Trending Events

روح الاتحاد:

إجابات الإمارات عن أسئلة الأشقاء في الشرق الأوسط المدير الأكاديمي

- د. محمد عبدالسلام المدير الأكاديمي القاهرة، 25 نوفمبر 2014

هذه المرة تحديداً، وبعد مرور 43 سنة على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، لم تعد هناك أسئلة يمكن أن توجه للإمارات، ولم تعد الدولة في حاجة إلى التأكيد على أي شيء يتعلق بتماسكها أو هويتها أو مستقبلها، وقبل ذلك طريقتها في إدارة شؤونها الداخلية أو الخارجية، بل تجاوز الأمر ذلك إلى طرح "نموذج" لدولة حديثة تقع في إقليم تجتاحه المشاكل الحادة من كل جانب، من دون أن تتأثر به كثيراً، إذ أصبح "النموذج الإماراتي" مؤثراً لدرجة أن مواطني "الدول العاقلة" الأخرى، يتكفلون بالرد على أي "تعليق" يطرح في دولهم حول الإمارات بطريقة قاسية في بعض الأحيان. إن هناك 6 نماذج على الأقل في الأشهر الثلاثة الأخيرة بهذا الشأن، قام خلالها مواطنون في دول شقيقة بتلقين "البعض" دروساً لا تنسى، عندما قاموا بإطلاق تصريحات حول تطورات تتم داخل الإمارات، سواء كان الأمر يتعلق بمشروعات متطورة جديدة، أو علاقات بين أركان الدولة، أو توجهات سياسية يتم إعلانها، أو تحركات فعلية يتم القيام بها عبر الإقليم. والواقع أن حالة الإمارات كانت تسير طوال الوقت عكس مسار الإقليم، وهي تدرك ذلك، وتدرك نتائجه، على نحو ما تطرح في إطاره كلمات، مثل الهوية، والحصانة، والتوحد والأمن، فكيف تختلف مسيرة الإمارات العربية المتحدة عن التوجهات السائدة في منطقة الشرق الأوسط؟ 1- الاتحاد مقابل التفكك، فواحدة من "الصور النمطية" الشهيرة حول الإمارات، والتي يدرسها طلبة المدارس في كثير من دول الإقليم، هي "أنها أنجح تجربة اتحادية في المنطقة العربية"، وقد أصبحت تلك الفكرة– في الحقيقة– تاريخية، فالواقع هو أنها التجربة الوحيدة الناجحة حالياً، في انتظار ما ستسفر عنه مشكلات اليمن، كما أنها تكتسب أبعاداً جديدة في ظل اتجاه عام في الإقليم لتفكك الدول الموحدة ذاتها، حتى تلك التي تشكلت عبر أكثر من قرن من الزمان، فحالات السودان والعراق وليبيا وسوريا وفلسطين، تشير إلى عجز يصل إلى درجة المأساة، من جانب قيادات ونخب لم تتمكن من الحفاظ، ليس فقط على وجود حكومة مركزية مؤثرة، وإنما أيضاً على وحدة أراضي دولها ذاتها. 2- "العملية" مقابل الأيديولوج­ية، فالإمارات دولة منفتحة، لا تقبل طبيعة مواطنيها "الأفكار المغلقة" ذات الاتجاه الواحد، وتوجد على أراضيها أكثر من 200 جنسية، تجمعها الحياة والعمل بحرية في إطار القانون، وعندما بدا في وقت ما أن أيديولوجية معينة تهدف إلى الامتداد داخلها، خلال الثمانينيا­ت، أضاءت كل الأنوار الحمراء مرة واحدة، بعكس دول عاشت عقوداً في ظل "البعثية" أو الاشتراكية أو "الإسلام السياسي"، أو حسب ما أسماه الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، في مذكراته "التنظير". ويمكن فهم "القائمة الإماراتية" للتنظيمات الإرهابية التي أعلنت مؤخراً في هذا الإطار، فهي تتضمن كيانات قد لا تعتبر في دولها إرهابية، لكنها من وجهة نظر الإمارات متطرفة، ولن يسمح لها بالاقتراب من الساحة الإماراتية. 3- التحديث مقابل الركود، وهي نقطة فاصلة، توجد بشأنها قصص حقيقية، فقد عانت بعض الدول الرئيسية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة أوضاع ركود وبطء وانغلاق لا تطاق من جانب سكانها، وفي حالات مختلفة كانت عقود كاملة تمر من دون أن يبدو أن شيئاً يتحرك، ولايزال هذا الوضع قائماً في بعض الدول، مقابل دولة يتساءل من يقوم بزيارتها عما جرى لمنطقة سبق أن شاهدها قبل 6 أشهر فقط، مع قبول اجتماعي للتغيير السريع، بل وطلب عليه، ونقاش دائم داخل مؤسسات الدولة حول إدارته، بحيث اكتسبت قدرة غير عادية على السير في الطرق السريعة من دون مخاطر. فالإمارات في حالة سباق مع نفسها، على نحو ما تشير المؤشرات الواردة في الدراسة الرئيسية التي

يتضمنها العدد، وصولاً إلى عام 2020. 4- الإبداع مقابل التقليدية، وهي مسألة لا يدركها إلا من يعيش لفترة في الإمارات، مع تساؤل – في كل الكتب التي حاولت تتبع مسيرة الدولة – حول: من أين جاءت تلك الثقافة؟، فقيادة الإمارات تفكر دائماً في الأعلى والأضخم والأسرع، وتعلن أن مبدأ أن تكون الأول هو أساس تطور الدولة، وتتحول كل فكرة جديدة بها إلى واقع، وتقبل التجريب في بعض الأحيان، وتسود ثقافة لدى مستويات الإدارة العليا بأن كل شيء يجب أن يتضمن عنصراً غير تقليدي أو قيمة مضافة، من المباني إلى المشروعات إلى نظم الإدارة، مقابل حالة صعبة في المنطقة العربية، عبر عنها كاتب مخضرم مؤخراً، في حديثه عن حاله دولته، التي لا تتصور أنها يمكن أن تكون الأولى في شيء ما، أو لا تفكر أصلاً في ذلك، على الرغم من أن لديها القدرة على ذلك. 5- العولمة مقابل "العُقد"، وهنا نقطة فاصلة أيضاً في النموذج الإماراتي، لكن هناك تفسير لها، فالإمارات لا توجد لديها أي عُقد بشأن الأجانب، وليست لديها أية حساسيات غير مبررة حول ما يسمى "الخارج"، وتمثل تلك الأمور كارثة حقيقية في المنطقة العربية، فعادة ما ينظر إلى الخارج في معظم دول المنطقة على أنه شر مستطير، ويتم التعامل مع ما يسمى "الأجانب" على أنهم مشكلة، وهي عُقد حقيقية تمنع الاستفادة من خبرات وتجارب ونماذج وبشر، وتؤدي في النهاية إلى الخروج من العالم، وقد سألت مراراً عن أصول ذلك في الثقافة الإماراتية، وجاءت الإجابة مباشرة استناداً على أقوال أو توجهات الآباء المؤسسين للدولة، وأولهم المغفور له بإذن اله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "رحمه اله" في حديثه عن "الإنجليز"، ويمكن مقارنة ذلك بأحاديث أخرى في أماكن أخرى عن "الإنجليز"، بعيداً عن أي تقييم، فثقافة الإمارات مختلفة. بقيت ثاث نقاط مهمة، ربما لا يدرك مواطنو الدولة في الإمارات، أو من يعيشون بها لفترة طويلة أهميتهما، كأسس للنموذج الإماراتي، أو لاختاف بين الحالة في الإمارات والحالة في مناطق أخرى في الشرق الأوسط، وهما: أولاً، أن الثروة (أو الغنى) مسألة جيدة يطمح أي فرد إلى تحقيقها كجزء من حلمه الخاص، وهي ليست مشكلة على الإطلاق، وأن الطموح في أن يكون الإنسان ميسوراً مسألة عادية، وأن رجال الأعمال هم جزء أصيل من التجربة الإماراتية، وأحد أعمدة النموذج الإماراتي، ففي مناطق أخرى في المنطقة العربية توجد توجهات مختلفة تماماً تجاه الثروة وإزاء رجال الأعمال، تمثل – وأنا استخدم هذا التعبير للمرة الثانية – مأساة حقيقية، من دون حاجة إلى مزيد من التفصيل، لكن بشكل مختصر للغاية، فإنه في ثقافات أخرى يعتبر السعي نحو الربح والثروة "اتهاماً". ثانياً، أنه لا توجد في النموذج الإماراتي ما يسمى "بيروقراطية"، وما أدراك ما البيروقراط­ية؟، فبعيداً عن المعايير الدولية الخاصة بما يسمى (Doing Business )، والتي تتعلق بخطوات تأسيس شركة تجارية مثلاً، لا يدرك كثيرون الفارق بين عملية استخراج بطاقة هوية أو رخصة سيارة أو توكيل قانوني في الإمارات، وإتمام ذلك في دول أخرى. وإذا أضيفت لذلك التجارب الإماراتية المتعلقة باستخدام "الطائرات من دون طيار"، أو خدمات السفر المتطورة، أو السيارات السريعة لدى الشرطة، سيبدو الأمر في المنطقة وكأنه ببساطة "خيال علمي". ثالثاً، أن "الأمن غير الظاهر" سمة خاصة بالحالة الإماراتية، فنادراً ما تتم رؤية شرطي في الشارع، أو مظاهر من النوعية التي تحول الأمن إلى "استعراض قوة"، في الوقت الذي توجد فيه وسائل حديثة تتيح القيام بكل المهام الأمنية المتصورة بكفاءة أكبر عشرات المرات من الأساليب التقليدية، على النحو الذي يظهر في انخفاض نسبة "الجرائم المقلقة" إلى أدنى حد ممكن، مع التعامل بشكل فوري مع أية تجاوزات غير قانونية، والأهم – مما لا يمكن الحديث عنه ببساطة – وجود استراتيجيا­ت مركبة، وتفكير دائم، وتدريب مستمر، في كل ما يتعلق بتلك المسألة، فلا تهاون في الأمن، لكن من دون "استعراض قوة". إن الإمارات العربية المتحدة دولة شديدة الوضوح، لديها تقديرات محددة لما يجري حولها، وتقوم بما تعتقد أنه يجب أن تقوم به، حتى لو كان "هجومياً"، طالما لا يوجد خيار آخر، وترى جيداً ما حولها، وتتفاعل مع ما يحدث بأقصى درجات المسؤولية، وليست لديها أية أوهام بشأن التحديات القائمة في الإقليم، وتعمل من دون كلل على تعزيز الهوية والحصانة والأمن، من دون أن يؤثر ذلك على مسيرة التحديث، والسعي المتواصل لأن تصل إلى المكانة الدولية التي قررتها لنفسها، مع لفت انتباه من يهمه الأمر إلى أن "البيت متوحد"، فالقضية – منذ أن طرحها الحكيم الصيني سن تزو قبل آلاف السنين – لا ترتبط فقط بمعرفة الآخرين، وإنما أيضاً بتعبير "اعرف نفسك"، وهنا تكمن روح الاتحاد. في النهاية، فإنه إذا قدر للكاتبة فراوكة هيرد باي أن تحرر كتابها الشهير حول الإمارات من جديد، فإنها سوف تضيف إلى عنوانه عبارة جديدة ليصبح "من الإمارات المتصالحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى النموذج الإماراتي"، وتعود الإضافة الجديدة في الأساس إلى جيل الأبناء.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates