Trending Events

ماذا يريد الحوثيون؟

-

لا يمكن النظر إلى الفكر الحوثي بمعزل عن الفكر الشيعي الاثنا عشري ورؤاه في الحكم والسياسة، والذي تحصر أدبياته أحقية سلالة معينة بالحكم، باعتبار ذلك قدراً سماوياً لا يمكن تجاوزه.

تشكل الطائفة الزيدية، نسبة إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين، أغلب سكان شمال اليمن، ومن فرق الزيدية "الهادوية" وهم الأغلبية ويقال عنهم "سنة الشيعة". ويذكر أن الأغلبية المناصرة لجماعة الحوثي هم من الزيدية الهادوية، والتي لا تمت بصلة إلى الاثنا عشرية.

اأولاً: اأ�صباب ال�صعود المفاجئ

هناك تساؤلات عدة تجول في خاطر من يتابع الشأن اليمني حول أسباب الصعود المفاجئ لجماعة الحوثي بهذه القوة التي مكنتها من التوسع حتى سيطرت على العاصمة، يمكن إيجازها فيما يلي: 1- الأسباب والعوامل الداخلية: ساهم الوضع الداخلي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في انتصار جماعة الحوثي، حيث هيأت مجموعة الظروف المحيطة لهذه الجماعة عوامل النجاح والتي تمثلت فيما يلي: • انتقام صالح: فعقب ثورة 2011، التي أسقطت علي عبداله صالح من الحكم، شرع في مد جسور التحالف مع جماعة الحوثي سعياً وراء الانتقام ممن ساهم في إسقاط نظامه حيث دفع صالح بالقبائل الموالية له لمناصرة جماعة الحوثي، خاصة أولئك المنتمين لقبيلة حاشد والمناوئين لآل الأحمر– أولاد الشيخ عبداله بن حسين الأحمر– وكان هؤلاء بمنزلة القوة الكامنة وراء انتصارات جماعة الحوثي بالتشارك مع بعض قيادات الجناح العسكري من الجيش الموالي لعلي عبدالله صالح. • غضب شعبي: إذ إن الكثير من اليمنيين بارك توجه الجماعة بسعيها الظاهر لتفكيك مراكز القوى التقليدية القبلية والدينية، التي كانوا يرون فيها عقبة أمام قيام الدولة المدنية، على الرغم من التخوف أن تحل الجماعة محل تلك القوى في السيطرة مستقبلاً. • تدهور اقتصادي: فقد استغل الحوثيون الوضع الاقتصادي المتدهور، واستغلوا حالة التذمر الشعبي من رفع الدعم الحكومي عن أسعار المشتقات النفطية فكسبوا تعاطف الكثيرين من القطاعات الشعبية التي ناصرتهم. • تردد حكومي: عدم مواجهة الحكومة لتوسع الجماعة، حيث كانت النظرة لدى مؤسسة الرئاسة أن أي مواجهة من هذا النوع ستكون مآلاتها وآثارها كارثية على الدولة والمجتمع، وسينتج عنها دخول البلاد في حرب طائفية وقبلية يصعُب إيقافها فيما بعد، وربما تقوِّض العملية السياسة وتتسبب في انفراط الدولة. • تجنب المواجهة: إذ قرر الطرف الثاني المتمثل في حزب الإصلاح وجناحه العسكري عدم مواجهة الحوثيين بعد تأكده من أن هذه الحرب لا تستهدف أحداً سواه، وهو ما سهّل لجماعة الحوثي السيطرة على العاصمة وإسقاطها بالسرعة التي ظهرت عليها. - انقسام الجيش: وتعدد ولاءاته ساهما في انتصار الجماعة على الرغم مما

يملك من قوة بشرية وآلات ومعدات عسكرية. 2- الأسباب والعوامل الخارجية: إن الوضع الدولي والإقليمي بعد الثورات العربية لم يستوعب نتائج هذه الثورات، كون الطرف الذي برز إلى السطح وكان له الغلبة في الأنظمة التي تشكلت بعد نجاح هذه الثورات هو الجناح الديني المدعوم من تركيا، وبالذات جناح الإخوان المسلمين؛ لذلك برز على السطح تحالف دولي وإقليمي غير معلن هدفه تقويض الأنظمة التي أعقبت الثورات، وهذا ما ساهم في ظهور قوة جماعة الحوثي، كما أن هذا التحالف الجديد قد وجد في جماعة الحوثي بديلاً أقل ضرراً من جماعة الإخوان وأداة لإضعافه، ويمكن إيجاز الأسباب والعوامل الخارجية فيما يلي: • رؤية الولايات المتحدة والغرب عموماً أن المكون السُني هو من يخرج من رحِمِه أغلب جماعات العنف المتشددة التي توصف بالإرهابية كجماعة القاعدة و"داعش" وغيرهما، لذلك تسعى هذه الدول جاهدة لإضعاف هذا المكون، ووجدت من الحوثي أداة لتنفيذ ذلك في اليمن. • يرى عدد من الدول الغربية أن وجود جماعة شيعية في اليمن هو أقل خطراً عليها وعلى مصالحها من سيطرة المكون السني على النظام السياسي، خاصة في ظل زيادة معدل تهديدات جماعة القاعدة، كون الشيعة، وعلى الرغم من شعاراتهم المناوئة للغرب عموماً فإنها لا تتحول إلى أفعال على الأرض. • الدعم الإيراني الذي لم يتوقف عن تزويد الحوثيين بالسلاح.

ثانياً: حدود واأهداف الجماعة

في إطار ما تم توضيحه من أسباب ساعدت في إظهار جماعة الحوثي بهذا القدر من القوة، إلا أن الجماعة تعي تماماً أن ما وصلت إليه حالياً من سيطرة وتمَكُّن لم يكن ليحدثا من دون ما تهيأ لها من ظروف ومن تلاقي مصالح داخلية وإقليمية ودولية، لذلك يمكن أن نوضح السيناريو الذي تتبعه الجماعة وتسعى إلى تحقيقه فيما يلي: • تسعى الجماعة جاهدة لكسب أكبر قدر من التعاطف الشعبي في الأماكن التي تسيطر عليها في محاولة لإثبات أنها المكون الأقدر والأمثل في إصلاح السلطة. • تعي الجماعة جيداً أنه لا يمكنها أن تتولى الحكم منفردة مهما بلغت قوتها، فهي تسعى لتكون أكبر مكون سياسي بما يضمن لها فرض رؤيتها بتعديل حدود الإقليم الذي تتمركز فيه بكثافة، وهو إقليم آزال، وضم أجزاء من إقليم تهامة إلى إقليمها بما يتيح لها إنشاء ميناء بحري ليكون نقطة التواصل مع العالم الخارجي. • تدرك الجماعة جيداً أن الظروف التي تهيأت لها هي ظروف مؤقتة، وأن تحالفها مع قطاعات حزب المؤتمر الموالية ل "علي عبداله صالح" قد ينفرط في أي وقت وأنها ستقف وحيدة في ظل بيئة معادية، لذلك حاولت مد الجسور مع بعض قيادات الإصلاح. • سرعة السيطرة والتحكم في الدولة اليمنية، سواء من خلال امتلاك النفوذ السياسي على المستوى الاتحادي، أو من خلال إحكام سيطرتها على إقليم آزال، وتوظيف الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة لتبرير ذلك، والدليل على استغلال شعار اجتثاث الفساد هو تحالفها مع علي عبداله صالح الذي حكم 33 عاماً، وهو من كان وراء تفشي الفساد وتجذره في كل مؤسسات الدولة. • إقامة إقليم زيدي، ولذلك فهي تتمدد إلى محافظات أخرى كمحافظة الحديدة وذمار. وتجدر الإشارة هنا إلى أن محافظة ذمار وبعض أجزاء من محافظة إب تعتبر الحدود الجنوبية لمناطق الشمال، التي يغلب على سكانها الانتماء للمذهب الزيدي، بينما ما بعد هذه المناطق وباتجاه الجنوب، ينتمي أغلب السكان إلى المذهب الشافعي السني. • ترى الجماعة أنها القادرة على هزيمة جماعات القاعدة، وأن بسط نفوذ الدولة يأتي من خلالها، على الرغم من أن قوتها مستمدة من قواعد حزب المؤتمر الشعبي كما سبق ذكره، ولذلك، فهناك شبه قناعة لدى الرئاسة بمنح الجماعة فرصة لإثبات ذلك، بعد أن عجز الجيش عن القضاء على أفراد جماعات القاعدة.

الخلا �صة

"العبرة بالخواتيم"، هذا المثل ينطبق على الوضع في اليمن، فتمدد الحوثي يأتي من خلال تسهيل ومباركة السلطة، والدليل على ذلك التعاون مع السلطات المحلية في كل المناطق التي تنتشر فيها الجماعة، والهدف كما هو معلن بسط الأمن وتأمين مؤسسات الدولة والمجتمع.

إن القوة التي ظهرت بها الجماعة ليست قوتها الحقيقة، وقد تم توضيح حقيقة ذلك فيما سبق، ونفوذ الجماعة الحالي سيتقلص مع مرور الزمن بانفراط التحالفات، وتعارض المصالح، لتعود إلى حجمها الحقيقي، خاصة إذا ما تم الإسراع في تشكيل الحكومة، وتسليم العاصمة لقوات الأمن الحكومية، كما أن الظروف التي مكّنت الجماعة من التوسع والنفوذ هي ظروف آنية في بيئة معادية للمشروع الإيراني، أما ارتباط الجماعة بإيران وبالمذهب الاثنا عشري فهو ارتباط ظاهر بالرغم من إنكار بعض قادة الجماعة هذا الارتباط، وتبريره من قبل آخرين، كون قادة الجماعة الروحيين مرتبطون دينياً وسياسياً بإيران فشعار الجماعة وسياستها الإعلامية ومزاراتها الدينية تدل على الارتباط بمفهوم ولاية الفقيه، كما يجب أن نعترف بأن إيران قد أوجدت لها موطئ قدم في اليمن.

إن القوة التي ظهر بها الحوثيون ليست قوتهم الحقيقة، ونفوذهم الحالي سيتقلص مع مرور الزمن بانفراط التحالفات وتعارض المصالح ليعودوا إلى حجمهم الحقيقي.

 ??  ??
 ??  ?? د. حمود ناصر القدمي دبلوماسي وأكاديمي متخصص
في الشأن اليمني
د. حمود ناصر القدمي دبلوماسي وأكاديمي متخصص في الشأن اليمني

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates