سادسا: إشكاليات وتحديات “الهيمنة الذكية”
ينـذر التوسـع يف االعتـامد عـى الخوارزميـات وتطبيقـات الـذكاء االصطناعـي، خاصـة تلـك التـي تعمـل كوسـيط للحصـول عـى الخدمـات والفـرص، مثـل الخدمـات املاليـة، واالئتـامن، واإلسـكان، والتوظيـف، بإمكانيـة قيامهـا باتخـاذ قـرارات ليسـت منصفـة نتيجـة درجـة التعقيـد التـي تعتمـد عليهـا، فقـد تكـون الخوارزميـات التـي تقـوم عليهـا تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي مثاليـة مـن ناحيـة الرياضيـات، ولكنهـا ليسـت دامئـا كذلـك يف الواقـع العمـي(15).
وهنـاك إشـكاليات منهجيـة يثرهـا الـذكاء االصطناعـي، خاصـة بقدرتـه عـى تكويـن رأي وإصـدار األحــكام النهائيــة حولــه، فمثــالً كيــف ســتكون حــال حريــة التعبــر إذا كانــت خوارزميــات الــذكاء االصطناعـي تتدخـل يف عـرض املوضوعـات واألخبـار وتحـدد ترتيـب عرضهـا، وكيـف ميكـن الحديـث عـن املسـاواة والعدالـة، إذا كانـت تتدخـل يف تحديـد األشـخاص املؤهلـن لشـغل الوظائـف؟ وميكـن تفصيــل هــذه اإلشــكاليات والتحديــات املرتبــة عــى التوســع يف تطبيقــات الــذكاء االصطناعــي عــى النحـو التـايل: -1 اختـال توزيـع الدخـول: يرتـب عـى تطبيـق أي تكنولوجيـا جديـدة اختـالل واضـح يف توزيـع الدخـول، نظـراً ملـا تتسـبب فيـه مـن تراجـع الطلـب عـى بعـض الوظائـف، وتنشـيط الطلـب عـى العاملة املاهـرة القـادرة عـى التعامـل مـع هـذه التكنولوجيـا، وهـو األمـر الـذي سـيقلل الطلـب عـى العاملـة
غـر املاهـرة، ويـؤدي إىل تفـاوت يف الدخـول بـن القـوى العاملـة يف العديـد مـن الـدول.
ومـن جهـة ثانيـة، فإنهـا قـد تزيـد مـن قـوة أصحـاب الـرشكات يف مواجهـة العاملـن، نظـراً ألن بعـض تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي قـد تغـري أصحـاب الـرشكات بالتوسـع يف تبنـي ترتيبـات العمـل املـرن، وهـو مـا قـد يشـعر العاملـن بعـدم االسـتقرار املهنـي، مبـا يؤثـر يف النهايـة عـى إنتاجيتهـم.
وعـى الصعيـد الـدويل، فـإن تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي تُعـزز مـن التفـاوت بـن الـدول وبعضهـا، فاالفتقـار إىل إمكانيـة الوصـول إىل التكنولوجيـات الجديـدة يف أقـل البلـدان منـواً يُهـدد بزيـادة عـدم املسـاواة بـن البلـدان بصـورة كبـرة(25)، خاصـة أن قـدرة الـدول الناميـة عـى تبنـي تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي قـد تواجـه بصعوبـات فنيـة وسياسـية، خاصـة أن الـدول املالكـة لهـذه التطبيقـات لـن تقـوم مبشـاركتها مـع الـدول الناميـة، وهـو مـا قـد يعـزز الفجـوة التكنولوجيـة القامئـة بـن الـدول الناميـة واملتقدمـة. -2 التهديـد باختفـاء بعـض املهـن: يدفـع التوسـع يف اسـتخدام الـذكاء االصطناعـي يف العديـد مـن القطاعـات االقتصاديـة واالجتامعيـة والسياسـية إىل تقليـص االعتـامد عـى العاملـة البرشية واالسـتعاضة عنهــا بالــذكاء االصطناعــي، خاصــة أن أجهــزة الحاســب اآليل باتــت متتلــك القــدرات عــى القيــام باألعـامل، التـي كان ينظـر إليهـا فيـام سـبق عـى أنهـا مجـال محجـوز للبـرش.
ومَّكـن التقـدم املذهـل يف مجـاالت الذكاء االصطناعــي املختلفــة مثــل: الروبوتــات، والطباعــة ثالثيــة األبعــاد، وعلــم الوراثــة، وأجهــزة الكمبيوتــر مــن أداء بعــض مهــام املهندسـن املعامريـن، واألطبـاء، واملؤلفـن املوسـيقين، وحتـى املتخصصـن يف الرسـم.
ويف هــذا الصــدد، عــَّرب الخــرباء االقتصاديـون عـن قلقهـم بشـأن ذلـك األمر، فاالعتـامد املُتنامـي عـى الـذكاء االصطناعي مـن شـأنه أن يـؤدي إىل خسـارة الكثـر مـن الوظائـف، وقـد أظهـرت آخـر بيانـات إدارة الشــؤون االقتصاديــة واالجتامعيــة التابــع لألمــم املتحــدة )UN DESA( أنــه بحلــول عــام 2050 مــن املتوقــع أن يصــل عــدد السـكان إىل 9.8 مليـار شـخص، وأكـر مـن 6 مليـارات منهـم سـيكونون يف سـن العمـل.
ومـن ثـم يُعـد هـذا مـن أسـباب اعتبـار التكنولوجيـات الجديـدة أحـد املهـددات األساسـية ألسـواق العمــل البرشيــة(35). وكشــفت دراســة نــرشت يف هــذا الصــدد، وتــم عرضهــا يف منتــدى دافــوس االقتصـادي يف عـام 2018 أن 1.4 مليـون وظيفـة يف الواليـات املتحـدة سـتكون ُمهـددة بسـبب التقنيـات الجديـدة بحلـول ،2026 وأن %47 مـن الوظائـف مهـددة بـأن تتحـول إىل وظائـف تعتمـد عـى الـذكاء االصطناعــي(45).