Trending Events

ما هو مستقبل السلفية السياسية في العالم العربي؟

-

تستدعي القراءة الدقيقة للسلفية السياسية في مصر والعالم العربي تجاوز القراءة النمطية، التي تدمج بين مواقفها الدعوية والفقهية، والتي يغلب عليها الشدة والوضوح، وبين مواقفها السياسية التي يغلب عليها فقه الطاعة وتجنب الفتنة. من المهم إدراك الطبيعة المعرفية الخاصة للسلفية، وعدم الخلط بين هويتها الأصلية وبين محاولات تحريفها حركياً فيما يعرف بالسلفية الحركية أو السلفية الإخوانية، أو جهادياً فيما يعرف بتيارات السلفية الجهادية. إن أول ما تظهره الطبيعة المعرفية الخاصة للسلفية – الدعوية والسياسية – تمايزها عن سواها من تيارات الإسلام السياسي والجهادي الصاعد في المنطقة، فمرجعياتها غير مرجعيات الإسلام السياسي، كما أن أهدافها العليا القائمة على الإصلاح المتدرج للمجتمع والأمة غيّر أولوية السلطة في خطاب وممارسة الإسلام السياسي والجهادي، كما يتضح في النقاط التالية: 1- عدم ارتكانها إلى كتابات ومرجعيات الإسلام السياسي، كحسن البنا أو سيد قطب أو تقي الدين النبهاني أو أبو الأعلى المودودي، بل ارتكنت لمرجعيات أقدم بكثير، مثلتها أفكار ابن حنبل وتلامذته، وكتابات ابن تيمية، وشخصيات معاصرة كالراحل محمد ناصر الدين الألباني. 2- إنها ليست جماعات خروج على السلطة، بل جماعات دعوة بالأساس، تتجه نحو الأمة لا الإمامة، ولم يعرف عن مرجعياتها الكبرى وأئمتها خروج على الحكام في أي عصر. 3- ترفض التكفير وتدرأ الفتنة والخروج، ولا تغير المنكر باليد، ولا تتحرك إلا في إطار الشرعية والمشروعية، ومن داخل أطر وقنوات الدولة. 4- على الرغم من إيمانها "السكوني"، شأن كل المسلمين، بمقولات المخلص وخلافة آخر الزمان وغيرها، لم يعرف عن أئمة السلف والسلفية المعاصرة، إعجاب كثير وحماس كبير لهذه المقولات، التي تمثل محور اهتمام خطاب الإسلام السياسي ودعايته. 5- على الرغم من محاولات الحركات الإسلامية السياسية والجهادية تحريف السلفية الدعوية والسياسية دائماً عن التركيز على إصلاح الأمة، ودفعها للصراع على السلطة، ظل الهدف الأول لخطابها الغالب حتى بعد تحولها، أو اضطرارها للعمل السياسي، الدعوة وتصحيح الاعتقاد والتمكين للمنهج السلفي، الذي تراه الحل والمخرج من أزمات المجتمعات والأمة عبر التدرج والمصارحة والعلنية من دون العمل السري.

اأولاً: ال�صلفية والتمايز عن الاإخوان

بينما كان الموقف الغالب في السلفية الأصولية أو الأصيلة مناهضاً للتظاهرات والحراك في 2011، فإنه مع توابعه وفرصه ازدادت مساحات تسييسها والقبول بالحزبية فيها، ولكن مع احتفاظها بمواقفها الرئيسة والمختلفة عن خطاب الإخوان المسلمين أو السلفيات الحركية التي تأثرت بالأخير، وكان موقفها متماهياً مع الموقف الإخواني والعام من تأييد هذه الثورات. وعلى الرغم من التقاربات التي حاولتها فروع الإخوان للاستثمار في "الفضاء والوجود" السلفي في بلدان الثورات العربية منذ عام 2011 وغيرها، وتجاوز الخلافات

المرجعية والفقهية بين المنظومتين، فإنها لم تنجح، وظل التمايز سمة العلاقة بين الطرفين، الذي عاد للقطيعة القديمة بعد سقوط الإخوان المسلمين في مصر في 30 يونيو. وقد اتخذ التيار العريض من السلفية في الكويت والأردن وتونس والسعودية، موقف التيار الغالب نفسه من السلفيين المصريين، الذي يمثله حزب النور السلفي في تأييد حراك 30 يونيو، والقبول بسقوط الإخوان المسلمين ونقد ممارساتهم بعد هذا التاريخ.

وهذه المفاضلة والتمايز ليسا جديدين في العلاقة بين الطرفين، فلهما سوابق عديدة أظهرها الغزو العراقي للكويت سنة 1990، فبينما اتخذ الإخوان المسلمون والجهاديون مواقف معارضة لحكوماتهم في الاستعانة بالخارج والغرب في تحريرها، اتخذ السلفيون مواقف مؤيدة لمواقف حكوماتهم في الترحيب بهذا التحالف. كما تتشابه مواقفهم في رفض الخروج ورفض تجاوز ولي الأمر، فالتجمع السلفي في الكويت يرى حل البرلمان رهناً بإرادة ولي الأمر تحديداً، وأن ما يحاوله الإسلام الحركي والإخواني يظل غير مقبول.

تظل مقولات، كدرء الفتنة، وكراهية الخروج، والتدرج في إصلاح المجتمع والدولة، حاكمة لتيارات السلفية السياسية العربية، كما يمثلها حزب النور السلفي، والتي يمكن أن تنسحب على التيارات السلفية في العالم العربي، ومنها التيار السلفي الأردني (الألبانية)، أو التيار السلفي في اليمن (أتباع الوادعي) فالأخيران مثلاً، فوضا ولي الأمر وهو الرئيس عبد ربه منصور هادي في الاتفاق والمصالحة مع الحوثيين في 9 يناير سنة 2014، بعد حصار دام أربعة أشهر لهم في دماج، وارتضوا بما تمخض عنه من قرار مجحف بتهجير 15 ألف منهم، خلال أربعة أيام في 14 يناير الماضي. كذلك يؤكد التجمع السلفي في الكويت مواقف مناهضة للإخوان ورفض تصعيد المعارضة من أجل حل البرلمان، أو في الموقف من أحداث مصر.

وإذا اتخذنا مثالاً من الحالة المصرية، نذكر أنها لم تسيس، إلا مدفوعة برغبة الجهاديين والإخوان في استغلال شعبيتها وقواعدها، ما دفع بها، على ما يبدو، إلى تأسيس حزبها الخاص، وهو حزب النور السلفي الذي يتخذ من شيوخ الدعوة في الإسكندرية مرجعية له، وفي مقدمتهم الشيخ ياسر برهامي والشيخ إسماعيل المقدم. ومن المهم التذكير بأنها لم تنتخب محمد مرسي في الجولة الأولى، واتهمها الإخوان بأنها سعت للحوار مع منافسه أحمد شفيق، كما أنها رفضت تأييد حازم أبو إسماعيل– الإخواني القطبي.

وبعد إشهار حزب النور السلفي في يونيو سنة 2011 واصلت التجربة خصوصيتها، فحاولت التأثير في الإخوان والتمكين لطموحاتها، واستثمار نتائجها في أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، حيث حصدت المرتبة الثانية، بنسبة 26% من الأصوات، ومثلت خصماً وتحدياً لجماعة الإخوان وشعبيتها، لما تتميز به من وضوح وحسم في الخطاب لا يتميز به الخطاب الإخواني. وظلت الخلافات الأيديولوج­ية بين "السلفية السكندرية" وممثلها حزب النور السلفي من جهة، وبين الإخوان وغيرهم من الجهاديين والسلفيين الجهاديين، الذين كونوا حزبين سلفيين منافسين لها هما حزب الأصالة وحزب الفضيلة، في محاولة لسحب البساط السلفي من تحتها.

ثانياً: ال�صلفية ال�صيا�صية بين اتهامات الاإخوان وهواج�ص المدنيين

أحرج سقوط الإخوان المسلمين في مصر مختلف تيارات الإسلام السياسي، وزاد من مأزق فروعها الأخرى، التي تصدع بعضها، كما هي حال إخوان الأردن. كما دفع كل الدعوات السلفية لتأكيد تباعدها والقطيعة مع الخطاب الإخواني ورفضه، وكان هذا واضحاً في مصر، كما هو واضح في اليمن والأردن، والكويت وتونس، في مفاصلة وابتعاد واضح عن الإسلام السياسي والسلفية الحركية التي تأثرت به، وحاولت الدمج بين فكر ابن تيمية وفكر البنا وسيد قطب.

مصرياً لم ينتبه حزب النور السلفي لانتقادات كثير من المراقبين الإعلاميين والسياسيين، قبل سقوط حكم الإخوان، مكتفياً بوضوح مواقفه، سواء من قبيل أن قواعده تتظاهر في رابعة بينما قياداته تنتقدها وتنتقد الإخوان في وسائل الإعلام، أو من قبيل أن الحزب يسعى لملء الفراغ في الإسلام السياسي بعد سقوطهم في 30 يونيو. ويبدو حضور السلفية السياسية بصفة عامة، مصرياً وعربياً، مرتبكاً وحرجاً سواء مع الاتهامات المستمرة من قبل الإسلاميين السياسيين، وانتقادات الإخوان المسلمين وأنصارهم لهم، بأنهم جماعات سلطة أو يحركها الأمن أو ما شابه، أو توجس القوى المدنية من خطابهم ومرجعيتهم ورؤاهم الفقهية التي يرونها معادية للحداثة والتمدن، واتهامها النور السلفي بأنه إخواني مستتر، وعدم وضوح توجهات السلطة السياسية أو تبلور ظهير سياسي لها في مصر بعد 30 يونيو، حيث يعبر بعض ممثليها عن رفض التوجه السلفي وحزبيته، على الرغم من كونه كان جزءاً من حراك 30 يونيو وشرعيته.

وفي حال تحقق إقصاء هذا التيار السلفي من المجال السياسي ستتحول كثير من قواعده لكم مضاف لزخم الإسلام السياسي والحراك الإخواني المعادي لدولة ما بعد 30 يونيو في مصر، وتكون خصماً من شرعية ما بعد الإخوان التي شاركت فيها وفي محطاتها المختلفة، بدءاً من خريطة الطريق في 3 يوليو إلى لجنة الخمسين في تأسيسية الدستور المعدل التي أنهت أعمالها في يناير سنة 2014، أو الانتخابات الرئاسية التي أيد النور السلفي فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. ولكن نرجح أن السلفية السياسية بمقولاتها المرنة وممارساتها اللاعنيفة، التي تحترم الأطر الشرعية والمؤسساتي­ة ستستمر، وسوف تكون منافساً قوياً وستنجح في استرداد كثير من قواعدها وجماهيرها، خاصة مع ضعف خصميها المتوجسين منها والمتهمين لها، سواء من جماعة الإخوان التي فقدت الثقة الجماهيرية فيها، أو التنظيمات المدنية الهشة والمشتتة، التي لم تنجح في جذب الفضاء الاجتماعي والشعبي لها بعد.

نرجح أن السلفية السياسية بمقولاتها المرنة وممارساتها اللاعنيفة، التي تحترم الأطر الشرعية والمؤسساتي­ة ستستمر، وسوف تكون منافساً قوياً وستنجح في استرداد كثير من قواعدها وجماهيرها.

 ??  ??
 ??  ?? هاني نسيرة مدير معهد العربية للدراسات –
قناة العربية
هاني نسيرة مدير معهد العربية للدراسات – قناة العربية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates