Trending Events - Future Report
المدن الذكية:
ملامح ومؤشرات التحول في العالم والمنطقة العربية
أدى الانتشــار الكبيــر لتكنولوجيــا المعلومــات، اختراعــاً واســتخداماً، خــال العقــود الأخيــرة إلــى نقــل العالــم بشــكل
متسـارع مـن عصـر الصناعـة إلـى عصـر المعلومـات. وبـرزت مصطلحــات ومفاهيــم أصبحــت جــزءاً مــن الحيــاة اليوميــة للمجتمعـات. ففـي مجـال الاقتصـاد بـرزت مفاهيـم مثـل "التجـارة الإلكترونيــة والأعمــال الإلكترونيــة والنقــود الإلكترونيــة". وفــي مجــالات الاتصـال بـرزت مفاهيـم "البريـد الإلكترونـي والتعليـم الإلكترونــي والجامعــة الإلكترونيــة". وفــي المجــال الحكومــي، ظهــرت مفاهيــم "الحكومــة الإلكترونيــة والمدينــة الإلكترونيــة". وقــد أدى كل ذلــك إلــى ظهــور مجتمــع المعلومــات، وتبلــورت مهــن جديــدة، مثــل مــزوّدي الخدمــة الإلكترونيــة ومطــوّري المواقــع الإلكترونيــة للمؤســـسات ...إلــخ.
لقــد ســاهمت التكنولوجيــا فــي زيــادة الكفــاءة والفعَّاليــة الاقتصاديـة والإداريـة، وتحسـين مسـتويات العدالـة الاجتماعيـة، وتحقيـق الأمـن، وزيـادة النمـو الاقتصـادي، ورفـع كفـاءة انتقـال الأمــوال الاســتثمارية عبــر الحــدود. وفــي الوقــت ذاتــه، خفَّفــت مــن الكلفــة الاقتصاديــة فــي مجــالات مختلفــة، وحاصــرت البيروقراطيــة والروتيــن، وخففــت الإجــراءات التــي تهــدر المقــدرات والوقــت، وقلَّلــت مــن الضغــط علــى شــبكات النقــل والازدحــام علــى الطــرق، وخفّضــت مــن معــدلات اســتخدام الطاقــة، وبالتالــي مــن نســب التلــوث، كمــا قلَّصــت مســتويات الجريمــة ومخاطــر العمــل فــي المصانــع والمكاتــب. وقــد أدَّت الاســتفادة مــن مقــدرات التقنيــة بالمجمــل، إلــى تحســين مســتوى حيــاة المجتمعــات والتجمّعــات الســكانية المختلفــة.
وفــي خضــم هــذه الثــورة التكنولوجيــة المعاصــرة، بــدأ مفهــوم "المــدن الذكيــة" يتــردد فــي العالــم أكثــر مــن أي وقــت مضــى، بعدمــا اعتــاد النــاس عبــارات مثــل "الهاتــف الذكــي والتلفزيـون الذكـي والسـيارة الذكيـة والمنـزل الذكـي". ويبـدو أن "الـذكاء" أصبـح بحجـم كـرة كبيـرة تتدحـرج لتضـم مدنـاً بكاملهـا فــي عصــر باتــت فيــه تقنيــة المعلومــات والاتصــالات ركنــاً أساســياً فــي حياتنــا اليوميــة. وهكــذا أصبحــت "المــدن الذكيــة" مــن الموضوعــات التــي أصبحــت مثيــرة للاهتمــام فــي عالمنــا العربــي، لاســيما بعــد الإعــلان عــن اســتضافة دبــي معــرض إكســبو 2020.
وتقــدم "المــدن الذكيــة" بديــلاً كامــلاً لاقتصــاد عالمــي أكثــر فعاليــة وإنســانية وإنتاجيــة وصحــة ونظافــة ورونقــاً وجمــالاً، حتــى أنهــا باتــت تشــكل ركيــزة لمســتقبل البشــرية، لــذا شــيَّدت العديـد مـن الـدول منشـآتها للمـدن الذكيـة التـي أضحـت صـورة باهــرة عــن تطــور الإنجــاز البشــري فــي مجــالات التكنولوجيــا والعمـران؛ ومـن ثـمَّ لـم تعـد "المـدن الذكيـة" صـوراً تتـراءى لنـا مـن الخيـال العلمـي، بـل أصبـح لهـا وجـود علـى أرض الواقـع فــي عــدة دول حــول العالــم. ولقــد تطــوّرت "المدينــة الذكيــة"، فأصبحــت مفهومــاً شــاملاً ومترابطــاً ومتشــعباً، بــل مدرســة عمرانيــة جديــدة قائمــة بحــد ذاتهــا.
ومــع تزايــد الحديــث عــن هــذا المفهــوم، تُثــار العديــد مــن التسـاؤلات التـي يسـعى هـذا التقريـر للإجابـة عنهـا، مـن قبيـل: مـا المقصـود بالمـدن الذكيـة، ومـا أهميتهـا وأهدافهـا؟ وما سـماتها أو خصائصهــا الرئيســية؟ ومــا المشــكلات أو التحديــات التــي تواجههـا؟ ومـا موقـع عالمنـا العربـي مـن هـذه التطـورات؟ ومـا أبـرز نمـاذج المـدن الذكيـة الموجـودة فـي العالـم؟ وكيـف يمكـن التوسـع فـي هـذه المـدن الذكيـة فـي الـدول العربيـة والخليجيـة؟
اأولً: النûشÉأة والأهداف:
ثاثية التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية ونوعية الحياة
تـم إطـلاق مصطلـح "المدينـة الذكيـة" للمـرة الأولـى فـي المؤتمـر الأوروبـي للمدينـة الرقميـة فـي عـام 1994، وبعدهـا، وتحديـداً فـي عـام 1996، دشّـن الأوروبيّـون "مشـروع المدينـة الرقميـة
الأوروبيّـة" فـي عـدد مـن المـدن، ثـم تبَّنـت السـلطات الأوروبيـة بشــكل أساســي مدينــة أمســتردام مدينــة ذكيــة، تلتهــا مدينــة هلســنكي عاصمــة فنلنــدا.
وانتشــر هــذا المصطلــح فــي معظــم مــدن العالــم، حتــى تــم تطبيقـه فـي أنحـاء متفرقـة ومتعـددة منـه، وأصبحـت هنـاك مـدن ذكيــة فــي أوروبــا وأمريــكا وآســيا واســتراليا، وكذلــك منطقتنــا العربيـة، فهــي ليســت بعيــدة علــى الإطـلاق عــن تشــييد "المــدن الذكيـة"، فثمـة مشـاريع قائمـة فـي الإمـارات؛ إذ أطلـق صاحـب الســمو الشــيخ محمــد بــن راشــد آل مكتــوم نائــب رئيــس الدولــة رئيـس مجلـس الـوزراء حاكـم دبـي مبـادرة "المـدن الخضـراء" فــي عــام 2007، ويجــري العمــل حاليــاً علــى تعميــم التدابيــر والتعامـلات الإلكترونيـة فـي معظـم دول الخليـج وبعـض الـدول العربيــة، لاســيما فــي الســعودية والكويــت وقطــر ومصــر.
وتُعــرِّف الموســوعات ومراكــز دراســات الأبحــاث التكنولوجيـة "المدينـة الذكيـة" بأنهـا مدينـة "معرفـة"، أو "مدينـة رقميــة"، أو "مدينــة إيكولوجيــة"، تعتمــد خدماتهــا علــى البنيــة التحتيـة لتكنولوجيـا المعلومـات والاتصـالات، مثـل أنظمـة مـرور ذكيـة تُـدار آليـاً، وخدمـات إدارة الأمـن المتطـورة. والمـدن الذكية تستشـرف المسـتقبل علـى الصعيديـن الاقتصـادي والاجتماعـي، وهــي تســمح برصــد البنيــة التحتيــة الأساســية بمــا فيهــا الطــرق والجســور والأنفــاق والســكك الحديديــة والمطــارات والموانــئ البحريــة والاتصــالات والميــاه والطاقــة بــل والأبنيــة الرئيســية، مــن أجــل الوصــول إلــى الدرجــة المثلــى مــن المــوارد والأمــن، وتســمح كذلــك بتعظيــم الخدمــات المقدمــة للمواطنيــن، وتوفــر بيئــة مســتدامة تعــزز الشــعور بالســعادة والصحــة.
مغــزى ذلــك أن "المدينــة الذكيــة" مصطلــح يعنــي اســتخدام التكنولوجيـا بشـكل مركـزي متطـور فـي كل شـيء، بمـا يـؤدي إلــى تحســين مســتوى حيــاة المجتمعــات والتجمّعــات الســكانية المختلفــة.
ولا يمكــن للمدينــة الذكيــة أن تظهــر فجــأة، فمــن أجــل أن تتحـول المدينـة إلـى مدينـة ذكيـة ينبغـي أن يتـم تكامـل الأنظمـة فيهـا مثـل شـبكات توزيـع الكهربـاء والميـاه، وأنظمـة المواصلات العامــة والخاصــة، والمبانــي التجاريــة والســكنية والمستشــفيات وغيرهــا. وكل هــذه التطويــرات مجتمعــة تجعــل مــن المدينــة مسـتدامة وصديقـة للبيئـة وتصلـح لنمـط عيـش صحـي، بالإضافـة إلــى كفــاءة عاليــة فــي مجمــل العمليــات فيهــا.
وتُعــد العلاقــة بيــن المدينــة الذكيــة ومواطنيهــا هــي أكبــر مــا يميزهــا عــن المدينــة التقليديــة، فالخدمــات التــي تعززهــا تكنولوجيــا المعلومــات والاتصــالات فــي المــدن التقليديــة لا تسـتطيع الاسـتجابة للظـروف الاقتصاديـة والثقافيـة والاجتماعيـة المتغيــرة بالطريقــة التــي تســتطيعها خدمــات المــدن الذكيــة، وبالتالـي تركـز المدينـة الذكيـة فـي المقـام الأول علـى الإنسـان، وتعتمـد علـى البنيـة التحتيـة لتكنولوجيـا المعلومـات والاتصـالات والتطــور العمرانــي المســتمر، وتُراعــي علــى الــدوام الاســتدامة البيئية والاقتصادية.
وطبقــاً للتقاريــر الاقتصاديــة العالميــة، فــإن أحــد أكبــر التحديــات التــي تواجــه الحكومــات هــي "التحضــر"، والــذي يسـتلزم إنشـاء المـدن الضخمـة فـي جميـع أرجـاء العالـم، فوفقـاً لإحصـاءات الأمـم المتحـدة يعيـش أكثـر مـن نصـف سـكان العالـم حاليـاً فـي المـدن، ومـن المُرجـح أن تزيـد هـذه النسـبة لتصـل إلـى نحــو 70% بحلــول عــام 2050.
ويفــرض مثــل هــذا التحــول الديموغرافــي تحديــات كبيــرة بالنسـبة للمناطـق المتقدمـة والناميـة علـى حـد سـواء، ففـي ظـل مواجهــة التوســع الســكاني، تُكافــح الحكومــات بالفعــل لتلبيــة الطلــب علــى البنيــة التحتيــة والخدمــات والمــوارد بمــا فــي ذلــك الميــاه والطاقــة. وفــي الوقــت ذاتــه، يتعيــن علــى الحكومــات أيضـاً تعزيـز النمـو الاقتصـادي والتعامـل مـع المشـكلات البيئيـة المتفاقمــة، علمــاً بــأن كل ذلــك يتــم غالبــاً فــي ســياق مــن القيــود الماليــة.
وتعــد التكنولوجيــا الرقميــة مــن بيــن أكثــر الوســائل الواعــدة للمســاعدة علــى مواجهــة هــذه التحديــات المتعــددة، حيــث يمكــن لــأدوات الرقميــة الصحيحــة تحســين جــودة الحيــاة فــي المــدن مــن خــلال تمكيــن الحكومــات مــن تقديــم الخدمــات بشــكل أكثــر كفـاءة. كمـا يمكـن أن تسـاهم "الرقمنـة" فـي إيجـاد فـرص عمـل فــي المجــالات الواعــدة القائمــة علــى التكنولوجيــا، مثــل تحليــل البيانــات وتطويــر التطبيقــات، وتخفيــف الأثــر البيئــي للمــدن الضخمـة، علـى سـبيل المثـال، مـن خـلال جعـل النقـل الحضـري أكثــر كفــاءة.
وتتمثــل الخطــوة التاليــة فــي تطبيــق "الرقمنــة" بشــكل أكثــر مباشــرة فــي التخطيــط الحضــري، وذلــك بهــدف إنشــاء (مــدن رقميــة) أو منظومــات ذكيــة ذات قــدرة أكبــر علــى مواجهــة تحديــات النمــو والتوســع. وعلــى النقيــض مــن المــدن التقليديــة، التـي أُنشـئت بشـكل عشـوائي، يجـرى تصميـم المـدن الذكيـة عـن قصــد فــي إطــار بنيــة تحتيــة متكاملــة، ممــا يجعلهــا أقــدر علــى تقديــم الخدمــات المتكاملــة ذات القيمــة المضافــة علــى غــرار
المدينةالذكية يُقصد بهـــا المدينة التـــي يتوافر بها خدمـــات الاتصالات وتقنيـــة المعلومـــات المتطـــورة، وتعتمـــد علـــى فكـــرة ربـــط الأماكن العامـــة في المدينة كالمطارات والأســـواق والحدائـــق والمنتزهات والمستشـــفيات وأماكن التجمع العامـــة في المدينـــة عـــن طريـــق اســـتخدام تقنيـــات اتصال متطـــورة مثل تقنية "واي ماكـــس" ونقاط التوزيع الســـاخنة (Hotspots)، بحيـــث يكـــون في اســـتطاعة ســـكان المدينة الذكية اســـتخدام أجهزتهم المحمولة للوصول إلى شـــبكة الإنترنت، والاتصال بكافة المؤسسات والهيئـــات في مدينتهم لإنجـــاز أعمالهـــم ومعاملاتهم إلكترونياً.