Trending Events

حالة خاصة:

هل يؤثر استفتاء إسكتلندا على الحركات الانفصالية في العالم؟

- أحمد زكريا الباسوسي باحث بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيج­ية بالقاهرة

تصاعدت النزعات الانفصالية بشكل واسع في الآونة الأخيرة على المستوى العالمي، حيث تزايدت الأنشطة السياسية والشعبية التي تقوم بها جماعات متعددة، سعياً للمطالبة بالانفصال عن الدولة.

يمكن القول إن مطالب الانفصال عن الدولة باتت متنوعة بين الانفصال عن الدولة الأم أو الاستقلال عن دولة ما كانت قد انضمت إليها في ظروف سياسية وتاريخية معينة، ويقوم هذا التوجه الانفصالي عادة على خلفية دوافع عرقية أو قومية أو سياسية أو دينية، حيث تولد لدى الأقليات المكونة لتلك الأقليات شعور بالاضطهاد والتهميش من المجموعات الحاكمة.

وفي هذا الصدد تختلف التوجهات الانفصالية عن الحكم الذاتي الذي تتمتع به عدة أقاليم، مثل إقليم كتالونيا في إسبانيا، ويعرف بأنه نظام سياسي وإداري، يحصل بموجبه أحد أقاليم الدولة على صلاحيات واسعة تخول لها القدرة على إدارة شؤونها بما في ذلك انتخاب حاكم والتمثيل في المجالس المنتخبة كافة بما يضمن تحقيق مصالح سكان الإقليم، لكن في أغلب الأحوال تتخذ بعض الأقاليم الحكم الذاتي كخطوة على طريق الانفصال، مما يجعل الفيدرالية واللامركزي­ة السياسية، مرادفات متعددة لمفهوم الانفصال في المجتمعات التي تتسم بالتعددية غير المتوازنة.

اأولاً: خريطة النزعات الانف�صالية عالمياً

لم تعد النزعات والتوجهات الانفصالية قاصرة على منطقة بعينها، بل امتدت لتشمل قارات العالم كافة، وفي هذا السياق يمكن تصنيف الأقاليم الساعية للانفصال إلى ثلاث فئات، تتمثل فيما يلي: 1- أقاليم تمكنت من الانفصال: وتأتي في مقدمة تلك الأقاليم دولة جنوب السودان، والتي استقلت عن الشمال في 9 يوليو 2011 بعد سنوات طويلة من حرب دموية مع نظم الحكم المتعاقبة في السودان، حيث أفضى الاستفتاء العام بين أبناء الجنوب إلى الموافقة على الانفصال بنسبة 98.8% من إجمالي المصوتين، وسرعان ما تم الاعتراف بالدولة الوليدة رسمياً من قبل أغلب دول العالم.

وفي السياق ذاته، تمكنت القومية الألبانية التي تتركز في إقليم كوسوفا من الانفصال عن صربيا وتحقيق الاستقلال في 17 فبراير 2008، وهو الموقف الذي نال موافقة غالبية أعضاء المجتمع الدولي باستثناء روسيا، وفي جنوب شرق آسيا حصلت تيمور الشرقية على استقلالها عن إندونيسيا في مايو 2002، وأصبحت دولة ذات سيادة كاملة، وامتد نشاط الحركات الانفصالية إلى الجبل الأسود، والتي أعلنت استقلالها عن صربيا في يونيو 2006 على خلفية استفتاء صوت فيه

لصالح الانفصال نسبة 55%، في مقابل رفض 45% الانفصال. 2- أقاليم رفضت الانفصال: وتتصدر تلك الأقاليم إسكتلندا، فبعد سنوات طويلة من المطالبة بالاستقلال عن بريطانيا، استطاعت إسكتلندا الحصول على برلمان مستقل خاص بها منذ عام 1999. وقد اشتدت رغبة بعض القوى السياسية الاسكتلندي­ة في الانفصال بالتحديد في عام 2011 بعد حصول الحزب القومي الاسكتلندي على أكبر نسبة من الأصوات في البرلمان.

ومن ثم، فقد تم توقيع اتفاقية أدنبرة بين الحكومتين البريطانية والاسكتلند­ية في أكتوبر 2012، وذلك تمهيداً لإجراء الاستفتاء عام 2014، غير أن نتيجة الاستفتاء جاءت رافضة للانفصال عن المملكة المتحدة، حيث صوت برفض الانفصال بنسبة 55% من الاسكتلندي­ين، في مقابل موافقة 45% ليتم غلق ملف الاستقلال الاسكتلندي بشكل تام. 3- أقاليم تسعى لانفصال: وتعتبر تلك الفئة هي الأكبر من حيث العدد، وتنتشر على امتداد دول العالم، فعلى الصعيد الأوروبي يتقدمها إقليما كتالونيا والباسك، اللذان يسعيان للانفصال عن إسبانيا، وإقليم ويلز الذي تسعى بعض القوى السياسية به إلى الانفصال عن المملكة المتحدة، وإقليم فلامند الذي يفضل ما لا يقل عن 60% من قاطنيه الانفصال عن بلجيكا، وجزيرة كورسيكا جنوب شرق فرنسا، وكل من فينسيا وسردينيا وتيرول التي تسعى للانفصال عن إيطاليا، فضلاً عن مطالبات الحزب البافاري في ألمانيا باستقلال بافاريا عن ألمانيا، على الرغم من التمتع بوضع سياسي وإداري خاص في إطار الاتحاد الألماني.

وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط، فإن النزعات الانفصالية كانت ركناً أساسياً في الخبرة التاريخية لتأسيس دول ما بعد الاستقلال في الإقليم، في ظل حالة التهميش والاستبعاد السياسي والمجتمعي للأقليات، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى سعي الأكراد في كل من سوريا وتركيا والعراق وإيران للانفصال عن دولهم، كخطوة لتحقيق الحلم الكردي بتأسيس "دولة كردستان الكبرى"، الأمر ذاته ينطبق على الصراع الممتد لأربعة عقود بين جبهة البوليساري­و والقوى السياسية بالصحراء الغربية من جانب، وبين الدولة المغربية من جانب آخر، حيث يسعى الصحراويون للاستقلال، وتكوين دولتهم المستقلة ذات السيادة، ولا ينفصل ذلك عن سعي قوى الحراك الجنوبي في اليمن للانفصال عن الشمال، وتبني برقة في ليبيا التوجهات الانفصالية ذاتها، وخروج مناطق درنة وبنغازي عن سيطرة الدولة الليبية التي تواجه تصدعاً كاملاً منذ انهيار نظام القذافي.

ثانياً: اأ�صباب انت�صار التوجهات الانف�صالية

تتباين أسباب انتشار النزعات الانفصالية طبقاً لظروف وملابسات كل إقليم، لكن يتمحور أغلبها حول عدة أسباب، يمكن تلخيصها فيما يلي: 1- التعددية القومية والعرقية: عادة ما تمثل محفزاً للانفصال، لاسيما إذا ما اقترنت بممارسات التهميش للأقليات والتضييق على حقوقهم السياسية والاجتماعي­ة، فالقارة الأوروبية وحدها يبلغ عدد قومياتها ما يقرب من سبعة وثلاثين قومية، ومنطقة الشرق الأوسط تتميز بوجود عدة قوميات رئيسية بها ذات ذاكرة جمعية منفصلة أهمها: العربية والتركية والفارسية والأمازيغي­ة. 2- تباين اللغات والثقافات داخل الدولة: يؤدي التباين والاختلاف العميق في الخلفيات الثقافية واللغوية إلى تفكيك الوحدة المجتمعية ويزيدان من فرص انقسام الدولة، ويتجلى ذلك الأثر في حالة إقليم فلامند في بلجيكا، حيث يتكون الشعب البلجيكي من طائفتين، الأولى هي طائفة الفلمند، ويتحدثون اللغة الفلمنكية أو الهولندية، ويتمركزون في شمال البلاد، ويشكلون 60% من إجمالي سكان الدولة، وتتمثل الطائفة الثانية في الونيالنين، ويتحدثون الفرنسية لوقوعهم على الحدود الجغرافية مع فرنسا، ويشكلون 40% من إجمالي البلجيكيون، لكن يبدو أن الخلاف حول العاصمة – بروكسيل - نظراً لأهميتها الاستراتيج­ية كونها مقر الاتحاد الأوروبي، سيظل عائقاً أمام استقلال إقليم الفلامند. 3- تصاعد التوجهات المذهبية والطائفية: فقد اتجهت الولايات المتحدة منذ احتلالها العراق عام 2003 إلى تكريس الانقسامات الطائفية والقومية في المجتمع العراقي، وزرع الشقاق بين السنة والشيعة، ومنح إقليم كردستان وضعاً فيدرالياً يكاد يطابق الحكم الذاتي، وتصاعد هذا الاتجاه بقوة خلال فترة تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء في العراق، وهو ما دفع العديد من القوى السياسية مدفوعة من بعض القوى الخارجية، خاصة الولايات المتحدة ونائب الرئيس الأمريكي جون بايدن نحو طرح فكرة تطبيق نموذج كونفيدرالي في العراق عبر تقسيمها إلى ثلاثة أقاليم: إقليم سني وآخر شيعي وثالث سني تمهيداً لتقسيم الدولة العراقية لثلاث دويلات. 4- افتقاد العدالة في توزيع الموارد: تعتبر العوامل الاقتصادية من أبرز محفزات التوجهات الانفصالية، لاسيما التنمية غير المتوازنة وغياب العدالة في توزيع عوائدها بين الأقاليم والتكوينات المجتمعية المختلفة، ويبدو ذلك جلياً في حالة الجنوب اليمني، فعلى الرغم من أنه يساهم بما يزيد على 60% من إجمالي الموارد الطبيعة التي تملكها الدولة اليمنية، فإن الجنوب لا يستفيد من ذلك، ويعاني أزمات تنموية حقيقية إذا ما قورن بمحافظات الشمال.

وعلى الصعيد الأوروبي، يعاني إقليم كتالونيا الإشكالية ذاتها، فبينما يشكل النشاط الاقتصادي للإقليم ما يُعادل خمس الاقتصاد الإسباني، ويساهم في الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا بما يزيد عن 20%، إلا أنه يعاني من التهميش الاقتصادي والضغوط المالية من جانب الحكومة المركزية، حيث فرضت حكومة مدريد على كتالونيا ضريبة على الدخل تصل إلى حوالي 10% من الناتج الإجمالي للإقليم تبلغ قيمتها 20 مليار يورو سنوياً، وهو ما

تختلف التوجهات الانفصالية عن الحكم الذاتي الذي يحصل بموجبه أحد أقاليم الدولة على صلاحيات واسعة تخول لها القدرة على إدارة شؤونها بما في ذلك انتخاب حاكم والتمثيل في المجالس المنتخبة كا فة .

استنزف القدرات المالية لقاطني الإقليم. 5- فقدان الدولة السيطرة على كامل إقليمها: وهو ما كشف عنه واقع منطقة الشرق الأوسط بعد الثورات، فلم تعد الأجهزة الأمنية الرسمية في بعض البلدان قادرة على بسط نفوذها بشكل كامل على أقاليمها، مما شجع العديد من القوى السياسية ذات الميول الانفصالية في بعض البلدان لاسيما الأكراد في سوريا، وسكان المنطقة الشرقية في ليبيا، وقوى الحراك الجنوبي في اليمن لتصعيد مطالبهم الانفصالية وتوظيف الاحتجاجات والميليشيا­ت المسلحة في الضغط على الحكومة المركزية للاستجابة لمطالبهم.

ثالثاً: لماذا اأخفقت قوى الانف�صال في اإ�صكتلندا؟

تنبع أهمية تصويت إسكتلندا برفض الانفصال عن الدولة البريطانية من كونها السابقة الأولى في السياق الأوروبي الحديث الذي ترفض فيه قومية الاستقلال بالإقليم الذي تتمركز به عن الدولة الأم، وبالتالي فمن المتوقع أن تؤثر نتائجها على الأقاليم الأخرى المطالبة بالانفصال، فضلاً عن أنها تمثل تجربة متكاملة، حيث امتدت لما يزيد على ثلاثة قرون، بدأت بصراعات مسلحة، مروراً بتفاوض سياسي أفضى للحصول عل حكم ذاتي، وانتهاء باستفتاء أدى إلى رفض فكرة الاستقلال وغلق هذا الملف بشكل نهائي، علاوة على أن معرفة أسباب فشل الاسكتلندي­ين في الاستقلال يمكن أن تقدم خريطة طريق ليس فقط للحركات الانفصالية حتى تتجنب مصير الفشل الاسكتلندي، وإنما أيضاً للحكومات المركزية لمواجهة التوجهات الانفصالية في دولها، وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أبرز تلك الأسباب: 1- اعتماد الحملة الرافضة للاستقلال على استعراض الروابط التاريخية المشتركة بين بريطانيا والأقاليم الملحقة بها مثل إسكتلندا، ويلز، وأيرلندا الشمالية، مما دفع بعض المصوتين لرفض الانفصال. 2- تخوف الاسكتلندي­ين من أن الانفصال قد يهدد استقرار أوضاعهم المعيشية، ولهذا فقد كانوا أكثر ميلاً للحفاظ على الوضع القائم، ولعل حملة الرفض قد لعبت دوراً كبيراً في زيادة تلك المخاوف، ذلك في الوقت الذي فشلت في حملة دعم الاستقلال من إقناع المصوتين بالمخاطرة والتصويت لصالح الانفصال. 3- ضبابية مستقبل العملة الاسكتلندي­ة في حالة الانفصال، فالأحزاب الرئيسية رفضت مقترح رئيس الوزراء الاسكتلندي ألكيس سالموند بالاستمرار في اعتماد إسكتلندا على الجنية الإسترليني، ووضعت خيارين أمام الشعب الاسكتلندي في حالة الانفصال، إما بالتعامل بعملة اسكتلندية جديدة أو اعتماد العملية الأوروبية الموحدة اليورو، وهو ما أثار تخوفات من عدم استقرار النظام النقدي في الدولة الناشئة في حال قيامها. 4- قيام الأحزاب الرئيسية الثلاثة في المملكة المتحدة بالتعهد بإعطاء صلاحيات واسعة للاسكتلندي­ين فيما يخص فرض الضرائب والإنفاق والرعاية الصحية، وهو ما اعتبره الاسكتلندي­ون كافياً من دون الحاجة إلى الانفصال، لاسيما أن خيار الانفصال لا يخلو من مخاطر ذات تكلفة قد لا يمكن تحملها. 5- تركيز الحكومة البريطانية في مخاطبتها الاسكتلندي­ين على أن الوضع الاقتصادي في الإقليم سيزداد سوءاً في حالة الانفصال، لاسيما أن الموارد التي كانت تقدمها الحكومة البريطانية لإسكتلندا ستتوقف بعد الانفصال، بالتزامن مع فشل الداعمين للاستقلال بإقناع المصوتين أن الموارد النفطية الموجودة في بحر الشمال الاسكتلندي ستوفر البديل المناسب. 6- التخوفات والتهديدات الأمنية لدى بعض المصوتين، لاسيما بعد تعهد رئيس الوزراء ألكيس سالموند عن بعزمه تفكيك وإزالة البنى والأسلحة النووية البريطانية من الشاطئ الاسكتلندي في حالة الاستقلال، وهو ما اعتبره الاسكتلندي­ون إثارة لعداء غير محسوب مع بريطانيا قد يفضي لصراع عسكري بين الدولتين يقضي على اقتصاد الدولة الناشئة.

رابعاً: احتمالات الانف�صال الم�صتقبلية

أضحى سيناريو الانفصال وارداً ومطروحاً بقوة في حالات متعددة، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، وإنما في الديمقراطي­ات الغربية، إذ يأتي في صادرة تلك الحالات الإقليم الكتالوني في إسبانيا، فعلى الرغم من تصويت الاسكتلندي­ين برفض الانفصال عن بريطانيا، وثناء مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي على نتيجة الاستفتاء، فإن هذا الرفض لم يوقف مسيرة الأقاليم الأوروبية الأخرى الساعية للانفصال، فقد أعلنت التيارات السياسية الداعمة للانفصال في كتالونيا عن إصرارها على الاستمرار في المطالبة بالانفصال عن إسبانيا.

فعقب أربعة وعشرين ساعة فقط من إعلان نتيجة رفض الاسكتلندي­ين الانفصال عن بريطانيا، صوت مجلس النواب الكتالوني على قانون ينظم استفتاء لاستقلال إقليمه الذي يتمتع بالحكم الذاتي، متحدياً في ذلك حكومة مدريد التي تؤكد بشكل مستمر عدم قانونية إجراء الاستفتاء في التاسع من نوفمبر المقبل، وقد انعكس ذلك على المواجهات والمناظرات القانونية بين كل من رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي، ورئيس الحكومة الكتالونية أرتور ماس.

وفي هذا الصدد تقرر أن يتم الاستفتاء في شكل سؤالين، وهما "هل تودون أن تصبح كتالونيا دولة؟" وإذا كانت الإجابة نعم، "هل تريدون أن تصبح دولة مستقلة؟"، وهو ما أثار مخاوف دول الاتحاد الأوروبي بصورة فاقت استفتاء إسكتلندا على الاستقلال، وذلك لعدة أسباب رئيسية:

على الرغم من وجود مخاطر وتحديات جسيمة لتجارب الانفصال، فإن هذا لا يعني بالضرورة تراجع الحركات الانفصالية، فلاتزال الانقسامات القومية والعرقية، وممارسات التهميش الطائفي والمذهبي، وعدم العدالة في توزيع عوائد التنمية، تؤجج جميعها النزعات الانفصالية على مستوى العالم، في ظل دور متصاعد للقوى الخارجية في تحديد مسارات التوجهات الانفصالية عر دعم أو احتواء الجماعات المطالبة بالانفصال.

1- إن الاقتصاد الكتالوني يعتمد على قاعدة متماسكة من الأنشطة الاقتصادية تمنحه قوة دافعة للتغلب على التداعيات الاقتصادية للانفصال، مما يجعل فرص الانفصال أكبر في حالة كتالونيا، في مقابل ضعف نسبي للاقتصاد الاسكتلندي. 2- إن انفصال الإقليم من شأنه أن يهدد العملة الأوروبية الموحدة "يورو"؛ نظراً لأن إسبانيا عضو بمنطقة اليورو خلافاً للحالة البريطانية التي لا تزال خارجها. 3- وجود حالة من عدم الارتياح والرفض داخل إسبانيا للانفصال، بعكس حالة إسكتلندا التي أبدت فيها السلطات البريطانية مرونة أكثر مع الانفصال، مما يجعل عدم الاستقرار مطروحاً في جميع الحالات سواء ظلت كتالونيا جزءاً من إسبانيا أو استقلت نهائياً. 4- إن نجاح إقليم كتالونيا في الانفصال من شأنه تشجع الأقاليم الأوروبية الأخرى الساعية للانفصال على تصعيد ضغوطها على الحكومات المركزية لتحقيق مطالبها، وهو سينعكس سلباً على بنية الوحدة الأوروبية.

أما منطقة الشرق الأوسط فتواجه سيناريو تصدع عدد من دولها في ظل تصاعد احتمالات انفصال عدد من الأقاليم الطرفية، إذ يأتي في مقدمة تلك الحالات جنوب اليمن، فقوى الحراك الجنوبي اليمني بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات جادة للضغط نحو الانفصال، مستغلين في ذلك حالة الفوضى التي تشهدها اليمن، خاصة بعد سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة في البلاد، وفقدان صنعاء القدرة على فرض سيطرتها على كامل إقليم الدولة، وهو ما دفع قوى الحراك الجنوبي للاعتصام في ساحة العروض بعدن للمطالبة بالانفصال والحصول على دولة مستقلة، علاوة على إصدار بيان يطالب أبناء المحافظات الشمالية بمغادرة المحافظات الجنوبية كافة خلال فترة شهر ونصف تنتهي بحلول 30 نوفمبر 2014، وذلك تمهيداً لإعلان دولة جنوب اليمن المستقلة.

وتواجه سوريا أيضاً شبح التقسيم والانفصال، لاسيما المناطق الكردية في شمال شرق البلاد، فالأكراد أصبحوا شبه منفصلين عن الدولة السورية، حيث اتخذ الأكراد خطوات حثيثة في اتجاه الانفصال، تمثلت في تشكيل إدارة مدنية انتقالية للمناطق الكردية الثلاث؛ عفرين وكوباني والجزيرة، بحيث يكون لكل منها حكومة محلية ومجلس محلي وممثلون في المجلس الإقليمي العام، علاوة على تشكيل ميليشيات عسكرية يطلق عليها قوات "الحماية الشعبية الكردية" لمواجهة تهديدات فصائل الجيش الحر و"داعش" وقوات نظام الأسد، كما شكل أكراد سوريا قوات أخرى للأمن الداخلي، يطلق عليها قوات "الأسايش" ما يعني توفر أغلب مقومات الانفصال عن الدولة السورية.

وينطبق الوضع ذاته على العراق، فمع اجتياح عناصر "داعش" الأقاليم السنية، وفشل قوات الجيش العراقي في التصدي لها من جانب، وبروز دور إيجابي لقوات البشمركة الكردية في مواجهة "داعش" من جانب آخر، ذلك بالتزامن مع قيام إقليم كردستان العراق بتصدير النفط من دون الرجوع للحكومة المركزية في بغداد، فقد بات واضحاً أن موقف الأكراد التفاوضي أصبح أقوى، وبالتالي فإن مسألة انفصال كردستان وتأسيس دولة كردية في شمال العراق أصبحت واردة إلى حد بعيد، في مقابل قابلية بقية الأقاليم العراقية للتقسيم لدويلات على أسس مذهبية.

وفي السياق ذاته، أصبحت المنطقة الشرقية في ليبيا، خاصة برقه، أكثر عرضه للانفصال من أي وقت آخر، خصوصاً بعد اتساع المواجهات العسكرية بين قوات فجر ليبيا وتنظيم أنصار الشريعة من جانب، وقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر من جانب آخر، فضلاً خروج العديد المناطق خارج سيطرة الدولة على غرار درنة وبنغازي والعاصمة طرابلس، وهو ما قد يدفع الحركة الانفصالية في الشرق لإعادة طرح النموذج الفيدرالي كخطوة على طريق الاستقلال.

خام�صاً: تحديات ما بعد الانف�صال

لا يمكن القول إن نتائج الانفصال عن الدولة الأم تكون إيجابية، حيث إن الدول الناشئة تواجه عدة تحديات تهدد بقاءها موحدة أو تعثر مسيرتها في أقل تقدير، وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أبرز تلك التحديات، والتي تتلخص فيما يلي: 1- أزمات اقتصادية وارتفاع معدلات البطالة: على الرغم من أن بعض الأقاليم التي حصلت على استقلالها تمتلك ثروات معدنية هائلة فإنها واجهت تحديات اقتصادية نتيجة عدم القدرة على إدارة تلك الموارد، حيث واجه إقليم كوسوفا أزمة اقتصادية ومعدلات بطالة وصلت لحوالي 35% على الرغم من تمتع الإقليم باحتياطات ضخمة من المعادن. والجدير بالذكر أن التحدي الاقتصادي قد لعب دوراً محورياً من رفض الاسكتلندي­ين الاستقلال، لاسيما مع عدم صلابة الاقتصاد الاسكتلندي، مما أثار تخوفات حالت دون الموافقة. 2- تفجر صراعات داخلية: وهو ما تجلى بشدة في حالة جنوب السودان، فقد شهدت الدولة الوليدة صراعاً سياسياً اتخذ بعداً قبلياً كاد أن يعصف بمستقبل تلك الدولة ويجعلها عرضة للانقسام مرة أخرى بين الرئيس سيلفا كير ونائبة ريك مشار، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة، لكن سرعان ما اكتسب هذا الصراع بعداً قبلياً بعد تحوله إلى صراع مسلح بين قبيلتي الدينكا والنوير. 3- اندلاع صراعات مسلحة مع الدولة الأم بعد الانفصال: إذ تمثل أحد أبرز التحديات التي يمكن أن تواجه الدول الوليدة، ويعتبر المثالان الأكثر بروزا هما، حالة استقلال تيمور الشرقية عن إندونيسيا، والتي شهدت صراعاً مسلحاً دامياً أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الضحايا، وحالة جنوب السودان التي دخلت في نزاع مسلح مع الشمال حول بعض المناطق المتنازع عليها مثل منطقة أبيي الغنية بالنفط.

خلاصة القول، إنه على الرغم من وجود مخاطر وتحديات جسيمة لتجارب الانفصال، ورفض الاسكتلندي­ين التصديق على الانفصال فإن هذا لا يعني بالضرورة تراجع الحركات الانفصالية، فلاتزال الانقسامات القومية والعرقية، وممارسات التهميش الطائفي والمذهبي، وعدم العدالة في توزيع عوائد التنمية، تؤجج جميعها النزعات الانفصالية على مستوى العالم، في ظل دور متصاعد للقوى الخارجية في تحديد مسارات التوجهات الانفصالية عبر دعم أو احتواء الجماعات المطالبة بالانفصال.

دأبت العديد من الكتابات على وضع تصورات لمستقبل منطقة الشرق الأوسط من منظور النزاعات الدائرة داخل دولها، وما يدور في عموم الإقليم من صراعات إثنية ومذهبية وحرب ضد الإرهاب، في تغليب واضح للعوامل الأمنية باعتبارها أهم المحددات التي تساهم في إعادة شكل وهندسة الإقليم.

مع التأكيد على أولوية العوامل الأمنية، فإن ذلك لا ينفي وجود بعد مهم يكاد يغيب عن معظم التصورات والرؤى المستقبلية، وهو المتعلق بالمشروعات الضخمة Mega Projects ، التي أعلن عن العديد منها في أنحاء الشرق الأوسط، فهي بمنزلة عامل مهم أيضاً في تحديد خريطة الشرق الأوسط مستقبلاً.

واللافت أن أغلب ما يثار حول هذه المشروعات هو الجدل بشأن تأثيراتها السلبية المباشرة المتوقعة على الدولة أو الدول المجاورة، ومن أبرز هذه النماذج "مشروع سد النهضة الإثيوبي"، وما يدور حوله من نقاش حاد داخل مصر حول درجة تأثيره على أمن مصر المائي والقومي، وما يطرحه من خلافات بين مصر وكل من السودان وإثيوبيا، بينما لا تحظى مشروعات كبرى أخرى في المنطقة، مثل إنشاء المطارات العملاقة، أو التوسع في حركة إنشاء عقارات ضخمة كجزء من خطط سياحية أطول، أو إنشاء خطوط سكك حديدية داخل الدولة أو بين مجموعة مشتركة من الدول، بنصيب وافر من دراسة تأثيراتها المستقبلية. في هذا الإطار يتعرض هذا المقال بإيجاز لأبرز المشروعات الضخمة في منطقة الشرق الأوسط، من دون ادعاء حصرها أو تقديم إجابات وافية حول تأثيراتها الكلية في المستقبل، ولكن لإلقاء الضوء على القضية، وطرح الأسئلة التي تتطلب دراسات متأنية وأكثر تخصصية وعمقاً لبحث واستشراف أثر هذه المشروعات في تغيير الخريطة الجيو-استراتيجية والسكانية والاجتماعي­ة والاقتصادي­ة للمنطقة.

اأولاً: ماهية وخ�صائ�ص الم�صروعات ال�صخمة

تشكل المشروعات الضخمة ركيزة أساسية في بناء العديد من الدول، نظراً لما تتضمنه من تأثيرات مختلفة عليها، ومن المفيد تحديد ما هي المشروعات الضخمة، وكذلك ما تثيره من قضايا. 1- محددات تعريف المشروعات الضخمة يتضمن تعريف المشروعات الضخمة ثلاثة محددات أساسية تتعلق بالتكلفة والتمويل، وجذب اهتمام الرأي العام، وآثاره داخل الدولة وخارجها. ووفقاً لذلك، يمكن تحديد المشروع الضخم بأنه: "مشروع استثماري واسع النطاق يزيد حجم تمويله عن مليار دولار أمريكي، ويؤثر على حياة أكثر من مليون فرد على الأقل، وبالتالي يجذب اهتمام الرأي العام بسبب تأثيراته المتوقعة على

المجتمعات المحلية، وتكون له تأثيرات استراتيجية على دول مجاورة أو حتى بعيدة جغرافياً". وتضم المشروعات الضخمة عدداً كبيراً من المجالات المختلفة أبرزها: الجسور العملاقة، والأنفاق، والطرق السريعة، والسكك الحديدية، والمطارات، والموانئ، ومحطات توليد الكهرباء، والمناطق الاقتصادية الخاصة، والمنشآت الكهرومائي­ة، ومشروعات الفضاء،...إلخ. أي أنها تشتمل على مجالات متنوعة ورئيسية للبنية التحتية للدولة، وإن كان معظم المشروعات الضخمة على المستوى العالمي يتركز في المنشآت الكهرومائي­ة ومحطات الطاقة النووية ومشروعات النقل العامة الضخمة. 2- قضايا أساسية تثيرها المشروعات الضخمة تتطلب المشروعات الضخمة رعاية كاملة من القائمين عليها، وتستلزم وفق آراء العديد من الاقتصاديي­ن الحد من التفاؤل والتحيز وتفادي الأخطاء الاستراتيج­ية؛ فأحياناً مع بدء تنفيذ المشروع، تسير الأمور فيه عكس المتصور له في بدايته لدرجة قد يضطر معها المنفذون إلى تغيير الجداول والميزانيا­ت. فثمة عدد من المشكلات المحتملة، قد تنتج عن التخطيط والإدارة، وتشتمل مثلاً على تقديم عروض غير واقعية أو ذات سقف منخفض جداً أو مرتفع جداً، واختفاء بعض المناظر الطبيعية في مناطق ما، وتلوث وانبعاثات حرارية، وتكاليف الاستثمار، وخصائص الإدارة وتحليل التكاليف، وكيفية صنع القرار، والقدرة على الابتكار والمنافسة، بل وأحياناً قد لا تتم السيطرة على المشروع من حيث التكلفة والوقت وتظهر تعقيدات شديدة لم تكن قائمة لدى بدء المشروع وبيئة معارضة وتعقيدات فنية وتقنية، وربما قد يصل الأمر إلى إمكانية عدم توليد قيمة مضافة بسرعة.

وتتضمن المشروعات الضخمة بطبيعة الحال تحقيق أهداف طويلة الأمد للدولة، لكنها أيضاً تخلق معها تحديات وفرصاً على المدى القصير. وتتوقف أبرز المزايا في المدى القصير على حالة الدولة وطبيعة المشروع، وقدرتها على ضخ أموال في السوق المحلي وتدوير جزئي لعجلة الاقتصاد ودورة الإنتاج في القطاعات المختلفة المرتبطة بالمشروع، وتشغيل العمالة إذا ما كان يتطلب المشروع أيدي عاملة كثيفة، علاوة على تحقيق هدف سياسي يتمثل في إجماع المجتمع حول هدف وطني مشترك إذا كان المشروع يحظى بشبه توافق داخلي ومجتمعي.

أما التحديات فتمكن في اختلاف الخطط والأهداف في الوقت الحالي مقارنة بإنشاء المشروعات الضخمة في القرن الماضي؛ فغالباً ما كانت الأهداف سابقاً متجانسة وواضحة بشدة وخطط العمل تتسم بالثبات النسبي. لكن الخبرات الإدارية والتنظيمية والمزايا التي تحققت لبعض المشروعات الضخمة على المدى الطويل، علاوة على أنها أضحت مجالاً للتنافس بين الدول وبعضها البعض، لاسيما في مجال الإنشاءات العقارية الضخمة والمنشآت السياحية؛ كلها عوامل لم تعد تسمح للنماذج القديمة بالعمل كونها متجانسة ومتفردة ومحددة الأهداف، لأن الأهداف اليوم باتت أكثر مرونة وتنوعاً وتغيراً.

وأحياناً تثير المشروعات الضخمة انتقادات من داخل بعض المجتمعات، لأنها سوف تغير من خريطة السكان ومناطق الإنتاج وغيرها، وهذا ما عرفته أمريكا الشمالية في ستينيات القرن الماضي حينما نشأت حركة مضادة لبناء الطرق السريعة داخل المدن الكبرى في نيويورك وسياتل وسان فرانسيسكو وتورنتو على سبيل المثال، وكما ظهر أيضاً في وجود منظمات تعمل ضد محطات الطاقة النووية في ألمانيا واليابان. من هنا فإن من معايير نجاح المشروعات الضخمة أن تشمل في تخطيطها دراسة التغيرات الاجتماعية المحتملة مثل عدم المساواة والحرمان وحركة السكان.

وقد تكون التأثيرات الخارجية للمشروع الضخم إيجابية، خصوصاً في حالة المشروعات التي تشترك فيها أكثر من دولة، حيث يكون الهدف تعزيز التجارة عبر الحدود وتسهيل الاتصال داخل الدولة الواحدة أو بين مجموعة من دول الجوار، وتحقيق الاستفادة من الموارد غير المستغلة على سبيل المثال. وقد تكون هذه التأثيرات سلبية، سواء عن قصد أو من دون قصد، فثمة مشروعات ضخمة تنفذها دولة ما تضخم من رصيد دولة أخرى، خصوصاً في مجالات العقارات والسياحة والموانئ والمطارات والسدود، أو تؤثر سلبياً على دولة أخرى، لأنها تمس بعداً يخص أمنها الوطني.

ثانياً: الاأنماط الرئي�صية للم�صروعات ال�صخمة في ال�صرق الاأو�صط

تتعدد طبيعة المشروعات الضخمة المعلن عنها أو التي يجري تنفيذها في العديد من الدول العربية وبعض دول الجوار، ما بين المشروعات العقارية والسياحية الضخمة، ومشروعات النقل والسكك الحديدة الكبرى، ومشروعات القنوات المائية الملاحية والموانئ، ومشروعات الطاقة النووية المدنية وبرامج الفضاء، وإنشاء السدود الضخمة، خاصة سد النهضة الإثيوبي. ويمكن تناول أبرز أنماط المشروعات الضخمة الأكثر وضوحاً، بإيجاز، فيما يلي: 1- المشروعات العقارية والسياحية الضخمة تعد هذه المشروعات سمة أساسية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فقد تصاعدت خلال العقد الأخير مشروعات التشييد والبناء والعقارات والسياحة، ويشير تقدير حديث لمجلة "ميد" صدر في يوليو 2014 إلى أن تكلفة المشروعات المعلن عنها خليجياً تتجاوز تريليون دولار أمريكي، وأنها مجتمعة أنفقت ما يزيد عن 500 مليار دولار في قطاع مشروعات البنية التحتية منذ عام 2006 حتى الآن. ومن المتوقع زيادة الإنفاق في مشروعات كبرى، خصوصاً في كل من الإمارات وقطر، حيث تستضيف دبي معرض إكسبو 2020، فيما تستضيف الدوحة كأس العالم لكرة القدم 2022.

وترتبط السياحة بتطوير الموانئ الجوية وإنشاءات أخرى جديدة. على سبيل المثال، بدأت دبي في أكتوبر 2013 تدشين أول مبنى للطائرات العملاقة مثل الإيرباص 380 A، والذي يعد الأول

من نوعه في العالم، ما سوف يرفع الطاقة الاستيعابي­ة للمطار من 60 مليون مسافر إلى 75 مليون مسافر سنوياً. كما أعلنت دبي في يوليو 2014 عن بدء العمل في مول العالم، الذي سيكون الأكبر في العالم بتمويل يصل إلى 6.8 مليار دولار أمريكي، كما أعلنت في 29 أكتوبر 2014 عن التخطيط لبناء أطول برجين توأمين في العالم. وأعلنت أبوظبي في 2005 مشروع توسعة مطار أبوظبي الدولي بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 6.8 مليار دولار لرفع الطاقة الاستيعابي­ة للمطار إلى 50 مليون مسافر سنوياً. كما تنشط قطر في مجال المشروعات الضخمة الجديدة، حيث يعد مشروع (Doha Festival City ) أكبر مرفق متعدد الاستخداما­ت قيد الإنشاء في الشرق الأوسط، وسيتم الانتهاء منه في سبتمبر 2016 . 2- مشروعات النقل والسكك الحديدية الكبرى يجري العمل في دولة الإمارات حالياً على إنجاز مشروع قطار الاتحاد، وسوف يساهم القطار في ربط الإمارات السبع بعضها البعض من جانب، وسينقل 16 مليون راكب و50 مليون طن من البضائع. وعلى المستوى الإقليمي، هناك مشروع قطار الخليج، والذي يتوقع أن يتم تشغيله بحلول عام 2018، ويقدر طول مساره الإجمالي ب 2117 كيلومتراً، ويبدأ من الكويت، مروراً بالدمام، إلى البحرين، ومن الدمام إلى قطر، ومن السعودية إلى الإمارات، ثم إلى مسقط عبر صحار. ويتكلف 15.4 مليار دولار يتم تقسيمها على دول الخليج الست بحسب مسار الخط الحديدي بداخلها.

وثمة مشروع إقليمي ضخم آخر هو الجسر البري الذي يربط بين مصر والسعودية، وهو مشروع قديم يعود إلى أكثر من 14 عاماً، ولم ير النور بعد، لكن ثمة توافقاً بين البلدين على أهمية تنفيذه في أقرب وقت ممكن. من جانبها أعلنت اليمن وجيبوتي في عام 2012 تدشين مشروع جسر عملاق آخر يمتد من اليمن حتى جيبوتي فوق مضيق باب المندب. 3- مشرعات القنوات المائية الماحية يعد مشروع قناة السويس الجديدة الذي أطلقته مصر في أغسطس 2014 أبرز تعبير عن هذا النمط من المشروعات الضخمة، وتصل تكلفته إلى 4 مليارات دولار لإنشاء المجرى الملاحي الموازي للقناة الحالية، والذي سوف يزيد عدد السفن العابرة يومياً من 49 سفينة في المتوسط في عام 2014، إلى 97 سفينة يومياً في عام 2023. هذا إضافة إلى تكلفة تقدر بنحو 4.2 مليار دولار لإقامة 6 أنفاق أرضية لنقل السيارات والسكة الحديدية إلى سيناء، بحيث يتزامن إنشاؤهما مع إنشاء القناة الجديدة. وتتضمن الخطة الشاملة تنمية إقليم قناة السويس، حيث سينتج عن مشروع حفر القناة 42 مشروعاً فرعياً صناعياً وزراعياً وسياحياً وإنشاء موانئ جديدة، بمعدل تكلفة قد يصل لأكثر من 100 مليار دولار حتى عام 2022. 4- مشروعات السدود الضخمة أعلنت إثيوبيا في أبريل 2011 عن البدء في تأسيس سد النهضة، وتقدر تكلفته بنحو 4.7 مليار دولار، وهو سد ضخم تقيمه إثيوبيا على النيل الأزرق، بهدف توليد الطاقة الكهربائية، بقدرة 5.250 ميجاوات. وعلى الرغم من أن إثيوبيا خارج نطاق إقليم الشرق الأوسط، فإن هذا السد يترك تداعيات كبيرة على مصر، ولايزال الجدل بشأن مخاطره غير محسوم بعد في كل من مصر والسودان، فمساحة التخزين الهائلة أمامه، والتي تبلغ 74 مليار متر مكعب، سوف تؤثر بالقطع على نصيب مصر من المياه، بما يعنيه ذلك من بوار مساحة من الأرض الزراعية تقدر بمليون فدان على الأقل، وتقليل قدرة مصر على توليد الطاقة الكهربائية بنسبة تصل إلى 20%، بل وثمة مخاوف متعلقة باحتمالات انهيار السد نتيجة إسناد إنشائه إلى شركة إيطالية مغمورة سبق أن أخفقت في تنفيذ بعض المشروعات الأخرى، وطبيعة التربة البازلتية التي يقام عليها المشروع، وانخفاض معامل الأمان في تنفيذ السد، ما قد يخلف كوارث كبيرة محتملة على السودان ومصر. 5- مشروعات الطاقة النووية وبرامج الفضاء شهدت السنوات الأخيرة توجه دول الخليج العربية إلى الاتفاق مع شركات عالمية من دول مختلفة على إنشاء عدد من محطات الطاقة النووية المدنية بهدف توليد الكهرباء. فعلى سبيل المثال، أعلنت السعودية في عام 2011 عن خطط لإنشاء 16 مفاعلاً للطاقة النووية السلمية على مدى 20 عاماً بتكلفة تبلغ أكثر من 100 مليار دولار، حيث ستولد هذه المفاعلات ما يقرب من 20% من الكهرباء في السعودية. ودشنت الإمارات البرنامج النووي السلمي في عام 2009، وبدأ العمل بالفعل في إنشاء أول محطة نووية في عام 2012 وسوف تبدأ التشغيل في عام 2017، ومن المتوقع تشغيل ثلاثة مفاعلات أخرى بحلول عام 2020.

كما تعد الإمارات أول دولة عربية تعلن عن دخول السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، حيث أنشأت وكالة الفضاء الإماراتية في 18 يوليو 2014، وبدأ العمل في مشروع إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ، بقيادة فريق عمل إماراتي، في رحلة استكشافية علمية تصل إلى الكوكب الأحمر خلال السنوات السبع المقبلة، وتحديداً في العام 2021.

تتعدد طبيعة المشروعات الضخمة المعلن عنها أو التي يجري تنفيذها في العديد من الدول العربية وبعض دول الجوار، ما بين المشروعات العقارية والسياحية الضخمة، ومشروعات النقل والسكك الحديدة الكرى، ومشروعات القنوات المائية الملاحية والموانئ، ومشروعات الطاقة النووية المدنية وبرامج الفضاء، وإنشاء السدود ا لضخمة .

ثالثاً: الاآثار المحتملة للم�صروعات ال�صخمة بالمنطقة

يتوقع أن يترك هذا الكم الهائل من المشروعات الضخمة، التي يجري إنشاؤها في دول ومناطق مختلفة في الشرق الأوسط بعض

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates