Trending Events

تأثير المحيطات:

التعاون الإقليمي في أمريكا اللاتينية بين الأطلنطي والهادي

- سانتياجو فيار باحث بمركز برشلونة للشؤون الدولية- إسبانيا (CIDOB)

ويأتي قرار إنشاء مؤسسة مالية جديدة انتصاراً كبيراً لسياسة موسكو الخارجية، إذ استطاعت أن تثبت لباقي العالم أنها ليست منعزلة (أو مقتصرة على أقرب شركائها وتابعيها)، وأن دول بريكس قادرة على إطلاق مشروعات ذات أهمية عالمية. وعلاوة على ذلك، لم تأت المحصلة النهائية نتيجة صفقة تمت فيها مقايضة شراء موسكو نمط سياسة خارجية منشودة من الدول الأخرى مقابل قروض وأسعار طاقة مخفضة وخدمات اقتصادية أخرى؛ فقد اتفقت الدول على المشاركة بحصص متساوية للصندوق الجديد بقيمة ملياري دولار أمريكي وإتاحة 8 مليارات أخرى لاحقاً للصندوق للوصول إلى مستهدف يصل إلى 50 مليار دولار. والأهم من ذلك هو دعم الوكالة الدولية الجديدة لقرار روسيا الأخير باستعادة صدارتها السابقة في مجال التنمية الدولية.

ولعل هذه الخطوة تأتي كذلك في سياق مراجعة روسيا سياستها الإنمائية الدولية. فقد اقترح كونستانتين كوساشيف، الرئيس الجديد للوكالة الفيدرالية لشؤون رابطة الدول المستقلة والمغتربين الروس والتعاون الإنساني، في عام 2013 تحويل هذه الوكالة إلى وكالة تنمية دولية روسية تقوم بتوزيع أموال المعونات وإدارة برامج المساعدات الثنائية. وكان الهدف من وراء هذا التغيير هو تحقيق استفادة سياسية أكبر من خلال توزيع المساعدات، فالحكومة الروسية ستقوم بتوزيعها مباشرةً وليس عن طريق وكالة دولية. كما اعتمدت روسيا في أبريل 2014 استراتيجية تنمية دولية جديدة تركز على المشروعات الثنائية، على عكس مثيلاتها متعددة الأطراف، ولكن التغيير الفعلي لتلك السياسة لم يتم حتى الآن.

2 إعادة بناء التواصل الدولي

تعمل روسيا منذ عام 2003 على أن يكون التواصل مع شعوب العالم أولوية لها، فقد قام الرئيس فلاديمير بوتين بخطوات متعددة، منها تولي قيادات جديدة إدارة وكالة الأنباء الروسية "نوفستي" ومحطة البث الإذاعي "صوت روسيا"، وتم زيادة التمويل وافتتاح قناة أخبار دولية جديدة تبث على مدار الساعة هي "روسيا اليوم". وفي الأعوام التالية أطلقت روسيا مشروع "ما وراء الأخبار"، الذي يقوم بنشر الملحقات المتعلقة بروسيا حول العالم، وأنشأت "المؤسسة الروسية الدولية" التي تعمل على نشر الثقافة واللغة الروسية في الخارج.

وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيج­ية عملت في البداية اعتقاداً بأن سيطرة الغرب على الإعلام الدولي هي ما تقود لنشر الأكاذيب والسلبيات والصورة القاتمة حول الدول غير الغربية، فإن السنوات التالية، خاصة حرب جورجيا وأوسيتيا الجنوبية 2008، أوضحت أن روسيا بحاجة لتغيير نظرة العالم لها، وهو ما برز مع التغيرات الكبرى في كبريات وسائل الإعلام مع اشتعال الأزمة الأوكرانية مؤخراً، لكن على الرغم من ازدياد متابعي وسائل الإعلام الروسية الموجهة للأجانب، إلا أنه ليس واضحاً بعد أثر التواصل الإعلامي باعتباره من أدوات القوة الناعمة، ومازلنا نتابع رؤية أهدافه السياسية، وإلى أي قدر قد يشكل توجهاً ثابتاً لموسكو في إدارة سياساتها الخارجية.

ثانياً: ا�ستخدام القب�سة ال�سلبة

تسعى موسكو إلى الرد على الغرب بسلوك شبه متماثل، وهي في ذلك تعمل جاهدة للحفاظ على وضعيتها في منطقة نفوذها القريبة، لكنها تواجه عقبات يمكن إبرازها فيما يلي:

1 العقوبات الغربية والرد الروسي

تضمن رد فعل الغرب تجاه ضم روسيا شبه جزيرة القرم للاتحاد الروسي واشتراكها في القتال الدائر في شرق أوكرانيا مجموعة من العقوبات، استهدفت التضييق على المصارف الحكومية الروسية من الوصول إلى الأسواق المالية الأوروبية، ومنع بيع السلاح والبضائع ذات الاستخدام المدني والعسكري، ومنع توريد التكنولوجي­ا في القطاع النفطي، وتلك المستخدمة في تنمية جرف القطب الشمالي لروسيا.

وتتضمن الدول التي شاركت في فرض العقوبات بطريقة أو بأخرى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا واليابان.

وتسعى موسكو لإثبات أن هذه العقوبات (أو أي من وسائل الضغط الأخرى) لن تؤدي إلا إلى رد فعل مماثل وإلى المزيد من تصعيد الأزمة؛ فردت بحظر واردات المنتجات الغذائية القادمة من الدول التي شاركت في العقوبات (وهذه الواردات تمثل من 15% إلى 30% من الاستهلاك الروسي من هذه المنتجات). ومن المتوقع أن تقوم روسيا بالمزيد من الإجراءات الانتقامية إذا استمر الغرب في فرض العقوبات عليها.

وعلى الرغم من دعم الشعب الروسي حالياً للكرملين وشعوره بالوحدة نتيجة مشاعر "الالتفاف حول راية الوطن" والتي بثتها وعززتها وسائل الإعلام الروسية، فإن الموقف قد يتحول إذا ما بدأ الناس بالتأثر سلبياً جراء هذه بالمواجهة. لكن يمكن لروسيا أن تتجاوز التوترات المتزايدة على الرغم من الانكماش الاقتصادي الناتج إذا غاب الضغط المحلي واستطاعت النخبة الحاكمة أن توجه هذا الضغط إلى اتجاهات مقبولة.

2 عواقب الأزمة الأوكرانية

ستؤدي الأزمة الدولية الراهنة في علاقات روسيا مع الغرب، والناجمة عن الوضع في أوكرانيا، إلى المزيد من العواقب الشديدة لكل أطرافها. والقيادة الروسية أقل كفاءةً في التخطيط الاستراتيج­ي منها في التخطيط التكتيكي وصنع القرار، ولكن الموقف الحالي سيؤدي بها لاتخاذ قرارات ذات عواقب طويلة المدى. وستفسح الأزمة المتزايدة وقطع خطوط الاتصال مع الشركاء الغربيين المجال للمتشددين ليكونوا أكثر تأثيراً في الشؤون المحلية والدولية، فهم يستثمرون بسخاء في تقوية الجيش والأجهزة الأمنية، وسيتخذون الأزمة الراهنة ذريعةً لهذا التصرف بكل سهولة، وستؤدي استثماراته­م بالتالي إلى عجز أمني في شرق أوروبا، بما فيها أوكرانيا التي ستضطر إلى اللجوء إلى المزيد من الترتيبات الأمنية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

يبدو أثر تجارب الوحدة الأوروبية في النصف الثاني من القرن العشرين، ظاهراً بوضوح على أول مشروعات التكامل الإقليمي الحديثة في أمريكا اللاتينية. فقد شهدت منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي منذ بدايات القرن الواحد والعشرين مولد هيئات إقليمية جديدة بسمات وأهداف مختلفة، تركز على السياسات الاجتماعية، وليس القضايا المتعلقة بالتجارة والاقتصاد فقط. ومن أبرز أمثلتها "التحالف البوليفاري لشعوب قارتنا الأمريكية" (ألبا) (2004،) واتحاد دول أمريكا الجنوبية (2008،) ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي (2010).

وعلى الرغم من التركيز على الجوانب الاجتماعية في الاتحادات، فإن ذلك لم يعن تجاهل التكامل ذي الطابع الاقتصادي، والمثال الواضح على ذلك إقامة تحالف المحيط الهادي (2012).

ويوجد في الوقت الحاضر أكثر من 15 منظمة تعاون إقليمي ذات أهداف وهياكل مؤسسية متنوعة، بعضها تم إنشاؤه أثناء الحرب الباردة، لكنه تمكن من التكيف مع التطورات الجديدة، والتحديات الراهنة التي يواجهها العالم متعدد الأقطاب. ولاتزال الحكومات تحكم قبضتها على كل تلك المشروعات الإقليمية لتجنب أي نوع من نقل جانب من سيادتها لها، كما حدث في الاتحاد الأوروبي.

اأولاً: مجموعات متنوعة من التكتلات

يمكن تصنيف تلك المنظمات والتكتلات الإقليمية الجديدة في أمريكا اللاتينية إلى مجموعتين مختلفتين وفقاً لأهدافها ودرجة تطورها المؤسسي، وهما:

1- المجموعة الأولى: تهدف إلى إنشاء تدريجي لمنطقة تجارة حرة، كخطوة ضرورية تسبق إنشاء اتحاد جمركي. ومن ذلك نظام التكامل لأمريكا الوسطى، ومجموعة دول الأنديز، ومجموعة الكاريبي، والميركوسر، وتحالف المحيط الهادي. ويمكن الإشارة إلى أن نظام التكامل لأمريكا الوسطى، ومجموعة الكاريبي قد انبثقا عن مشروعات تكاملية سابقة، والتي تجمعها بعض السمات المشتركة مع المشروع الأوروبي، لكن من دون أن تصل لمستوى الطابع المؤسسي نفسه. أما منظمة الميركوسر فتعود فكرة تأسيسها إلى الروابط الاستراتيج­ية الثنائية بين الأرجنتين والبرازيل منذ منتصف الثمانينيا­ت من القرن الماضي، حيث وقع البلدان معاهدة أسونسيون في عام 1991، والتي شاركت فيها أيضاً باراجواي وأوروجواي. من جانبها مهدت معاهدة أنتوفاجاست­ا إلى إنشاء تحالف المحيط الهادي في عام 2012، والتي وقعت عليها كل من تشيلي وكولومبيا والمكسيك وبيرو.

ولقد أعاقت الخلافات السياسية بعض التجارب التكاملية في المنطقة، مثل الأنديز والميكوسر، فقد أدى توقيع بيرو والأكوادور اتفاقيات تجارة حرة مع واشنطن إلى انسحاب فنزويلا ثم بوليفيا وانضمامهما للميكوسر، ومن جانب آخر ألقى إنشاء تحالف المحيط الهادي الضوء بشدة على الاختلافات السياسية بين أعضاء مجموعة دول الأنديز، خاصة أن أعضاء التحالف تربطهم علاقات قوية بالولايات المتحدة.

2- المجموعة الثانية: تضم أنواعاً مختلفة من المنظمات التي تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات معينة، كالأمن والسياسات

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates