Trending Events

نهاية الدفاع:

كيف يمكن تحييد مصادر تهديد أمن الإقليم؟

-

يمثل "التفكير الدفاعي" مشكلة في التعامل مع مصادر تهديد أمن الإقليم في المرحلة الحالية، خاصة أن تلك "المصادر" – سواء كانت دولاً أو تنظيمات – لم تعد ترتدع، بفعل وجود معادلات داخلية تمنعها من اتخاذ قرارات واقعية، واتباعها استراتيجيا­ت بدائية تسيطر عليها أفكار متسلطة، يبدو معها وكأنه ليس أمامها إلا ما تقوم به، مع ميول متطرفة إلى حد "القتل" لدى بعضها، لذا فإنها تهاجم وتتقدم نحو أي متر مربع تتيح لها قدراتها الوصول إليه، مع القيام بأعمال تدميرية ضد أي طرف أو هدف طالما أتيح لها ذلك، فهناك ملامح "غابة" في الشرق الأوسط.

الواضح، أن ذلك الوضع سوف يستمر لفترة، مشكلاً ما يسمى الوضع الطبيعي الجديد (New Normal )، في الإقليم، وهو ما تدركه القيادات الرئيسية في المنطقة حالياً، على نحو ما تشير إليه تصريحات متكررة بأن هناك حالة حرب شاملة، أو أنه يجب الاستعداد للأسوأ، أو أن المنطقة تنهار، وصولاً إلى تعبير شهير وهو "أن لا أحداً بمنأى عما يدور"، لكن الوجه الآخر للوضع الطبيعي الجديد، هو أنه يجب التعايش معه، فالعمل والنمو والتحديث، والحياة عموماً، لا يجب أن تتأثر على الإطلاق، ويجب "استعادة السيطرة" إثر أي اختلال يحدث، والاعتياد على ذلك، فلم تتوقف الحياة في لبنان خلال 15 سنة من الحرب الأهلية، ولم يتوقف التطور في دول الخليج العربية على الرغم من نشوب 3 حروب طاحنة حولها، وتحاول مصر أن تتعايش مع ذلك الآن، بأن تستمر الحياة على الرغم من التفجيرات.

إن الشرق الأوسط لم يكن إقليماً مستقراً أبداً، كما هو سائد، لكن حالة عدم الاستقرار وصلت فيه حالياً إلى مستوى غير مسبوق من الخطورة، كما يوضح الملحق الثاني لهذا العدد، لكن – على سبيل التفاؤل التاريخي - لا يبدو الوضع ميؤوساً منه تماماً، فهناك أقاليم مرت بأوضاع أسوأ، وتحطمت دولها تماماً أو لحق بها دمار هائل، كغرب أوروبا وشرق آسيا ومنطقة البلقان "مرتين" وجنوب شرق آسيا، وأمريكا الوسطى، وتمكنت بعض هذه الأقاليم من تجاوز تلك الفترات بسرعة مذهلة، لأنها قامت بما يجب القيام به– ضمن سياسات أخرى– فأعلنت مواجهة "الكوابيس الإقليمية" التي تهدد أمنها بشكل مباشر، وبأساليب تتجاوز التفكير الدفاعي، وفي سبيل ذلك دفعت ثمناً، لكنها كانت قد صارحت شعوبها مقدماً بأنها قد تدفعه، على غرار عبارة تشرشل حول "الدموع والدماء"، لأن

البديل أكبر من أن يحتمل.

إن الدفاع لم يكن سياسة منطقية أبداً، على الرغم من أنها تبدو واقعية ومتعقلة، ويمكن أن يؤدي الالتزام بها إلى مشاكل، يمكن توقع بعضها، ويصعب توقع البعض الآخر إلا عندما تحدث بالفعل. فواحدة من بديهيات التاريخ أن وزارات الدفاع الحالية كانت تسمى "وزارات الحرب" أو الحربية، وفي بعض الدول العربية كانت الخدمة العسكرية تسمى "الجهادية"، فهذا هو الأصل القديم، في أزمنة كانت الأمور تسمى فيها بمسمياتها الحقيقية "البيضاء والسوداء"، في ظل وجود حالتين فقط لعلاقات الدول وقتها، هما الحرب والسلالالا­م والسلام.

فيما بعد، تعقد كل شيء، وأصبح مصطلح "الصراع" هو الأساس، وليس الحرب، وتعددت عناصر القوة الشاملة متجاوزة القوة العسكرية، وبالنسبة للأخيرة، تنوعت أشكال الأسلحة واستراتيجي­ات استخداماته­ا، بين دفاع وهجوم وردع وإجبار، بل و"استعراض قوة"، ليبدأ الميل نحو "الاستخدام الفعلي" للأسلحة في التقلص، كلما زادت القوة التدميرية لها، خاصة أنها تصبح أحياناً عشوائية الأثر ومفرطة الضرر، ولم تعد الشعوب تقبل الخسائر البشرية أو مقتل المدنيين ولو كخسائر جانبية في حروب مشروعة. وأصبح الدفاع هو الاستخدام المقبول للقوة المسلحة، ولم يعد مستساغاً أن تضم حكومة "وزير حرب"، وكأن مهمته هي شن الحروب.

لكن عندما يعود من يحملون أو "يخفون" أعلاماً سوداء، ويقسمون العالم إلى "فسطاتين" أو "دارين" للإيمان والكفر، ويقتلون وفقا للهوية، بمنطق العصور الوسطى، فإن الدفاع لا يصلح كأسلوب للتفكير في استخدام القوة المسلحة وقت الضرورة، ناهيك عنه كإطار للتفكير في استخدام القوة عموماً، خاصة أن "الفاعلين الدوليين" لن يتدخلوا إلا إذا في حال المساس بثلاث مصالح حيوية لهم مرة واحدة.

لقد استقر التفكير الاستراتيج­ي في العالم، عبر آلاف السنين، على عدة أمور أصبحت من الأحكام الشائعة، فيما يتعلق باستخدام القوة عموماً، والقوة العسكرية تحديداً، هذه الأحكام يمكن أن توضح المقصود بأن "التفكير بطريقة دفاعية" من جانب الأطراف التي تريد استعادة الاستقرار في الإقليم، لن يؤدي إلى حل المشكلات القائمة، قبل خروجها عن نطاق السيطرة، أهمها ما يلي:

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates