Trending Events

مفاتيح نظرية لتحليل مستقبل منطقة الشرق الأوسط..

مفاتيح نظرية لتحليل مستقبل منطقة الشرق الأوسط

-

محاضرة عامة

استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الدكتور عبدالمنعم سعيد، مدير المركز الإقليمي للدراسات بالقاهرة، حيث ألقى محاضرة تحت عنوان "إطار نظري لبحث مستقبل الشرق الأوسط". وأشار دكتور سعيد إلى أن التنبؤ بالمستقبل ومحاولة توقعه هو "كابوس لكل الدارسين"، فهناك تعدد كبير في المدارس التي تهتم بدراسة المستقبل، ويزداد الأمر صعوبة في حالة كتابة تصور لمستقبل منطقة الشرق الأوسط، لأن هناك حالة عامة من عدم اليقين، خاصة بعد أحداث الثورات العربية. وأكد المحاضر أن قدرة مراكز الفكر على تقديم تحليل جيد وناجح يتوقف على القدرة على استخدام أدوات تحليلية ملائمة وإطار نظري متكامل، يتيحان الإجابة عن العديد من التساؤلات، مشيراً إلى أن الجماعة العلمية العربية مقصرة في الاهتمام بالجوانب النظرية التي تساعد في فهم وتحليل الظواهر. واقترح الدكتور سعيد إطاراً نظرياً يشتمل على أربعة محددات أساسية، يتم تحليل ما جرى فيها من ديناميكيات وتفاعل، وهي: الدولة، والسلطة، وتوازن القوى، وأجندة القضايا المطروحة على النظام الآن وفي المستقبل القصير، لدراسة التطورات المستقبلية المتوقعة في الشرق الأوسط.

اأولاً: الدولة

أول هذه المحددات الأربعة هي الدولة باعتبارها عماد أي حديث عن السياسية. ويبدو أن الثورات العربية أضافت تحديات كبرى أمام الدولة العربية، والتي تواجه حتى قبل التطورات الأخيرة تحديات من أعلى متمثلة في العولمة، وما تمثله من تحديات للسيادة، حيث تتم عشرات القرارات خارج سيطرة الدولة. فعلى سبيل المثال، تدير منظمة الطيران (إيتا) حركة الطيران بصورة عابرة لسيادة كل الدول. أما التحدي الآخر فهو من أسفل، وله جوانب متعددة، منها: تحدي ولاءات المجتمع، حيث توجد منظمات وأفراد تنازع الدولة احتكار استخدام السلاح، ففي العديد من الدول العربية ثمة تحد واضح يتمثل في وجود جماعة واحدة أو جماعات عدة تحمل السلاح، أي أنها تنازع الدولة استخدام السلاح من أجل محاولة إيجاد دولة بديلة. ويكمن التحدي الآخر فيما أفرزته الثورات من تصاعد الطائفية بنزعة تدعو إلى الانفصال هذه المرة. فالأكراد مثلاً في سوريا يريدون الانفصال حالياً. كما ظهر تحد جديد هو المجتمع المدني، فبعض المنظمات العاملة في المجتمع المدني على المستوى المحلي باتت لها روابط دولية، ويسعى بعضها إلى فرض رؤاه كأنه مؤسسة موازية للدولة، متذرعة بشعارات الدفاع عن حقوق الإنسان. بمعنى أنها لم تعد تعبر فقط عن الرغبات والمطالب المحلية، بل باتت تعبر غالباً عن الأطراف التي تقدم الدعم المادي الذي يرعى مصالحها.

ثانياً: ال�سلطة

المحدد الثاني هو السلطة، وما حدث لها خلال السنوات الأربع التي تلت الثورات، فقد أفرزت الثورات موجات أو أنماط من السلوك تتعلق بالسلطة. النمط الأول هو العنف، فالثورات كانت عنيفة على عكس ما يقول البعض بأنها كانت "سلمية"، ومن أمثلة هذا العنف اقتحام السجون، والضغط على المؤسسات العامة؛ ومن ثم فإن ما حدث لم يكن أمراً سلمياً بل جرعات متفرقة من العنف. النمط الثاني هو أن الثورات ترتبط بإرادة تحررية تقدمية، والمقصود بذلك توسيع الخيارات المطروحة أمام الناس من الحريات، لكن ما حدث أن هذه الحرية أتت بالإخوان إلى الحكم، وانتشرت بعدها الجماعات الجهادية المتطرفة الأكثر رجعية. النمط الثالث هو أنه للحظات كثيرة، بدا الجيش هو القوة المنظمة الوحيدة - بالإضافة إلى قوة الإسلاميين - القادرة على استعادة النظام من الفوضى، مثلما حدث في مصر، وليبيا واليمن بشكل نسبي، بل إن الذي يجعل النظام السوري قوياً إلى الآن هو الجيش. وفي تونس حافظ على قواعد اللعبة السياسية عبر تدخل ضمني. النمط الرابع هو صمود الملكيات، ولا يعني

ذلك أن بعض النظم الملكية في المنطقة العربية لم تتعرض لضغوط، فالسعودية وعمان والكويت والبحرين حدثت بها ضغوط ومطالب تمكنت أجهزة الدولة من استيعابها سريعاً، وكان واضحاً أن الملكيات لديها القدرة على استيعاب وإدارة هذه المطالب.

ثالثاً: توازن القوى

المحدد الثالث هو توازن القوى، فأبعاد التوازن في القوى متنوعة ومتعددة ويمكن قياسها، ولها العديد من المؤشرات منها المادي، مثل التوازن العسكري والاقتصادي وغيره، والمعنوي الذي يبرز في قضايا مثل التعليم والصحة. والقصد هنا، أن نتائج مرحلة ما بعد الثورات على صعيد الدولة والسلطة أحدثت تغيرات في توازن السلطات داخلياً، وعلى توازن القوى إقليمياً. فعلى مستوى الداخل، حدث صراع بين الأفكار الموجودة ذاتها، لاسيما فكرة الثورة، حيث وضح الآن أن الرأي العام بات يفضل الاستقرار والبعد عن العنف بأي ثمن لأن استمرار الحالة الثورية بات أمراً صعباً، وأن فترة ما بعد الثورات أفرزت معسكرين، الأول هو الرافض لتداعيات الثورات، بل وفكرتها، وما يترتب عليها، والآخر يؤمن باستمرار الحالة الثورية. وأكد المحاضر أن ما يحدث الآن على أرض الواقع جراء تصادم هذين المعسكرين هو تنازع شرعية الدولة وشرعية السلطة، مشيراً إلى أن التغيرات حادثة لا محالة، وأنه لا يمكن الرجوع إلى الماضي، وإن كان الناس يفضلون في المدى الأقرب الحياة والبقاء، حيث تكون مسألة استقرار الحالة الثورية و"الفوران" صعبة جداً. إقليمياً، يرى الدكتور سعيد أن الحالة العربية الآن تتطلب وجود أمر مشابه لما حدث بعد الثورة الفرنسية، حيث تكون معسكر محافظ من بروسيا وبريطانيا وروسيا، ثم انضمت له فرنسا، ليكونوا حينذاك ما عرف باسمconcer­t of Europe ، والذي على أساسه تم الاتفاق على مقاومة التغيرات العنيفة، الأمر الذي حافظ على السلام في أوروبا لمدة مائة عام. ويؤكد أن لدينا الآن شيئاً جنينياً أشبه بذلك فيما يمكن أن يطلق عليه concert of Arabia يعمل ضد التغيرات العنيفة بالمنطقة، ويتكون حالياً من دول الخليج ومصر والأردن وآخرين.

رابعاً: اأجندة ق�سايا المنطقة

يرى الدكتور سعيد أن أمام المنطقة العربية نحو عقد كامل من الأحداث والتقلبات حتى تستقر على إطار جديد أكثر وضوحاً، وأن السنوات الخمس المقبلة سوف تشهد سيطرة لأربع قضايا أساسية، أولها استرداد الدولة لأن هناك ما يشبه الحنين إلى الدولة وسط الحرب الأهلية والفوضى. وليس المقصود هنا أن تعود الدولة العربية كما كانت، فاسترداد الدولة يعني المزج بين ملامح القديم ومتغيرات الواقع الراهن، في خليط بين قوتين دافعتين هما قوة التوازن وقو المجتمع الذي يريد الاستقرار. وترتبط بما سبق قضية ثانية تتعلق بأجندة قديمة هي الإصلاحات السياسية والاقتصادي­ة، إذ يتوقع أن تأخذ زخماً في الفترة المقبلة. القضية الثالثة هي أن المنطقة تمر بإصلاحات دستورية وعمليات تغيير تشريعي جارية، كلها تتعلق بفكرة الدين والدولة، تلك القضية التي لم تُحسم بالمنطقة العربية منذ الحرب العالمية الأولى، لكن ربما تفضي التطورات الراهنة إلى وضع جديد أكثر توازناً في المواجهة الأزلية بين الدين والدولة، ولن تقود لنتائج في صالح الدين كما نعرفه بالمعنى السياسي لا العقائدي. أما القضية الرابعة فهي العلاقات المدنية العسكرية، وهي قضية على المحك، فثمة حراك في وعي الناس حدد سقف استخدام أدوات القمع وقدرتها على السيطرة، ومن ثم فهناك توازن جديد ما بين المواطن ومؤسسات الدولة الأمنية.

ثمة أربعة محددات أساسية تمثل إطاراً نظرياً وتحليلياً لمحاولة دراسة التطورات المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط على المدى القصير، وهي بمنزلة تحولات كبرى سوف تغير وجه المنطقة، وتتمثل في: الدولة، والسلطة، وتوازن القوى، وأجندة القضايا المطروحة بالمنطقة داخلياً وخارجياً.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates