Future Studies

خاتمة:

-

تتعـدى أهميـة الـذكاء االصطناعـي كثـراً فكـرة اإلنسـان اآليل أو الروبـوت الـذي يعمـل ويفكـر ويشـعر كالبــرش، أو الــذي يفــوق البــرش مهــارًة وذكاء، للدرجــة التــي جعلــت البعــض ينــادي بتطويــر قــدرات البــرش عــرب زرع رشائــح ذكيــة يف أدمغتهــم لــي تجــاري قــدرات الــذكاء االصطناعــ­ي فيصبــح مــع الوقـت إنسـان نصـف آيل. إن حقيقـة األمـر تتعلـق مبنظومـة قيميـة واخالقيـة وقانونيـة شـاملة تحكـم تفاعــالت الحيــاة اإلنســاني­ة الجديــدة، تلــك الحيــاة التــي تجمــع يف شــقيها اإلنســان اآليل واإلنســان البـرشي بحيـث يتـم توظيـف الـذكاء االصطناعـي يف تعزيـز قـدرات البـرش عـى التفاعـل مـع البيئـة املحيطـة بهـم واسـتيعاب املعطيـات الكاملـة لـه.

ويف تعبـر لـه قـال الرئيـس الـرويس، فالدميـر بوتـن، إن مـن سـيقود “الـذكاء االصطناعـي سـيحكم العــامل،” ومــن ناحيتــه وقــع الرئيــس األمريــي دونالــد ترامــب قــراراً تنفيذيــاً يطلــب مــن الــوكاالت االتحاديــ­ة تخصيــص مزيــد مــن املــوارد للبحـث يف تكنولوجيـا الـذكاء االصطناعـي، ومتتلـك الصن اسـراتيجية طموحـة للهيمنة عـى هـذا املجـال.

فالعـامل عـى اعتـاب ثـورة جديـدة سـتغر شــكل الحيــاة البرشيــة يقودهــا الــذكاء االصطناعــ­ي، فهــي ثــورة شــاملة عــى مختلــف املســتويا­ت، األمنيــة واالقتصادي­ــة واالجتامعي­ـة وغرهـا، وذلـك ألن تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي تتعـدد وتتزايـد بصـورة يصعــب حرهــا، فهــي تقريبــاً تدخــل يف املجــاالت اإلنســاني­ة كافــة، وحتــى اللحظــة مل يتــم وضــع تصــور أو تقييــم موضوعــي لتداعيــات هــذه التطبيقــا­ت، خاصــة مــع انقسـامها مـا بـن تطبيقـات مدنيـة وأخـرى عسـكرية، واختـالف تداعياتهـا يف كل منهـا، بــل ميكــن القــول أن بعــض التطبيقــا­ت املدنيــة للــذكاء االصطناعــ­ي، والتــي مــن املفــرض أن تجعــل حيــاة األفــراد أســهل وأرسع مثـل منـط املـدن الذكيـة الـذي يجمـع التقنيـات كافـة الخاصـة بنظـم الـذكاء االصطناعـي، قـد تكــون ســبباً يف زيــادة ســطوة اآلالت عــى الحيــاة البرشيــة.

وتتعــدد التداعيــا­ت املرتبــة عــى زيــادة االعتــامد عــى تقنيــات الــذكاء االصطناعــ­ي، ســواء كانــت

أمنيــة أو اجتامعيــة أو اقتصاديــة أو حتــى إنســانية وقانونيــة. فمــن ناحيــة اقتصاديــة، فــإن الــذكاء االصطناعـي سـوف يؤثـر عـى حجـم ونوعيـة الوظائـف وفـرص العمـل املتاحـة، حيـث مـن املتوقـع أن يؤثـر الروبـوت سـلباً عـى الوظائـف يف مجـال الصناعـات التحويليـة وصناعـة السـيارات واألدوات الكهربائيـ­ة، باإلضافـة إىل خدمـة العمـالء، بينـام سـيرتب عليـه ازدهـار طائفـة أخـرى مـن الوظائـف، مثـل الهندسـة امليكانيكي­ـة وهندسـة األمـن والسـالمة وصناعـة السـوفت ويـر والربمجيـا­ت واإللكروني­ات، وينطبــق األمــر ذاتــه عــى الســيارات ذاتيــة القيــادة والطائــرا­ت مــن دون طيــار والطابعــا­ت ثالثيــة األبعـاد، حيـث تهـدد وظائـف وتنعـش وظائـف أخـرى.

أمـا مـن املنظـور األمنـي، فـإن مـن التداعيـات الخطـرة التـي تطرحهـا تقنيـات الـذكاء االصطناعـي تهديــد حــق البــرش يف الحيــاة، ويتضــح ذلــك يف حالــة األنظمــة القتاليــة املســتقلة ‪Lethal Auton-(‬ ‪)omous Weapons‬ مثــل الطائــرات مــن دون طيــار (الدرونــز) التــي تحمــل أســلحة، أو الروبوتــا­ت املوجـودة يف أرض املعـارك للقيـام بوظائـف محـددة، حيـث تكمـن الخطـورة هنـا يف أن هـذه األجهـزة مصممـة مـن أجـل التدمـر أساسـاً، فـامذا يحـدث إذا وقعـت يف يـد الشـخص الخطـأ، أو تـم اخراقهـا لقصـور أو خطـأ بـرشي يف إجـراءات التأمـن والتالعـب بالخوارزمي­ـات التـي تتحكـم فيهـا، إذ يتوقـع يف هـذه الحالـة أن تكـون النتائـج كارثيـة. ويضيـف البعـض اآلخـر عـدداً مـن التداعيـات اإلنسـانية واألخالقيـ­ة، فزيـادة االحتـكاك مـع اآلالت، مـن شـأنه أن يفصـل اإلنسـان تدريجيـاً عـن محيطـه الطبيعـي االجتامعـي البـرشي، وأن يفقـد العالقـات البرشيـة مرونتهـا التقليديـة، ويجعلهـا أكـر صالبـة وجمـودا، ويصبـح الهـدف مـن العالقـات اإلنسـانية ماديـاً بعـد أن كان معنويـاً باألسـاس.

ويف ضـوء مـا سـبق، يصبـح التسـاؤل الرئيـي، مـا هـي القواعـد األخالقيـة التـي تحكـم العالقـات بـن اإلنسـان واآللـة، وبـن اآللـة واآللـة أيضـا؟ ومـا هـي املنظومـة القيميـة أو مجموعـة القواعـد العليـا التـي يجـب أن تعمـل يف إطارهـا هـذه العالقـات “البرشيـة – الروبوتيــ­ة”؟ كــام يثــار التســاؤل حــول الكيفيــة التـي سـيتم مـن خاللهـا التعامـل مـع التجـاوزات التـي تصـدر عـن اآلالت، مثـل اعتـداء اآللـة عـى اإلنسـان، كأن تقتـل السـيارة ذاتيـة القيـادة إنسـاناً، أو أن يتـم توظيـف كامـرات املراقبـة يف انتهـاك خصوصيـة األفـراد، أو أن يتسـبب تعليـم اآلالت يف ضمـور القـدرات البرشيـة، أو أن تتحكـم خوارزميـات البحـث عـى اإلنرنـت يف أمنـاط تفكرنـا وأولوياتنـ­ا، وهـي كلهـا أسـئلة وقضايـا أخالقيـة وفلسـفية كثـرة، البـد مـن اإلجابـة عنهـا أوالً لضـامن الحفـاظ عـى هويتنـا البرشيـة.

ختامـاً، ينبغـي االسـتعداد ملرحلـة سـيكون فيهـا الـذكاء االصطناعـي هو املسـيطر عـى الحياة اإلنسـانية، ويجـب العمـل نحـو إنشـاء منظومـة قانونيـة وقيميـة وأخالقيـة ومؤسسـاتية شـاملة تحافـظ عـى حقـوق البـرش مثلـام تحافـظ أيضـاً عـى تطويـر هـذه الصناعـة التـي سـتغر شـكل الحيـاة البرشيـة، ولكـن يجـب أن تضمـن عـدم سـيطرة اآللـة عـى اإلنسـان وأن يظـل اإلنسـان هـو املتحكـم الرئيـي فيهـا.

ينــذر التوســع يف االعتــاد عــى الخوارزميـ­ـات وتطبيقــات الــذكاء االصطناعــ­ي، خاصــة تلــك التــي تعمــل كوســيط للحصــول عــى الخدمــات والفــرص، مثــل الخدمــات املاليــة، واالئتــان، واإلسـكان، والتوظيـف، بإمكانيـة قيامهـا باتخـاذ قـرارات ليسـت منصفـة نتيجـة درجـة التعقيـد التــي تعتمــد عليهــا، فقــد تكــون الخوارزميـ­ـات التـي تقـوم عليهـا تطبيقـات الـذكاء االصطناعي مثاليـة مـن ناحيـة الرياضيـات، ولكنهـا ليسـت دامئـا كذلـك يف الواقـع العمـي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates