Trending Events

الذئاب المنفردة:

ملامح انتشار ظاهرة الإرهاب الفردي على الساحة الدولية د. أيمن الدسوقي

- د. أيمن إبراهيم الدسوقي أستاذ مشارك، قسم العلوم السياسية، مجموعة جامعة أبوظبي للمعارف

أثارت الأحداث الإرهابية الأخيرة في مصر وكندا والولايات المتحدة وأستراليا والسعودية، الاهتمام بظاهرة الإرهاب الفردي والخلايا المستقلة. بيد أنّ الاهتمام السياسي والإعلامي بالظاهرة لا يقابله اهتمام أكاديمي بالدرجة نفسها، فضلاً على أنّ الساسة والإعلاميي­ن ساهموا في زيادة المبالغات والغموض المتعلق بالظاهرة.

وحتى عهد قريب، ساد بين الدارسين اعتقاد مؤداه أنّ فكرة التنظيم أساسية في تعريف الإرهاب، فوفقاً ل"هوفمان"، وهو من أهم المتخصصين في دراسات الإرهاب، "كي يصبح أي عمل عنيف إرهاباً، يجب أن يُرتكب بواسطة كيان منظم، له هيكل محدد، وتسلسل قيادي معروف، وبعيد عن أي شخص يعمل بمفرده")1.( ولكن برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة الإرهاب الفردي والخلايا المستقلة، وذلك على الرغم من أن الظاهرة ليست جديدة، وإنما تعود للقرن التاسع عشر على الأقل.

ويتم التعرض في هذا التحليل إلى الحديث عن مفهوم الإرهاب الفردي، ومدى ارتباطه بظاهرة الخلايا المستقلة، وكذلك مدى تداخل المفهومين عملياً، ثم بيان الخصائص العامة للظاهرة، وأخيراً التداعيات المستقبلية لعودة هذه الظاهرة بقوة من جديد.

اأولً: مفهوم الإرهاب الفردي

لا يوجد اتفاق بين الباحثين على تعريف الظاهرة، بل وعلى تسميتها، فهناك مسميات متعددة، منها إرهاب الذئب المنفرد (Lone Wolf Terrorism )، وإرهاب الفرد الواحد (Solo Terrorism )، وإرهاب الفاعل الوحيد (Single-actor Terrorism )، والإرهاب بلا قيادة (Leaderless Terrorism ).

ومع ذلك، ثمة اتفاق على أن ظاهرة الإرهاب الفردي ليست بالجديدة، وإنما تعود في صورتها الحديثة إلى القرن التاسع عشر على الأقل، حينما طوّر الفوضويون نظرية "المقاومة بلا قيادة" (Leaderless Resistance )، وقد ازدهرت النظرية مع حركات اليمين المتطرف (وكذلك نشطاء مناهضة الإجهاض) في الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي(2،( ثم التقطها أحد منظري التطرف وعلى رأسهم أبومصعب السوري في أواخر التسعينيات)3،( ثم تبنتها "القاعدة" ونشرتها من خلال أحد قادتها في "شبه الجزيرة العربية"؛ وهو أنور العولقي، ومجلتها الإلكتروني­ة المعروفة باسم الإلهام "Inspire،" وأخيراً، أعاد تنظيم "داعش" استخدامها مرة أخرى، من خلال نداء إلكتروني في 21 سبتمبر 2014 إلى المسلمين والمتعاطفي­ن معه في الدول الغربية، حثهم فيه على الهجوم بكل الوسائل على أهدافٍ عسكرية ومدنية في هذه الدول(4).

وقد عرّف "هيويت"، ظاهرة الإرهاب الفردي بأنها "الأعمال الإرهابية التي يتم تنفيذها بواسطة

أفراد غير منتمين إلى مجموعاتٍ منظمة"، مشيراً إلى أن المجموعة الإرهابية تتكون من أربعة أشخاص على الأقل( وتكمن مشكلة هذا التعريف في أنّه في حالة ارتكاب العمل الإرهابي بواسطة اثنين أو ثلاثة، يصبح من الصعب اعتباره عملاً فردياً لأشخاص غير منتمين لتنظيم أكبر؛ لأنّ مرتكبيه فاعلون متعددون مرتبطون ببعضهم البعض على الأقل.

ويقترح "بانتوكسي" مفهوماً أوسع للإرهاب الفردي، فلم يميز بين المرتبط بتنظيم منه وغير المرتبط، فوفقاً له، يُنفذ الإرهاب الفردي بواسطة أفراد، أو خلايا صغيرة مكونة من شخصين أو أكثر، يتصرفون بمفردهم، ومن دون تشجيع مادي خارجي، لكنهم في الواقع يُظهرون مستوى معيناً من الاتصال مع متطرفين منظمين عاملين، خاصة من خلال الإنترنت) لكن مشكلة هذا التعريف تتمثل في توسيع المفهوم، ليشمل الحوادث المرتكبة بواسطة أشخاص غير منتمين أو ربما منتمين بدرجة أو بأخرى لتنظيمٍ متطرف.

ولذلك، قدّم سبايج، من خلال عدة دراسات إمبيريقية تعريفاً آخر يعد من أفضل التعريفات التي نُشرت عن الإرهاب الفردي، إذ يتكون الإرهاب الفردي من أربعة عناصر تعريفية رئيسية، فهو عنف سياسي يرتكبه شخص يتصرف بمفرده، لا ينتمي إلى أية مجموعة أو شبكة إرهابية منظمة، ويعمل من دون نفوذ مباشر لقائد أو هيراركية تنظيمية، ويطوّر بنفسه تكتيكاته وطرائقه في تنفيذ العمل من دون أي قيادة أو توجيه مباشر( وعليه، فإن الهجمات التي ينفذها شخصان أو ثلاثة لا تُعد إرهاباً فردياً، كما أن هذا التعريف يستبعد بعض الهجمات التي غالباً ما تُوصف بأنها إرهاب فردي، مثل تفجير مدينة أوكلاهوما الأمريكية عام 1995، فعلى الرغم من أنّ العملية نفذها تيموثي ماكفي بمفرده، فإن زميله "تيري نيكولاس" لعب دوراً في بناء القنبلة التي راح ضحيتها أكثر من 668 شخصاً بين قتلى وجرحى. وينطبق الأمر نفسه على هجوم بوسطن أبريل 2013، الذي ارتكبه شقيقان من القوقاز.

وفضلاً عن ما سبق، فإنه يستبعد أيضاً من التعريف السابق، أي عمل إرهابي فردي يغيب عنه وجود دافع سياسي واضح، مثل أعمال العنف التي تُنفذ بسبب مظالم شخصية، أو بدافع الحصول على منفعة مادية، أو بغرض الانتقام الشخصي أو تحقيق الشهرة، مثل حوادث إطلاق النار في المدارس) (.

وعلى العكس، فإن من السمات العامة للإرهاب المنفرد، وتميزه عن الأنماط الأخرى من الإرهاب، خاصةً إرهاب التنظيمات، هو افتقاده للعناصر الثلاثة الأولى المذكورة آنفاً. أما العنصر الرابع، فقد يترك الذئب المنفرد بياناً يكشف عن دوافعه للقيام بالعملية، وقد لا يفعل) وفيما يتعلق بمدى خطورة العملية، فثمة اتفاق بين الدارسين على أنّ الذئاب المنفردة كونهم غير محترفين أقل خطورة ودموية بصفةٍ عامة من سائر الإرهابيين المنظمين( ).

ثانياً: الإرهاب الفردي والخلايا الم�ستقلة

ترتبط بظاهرة الإرهاب الفردي ظاهرة أخرى، تتداخل معها ويصعب التمييز بينهما في حالاتٍ عديدة، وهي الخلايا المستقلة. ويتضح هذا التداخل في تعريف "بانتوكسي" للإرهاب الفردي، الذي تمت الإشارة إليه سابقاً، إذ يتبنى الكتاب الذي حررّه جيفري كابلان وآخرون(11( الاتجاه نفسه في توسيع مفهوم إرهاب الذئب المنفرد ليشمل "الخلايا المستقلة"، حيث لا يفرق بين الإرهاب الفردي والخلايا المستقلة باستثناء عنصر العدد فقط؛ فالخلية تتضمن أكثر من شخص، وهذا هو الحد الأدنى. ومثال ذلك، حادثة لندن في مايو 2013، حينما قام شخصان بالهجوم بالسكاكين على جندي بريطاني فأردوه قتيلاً بالقرب من ثكنته العسكرية. أما الحد الأقصى، يختلف بشأنه الدارسون، وإن كان العدد 15 يمثل قاسماً مشتركاً بين عددٍ كبيرٍ منهم. وتخطط الخلايا المستقلة وتنفذ عملياتها الإرهابية بطريقة مستقلة عن بعضها البعض، وعن أية سلطة لقيادة مركزية. ولكن من خلال هذه العمليات، يمكن تحقيق الأهداف الأوسع لمنظمة إرهابية أكبر)12(.

وقد وضح التداخل بين المفهومين في هجوم أوكلاهوما سابق الذكر؛ فالهجوم ليس إرهاباً فردياً، وإنما قامت به خلية مستقلة من شخصين، ومصدر التداخل هو أنّ المفهومين ينبعان من مصدر فكري واحد، هو استراتيجية "المقاومة بلا قيادة"؛ وهي استراتيجية عسكرية تُطبقها الجماعات الإرهابية تحت الضغط، وتتسم بشن حربٍ غير مثماثلة، وهجمات إرهابية بواسطة شبكات رأسية من الخلايا المستقلة أو الأفراد، الذين يقللون إلى الحد الأدنى من تفاعلهم مع الكيانات التنظيمية والقيادة المركزية.

يضاف لذلك أن هناك مصدراً عملياتياً للتداخل بين المفهومين، يتصل بأنّ دعوات المجموعات الراديكالي­ة تحت الضغط -من اليمين المتطرف، وحركات مناهضة الإجهاض، والانفصالي­ين، والمدافعين عن البيئة، وأصحاب الراديكالي­ة الإسلامية والمتعاطفي­ن معها- إلى تنفيذ عمليات إرهابية ضد الخصوم، تتضمن حث الذئاب المنفردة أو الجيوش المكونة من شخص واحد، أو تشجيع تشكيل خلايا مستقلة للقيام بذلك.

وقد اتضح ذلك بصفةٍ خاصة منذ العام 2010 على صفحات مجلة الإلهام (Inspire( القاعدية، وفي النداءات والبيانات الصادرة عن كبار القيادات الإرهابية في المنطقة، من أبي مصعب السوري )الهلال الخصيب( وأنور العولقي )اليمن( إلى أبي بكر محمد في مصر)13( وأبي محمد العدناني الناطق الرسمي باسم تنظيم "داعش".

ثالثاً: �سمات هجمات الذئاب المنفردة

شهد العام الحالي عدة عمليات إرهابية تُنسب إلى ذئاب منفردة، أو خلايا صغيرة مشتتة، في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا والشرق الأوسط، وإن كان أغلب هذه العمليات قد وقع في العالم الغربي، وهذا يؤكد ما توصلت إليه الدراسات السابقة من أنّ هذا النمط من الإرهاب أكثر شيوعاً ونمواً في الغرب مقارنةً بسائر أقاليم العالم.

كما أنّ تزايد هذه العمليات منذ منتصف العقد الماضي يشير إلى فعالية إجراءات مكافحة الإرهاب في منع تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة الحجم، مثل هجمات نيويورك وواشنطن (2001) وبالي (2002) ومدريد (2004) ولندن (2005،) من ناحية(14)، ونجاح دعاية واستراتيجي­ة تنظيم القاعدة التي تقوم على دعوة المتعاطفين معها، أفراداً وجماعات صغيرة العدد، إلى تجنب تنفيذ

هجمات كبيرة الحجم، والتركيز على هجمات صغيرة الحجم ضد أهدافٍ مدنية وعسكرية (بشرية ومؤسساتية) في الدول الغربية، من ناحيةٍ أخرى.

وعلى الرغم من أن الوقت لايزال مبكراً لتقديم استنتاجات في هذا الشأن، فيبدو أن دعاية "داعش" تصيب نجاحاً أكثر مما حققته القاعدة؛ فمنذ دعوة داعش في هذا الخصوص، في 21 سبتمبر 2014، حصلت أكثر من خمسة عمليات إرهابية، اثنتين في كندا، وواحدة في كلٍ من نيويورك وبريطانيا واستراليا وأخرى في مصر والسعودية(15.( وكان من الواضح أن معظم هذه العمليات تمت في الدول المشاركة في الائتلاف الدولي ضد "الدولة الإسلامية".

وفي أكتوبر 2014، شهدت الولايات المتحدة وكندا ثلاث عمليات إرهابية فردية، حصلت الأولى في نيويورك، حينما هاجم زيل تومسون ببلطة مجموعة من ضباط الشرطة، فأصاب اثنين منها، وصفت حالة أحدهما بالخطيرة، كما أصيب مدني تصادف وجوده في المشهد، قبل أن يردي رجال الأمن تومسون قتيلاً. وفي مونتريال، تربص "مارتن روليو" بجنودٍ كنديين في موقفٍ للسيارات، فقتل أحدهما وأصاب الآخر. أما في أوتاوا، فقد هاجم مايكل زيهاف بيبو بسلاحٍ ناري صغير جندياً كندياً فقتله، ثم توجه إلى مبنى البرلمان، حيث كان يجتمع بأعضائه رئيس الوزراء ستيفن هاربر، وكادت تحدث كارثة لولا قيام أحد حراس المبنى بقتل المهاجم.

وفي نوفمبر 2014، تم توقيف شاب كان يخطط للقيام بتفجير قنبلة. في نيوكاسل ببريطانيا، وقام نعمان حيدر بطعن اثنين من شرطة مكافحة الإرهاب في أستراليا قبل أنْ يسقط صريعاً)16(.

وفي السعودية، وفي عملية إرهابية لخلية صغيرة العدد، استهدف ثلاثة إرهابيين مجموعة من الشيعة أمام إحدى الحسينيات في الإحساء، أسفرت عن قتل ثمانية، غير أن وزارة الداخلية أعلنت فيما بعد عن القبض على 33 شخصاً من قيادات ومقاتلين ميدانيين في الخلية المتورطة في العملية؛ ما يعني استبعاد خلية الإحساء كليةً من مفهوم الخلايا المستقلة. ومع ذلك، يعتقد المراقبون انتشار عددٍ من الخلايا المستقلة في السعودية)17(.

وبالمثل، تشير التقارير الإعلامية إلى تنامي أعداد الخلايا المستقلة، والذئاب المنفردة، في مصر، والتي يُنسب إليها كثير من العمليات الإرهابية التي وقعت هناك مؤخراً)18،( وقد أُعلن في نوفمبر 2014 عن القبض على أمريكي وجه نداءً عبر وسائل التواصل الاجتماعي للذئاب المنفردة في مصر بتنفيذ عمليات "جهادية"( 19 ).

ومن خلال فحص الحالات الفائتة، ومراجعة الأدبيات السابقة، يمكن بلورة سمات عامة للإرهاب الفردي، والخلايا الإرهابية المستقلة. أولى هذه السمات تتمثل في وجود مزيجٍ من الدوافع السياسية والشخصية وراء حوادث الإرهاب الفردي. بعبارة أخرى، يميل الإرهابيون الأفراد إلى إيجاد أيديولوجيا­تهم الخاصة، التي تتضمن مزج الإحباطات الشخصية بالمظالم أو الشكاوى السياسية والدينية.

وقد كشفت التحقيقات الأمنية والتقارير الصحفية أنّ زيهاف بيبو حُرم من استخراج جواز سفر؛ حيث كان ينوي التوجه إلى سوريا، وأنه ارتكب هجومه انتقاماً من مشاركة كندا في الائتلاف الدولي ضد تنظيم "داعش"، وأنه كمعتنق حديث للإسلام "أُلهم" بدعاية "داعش" في الفضاء الرقمي، والأمر نفسه ينطبق على مهاجم نيويورك وإرهابي أوتاوا وحيدر نعمان في استراليا.

ويتسق هذا مع نتائج الدراسات السابقة التي تؤكد الدور الكبير للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في عملية التحوّل إلى الراديكالي­ة، ومساعدة الذئاب المنفردة، وأعضاء الخلايا المستقلة، في تشكيل أيديولوجيا­تهم، بل وفي رسم تكتيكاتهم وطرائقهم في تنفيذ عملياتهم الإرهابية، ويرتبط بذلك أن الذئاب المنفردة، وأعضاء الخلايا المستقلة، قد يكونون متعاطفين مع مجموعات إرهابية، بل وربما يكونون أعضاء سابقين في هذه المجموعات، على الرغم من أنه من خلال التعريف لا ينتمي هؤلاء إلى منظمة إرهابية محددة.

أما السمة الثالثة، فترتبط بأنّ الإرهابيين الأفراد يعانون من بعض الاضطرابات النفسية، كما توضح معظم الحالات الفائتة بقدر ما توفر من معلومات على قلتها، وبصفة خاصة حالة زيهاف بيبو وزيل تومسون، ويتصل بذلك أنّ الذئاب المنفردة تميل إلى المعاناة من عدم القدرة على التكيف الاجتماعي، فبدرجاتٍ متفاوتة، تجدهم منعزلين، ولهم أصدقاء قليلون، ويفضلون العمل بمفردهم.

ويُلاحظ أنّ الإرهاب الفردي لا يحدث في فراغ اجتماعي، بل على العكس، تظهر الراديكالي­ة نفسها في موقفٍ يتسم بالاستقطاب، ويتضمن التعبير عن الآراء السياسية للفرد والدخول في مواجهة لفظية ومادية مع الخصوم. مغزى ذلك، أن الإرهابيين المنفردين لا ينعزلون عن المجتمع، فهم يتواصلون مع الآخرين، ويميلون إلى إعلان نيتهم في ارتكاب العنف. وتُقدم هذه السمة خيطاً مهماً لرجال الأمن والتحقيقات للكشف عن الذئاب المنفردة المحتملين، من خلال التواصل مع المجتمعات المحلية.

وقد أبانت العمليات الإرهابية السابقة أنّ كل منفذيها من الرجال. وهذا يتسق مع ما توصلت إليه الدراسات السابقة من أنّ معظم الذئاب المنفردة كانوا رجالاً)20،( من دون أن يمنع ظهور قليل من النساء في صورة ذئاب منفردة، كانت أشهرهن روشونارا شودري التي طعنت نائباً بريطانياً في مايو 2010 بسبب موقفه من الحرب على العراق. وأخيراً، تتضح هيمنة الدوافع الأيديولوج­ية المرتبطة بالراديكال­ية الإسلامية على الموجة الأخيرة من الإرهاب الفردي.

شهد العام الحالي عدة عمليات إرهابية تُنسب إلى ذئاب منفردة، أو خلايا صغيرة مشتتة، في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا والشرق الأوسط، وإن كان أغلب هذه العمليات قد وقع في العالم الغربي.

رابعاً: تداعيات انت�سار ظاهرة «الذئاب المنفردة»

ثمة اتفاق بين الباحثين والممارسين على أنّ الموجة الجديدة من الإرهاب الفردي، وما يرتبط بها من الخلايا المستقلة سوف تتزايد، وبصفة خاصة في العالم الغربي)21،( وأنه ربما تصل إلى ذروتها في النصف الثاني من العقد الحالي، بصرف النظر عن

أية نتيجة محتملة للحرب على "داعش"، وربما يزيد من تصاعد هذه الموجة أن تؤدي العمليات الإرهابية ذات الدوافع الراديكالي­ة الإسلامية إلى عمليات مضادة من قبل المناهضين والمعادين للمسلمين في الدول الغربية، على نمط الهجوم الذي نفذه النرويجي أندريه ريفيك عام 2011، وراح ضحيته المئات)22.( وربما تؤدي أيضاً، مع بروز أبعاد طائفية في العمليات الإرهابية، فضلاً عن تفشي الطائفية السياسية في عددٍ من دول الشرق الأوسط، إلى عملياتٍ طائفية مضادة.

ومع تزايد الموجة الإرهابية التي تقودها ذئاب منفردة أو خلايا صغيرة، سوف تتزايد معها المبالغات الإعلامية والسياسية عن خطورة هذه الظاهرة على الأمن القومي للدول(23،( ويتم إغفال الخطر الأكبر، وهو الإرهاب المنظم)24،( ومن جهة ثانية، سوف يعزز هذا اتجاه تشديد الإجراءات السياسية والأمنية والتشريعية لمكافحة الإرهاب، وهي شديدة أصلاً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما يتطلبه ذلك من استمرار الرقابة على الإنترنت والاتصالات ووسائل التواصل الاجتماع، وما يستتبعه ذلك من تداعيات سلبية على الحقوق والحريات الشخصية والمدنية في دول العالم كافة(25).

كما أنه من جهة أخرى، هناك خشية أن تولد الإجراءات المشددة لمكافحة الإرهاب، في سياق دول الشرق الأوسط، ذئاباً منفردة أو خلايا مستقلة جديدة تهدف إلى الانتقام من القوات الحكومية، أو على الأقل إنهاكها.

ختاماً، يمكن القول إن أنجع وسيلة لمواجهة الإرهاب الفردي هي تدعيم علاقات أجهزة الأمن بالمجتمعات المحلية، خاصة المجتمعات المسلمة في الغرب، حتى يوفروا معلومات عمن تظهر عليه علامات الراديكالي­ة والتطرف، فالراديكال­ية لا تتم في فراغ اجتماعي من ناحية، والمجتمعات هي التي تهزم الإرهاب من ناحية أخرى(26).

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates