Trending Events

حرب غير فاعلة:

اتجاهات التمدد العالمي ل ”داعش“في ظل الضغط الدولي

- مستشار المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيج­ية بالقاهرة

لم تنجح غارات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في احتواء توسعات تنظيم ”داعش“عر منطقة الشرق الأوسط، أو منعه من تأسيس خلايا ووحدات تابعة للتنظيم عالمياً.

وتُشير تقارير الدوائر المتخصصة في مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فضلاً عن مراكز دراسات آسيوية، إلى أن التنظيم قد بات يتبع تكتيكات جديدة، تتمثل في إيفاد قيادات أكثر تأهيلاً وخبرة لكي ينضموا للتنظيمات التي أعلنت الولاء لأبي بكر البغدادي ولتنظيم "داعش"، لتتولى هيكلتها وتطوير قدراتها واختيار العناصر المؤهلة فيها للالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق وهو ما أدى لتعزيز قدرة التنظيم على البقاء والتوسع، على الرغم من تصاعد الجهود الدولية والإقليمية للقضاء على التنظيم.

اأولاً: ق�صور الا�صتراتيجية الاأمريكية في التعامل مع «داع�ص»

أعلن الرئيس الأمريكي في منتصف سبتمبر 2014 استراتيجية أمريكية للقضاء على تنظيم (داعش)، وارتكزت هذه الاستراتيج­ية على أربعة محاور رئيسية هي إقامة تحالف دولي يشارك فيه عدد من دول العالم لضرب قواعد التنظيم، وتجهيز العراق ليكون ميدان المواجهة الرئيسي، بما يعنيه ذلك من تدريب الجيش العراقي وتسليحه، ثم تدريب المعارضة السورية المعتدلة لتواجه "داعش" في الميدان السوري، فضلاً عن التعاون الاستخبارا­تي لتجفيف منابع الإمداد البشري والمالي للتنظيم، وقد أعلن القادة العسكريون الأمريكيون أن الهدف العملياتي الأول للتحالف هو منع تمدد قوات التنظيم ومحاصرته لإضعافه تمهيداً للقضاء عليه في مراحل لاحقة.

وعلى الرغم من إبداء الأردن والسعودية استعدادهما لتدريب مجموعات من فصائل المعارضة السورية المعتدلة، وقيام قوات التحالف بقصف العديد من مراكز وقواعد ومنشآت التنظيم في العراق وسوريا، فضلاً عن قصف المنظمات الإرهابية الأخرى كجبهة النصرة وأحرار الشام والروافد الأخرى المرتبطة بالقاعدة، فإن هذه الاستراتيج­ية تعاني من أوجه ضعف عدة، فتدريب الجيش العراقي يتطلب فترة طويلة لإتمامه، وينسحب الأمر ذاته على المعارضة السورية المعتدلة، فضلاً عن تأكيد الإدارة الأمريكية على عدم مشاركتها في أية عمليات برية، واكتفائها بتقديم دعم لقوات العشائر العراقية المساندة للجيش العراقي، بعد رفض الدول العربية إرسال قواتها إلى العراق، مما أضعف الحملة العسكرية على التنظيم، خاصة مع قدرته على استيعاب الضربات الجوية التي وجهت له.

فعلى مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، تواصلت عمليات القصف الجوي للتنظيم، وتقديم الأسلحة لقوات البيشمرجة الكردية، وتوافد الخبراء العسكريون على كردستان العراق، وعلى بغداد والمحصلة حتى الآن هي استمرار سيطرة التنظيم على الموصل وتكريت وحزام كبير حول العاصمة بغداد، كما لا تزال المناطق التي يسيطر عليها في سوريا في حوزته، خاصة الرقة ودير الزور وريف حلب، وهو ما يثير تساؤلات حول قدرات هذا التنظيم وإمكانياته التي سمحت له بالتمدد في سوريا والعراق، والانتشار الإقليمي والدولي حتى الآن، وكيف نجحت قياداته في الخروج من تحت عباءة تنظيم القاعدة الأم، وسحب ولاءات التنظيمات الفرعية منها.

ثانياً: اأ�صباب تمدد «داع�ص» على ح�صاب القاعدة

تتمثل أهم العوامل التي مكنت "داعش" من التمدد الجغرافي في دول الشرق الأوسط، في أنه استطاع تقديم نفسه كبديل للقاعدة التي يختبئ قادتها في مناطق الحدود الباكستاني­ة – الأفغانية، وأنه حقق حلماً لم تتمكن قيادة القاعدة حتى في وجود ابن لادن، من تحقيقه، وهو إعلان دولة الخلافة في منطقة أحكم سيطرته عليها تقطع الحدود بين دولتين، وقدم زعيمه أبوبكر البغدادي نفسه كخليفة للمسلمين، وأمير للمؤمنين، في الوقت الذي لا تزال القاعدة تعتبر الملا عمر الهارب منذ سنوات وزعيم حركة طالبان أفغانستان أميراً للمؤمنين.

كما أن الممارسات الأكثر تطرفاً جذبت التنظيمات التكفيرية المتطرفة، التي لم تعد تجد في تنظيم القاعدة النموذج الأمثل للدولة الإسلامية، وترى هذه التنظيمات أن "داعش" نموذجاً يتعين الاقتداء به ومبايعته، وبالإضافة إلى ما سبق، فإن نموذج "داعش" أكثر حداثة، فقد امتلك التنظيم العديد من الأدوات التي ساهمت في تعزيز قدرته على التعايش مع الهجمات الجوية التي تشنها قوات التحالف الدولي والاحتفاظ بالقدرة على التوسع الإقليمي.

ولم يعد تنظيم "داعش" يركز على تجنيد المقاتلين في المساجد وجلسات العلم والفقه، ولكن يركز على التجنيد خارج المسجد، وعبر الفضاء الإلكتروني في إطار استراتيجية إعلامية طرحت فكر التنظيم وإطار عمله وآرائه الفقهية قبل أن يعلن تأسيس دولة الخلافة بزعامة أبي بكر البغدادي، واستهدفت هذه الاستراتيج­ية جذب أكبر عدد من الشباب ذوي الخبرة العسكرية والتكنولوج­ية، ويستدل على ذلك بقيام التنظيم بتخريج دفعتين من المقاتلين الجدد في سوريا والعراق وفي ظل استمرار الضغوط العسكرية الدولية والإقليمية، في مقابل تأكيدات القيادات العسكرية الأمريكية عن أن تدريب وإعداد مجموعات من المعارضة السورية المعتدلة سيستغرق فترة تتراوح بين ستة أشهر إلى سنة.

ساعدت هذه الآليات الجديدة للتنظيم – والتي افتقدها تنظيم القاعدة الأم – على الانتشار والتمدد الذي بدا مفاجئاً للكثير من الدوائر، حيث استخدم تكنولوجيا الاتصال الحديث، ومواقع التواصل الاجتماعي، وشرح من خلالها فلسفته وفكره، وربطها بفكر سلفي متطرف يأخذ بظاهر النصوص، ووجهها لشباب ومجموعات إسلامية في شتي أرجاء العالم لم تجد المصادر التي تقوم بموازنة هذا الفكر المغلوط، كما استغل التنظيم تلك الآليات في تدريب الكوادر التي يحتاجها في مختلف التخصصات، ورفع قدراتها وتجهيزها للمشاركة في العمليات عند وصولها لميادين المعارك، وظهرت نشرات إعلامية وإصدارات إلكترونية تعبر عن كل ذلك، وكان آخرها مجلة "دابق" الإصدار الرئيسي للتنظيم، والتي اتسع الاطلاع الإلكتروني عليها ليشمل مئات الألوف.

كما تعامل الجهاز الإعلامي للتنظيم مع أدوات العصر، وأصبح أكثر حداثة، واستثمر الأدوات الافتراضية المتاحة في اختراق الحواجز الأمنية، وتواصل مع تكتلات شبابية إسلامية على اتساع العالم، لديها الكثير من علامات الاستفهام والأفكار المشوشة، وتمكن التنظيم من إيجاد ما يمكن تسميته "جيل الجهاد الإلكتروني"، وتؤكد تقارير لدوائر استراتيجية وأمنية أمريكية وغربية أن هذا الجهاز الإعلامي يضم خبراء تكنولوجيا وعلماء نفس ودراسات سلوكية، تصيغ الرسائل الإعلامية وتطرحها في الفضاء الإلكتروني عبر وسائله المختلفة، حيث يتم تداولها وإعادة نشرها.

ومن ثم، أضحي التمدد الإقليمي والدولي ل"داعش" يحاصر تنظيم القاعدة الأم، ويكاد يسحب الشرعية الفكرية والعقائدية والتنظيمية منهم، وهو ما دفع أيمن الظواهري إلى إعلان تأسيس فرع القاعدة في الهند في محاولة لموازنة تمدد "داعش" الذي بدأ ينتشر في أفغانستان وباكستان التي تعد بمنزلة المراكز الرئيسية الداعمة لبقاء تنظيم القاعدة وحركة طالبان.

بات "داعش" يتبع تكتيكات جديدة، تتمثل في إيفاد قيادات أكر تأهيلاً وخرة لكي ينضموا للتنظيمات التي أعلنت الولاء لأبي بكر البغدادي ولتنظيم "داعش"، لتتولى هيكلتها وتطوير قدراتها واختيار العناصر المؤهلة فيها للالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق.

ثالثاً: فروع «داع�ص» في منطقة ال�صرق الاأو�صط

تشير تقارير وتقديرات مراكز دراسات الإرهاب والتطرف في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى أن عدد المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بتنظيم "داعش" تجاوز 15 ألفاً، وأن حوالي 18% منهم من أوروبا يتقدمهم القادمون من فرنسا، ثم بريطانيا وألمانيا وبلغاريا، وكذلك الدول الإسكندناف­ية، وأن الأمريكيين الملتحقين بالتنظيم تجاوزوا المائة متطوع، ولاشك أن نظرة على خريطة تمدد التنظيم خلال الآونة الأخيرة على مستوى العالم سوف تكشف ما يحققه من مكاسب على حساب تنظيم القاعدة، ويرتب في النهاية إطاراً أكثر تشدداً وتطرفاً للتنظيمات الإرهابية. تمدد "داعش" في آسيا: يضع تنظيم "داعش" التمركز في محيط سوريا الإقليمي علي رأس أولوياته، باعتبارها قلب دولة الخلافة التي يستهدف التنظيم توطيد دعائهما، بداية من تركيا الممر الرئيسي للتمويل والمتطوعين

لتنظيم "داعش" في سوريا والعراق، مروراً بمنطقة جنوب آسيا، التي تمثل قاعدة حاضنة للفكر المتطرف، خاصة بين الجماعات التكفيرية المنتشرة في تلك المنطقة، ويتضح هذا الاهتمام من حرص التنظيم على ترجمة مقاطع الفيديو والإصدارات الصوتية الخاصة بالتنظيم إلى اللغات الهندية والتاميلية والأوردية، أما عن مراكز انتشار التنظيم فتتمثل فيما يلي: • تركيا: لاتزال تركيا تمثل المعبر الرئيسي للمقاتلين، بل هناك تقارير صحفية تؤكد أن هناك مراكز تابعة ل"داعش" تتولى استقبال المقاتلين الجدد، وتنفذ تعليمات قيادة التنظيم بتوزيعهم على ميادين القتال في سوريا والعراق، والمناطق المحددة حسب طبيعة العمليات العسكرية التي ينخرط فيها التنظيم، حيث تتواجد مراكز لتجنيد المتطوعين الأتراك والعرب في حي حاجي بيرم، وهو حي عشوائي في أنقرة، كما انضم 300 من سكان هذا الحي للتنظيم. • باكستان: شهد التنظيم امتداداً مفاجئاً في أرض كانت محسوبة على تنظيم القاعدة، وذلك بعد إعلان جماعة الأحرار، التي انشقت عن طالبان باكستان، مبايعتها لأبي بكر البغدادي كخليفة، وهي منظمة جهادية تضم العناصر الأكثر تشدداً من الإسلاميين في تلك المنطقة، كما أعلنت جماعة الخلافة في بيشاور ولاءها ل"داعش"، وهذه الجماعة لها امتدادات في إقليم كونار المجاور في أفغانستان، وتولت الجماعة خلال الشهرين الأخيرين تجنيد مقاتلين جدد ثم دفعهم إلى سوريا، وقد أعلن وزير الداخلية الإيراني القبض على باكستانيين وأفغان، وهم يعبرون الأراضي الإيرانية بهدف الانضمام لتنظيم "داعش".

ومن جهة أخرى، أعلنت جماعة "لشكر جهنكوي" في مطلع سبتمبر 2014 من مدينة بيشاور الباكستاني­ة بأن حوالي 200 مقاتل ينتسبون لها، وأعضاء سابقين في طالبان باكستان وجماعات إسلامية أخرى قد انضموا لتنظيم "داعش" في العراق وسوريا.

كما تشمل قائمة الحلفاء المحتملين لتنظيم "داعش" في أفغانستان وباكستان مسلحي الحزب الإسلامي، والمتحالف مع حركة طالبان في أفغانستان، إذ أعلن زعيم التنظيم ميرويس، إنه لو ثبت أن "داعش" يمثل خلافة إسلامية حقاً، فإن مقاتليه سينضمون إليه، وقد اعترف ميرويس بأنه على اتصال ببعض عناصر "داعش".

وفي السياق ذاته، قامت جماعة "الخلافة الإسلامية"، وهي جماعة محلية تدين بالولاء لتنظيم "داعش" بتوزع كتيبات بعنوان "فتح" في مخيمات اللاجئين الأفغان على هامش مدينة بيشاور الباكستاني­ة وشرق أفغانستان، وذلك باللغتين الباشتو والداري، تحثهم على مساعدة تنظيم "داعش" في مواجهة "الطواغيت"، في محاولة لاجتذاب الجماعات المتطرفة الموالية للقاعدة في هذه المنطقة، وذلك بهدف استقطاب الكوادر المدربة التابعة للقاعدة لتنظيم "داعش".

ويمكن إرجاع نجاح التنظيم في التمدد في باكستان إلى فقدان الحكومة الباكستاني­ة السيطرة على مناطق واسعة من أراضي الدولة الباكستاني­ة، خاصة في المناطق الحدودية مع أفغانستان، وهو ما سمح للمتطرفين والإرهابيي­ن بأن ينشطوا من دون ضغوط في نشر التطرف وتجنيد الشباب بسهولة نسبية. • الهند: فقد ظهرت مجموعات وتنظيمات فرعية جديدة داخل إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، خاصة في المنطقة الخاضعة للسيطرة الهندية، وفي عاصمة الولاية سريناجار، وتؤكد تقارير أمنية هندية أن معظم الذين تم تجنيدهم لصالح "داعش" في تلك المنطقة من الشباب تحت سن العشرين، كما ظهرت مجموعة مساندة في مدينة مومباي، وأن عناصر تابعة لها سافرت خلال الشهر الماضي إلى العراق.

وتتضارب التقديرات حول عدد الهنود الذين انضموا لتنظيم "داعش"، ففي حين تقدرهم وزارة الداخلية بأن عددهم لا يتجاوز 22 فرداً، ينحدرون من أربع ولايات هي كيرلا وماهاراشتر­ا وتاميل نادو وتيلانجانا، إلا أن مستشار الأمن القومي الهندي السابق قدّر بأن عددهم يتراوح ما بين 100 و150 فرداً، في حين أن مسؤولاً رفيعاً في مكتب الاستخبارا­ت الهندي قدّر بأن عدد الشباب المنضمين لتنظيم "داعش" يقدر بحوالي 300 شاب.

ولاشك أن وصول حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف إلى حكم الهند بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية في مايو 2014، والتصريحات السلبية للعديد من قيادات الحزب أشعرت المسلمين في الهند بعدم الارتياح، والشعور بالاضطهاد والتهميش، وهو ما سمح لأطروحات تنظيم "داعش" أن تجد صدى لدى مسلمي الهند. • بنجاديش: حيث ألقت الشرطة مؤخراً القبض على ساميون رحمان، وهو مواطن بريطاني عمره 24 عاماً في دكا ببنجلاديش، في 29 سبتمبر 2014، ووجهت له تهم بمحاولة تجنيد شباب للقتال، إلى جانب الدولة الإسلامية، وقد اعترف بالتخطيط لإنشاء شبكة إرهابية في بنجلاديش وميانمار.

كما ألقت الشرطة في بنجلاديش القبض على عبداله تسنيم، الأمير الحالي لجماعة المجاهدين في بنجلاديش مع 6 من عناصر التنظيم، وذلك بسبب تخطيطه السفر للعراق وسوريا للحصول على مبايعة تنظيم "داعش"، فضلاً عن تنفيذ عدة عمليات إرهابية تستهدف مناطق ومنشآت مختلفة في بنجلاديش، فضلاً عن اغتيال مسؤولين كبار.

كما أعلنت بعض الجماعات الصغيرة في بنجلاديش عن ولائها لتنظيم "داعش"، مثل جماعة "حفظة الإسلام" بقيادة أحمد شافي، والتي تعد بمنزلة الفرع البنغالي من حزب التحرير الباكستاني.

ويضاف إلى ما سبق إعلان مجلس التضامن مع فلسطين

إن الممارسات الأكر تطرفاً جذبت التنظيمات التكفيرية المتطرفة، التي لم تعد تجد في تنظيم القاعدة النموذج الأمثل للدولة الإسلامية، وترى هذه التنظيمات أن "داعش" نموذجاً يتعين الاقتداء به ومبايعته.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates