Trending Events

خسائر متبادلة:

تأثيرات سياسية محدودة للعقوبات الغربية ضد روسيا أليكسي دولينيسكي

- أليكسي دولينيسكي خبير مشارك في مؤسسة كابستون كونكشنز لتحليل وتقييم السياسات العامة - روسيا

اأولً: عقوبات �سد دائرة المقربين من بوتين

نظراً لرغبة الدول الغربية في إبداء رد فعل سريع أمام شعوبهم، فإن الجولة الأولى من العقوبات جاءت من جانب الولايات المتحدة في فترة زمنية قصيرة، وهو ما أفقدها الوقت اللازم لإعداد قائمة شاملة بعقوبات مؤثرة، حيث استهدفت بصورة أساسية مجموعة صغيرة من الأفراد الذين يُعتقد في أنهم أصدقاء مقربون من الرئيس فلاديمير بوتين، أو تورطوا بصورة مباشرة في اتخاذ قرار بضم شبه جزيرة القرم.

لذلك، وبمرور الوقت، أضحت العقوبات أكثر تعقيداً، وحاولت أن تكون أكثر شمولية، فإجمالاً كان هناك تسع حزم من العقوبات المفروضة من جانب الاتحاد الأوروبي، والتي تناظر مثيلتها الأمريكية، واستهدفت في النهاية 119 فرداً، و23 شركة روسية، فضلاً عن السعي للتأثير سلباً على ثلاثة قطاعات حيوية في الاقتصاد الروسي، هي: المالية والطاقة والدفاع.

ويقع التأثير الأكبر للعقوبات على دائرة الأشخاص والأصدقاء المقربين من بوتين، إذ إن لها تأثيراً سلبياً على أعمالهم الخاصة، وعلى قدرتهم على السفر، وصعوبة التصرف في ممتلكاتهم الموجودة خارج روسيا، نظراً لأن عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أقرت حظر سفرهم، ونشرت بياناً يطالب بإلقاء القبض عليهم من قبل السلطات في الدول الغربية.

وقد سعى هؤلاء الأفراد الموضوعة أسماؤهم على "قوائم العقوبات" للتخفيف من وطأة العقوبات على أعمالهم التجارية وعلى ثرائهم الشخصي، فقام البعض ببيع ممتلكاتهم، مثل جينادي تيموشينكو، الذي باع أسهمه في شركة جنفور للتجارة (Gunvor Trading)، company وكذلك قام الأخوان بوريس وأركادي روتنبرج ببيع أسهمهم في شركات غربية لأعضاء آخرين في عائلتهم غير مدرجة أسماؤهم في قوائم العقوبات.

ويلاحظ أن النهج العام للعقوبات الأمريكية الحالية قد سار على نهج العقوبات نفسه التي فرضتها إدارة رونالد ريجان في أوائل الثمانينيا­ت ضد الاتحاد السوفييتي، فقد استهدفت بصورة أساسية القطاعات الاقتصادية التي تدير دخلاً للاقتصاد، وذلك لإضعاف مصادر الدخل التي يعتمد عليها النظام، وبالتالي التأثير سلباً على استقراره؛ فقد استهدفت العقوبات الحد من قدرة الشركات الروسية العاملة في مجال النفط من الحصول على تكنولوجيا استخراج النفط، وهو ما يحد من قدرتها على استكشاف آبار نفط جديدة،

خاصة في القطب الشمالي.

ومن جهة أخرى، فإن مناقشة هذه العقوبات في الكونجرس الأمريكي، وإمكانية إصدارها في شكل قوانين، يعني أن هذه العقوبات سوف يكون لها مدى زمني طويل يتجاوز تغيير السياسة الروسية حيال الأزمة الأوكرانية، وذلك على عكس القرارات التنفيذية، التي يمكن أن تصدرها الإدارة الأمريكية ثم تحلها بسرعة، لأن القوانين الصادرة عن الكونجرس قد تأخذ سنوات قبل تعديلها.

ثانياً: تاأثير العقوبات على القت�ساد الرو�سي

يمثل حرمان الاقتصاد الروسي من الوصول إلى الأسواق الرأسمالية أحد أكبر التحديات التي تواجهها موسكو، فالشركات الروسية الكبيرة والبنوك المملوكة للدولة، تعتمد على الاقتراض الدولي لتمويل المشروعات الاستثماري­ة الكبيرة. ونظراً لأن العديد من هذه الشركات لديها أقساط ديون يتوجب دفعها في السنة القادمة، فإن عدم القدرة على الاقتراض من الأسواق الأوروبية تعد مشكلة لهم، خاصة مع وجود خيارات محدودة أمام هذه الشركات. وتبدو الصين هي السوق الرأسمالي المحتمل، إذ بدأت معظم الشركات الكبرى المملوكة للدولة بالاتجاه نحو الصين.

أما ثاني أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد الروسي، فتتمثل في التداعيات السلبية للعقوبات على الاستثمار الأجنبي في روسيا، إذ إن أغلب الاستثمارا­ت الأجنبية قد تم تجميدها. وعلى الرغم من عدم استهداف العقوبات من جانب الدول الغربية بإجراءات في هذا القطاع، فإن أغلب الاستثمارا­ت الجديدة قد تم إيقافها نظراً لغياب الاستقرار. كما أن الإدارة الأمريكية اتخذت إجراءات استفزازية من أجل منع الشركات الأمريكية الخاصة من تطوير علاقات تعاونية مع مثيلتها الروسية. وثمة تقارير تشير إلى قيام دبلوماسيين أمريكيين بالتواصل مع الشركات الأوروبية من أجل منعها من تطوير استثماراته­ا ومشاريعها القائمة في روسيا أو القيام بمشاريع جديدة.

من جهة أخرى، فإن المشاريع الحالية للشركات متعددة الجنسيات قد تم استهدافها بالعقوبات، فالشركات الغربية الكبيرة التي تستثمر في السوق الروسي تعاني وضعاً حرجاً. فعلى مدار عقود، قامت هذه الشركات باستثمار أموالها ووقتها من أجل إقامة علاقات قوية مع الحكومة الروسية، من أجل علاج أي مشكلات قد تواجهها في روسيا.

ولكن مع تزايد الضغوط الدولية المفروضة على موسكو، فإن المسؤولين الحكوميين سوف يعتبرون تأميم بعض هذه الاستثمارا­ت للشركات المتعددة الجنسيات خياراً مطروحاً حالة الضرورة القصوى. وعلى الرغم من أن هذا الخيار يعد صعباً وسوف يستخدم كملاذ أخير، فإن مجرد الحديث عنه، يكشف عن مدى التغير في موقف الحكومة الروسية من الشركات الأجنبية؛ وبالتالي فإن المستثمرين الأجانب سوف يتكبدون خسائر من العقوبات الغربية وعقوبات غير رسمية من المسؤولين الروس؛ إذ تبدو أمامهم خيارات محدودة، خاصة مع ضغط الحكومة الروسية عليهم من أجل مراجعة الحكومات الغربية لتغيير سياستها حيال روسيا، وهو ما ترفضه هذه الحكومات حتى الآن.

وبالإضافة لما سبق، تواجه الأسواق المالية الروسية حالة تذبذب كبير بسبب العقوبات، فقد انخفض سعر صرف الروبل – العملة الروسية – حوالي 30% منذ فرض العقوبات على روسيا. وعلى الرغم من صعوبة تقدير حجم التأثير الحقيقي للعقوبات على سعر صرف الروبل، نظراً لتزامنها مع انخفاض أسعار النفط العالمية، وهو ما يؤثر سلباً هو الآخر على سعر العملة الروسية؛ فإن ثمة اعتقاداً بأن العقوبات مسؤولة عن نصف معدل الانخفاض الذي طرأ على سعر صرف العملة الروسية على الأقل.

وهناك عدة أسباب تدفع للاعتقاد في انخفاض سعر صرف العملة الروسية، أهمها قيام الشركات الروسية بدفع أقساط الديون للدائنين الدوليين خلال الشهور القادمة. ويتمثل أعقد هذه الحالات في شركة روزينفت (Roseneft) الروسية المملوكة للدولة، حيث إن صافي ديون الشركة يفوق الدين الخارجي للاتحاد الروسي، ويجب أن تقوم بسداد أقساط ضخمة في أوائل 2015، وسوف يكون لزاماً على الشركة شراء النقد الأجنبي لسداد أقساط الدين؛ مما يعني بيعها كميات كبيرة من الروبل، وبالتالي المزيد من انخفاض سعر صرف العملة الروسية. أما إذا تعثرت الشركة في دفع أقساط الدين في الميعاد المحدد، فإن ذلك سوف يؤثر سلباً على الاقتصاد الروسي، ويعني انخفاض سعر صرف الروبل كذلك.

وتوجد الشركات الكبرى العاملة في روسيا في بيئة تفرض عليها العديد من التحديات التي يصعب التنبؤ بها، وهو ما يعقد من الوضع الاقتصادي؛ فالعديد من هذه الشركات لا تعرف ما إذا كان سيتم إضافتها إلى قائمة العقوبات أم لا، وتسعى لاستغلال علاقاتها السياسية وشركائها في الدول الغربية من أجل معرفة أي تطورات بخصوص إضافة مزيد من الشركات إلى قائمة العقوبات، كما قامت بعض من الشركات الروسية ببيع أسهمها في الشركات الموجودة في الدول التي شاركت أو انضمت إلى سلسلة فرض العقوبات ضد روسيا.

وعلى الرغم من أن أغلب الشركات الروسية لم تضف إلى قائمة العقوبات، فإنها تشعر بالتهديد، وتسعى إلى تقليل الخسائر في حالة توسيع قائمة العقوبات لتضم شركات جديدة. ويضاف لذلك أن رجال الأعمال الروس يسعون لانتهاز كل فرصة للتأكيد على إعلاء ولائهم لدولتهم فوق أي اعتبار آخر، ولكنهم في الوقت

يلاحظ أن النهج العام للعقوبات الأمريكية الحالية قد سار على نهج العقوبات نفسه التي فرضتها إدارة رونالد ريجان في أوائل الثمانينيا­ت ضد الاتحاد السوفييتي، فقد استهدفت بصورة أساسية القطاعات الاقتصادية التي تدير دخلًا للاقتصاد الروسي، وذلك لإضعاف مصادر الدخل التي يعتمد عليها النظام، وبالتالي التأثير سلباً على استقراره.

نفسه يريدون البقاء خارج الصراع الدائر بين روسيا والغرب.

أما تأثير العقوبات على السكان، فقد كان مختلفاً عما كان متوقعاً من قبل الدول الغربية، فالعقوبات أثرت بصورة مباشرة على الشعب الروسي، والذي شعر بها من خلال ارتفاع الأسعار، والذي يعود لانخفاض سعر صرف الروبل في مواجهة العملات الأجنبية، وكذلك لارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، وهو ما وضح في انخفاض القوة الشرائية للمواطنين الروس، الذين أصبحوا غير قادرين على السفر خارجياً، أو شراء بعض السلع التي كانوا يشترونها في السابق، وهو ما أثر سلباً على أنماط معيشتهم. كما دفعت موجة انخفاض العملة الروسية المواطنين لشراء السيارات والعقارات، وذلك للحفاظ على أموالهم في صورة أصول مادية، وذلك قبل أن تفقد العملة الروسية مزيداً من قيمتها.

ويمكن القول إنه على الرغم أن ذلك كان يمثل أحد أهم الأهداف الرئيسية للدول التي فرضت العقوبات ضد روسيا، فإن ذلك لم يترجم في انخفاض الدعم الشعبي للحكومة الروسية، فوفقاً لاستطلاعات الرأي العام الروسية، يشعر أغلب الروس بأن التأثيرات المعيشية السلبية التي طرأت على نمط حياتهم كان بسبب الغرب، ولا يطلبون في المقابل أي تغير في سياسات الحكومة الروسية. وبالتالي، فإن الضغوط الغربية لم تؤد إلى فرض ضغوط شعبية داخلية من أجل التأثير على الموقف الروسي الرسمي، أو من سياسات موسكو الخارجية بوجه عام.

ومع ذلك، توفر الضغوط الدولية تحديات للحكومات المفروض عليها العقوبات من زاوية تأثيرها على الحكم الصالح أو أداء الشركات الاقتصادية أو رفاهية المواطنين. لكن لا توجد حتى الآن أية أدلة تشير إلى أن هذه العوامل أثرت على موقف بوتين من الأزمة الأوكرانية أو غيرها من ملفات السياسة الخارجية الحيوية.

ثالثاً: خ�سائر متبادلة من الم�سروعات الملغاة

يصعب تقدير التكلفة الاقتصادية المترتبة على إلغاء بعض المشروعات التعاونية الغربية مع روسيا بصورة كاملة، أو تلك التي تم وقف العمل بها. فعلى سبيل المثال، أوقفت فرنسا بناء حاملتين للطائرات من طراز ميسترال للبحرية الروسية، ولم تقم بتسليمها على الرغم أنه يتوجب عليها ذلك بموجب العقود الموقعة بين الطرفين، نظراً لأن ذلك سوف يناقض الموقف الفرنسي من فرض العقوبات. وفي الوقت نفسه، يتضمن العقد فرض عقوبات على التأخير في التسليم، أو في حالة إلغاء العقد، بما يعني أنه إذا رفضت فرنسا رسمياً تسليم السفن، فإنه سيتوجب عليها دفع تعويضات لروسيا يتجاوز ثمن بناء حاملتي السفن، وهذا موقف يفرض تحديات على باريس أكثر مما يفرضه على موسكو. وعلى المنوال نفسه، فإن شركات النفط الغربية تخسر نظراً لإلغاء أو تأجيل المشروعات المشتركة، خاصة في منطقة الجرف القاري الروسي. وقد مر الرد الروسي على العقوبات بعدة مراحل، فبدايةً شعر المسؤولون الحكوميون بالصدمة والغضب جراء استخدام الغرب الآليات نفسها التي يستخدمها في معاقبة الدول المارقة، وطالب البرلمانيو­ن الروس بأن تتم إضافتهم لقائمة العقوبات الغربية لإظهار رفضهم التام لفكرة العقوبات، كما تم التباحث حول كيفية تعويض الشركات والأفراد المتضررين من العقوبات، لكن من دون الاتفاق على آلية معينة لذلك، خاصة أن التأثيرات الاقتصادية المباشرة كانت مقصورة على عدد محدود من الأفراد، والذين لم يطالبوا بأية تعويضات من الدولة حتى الآن.

كما اتخذت روسيا إجراءات أمنية ضد المسؤولين وموظفي الشركات العامة، الذين تم فرض عقوبات عليهم، تضمن عدم إفشائهم أسرار الدولة ومنع اعتقالهم من قبل الحكومات الأجنبية. وفي خطوات تالية، فرضت الحكومة حظراً تجارياً على المنتجات الغذائية للدول التي فرضت عقوبات على روسيا. وعلى الرغم أن أغلب دول أوروبا والولايات لا تعتمد على التصدير للسوق الروسي، فإن هناك عدداً من دول أوروبا تعتمد على تصدير الأغذية للسوق الروسي، لكن روسيا لم تتعرض لتحديات بهذا الصدد لأن بيلاروسيا وكازخستان (عضوان بالاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إلى جانب روسيا) لم يفرضا حظراً على المنتجات الغذائية للدول الأوروبية، كما يتم تهريب البضائع الأوروبية عبرهما إلى روسيا.

ويُناقش المشرعون منع الشركات المملوكة للدولة من شراء خدمات من شركات الاستشارات الدولية، التي تقع مقراتها في الدول التي فرضت عقوبات ضد روسيا، وفي الوقت الحالي تقوم الشركات المملوكة للدولة بخفض تعاونها مع هذا النوع من الشركات. ويجري بالمثل حديث عن اتباع سياسة الإحلال محل الواردات، وعن وضع نظام وطني للإقراض، وهو ما قد يعوض نظام الإقراض الدولي، مثل الفيزا والماستر كارد، في حال فرض عقوبات على روسيا تحد من استخدامهما.

أخيراً، لا يتوقع أن تؤثر العقوبات الاقتصادية سلباً على الاستقرار السياسي في روسيا على المدى القصير، على الرغم من المشكلات المالية التي سببتها للشركات الروسية والشركات متعددة الجنسيات، وللشعب الروسي، ولا يتوقع أن تؤدي هذه العقوبات إلى تغيير في السياسات الروسية على المدى القصير.

ومن جانب آخر، فإن الوضع السياسي الحالي، يحفز الدول الأوروبية على البحث عن أسواق بديلة لشراء الطاقة، مثل شراء المحروقات من دول أخرى، وذلك للتقليل من حجم اعتمادها على السوق الروسي. ولذا يمكن القول إن النتيجة الوحيدة التي نتجت عن العقوبات المفروضة من الدول الغربية على روسيا، هو دفع التقارب بين روسيا والصين، والتي استفادت كثيراً من توتر العلاقات الروسية – الغربية.

لا يتوقع أن تؤثر العقوبات الاقتصادية سلباً على الاستقرار السياسي في روسيا على المدى القصير، على الرغم من المشكلات المالية التي سببتها للشركات الروسية والشركات متعددة الجنسيات، وللشعب الروسي، ولا يتوقع أن تؤدي هذه العقوبات إلى تغيير في السياسات الروسية على المدى القصير.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates