Trending Events

:Legalizing Narcotics

سياسات تقنين المخدرات في دول أمريكا اللاتينية آنا ماريا تروك

- تتمثل الفكرة الرئيسية التي يتمحور حولها القانون الذي أصدرته أوروجواي في إنشاء سوق تحت سيطرة الحكومة لمخدر الحشيش، لتحقيق هدفين رئيسين هما: مكافحة الجريمة المنظمة بتوفير أحد المنتجات الممنوعة بسعر أقل، ومكافحة الإدمان من خلال التحكم في عرض المواد المخدرة،

يُعد النفوذ الأمريكي في محيطه الإقليمي بأمريكا الاتينية أحد أهم ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية منذ استقال الولايات المتحدة عن بريطانيا، إذ لم ينقطع تأثير الولايات المتحدة على السياسات والبرامج المتبعة في تلك المنطقة، خاصةً فيما يتعلق بالحرب على المخدرات، حيث أدت عقود من إخفاق سياسات مكافحة المخدرات إلى طرح سياسات بديلة تستهدف الارتقاء بالفاعلية وخفض تكاليف مواجهة تهريب المخدرات عبر الحدود.

فعلى مدى أربعين عاماً، توسعت فيها الولايات المتحدة في تطبيق سياسات الحرب على المخدرات في أمريكا الجنوبية، تردت أوضاع هذه الدول في ظل تصاعد التداعيات الصحية والاجتماعي­ة الناجمة عن انتشار المخدرات، وتعدد مسارات تهريبها واقتصار عمليات الضبط، وإنفاذ القانون على صغار المجرمين، وتمكن كبار مهربي المخدرات من تأسيس شبكات للتهريب أكثر احترافية، تمكنت من السيطرة على أقاليم داخل دول أمريكا اللاتينية.

وارتبط ذلك بتصاعد سطوة تحالفات كبار مهربي المخدرات، واتساع نفوذها، وتطور قدرتها على تهريب السلاح عبر الحدود، بالتوازي مع تزايد جرائم القتل، وانتشار عصابات الجريمة المنظمة، وأدت هذه التداعيات لصعود حكومات ذات توجهات قومية يسارية في دول أمريكا الجنوبية، فضلاً عن تبني بعض الولايات الأمريكية إصلاحات قانونية، خاصة تلك التي تتعلق بتقنين مخدر الحشيش، بالتوازي مع الترويج لسياسات مشابهة من جانب بعض المنظمات الدولية والهيئات متعددة الأطراف، خاصة المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة الدول الأمريكية، وهو ما أدى لتصاعد الجدل حول مدى جدوى السياسات البديلة في مكافحة المخدرات.

اأولاً: �سيا�سات بديلة لمكافحة المخدرات

شهدت الآونة الأخيرة طرح اتجاهات بديلة متعددة فيما يخص التعامل مع قضية المخدرات، على المستويات السياسية والاقتصادي­ة والمجتمعية كافة في عدد كبير من أقاليم العالم، بما فيها دول أميركا الجنوبية، فضلاً عن دول أوروبية، مثل إسبانيا وهولندا، وتضمنت تلك السياسات تقنين إنشاء نواد خاصة بمدمني المخدرات لأغراض علاجية على مستوى البلديات، فضلاً عن توفير وسائل العلاج البديل القائم على التقليل التدريجي لجرعات التعاطي، وتوفير خدمات الرعاية الصحية للمدمنين قبل الإقدام على العلاج، مثل صرف الإبر والمحاقن للتقليل من عدوى فيروس نقص المناعة المكتسبة الإيدز.

وفي هذا الصدد قامت كولومبيا باتخاذ الخطوات الأولى في اتجاه إعادة النظر في الاتجاهات التقليدية المعنية بسياسات تطبيق قوانين المخدرات في أميركا الجنوبية، حيث عانت كولومبيا من زيادة هائلة في تجارة المخدرات غير القانونية في الأسواق بين عامي 1994 و2008، وهو ما أدى إلى زيادة نسبة معدل الجرائم هناك بمقدار 25%، والتي ارتبط أغلبها بأسواق المخدرات غير القانونية والحرب على المخدرات، وفي العام 1998، وهو ما

دفع المئات من الشخصيات العامة من مجتمعات أميركا الجنوبية لتوجيه رسالة إلى الأمين العام السابق للأمم المتحدة آنذاك، كوفي عنان، يطالبونه فيها بإطلاق "حوار صريح حول مستقبل سياسات المخدرات".

وعلى المستوى الإقليمي، شهد العقد الأول من الألفية تطبيق أغلب دول أمريكا اللاتينية قوانين إنهاء تجريم إدمان وحيازة المخدرات، إضافة إلى تخفيف العقوبات القصوى المعنية بالجرائم المرتبطة بتهريب المخدرات.

وقامت الأرجنتين في عام 2009 بخطوة أبعد من ذلك عندما قضت المحكمة العليا الأرجنتيني­ة بأن قيام المؤسسات الأمنية بتوظيف القوة لقمع مستهلكي المخدرات أمر يخالف الدستور، وفي عام 2012 أعلنت جواتيمالا أنها ستسمح لشركات صناعة الأدوية بزراعة نبات القنب المخدر لأغراض طبية، كما شهد عام 2014 إعلان السيد رودولفو كارتر، رئيس بلدية لافلوريدا في تشيلي، عن خطة مستقبلية لبناء منشأة عامة لزراعة الحشيش المخدر، التي من المتوقع أنها ستخفف من الآلام التي يعانيها مرضى السرطان، وإضافة إلى ذلك، أعلن رئيس أوروغواي، خوسيه موخيكا، عن تخطيط حكومته لإنشاء أسواق شرعية للحشيش المخدر تحت سيطرة الحكومة، وأنه سيعمل على تطوير المشروع حتى نهاية ولايته الرئاسية.

ثانياً: نموذج تقنين المخدرات في اأوروجواي

شهدت الخمس عشرة سنة الأخيرة في دول أمريكا اللاتينية اتجاهات تدريجية نجو إلغاء تجريم وحيازة المخدرات، والسماح بالبحث والتطوير في الجوانب الدوائية للمخدرات، فضلاً عن محاولة طرح نموذج بديل للسياسات التقليدية في مكافحة المخدرات، بحيث تركز إجراءات مكافحة تهريب المخدرات على مواجهة قضايا الاستبعاد الاجتماعي والتهميش، وانعدام المساواة، وإعادة توطين النازحين، وتعويض المدنيين المتضررين من الحرب على المخدرات، فضلاً عن إنهاء المواجهات العسكرية مع عصابات تهريب المخدرات، وبدء التفاوض حول تحجيم أنشطتها داخل الدولة، وتقنين زراعة المخدرات، وفرض ضرائب على تلك الأنشطة تؤدي لرفع أسعار الإنتاج، ومن ثم تقييد العرض.

وبحسب تصريح رئيس أوروجواي "خوسيه موخيكا"، فإن إنهاء حظر المخدرات بالنسبة لدولة أوروجواي يمثل تجربة إقليمية يمكن من خلالها تقييم الإيجابيات والسلبيات وهو ما أوضحه خوليو باتيستيوني، عضو البرلمان الوطني في أوروجواي بقوله "إن مشروع القانون الخاص بتغيير نهج مكافحة المخدرات، والذي تتم دراسته منذ العام 2010، يشير إلى حق كل شخص في القيام بزراعة النباتات المخدرة بصورة فردية، وهو ما يسمح بالاستقلال عن السوق السوداء".

وفي العام 2013، تم إقرار القانون المذكور وتصدرت أوروجواي عناوين كل الصحف الكبرى في أنحاء العالم، بل إن مجلة إيكونومست البريطانية أطلقت على أوروجواي لقب "بلد العام". وعلى الرغم من ذلك، لم يكن تبني تلك السياسة على هذه الدرجة من المرونة، حيث أثار المشروع جدلاً سياسياً واجتماعياً شديداً، كما شنت المعارضة هجوماً ضارياً على الرئيس موخيكا بسبب هذه القضية، فضلاً عن سياساته تجاه قضايا مثيرة للجدل، مثل تقنين زواج المثليين والإجهاض، فإن هذا الجدل لم يمنع فوزه في الانتخابات الرئاسية التالية.

وعلى المستوى الدولي، أكدت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، التابعة للأمم المتحدة أن القانون الذي أصدرته السلطة التشريعية في أوروجواي يتناقض بصورة مباشرة مع الالتزامات الدولية لأوروجواي المنصوص عليها في معاهدات تم إقرارها العام الماضي، فضلاً عن تسبب هذه القوانين في انقسامات مجتمعية تجلت آثارها في معارضة 60% من المواطنين القانون سالف الذكر.

ثالثاً: محفزات انت�سار �سيا�سات التقنين

تتمثل الفكرة الرئيسية التي يتمحور حولها القانون الذي أصدرته أوروجواي في إنشاء سوق تحت سيطرة الحكومة لمخدر الحشيش، لتحقيق هدفين رئيسين هما: مكافحة الجريمة المنظمة بتوفير أحد المنتجات الممنوعة بسعر أقل، ومكافحة الإدمان من خلال التحكم في عرض المواد المخدرة، فضلاً عن توفير الاشتراطات الصحية لمنع انتشار الأمراض الوبائية.

ولجعل ذلك ممكناً، تم السماح بممارسة الزراعة المنزلية للحشيش المخدر )مع فرض قيود على الكمية المسموح حيازتها لكل شخص في السنة الواحدة، بحيث لا تتجاوز 480 جراماً في السنة، لكن تم أيضاً اختيار خمس شركات لكي تزرع كل منها طناً واحداً من نبات الحشيش المخدر سنوياً لتلبية الطلب المحلي. أما الجانب الإيجابي الأهم لهذه التجربة من منظور الحكومة في أوروجواي فتمثل في تعزيز القدرة على تلبية الطلب المتصاعد على النباتات المخدرة في الصناعة العالمية للأدوية، باعتبار أن شركات صناعة الدواء الكبيرة من كل أنحاء العالم لديها مصلحة في ذلك، لكنها تواجه مشاكل قانونية كبيرة عندما تحاول تطوير الأدوية المعتمدة على الحشيش المخدر، واختبارها على المرضى في بلدان أخرى. ووفق تصريحات دييغو كانبيا، سكرتير مكتب الرئاسة في أوروجواي "طلبت معظم الشركات الكندية والإسرائيل­ية المعلومات من أجل أن تؤسس لنفسها حضوراً في بلدنا... لم يكن ذلك من بين الأهداف الرئيسية عندما كنا نقوم بتطوير القانون، لكننا نرى الآن أنه يمكن أن يجعل من أوروجواي مركزاً للتكنولوجي­ا الحيوية ولصناعة الأدوية".

ولا يقتصر دور القانون على تقنين زراعة النباتات المخدرة، وإنما يتضمن إلزام الحكومة بضرورة نشر حملات للتوعية بمخاطر إدمان مختلف أنواع المخدرات والاحتياطا­ت الصحية اللازمة قبيل الإقدام على التعافي من الإدمان، فضلاً عن تجريم عمليات التهريب غير المشروع للمخدرات، ومن أجل ضبط عملية التوزيع، يفرض القانون مجموعة إجرءات متكاملة تتمثل في: توزيع المواد المخدرة من خلال الصيدليات، وإنشاء نواد اجتماعية خاصة بتعاطي المخدرات (وهي آخذة في التوسع في أنحاء أوروبا).

رابعاً: تراجع الهيمنة الأمريكية في اأمريكا اللاتينية

لم تعد الولايات المتحدة قادرة على السيطرة على دول أمريكا اللاتينية ودفعها لتبني سياسات معينة فيما يتعلق بمكافحة المخدرات، ففي العام 2009، قدمت "اللجنة الأميركية الجنوبية المعنية بالمخدرات والديمقراط­ية"، طرحاً جديداً حول السياسات البديلة لمكافحة المخدرات ينص على ضرورة إجراء إصلاح شامل للسياسات المعنية بالمخدرات، وكان لنتائج عمل هذه اللجنة أثر مهم في وسائل الإعلام، وعندما تم نشر المقترح سالف الذكر في صورة وثيقة دولية في العام 2011، أصبح إصلاح سياسات مكافحة المخدرات على رأس جدول أعمال المجتمع الدولي.

وفي العام ذاته، قررت بوليفيا الانسحاب من إحدى الاتفاقات الدولية المعنية بمكافحة المخدرات، لأنها كانت تتعارض مع دستورها الوطني، الذي تم تعديله في عام 2009 لإحداث تغييرات كان من بينها تقنين استخدام أوراق شجرة الكوكا باعتبارها تراثاً ثقافياً، وليس مخدراً خطيراً تجب مكافحته.

وبعد محاولة تعديل الاتفاقية فيما يتعلق بمسألة أوراق شجيرة الكوكا، والتوصل إلى أن ذلك كان مستحيلاً، لأن الولايات المتحدة و18 دولة أخرى كانت ضد التعديل، قرّر رئيس بوليفيا إيفو موراليس الانسحاب من الاتفاقية، لكن تم قبول بوليفيا من جديد في العام 2013، واعترف المجتمع الدولي بالجانب الثقافي لورقة الكوكا في بيرو وبوليفيا بعد إدخال استثناء صريح خاص بها في الاتفاقيات المنظمة لمكافحة المخدرات.

تبع ذلك إعلان كل من رئيس كولومبيا خوان مانويل سانتوس ورئيس جواتيمالا أوتو بيريز لمصطلح التقنين، باعتباره سياسة بديلة للمكافحة الأمنية لتهريب المخدرات، ثم جاء إعلان أوروجواي لقانون استهلاك المخدرات في عام 2013 كنموذج تطبيقي لكيفية التعامل مع قضية انتشار المخدرات بآليات أقل تكلفةً من الآليات الأمنية.

وأتت نقطة التحول الرئيسية في أبريل من العام 2012 أثناء قمة منظمة الدول الأميركية التي انعقدت في كارتانيجا بكولومبيا، حيث شهدت عقد اجتماعات مغلقة بين رؤساء دول أمريكا الجنوبية ركزت على موضوع مكافحة المخدرات، وانتهت تلك الاجتماعات لإصدار قرار بتكليف منظمة الدول الأميركية لمراجعة تحليل سياسات مكافحة المخدرات في أمريكا الجنوبية، واستكشاف اتجاهات وبدائل جديدة لتحسينها، وجعلها أكثر فعالية.

وكان الهدف من هذه الورقة الفنية غير السياسية هو أن تكون قائمة تضم الخيارات المختلفة المعنية بمواجهة هذه المشكلة، وتعالج القائمة مواضيع مختلفة، منها مثلاً المخدرات والصحة، بما في ذلك الوقاية والمعالجة، وأثر المخدرات على التنمية الاجتماعية – الاقتصادية، والأنظمة القانونية والبدائل الممكنة، والجريمة المنظمة، والأمن ووجهات نظر الإنتاج وأسواق المخدرات.

وفي العام 2013 أثناء قمة منظمة الدول الأميركية في مدينة أنتيجوا، بجواتيمالا، شغلت سياسات المخدرات الحيز الرئيسي للجدل بين مختلف الدول الأعضاء، كما تم آنذاك تقديم تقرير بعنوان "مشكلة المخدرات في الأميركيتي­ن"، وينقسم التقرير إلى جزءين، أحدهما تحليلي والآخر معني بالسيناريو­هات المستقبلية الممكنة، كما أنه يمثل أول محاولة تتم فيها دراسة ومناقشة الموضوع على نطاق واسع. وكانت نتيجة ذلك تصاعد حدة التوترات مع الولايات المتحدة حول سياسات مكافحة المخدرات، نتيجة رفض الولايات المتحدة تغيير السياسات الإقليمية، باعتبارها من أهم المتضررين من عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود.

بينما رأت دول أمريكا الجنوبية أن هناك مسؤوليات أخرى على عاتق الولايات المتحدة، وكندا تتمثل في السيطرة على المستلزمات الإنتاجية، التي يتم استيرادها من الولايات المتحدة لإنتاج أنواع مركبة من المخدرات، واتباع إجراءات أكثر كفاءة تجاه غسيل الأموال، الذي تمارسه شبكات تهريب المخدرات، وتقديم مساعدات للدول الأكثر تضرراً من الحرب على المخدرات، فضلاً عن عدم التدخل في السياسات الداخلية لدول الجوار، ومن ثم اتضح أن سياسات مكافحة المخدرات تفتقد الإجماع الإقليمي في ظل تعارض المصالح بين الولايات المتحدة ودول أمريكا الجنوبية، التي تسعى لتقليل عبء المشاركة في سياسات المكافحة الأمنية للمخدرات.

ولا ينفصل ذلك عن تصاعد مطالب دول أمريكا اللاتينية بتعديلات تتسم بالمرونة للمعاهدات الدولية المرتبطة بمكافحة المخدرات، خاصة بوليفيا والأرجنتين وجواتيمالا وأوروجواي وغيرها من دول أمريكا اللاتينية، التي طالبت في القمة العالمية حول سياسات المخدرات في فيينا بضرورة تعديل تلك المعاهدات لإصلاح النظام العالمي للمخدرات، بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، وفرض السياسات من جانب الدول الغربية، وهو ما يعني في المجمل تآكل النفوذ الأمريكي في دول أمريكا اللاتينية، وافتقاد الولايات المتحدة القدرة على التأثير في سياسات هذه الدول.

وفي المقابل تقوم رؤية دول أمريكا الجنوبية على إعادة توزيع الموارد لتحقيق التوازن بين الأدوات العقابية وقوة إنفاذ القانون ومكافحة المخدرات في مناطق الإنتاج بصورة أكثر كفاءة وفاعلية، وبين التركيز على التنمية الاقتصادية والسياسات الصحية المناسبة للحد من مخاطر الإدمان في بؤر الاستهلاك مع تضييق مساحات الحركة على المنتجين والمستهلكي­ن، من خلال رفع أسعار المنتج وإتاحة زراعته للأفراد والشركات العاملة في المجال الطبي، وتدمير السوق السوداء، التي تقوم على التهريب بصورة تؤدي لتآكل المنفعة المالية من الإتجار به.

 ??  ??
 ??  ?? آنا ماريا تورك ماجستير في الجغرافيا والتاريخ بجامعة
كومبلوتنسي في مدريد
آنا ماريا تورك ماجستير في الجغرافيا والتاريخ بجامعة كومبلوتنسي في مدريد

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates