعر خام الأورال الروسي بحوالي دولار في منطقة البحر المتوسط، وبحوالي 1.63 دولار في شمال غرب أوروبا، فإن هذه المعادلة قد باتت معكوسة عقب فرض العقوبات الأمريكية على إيران بأن تحولت المنافسة لصالح خام الأورال الروسي الذي أصبح أغلى من خام برنت بحوالي 0.86 دولار في شمال وغرب أوروبا، وبحوالي دولار واحد في منطقة البحر المتوسط المجال التقليدي لصادرات النفط الإيراني) .)

10 3- اعتماد حلف الناتو على القوة العسكرية الأمريكية: على الرغم

من أن حلف الناتو يجمع بين دول أوروبا والولايات المتحدة، فإن اختلاف الأهداف السياسية للطرفين قد جعل الطرف الأوروبي يحجم في كثير من الأحيان عن الانخراط في النزاعات العسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة ما اضطر واشنطن للقيام بالأدوار التي كان يجب أن تقوم بها دول الناتو الأوروبية ما جعل حلف شمال الأطلسي يوصف بأنه "راكب مجاني" للقوة العسكرية الأمريكية حول العالم.

هذه الإنابة الأمريكية المستمرة عن الجهد العسكري الأوروبي قد دفعت الأوروبيين أنفسهم للتصور بأن الولايات المتحدة ستكون هي المسؤولة عن الدفاع عنهم في حالة وجود ما يهدد أمنهم. ففي استطلاع رأي لمعهد "بيو" في عام 2015 وفي إجابة عن سؤال "إذا دخلت روسيا في نزاع عسكري مع إحدى دول الناتو، فهل تعتقد أنه يجب على ألمانيا استخدام القوة العسكرية للدفاع عن هذا البلد، أم أن الولايات المتحدة ستقوم بهذه المهمة؟" رأى 68% من الألمان الذين تم استطلاع آرائهم أن الولايات المتحدة سوف تستخدم قوتها العسكرية للدفاع عن أعضاء الناتو) .)

11

ثالثاً: تف�صيرات انت�صار ظاهرة "الراكب المجاني"

اتساقاً مع ما سبق، فإن تنامي ظاهرة "الراكب المجاني" في التفاعلات الدولية، يعود إلى جملة من الأسباب والمحفزات والتي يتمثل أهمها فيما يلي: 1- تصاعد الأزمات الداخلية: مثلت الأزمات الداخلية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بشكل خاص، خلال العقد الأخير، مناخاً مثالياً لزيادة نمط الطرف المستفيد في تفاعلات الإقليم السياسية والاقتصادي­ة والأمنية.

فقد قرأت الصين "الراكب المجاني" الأكثر برجماتية في العالم، احتياجات المنطقة المضطربة المتعطشة إلى النمو وتحديث البنية التحتية، للانخراط إلى مشاريع التشييد والبناء فيها، حيث قدمت نفسها كدولة قادرة على تحقيق أهداف التنمية الإقليمية بأقل التكاليف وبأسرع وقت، وفقاً للمعادلة الصينية الشهيرة "تكاليف أقل، تنفيذ أسرع".

كما عمدت الصين إلى اتباع نهج "اللامشروطي­ة" في الانخراط بالمشاريع التنموية في الشرق الأوسط، انطلاقاً من فلسفة الشراكة مع الدولة وليس قطاع رجال الأعمال أو النخبة كما تفعل الولايات المتحدة، ومن دون طموحات سياسية بشأن تغيير الأوضاع القائمة في منطقة الشرق الأوسط على العكس من الولايات المتحدة.

هذا النهج الصيني في الاستفادة من ظروف التفاعلات الداخلية بالمنطقة قد جعلها "علامة مسجلة" للمشاريع المنجزة، مما أكسبها سمعة جيدة بالمنطقة حتى داخل الدول التي تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي، فالصين قد أنجزت خلال السنوات القليلة الماضية، خط مشاريع سكك حديد بمكة المكرمة، ولجأت لها وزارة الإسكان البحرينية في عام 2018 بشأن إنشاء مشاريع سكن اجتماعية منخفضة التكلفة، بعد أن كانت لها تجربة إنشاء 40 ألف وحدة سكنية بالبحرين أيضاً عام 2014 .)

12(

ينظر إلى الصين وروسيا، وكذلك حلف الناتو، باعتبارهم من القوى الدولية الكبرى الرئيسية التي تعتمد استراتيجية "الراكب المجاني" لتحقيق أهدافها الاستراتيج­ية مستفيدة من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، ومن طبيعة وسياقات النظام الدولي والتفاعلات الدولية والإقليمية الراهنة من جهة أخرى.

2- فقدان الثقة في الولايات المتحدة: باستعراض خريطة المتغيرات التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الفائت، فإن ثمة قاسماً مشتركاً يمكن استخلاصه يتعلق بحالة فقدان الثقة في الحليف أو الشريك الأمريكي، خاصة خلال حقبة الاضطرابات الأمنية التي شهدتها بعض دول المنطقة منذ عام .2011

فقدان ثقة دول العالم في الولايات المتحدة أعطى الفرصة لأطراف دولية أخرى؛ كالصين وروسيا، للاستفادة من هذا الوضع، في ضوء تأكيد بكين على أن نهجها يقوم على عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، وسياسة موسكو التي ترفض الاضطرابات وتميل إلى دعم الاستقرار وإقامة العلاقات مع النظم لا الحركات الاحتجاجية أو أطراف المجتمع المدني، ورعاية مصالحها طويلة الأجل التي تتطلب استقراراً في التفاعلات السياسية وتجيد موسكو الاستفادة منها لتعظيم مكاسبها الاستراتيج­ية( .(

13 3- البحث عن "الشريك البديل": مؤخراً، باتت دول العالم تتطلع إلى إحداث حالة من التوازن في علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى بما يحررها من الارتباط بالولايات المتحدة، حيث استطاعت كل من الصين وروسيا تقديم نفسها بديلاً لا يتدخل في شؤون دول الشراكة ولا يفرض نمطاً من التبعية في إطار العلاقات التحالفية، ما وفر مساحة جيدة من الحركة لدول العالم في إنجاز مساعيها السياسية بالطريقة التي تجدها ملائمة دون تسييس متعمد من جانب قوى دولية أخرى.

ومن أمثلة ذلك، نجاح المملكة العربية السعودية عبر شراكتها مع الصين في تدشين ثاني أكبر مصنع للطائرات من دون طيار

في المملكة منخفض التكلفة( )، والتعاون مع بكين في مجال 14 صناعة الصواريخ الباليستية( .( 15

وعلى الرغم أن الشرق الأوسط هو المجال الجغرافي الحيوي لإيران، التي تتصف علاقاتها تاريخياً مع روسيا ببعض العدائية، فإن الطرفين قد تفاعلا مع التحولات الجيواسترا­تيجية في المنطقة بأن جمعهما مسرح الحرب السورية والعداء للولايات المتحدة سوياً، لدرجة أن الطرفين أصبح شريكين في معركة واحدة، فالروسيون يقدمون الدعم الجوي والبحري، بينما تقوم إيران وميليشياته­ا بتقديم الدعم البرى، ما حدا بالبعض أن يصف "العداء الروسي والإيراني للولايات المتحدة" بأنه "منحة جيوسياسية" ‪(Geopolitic­al Boon)‬ لصالح روسيا( .(

16

وختاماً، فإن صفة "الاستفادة المجانية" قد باتت تحكم حركة الكثير من الفاعلين المهمين في العالم، ولم تعد من شيم القوى الصغرى أو المتوسطة فحسب، الأمر الذي جعلها ظاهرة متنامية بشكل يؤشر إلى استمراريته­ا على المدى المتوسط والبعيد، طالما بقيت السياسات المتعارضة للقوى الكبرى حاضرة بشأن ترتيبات الأمن والاقتصاد الدوليين.

ويضاف إلى ذلك أن استمرار التوتر والنزاع في العديد من مناطق العالم الساخنة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، ذات الأهمية الجيواسترا­تيجية والاقتصادي­ة الكبيرة، سيجعل المنطقة محط أنظار الكثير من محترفي الاستفادة من التطورات الجيواسترا­تيجية لتحقيق المزيد من المكاسب وتعظيم المصالح من دون التحمل بأي تكاليف أو أثمان إضافية.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates