عابرة للحدود:
تصاعد أنشطة جماعات «الإجرام المنظم» عبر الإقليم أحمد أبو زيد
أصبحت الجرائم المنظمة خطراً متزايداً للغاية، ليس على حياة البشر العاديين فقط، كما كان في السابق، بل إن الجرائم المنظمة والعصابات الإجرامية العابرة للحدود القومية تشكل أيضاً خطراً وجودياً على الدول والنظم السياسية. ولعل التصريح الذي أطلقه أنطونيو ماريا كوستا، المدير التنفيذي لمكتب مكافحة المخدرات والجريمة التابع لمنظمة الأمم المتحدة (United Nations Office on Drugs and Crime )، والذي وصف فيه التداعيات السلبية للتدفقات غير المشروعة على المجتمع الدولي بأسره، قائلاً: "إن سوق الإجرام تعم نشاطاتها العالم اليوم، فالبضائع غير المشروعة تأتي من قارة، وتهرب عبر أخرى، وتسوق في قارة ثالثة"؛ يوضح بجلاء حجم التهديد الذي باتت الجريمة المنظمة تمثله على المجتمع الدولي، فنظراً لأنها عابرة للحدود الوطنية أصبحت "تهدد السلام والتنمية، بل وباتت تهدد سيادة الدول نفسها" على حد قول كوستا(1).
تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الظاهرة لاتزال تتسم بالضبابية والغموض بعض الشيء، كونها ظاهرة متعددة الجوانب والأبعاد والمستويات، فهناك جرائم سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية وبيئية وإلكترونية... إلخ، وهو الأمر الذي جعل من مسألة تحديد وتعريف الجريمة المنظمة عملية غاية في التعقيد والضبابية. وليس أدل على ذلك من غياب تعريف موحد لماهية الجريمة المنظمة.
في هذا الإطار يركز هذا التحليل على وضع تعريف للجريمة المنظمة، ومحاولة تحديد السمات الأساسية لها، وبيان الأسباب التي ساعدت على ظهورها وتداعياتها السلبية، ثم محاولة تلمس المسار المستقبلي لهذه الظاهرة.
اأولً: تعريف الجريمة المنظمة
عرفت الاتفاقية العالمية للجريمة المنظمة (اتفاقية باليرمو 2000،) التي عقدت برعاية الأمم المتحدة، الجريمة المنظمة على أنها "جماعة ذات هيكل تنظيمي، مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر، تباشر نشاطها على مدى زمني ممتد، وتعمل بصورة منظمة، بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم والأفعال غير الشرعية، من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو مادية أخرى". وتعرفها منظمة الشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول" على أنها "أي جماعة من الأشخاص تقوم بحكم تشكيلها بارتكاب أفعال غير مشروعة لفترة زمنية ممتدة، وتهدف أساساً لتحقيق الربح من دون تقيد بالحدود الوطنية"(2).
وطبقاً لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة والمخدرات، تتعدد صور الجريمة المنظمة لتشمل أنشطة إجرامية وغير مشروعة،