Trending Events

التأقلم الإيجابي:

فرص وتحديات الدبلوماسي­ة الصينية في الشرق الأوسط باو تشنغ تشانغ

-

سعت الصين على مدى أكثر من 30 عاماً إلى الحفاظ على عاقة تعاونية مع الدول الكبرى في النظام الدولي، على الرغم من العقبات التي واجهت هذه العملية(1،) وفي القلب من ذلك تعمقت العاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط، إذ انخرطت الصين بالمشاركة الإيجابية في حل قضايا المنطقة، وذلك بهدف ترويج أفكارها عن الدبلوماسي­ة الجديدة، وتعزيز صورتها كدولة كبيرة ذات التزامات دولية، فضاً عن تعزيز قوتها الناعمة. لقد حاولت الصين المساهمة في علاج المشكلات الدولية عامة، والقضايا الساخنة في الشرق الأوسط خاصة، مثل نزاع دارفور، والملف النووي الإيراني، والأزمة السورية والصراع العربي – الإسرائيلي، معتمدة على تقديم حلول سلمية لتلك القضايا الساخنة وتخفيف حدة التوترات الإقليمية والدولية، من خلال مجموعة من الأدوات والآليات السياسية والدبلوماس­ية، تهدف للالتزام ب "ميثاق الأمم المتحدة" وقواعد القانون الدولي، والتمسك بالمبادئ الأساسية لسياسة الصين الخارجية. ومن أهم مبادئ الدبلوماسي­ة الصينية في التعامل مع القضايا الساخنة بالشرق الأوسط: • الالتزام بأسلوب التفاوض والحوار كمدخل للتسوية السلمية للنزاعات الدولية. • الدعوة إلى مشاركة أطراف متعددة في علاج الأزمات، فضلاً عن تعزيز دور الأمم المتحدة في الحفاظ على السلام في العالم. • التأكيد على أهمية التنمية وتحسين معيشة السكان المحليين من خلال التعاون الاقتصادي وزيادة المعونات الإنسانية، لإيجاد بيئة مناسبة للتسوية السلمية للنزاعات. • الأخذ في الاعتبار المصالح المشروعة لجميع الأطراف، وأن تستند تسوية القضايا الساخنة على حماية المصالح الأساسية للشعوب( 2 ).

اأولً: تحديات الدبلوما�سية ال�سينية في المنطقة العربية

لا يعكس صعود تنظيم "داعش" تفاقم الاضطرابات بالشرق الأوسط فحسب، بل يعد كذلك محاولة من قوى الإرهاب لتغيير قواعد النظام الإقليمي والخريطة الجيوسياسي­ة الحالية للشرق الأوسط، والتي استمرت منذ الحرب العالمية الأولى، فقد تحول "داعش" من منظمة إرهابية، إلى كيان سياسي عابر للحدود، فارضاً سيطرته على مساحات واسعة من دولتي العراق وسوريا.

وفي سياق التحالف الدولي الذي تدعمه الولايات المتحدة وحلفاؤها لمحاربة "داعش"، فإن رؤية الصين تستند في هذا الشأن، أي الحرب الدولية ضد الإرهاب، على احترام القانون الدولي وسيادة واستقلال وسلامة أراضي الدول التي تعاني التطرف والإرهاب، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في كلمته في مجلس الأمن في 24 سبتمبر 2014 تحت عنوان "الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين من جراء الأعمال الإرهابية"، إذ أكد على جملة من المبادئ: • قيام الأمم المتحدة ومجلس الأمن بلعب الدور الرئيسي في الحرب العالمية ضد الإرهاب، وذلك للحفاظ على وحدة الهدف وتحقيق التنسيق الفعال للجهود المختلفة.

• تبني اقتراب شامل يقوم على اعتماد تدابير في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادي­ة والمالية والاستخبار­اتية والأيديولو­جية، وغيرها، بهدف التصدي لكل الأعراض والأسباب الجذرية للإرهاب. • ضرورة أن تتماشى الأعمال العسكرية مع ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. • عدم اعتماد أي معايير مزدوجة في التعامل مع الجماعات الإرهابية. • عدم الربط بين الإرهاب وأي مجموعة عرقية أو دينية بعينها(3).

وفي السنوات الأخيرة، وفي ظل التحولات والاضطرابا­ت المستمرة في مصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق، ظهرت قضايا ساخنة جديدة في الشرق الأوسط، أضيفت متغيرات جديدة إلى القضايا التقليدية التي كانت قائمة في المنطقة العربية منذ فترة مثل الصراع العربي – الإسرائيلي والملف النووي الإيراني وقضية العراق وقضية أفغانستان ونزاع دارفور وقضية الأكراد؛ ليحدث تشابك كبير بين القضايا التقليدية الساخنة وتلك القضايا الجديدة، سيكون سبباً جوهرياً من أسباب تغير المعادلات في الشرق الأوسط.

ثانياً: اأ�س�س الدبلوما�سية ال�سينية في ال�سرق الأو�سط

إن هذا التشابك بين القضايا القديمة والمستحدثة، يوجد بعض التحديات أمام دبلوماسية الصين بالمنطقة، ولذا ترتكز الصين على الأسس التالية: 1- اعتماد الدبلوماسي­ة الثنائية والمتعددة الأطراف: فقد دفعت عدة اعتبارات الصين لانتهاج هذا الأسلوب، ومن ذلك اختلال التنمية بين دول الشرق الأوسط، والتغير العميق في المعادلة الجيوسياسي­ة، وتدهور الوضع الأمني، وتفاقم الأزمة السورية، والتراجع التدريجي للنفوذ الأمريكي في المنطقة، وتأثير المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، وتداعيات ذلك على التوتر القائم في العلاقات بين السنة والشيعة، وكذلك على العلاقة بين إسرائيل وإيران.

لذا على الصين أن تُزاوج بين الدبلوماسي­ة متعددة الأطراف والدبلوماس­ية الثنائية، بسبب التنوع الشديد والاختلاف القائم بين دول الشرق الأوسط، وأن تولي اهتماماً لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول المستقرة، أما الدول التي تمر بتحولات سياسية واجتماعية، فينبغي أن يتم تعزيز المعرفة بالتجارب الصينية في الحكم والإدارة، مع تقديم المعونات الاقتصادية، فيما يجب أن تركز الصين على تشجيع أطراف النزاع في الدول التي تشهد اضطرابات على الدخول في حوار ومفاوضات لتحقيق الاستقرار. 2- ممارسة الدبلوماسي­ة وفقاً لأفكار جديدة: إذ تنهض دبلوماسية الصين الجديدة في المنطقة على الجمع ما بين "مفهومي العدالة والمصالح". وقد أكد على ذلك الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته أفريقيا في عام 2013، إذ تركز الصين على إقامة توازن في العلاقة بين التمسك بالعدالة والسعي لتحقيق مصالح الدول المختلفة، من خلال استفادة الدول التي تستثمر فيها الصين من عوائد التنمية، بما يحقق الازدهار المشترك للجانبين، علاوة على تقدم أولوية العدالة على المصالح، بحيث يتم التنازل عن المصالح للحفاظ على العدالة عند الضرورة.

وفي هذا الإطار يختلف مفهوما "العدالة والمصالح" الصينيان عما يدعيه الغرب، فالصين تأخذ مصالح الدول المختلفة منها بعين الاعتبار، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لها، على نقيض الدول الغربية التي تستغل في معظم الأحيان راية حقوق الإنسان ستاراً لمصالحها الخاصة، وتتدخل في ترتيب الأوضاع السياسية عند تعاونها مع الدول الأخرى، خاصة الدول العربية. 3- التأقلم الإيجابي مع قضايا المنطقة: فقد تحولت سياسة الصين بعد "الثورات" العربية من التأقلم السلبي إلى أخذ زمام المبادرة وممارسة أدوار إيجابية، وأكدت أن "عدم التدخل في الشؤون الداخلية لا يعني عدم القيام بأي شيء")4،( فقد كان لدى الصين الجرأة في تجاوز القواعد المألوفة في الحالة السورية والقائمة على التعامل مع السلطات الرسمية فقط، وذلك من خلال إجراء اتصالات مكثفة مع الفصائل السياسية المختلفة، وذلك للتوصل إلى وقف إطلاق النار، تمهيداً لفتح الباب أمام المفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية تلبي تطلعات السكان المحليين.

وتوضح هذه التجربة التغيرات المهمة التي طرأت على دبلوماسية الصين مؤخراً، غير أن تضليل وسائل الإعلام الغربية وغياب الدعاية الإعلامية الصينية المقابلة يؤديان إلى سوء الفهم وعدم الرضا عند بعض دول المنطقة عن موقف الصين من الأزمة السورية.

تستند رؤية الجيل الجديد من القادة الصينيين إلى معارضة النظام الدولي التقليدي، والدعوة إلى إقامة نظام دولي سياسي واقتصادي أكثر عدلاً، بما يضمن تحقيق السلام والاستقرار في العالم. وتؤكد الصين التزامها بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وتدعو مختلف الدول لأن تعمل معاً وفق هذه المبادئ لإقامة نوع جديد من العلاقات الدولية يتخذ من التعاون وتحقيق المكاسب المشتركة نواة له.

ثالثاً: قيم الدبلوما�سية ال�سينية الجديدة

تستند رؤية الجيل الجديد من القادة الصينيين إلى معارضة النظام الدولي التقليدي، والدعوة إلى إقامة نظام دولي سياسي واقتصادي أكثر عدلاً، بما يضمن تحقيق السلام والاستقرار في العالم. وتؤكد الصين التزامها بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وتدعو مختلف الدول لأن تعمل معاً وفق هذه المبادئ لإقامة نوع جديد من العلاقات الدولية يتخذ من التعاون وتحقيق المكاسب المشتركة نواة له(5).

ولا تلقى نظرية "صدام الحضارات" التي لاقت رواجاً كبيراً في دراسة العلاقات الدولية وممارسة السياسات الخارجية للدول الغربية، رواجاً في الصين، إذ تأخذ الصين بعين الاعتبار ضرورة

"الوفاق مع احترام اختلاف الآخر"، و"السعي لإيجاد نقاط مشتركة وترك نقاط الخلاف جانباً"، وذلك في علاقاتها مع الأطراف الدولية. وتمثل فكرة الوفاق مبدأ حيوياً للصين في التعامل مع القوى الكبرى في النظام الدولي.

وتقترب دبلوماسية الصين من مبادئ السلام والتنمية والتعاون وتحقيق المكاسب المشتركة، وتفعيل "مفهوم العدالة والمصالح"، وتسعى لنشر هذه الأفكار في الشرق الأوسط بالوسائل المتعددة، مثل الدبلوماسي­ة التقليدية، والدبلوماس­ية العامة، والتبادلات الثقافية، من أجل تعزيز التفاعل الاجتماعي الصيني مع دول الشرق الأوسط، وتوطيد الأسس الاجتماعية لدبلوماسية الصين تجاه الإقليم. وقد أدركت الصين مؤخراً أن الزيارات المتبادلة بين المؤسسات الفكرية ومراكز الأبحاث الصينية والشرق أوسطية تساهم في تغيير الوضع الأكاديمي القائم على غلبة الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام الغربية على قضايا الشرق الأوسط، بما يساعد في النهاية على الفهم الصحيح للخطاب الأكاديمي الخاص بدول الشرق الأوسط.

رابعاً: طريق الحرير.. فر�س جديدة

طرحت الصين فكرة إحياء طريق الحرير التجاري القديم في العام الماضي، وذلك عبر تأسيس طريق حرير بحري للقرن الحادي والعشرين". وتسمى هذه الفكرة ب"الحزام والطريق" في الخطاب الرسمي الصيني)6،( ولا يمكن قراءتها فقط من منظور السوق والتجارة، لأن جوهرها يتمثل في بناء استراتيجية وطنية شاملة تقوم على التخطيط على انفتاح الصين شرقاً وغرباً، وتعميق التعاون مع الدول الواقعة على طول هذا "الطريق" في المجالات المختلفة: التجارية والثقافية والبيئية والتكنولوج­ية والتعليمية والأمنية وغيرها.

ولا تعد المبادرة فكرة استراتيجية لتحقيق نهضة الأمة الصينية وحدها، بل هي مسار يفيد الدول الواقعة على امتدادهما، إذ تقود لتعزيز العلاقات السياسية والتكامل الاقتصادي بما يحقق النمو المستدام المشترك، وهو ما يبرز في الكتاب الأبيض "التنمية السلمية في الصين" الصادر عن الحكومة الصينية في 2011، والذي طرح لأول مرة مفهوم "كتلة ذات مصير مشترك"( )، وتقوم فلسفته على أن المجتمع الدولي أصبح "كتلة ذات مصير مشترك" مترابط المصالح والمصائر، ولا يمكن لأي دولة أن تنأى بنفسها عن الاقتصاد العالمي والقضايا العالمية المثارة.

ووفقاً لهذا المفهوم، ترتبط الصين بالعالم اليوم ارتباطاً وثيقاً على أربعة مستويات هي: (كتلة ذات مصير تاريخي مشترك، وكتلة ذات تنمية مشتركة، وكتلة ذات مصالح مشتركة، وكتلة ذات بنية تحتية مشتركة). وقد أشار القادة الصينيون إلى أن طريق الحرير يدخل في سياق "الكتلة ذات المصالح المشتركة" و"الكتلة ذات المصير المشترك" على المدى البعيد، حيث يمكن تحقيق أعلى مستوى من التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف.

خاتمة

أقامت الصين علاقات استراتيجية ثنائية مع خمس دول عربية هي: مصر والسعودية والإمارات والجزائر وقطر(8،( فضلاً عن تطوير علاقات استراتيجية متعددة الأطراف من خلال جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الإقليمي)9.( وقد شهدت العلاقات الصينية العربية تطوراً ملحوظاً بفضل الآليات العديدة لمنتدى التعاون العربي – الصيني، والذي أكد الرئيس الصيني في كلمته في الجلسة الافتتاحية للدورة السادسة من الاجتماع الوزاري للمنتدى أن محور العلاقات المستقبلية بين الصين والدول العربية يرتكز على تعاون الطرفين في بناء "الحزام والطريق" كفرصة وانطلاقة جديدتين لتطور العلاقات المشتركة، وتشكيل كتلة صينية عربية ذات مصالح مشتركة ومصير مشترك(10).

في هذا الإطار، سوف تسعى الصين إلى ترويج هذا المشروع بقوة لأنه يدعم تنمية التجارة وتطوير البنية التحتية والعلوم والتكنولوج­يا الفائقة للدول العربية الواقعة على طول الطريق، ويوجد محفزات إضافية للتنمية الاقتصادية من خلال تشجيع الابتكار المؤسسي الداخلي واستغلال إمكانيات الطلب المحلي، بحيث يمكن القول إن الهدف الأساسي لدبلوماسية الصين الجديدة تجاه الشرق الأوسط تقوم على ربط الحلم الصيني بالحلم الشرق أوسطي.

 ??  ??
 ??  ?? باو تشنغ تشانغ باحث في معهد دراسات الشرق الأوسط – جامعة شانغهاي
للدراسات الدولية
باو تشنغ تشانغ باحث في معهد دراسات الشرق الأوسط – جامعة شانغهاي للدراسات الدولية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates