Trending Events

الحروب المختلطة:

تكتيكات القتال "المتداخلة" للتنظيمات المسلحة في المنطقة

- باحثة بالمركز الاقليمي للدراسات الاستراتيج­ية - القاهرة

هدى رؤوف

كانت المواجهات المسلحة قديماً تتم إما بين جيوش نظامية في مواجهة بعضها البعض، أو في مواجهة فواعل مسلحة من دون الدولة، وكان هذا النمط الأخير يسمى “الحروب اللامتناظر­ة”، لكن مع التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتي­ة، استطاعت التنظيمات المسلحة توظيف التكنولوجي­ا الحديثة وبعض القدرات التقليدية للجيوش النظامية لشن نوع جديد من الحروب عرف باسم “الحروب الهجينة” (Hybrid ). warfare

ويمكن القول إن بعضاً من الصراعات الحالية التي يشهدها إقليم الشرق الأوسط تدخل ضمن هذه الفئة من الحروب، خاصة مع سعي التنظيمات الإرهابية، كتنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب لاستخدام هذا النمط من الحروب في مواجهة جيوش نظامية، ونجاحهما– ولو بصورة جزئية ولبعض الوقت– في التغلب عليها، وحكم مناطق واسعة، فقد عمدت هذه الجماعات لامتاك واستخدام أنظمة تسليح عسكرية تشابه تلك التي تمتلكها الجيوش النظامية ولكنها في الوقت ذاته تتبع تكتيكات حروب العصابات.

وسوف يتم تعريف مفهوم الحروب الهجينة، والسمات الأساسية المميزة له، ثم الإشارة لعدد من التنظيمات الإرهابية في المنطقة، التي استخدمت هذا النمط، بالإضافة إلى الإشارة في الختام للكيفية التي تتم من خالها مواجهة هذا النوع الجديد من الحروب.

اأولاً: التعريف ب�لحروب الهجينة

على الرغم من أن الحروب الهجينة مفهوم أكاديمي جديد نظرياً، فإن التطبيقات العملية للمفهوم موجودة في العديد من الصراعات عبر التاريخ، فقد استخدم البريطانيو­ن القوات النظامية ضد نابليون، في الوقت نفسه الذي استخدم الإسبان حرب العصابات ضده، أثناء حرب الاستقال الإسبانية.

ومع ذلك، فإنه ليس هناك تعريف متفق عليه للمفهوم، فقد عرّف فرانك هوفمان الحروب الهجينة على إنها الحروب التي تضم أنماطاً مختلفة من الحرب، بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيات غير النظامية، بالإضافة للعمليات الإرهابية، والعنف العشوائي، وإشاعة الفوضى المساعدة على انتشار الأعمال الإجرامية.

وهناك تعريفات أخرى، مثل الصراعات التي تنفذها الدول أو الجماعات من غير الدول، التي توظف عدة أنماط من الحرب، التي تضم القدرات التقليدية والتكتيكات غير التقليدية، وإثارة الفوضى والاضطرابا­ت التي تساعد على انتشار الأعمال الإجرامية.

وتأخذ هذه النوعية من الحروب الأنماط التالية:

1- قيام قوات غير نظامية بتعظيم قدراتها من خلال استخدام أسلحة تقليدية، ولعل المثال البارز على ذلك الحرب الإسرائيلي­ة ضد حزب اله في عام 2006، حيث قام الحزب باستخدام تكتيكات الحرب النظامية وغير النظامية ضد القوات الإسرائيلي­ة. 2- قيام الدول بتحويل تشكيلتها النظامية إلى تشكيلات غير نظامية، كما فعل صدام حسين مع فدائيي صدام في )1 2003،( حيث عمد بعد انهيار القوات العراقية إلى تحويلهم إلى مجموعات صغيرة تعمل بصورة لامركزية، وتقاوم الوجود الأمريكي. وتتمثل السمات الأساسية للحروب الهجينة في التالي: 1- استخدام الفواعل المسلحة من غير الدول القدرات التقليدية للجيوش النظامية: كأنظمة الاتصال المشفرة، والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة كتفاً، بالإضافة لاستخدام تكتيكات حروب العصابات أو حركات التمرد، التي تستخدم أسلوب الكمائن والعبوات الناسفة والاغتيالا­ت. 2- قيام الدول باستخدام أدوات غير تقليدية: كالإرهاب أو توظيف تشكيات غير نظامية كالميليشيا­ت المسلحة. 3- غياب القواعد الواضحة: في هذا النمط من الحروب، الهدف الأساسي هو تجنب التنبؤ بأفعال الطرف الذي يقوم بشن هذا النمط من الحروب، بالإضافة لارتفاع قدرتهم على التعلم من أخطائهم. 4- تحقيق الصدمة والرعب: وذلك من خال اعتماد الأساليب البربرية والهمجية في القتل، والاعتماد على الفيديو والصور لنقلها، وذلك بدلاً من الاعتماد على الأسلحة دقيقة التوجيه. 5- وجود ساحة المعركة في بيئات معقدة في مدن كبيرة تتمتع بكثافة سكانية عالية، نظراً لأنها تعد بمنزلة ماذ آمن لمقاتلي حرب العصابات والإرهابيي­ن، حيث توفر الكثافة السكانية العالية وشبكات المواصات والبنية التحتية طرقاً عديدة للهرب، كما أنها تعطيهم القدرة على التخفي عند التخطيط والتدريب، فكثافة المناطق الحضرية تعطي الغطاء الكافي والضوضاء الازمة للتغطية على استعداد المهاجم ومواقع الهجوم المستهدفة(2).

ويمكن أن يتم شن الحروب المختلطة من قبل الدول، أو من قبل الفواعل من دون الدول، وسواء كان ذلك بدعم من دولة أخرى، أو من دون هذا الدعم، وهذا النوع من الحروب يمكن أن يشن من قبل وحدات منفصلة، ولكن يتم توجيهها والتنسيق فيما بينها، وذلك لتعظيم التأثير في الأبعاد المادية والنفسية للصراع(3).

ث�نيً�: نم�ذج التهديدات الهجينة في اإقليم ال�شرق الاأو�شط

تشهد منطقة الشرق الأوسط العديد من التطورات التي جعلتها في حالة من السيولة الأمنية، شهدت على أثرها تطور أنماط الصراعات، خاصة فيما يتعلق بالفاعلين فيه والأدوات والآليات التي يوظفونها في الصراع، فقد سيطرت على المنطقة الصراعات التي أطرافها فاعلون من غير الدول، وهي تلك التنظيمات التي نشأت ذات طبيعة أيديولوجية وطائفية ودينية، إلا أنها استطاعت أن توظف كل ما يتاح لها من قدرات تقليدية وتكنولوجية، حتى أنها تفوقت على الجيوش النظامية في عدد من المواجهات المسلحة، لذا فقد أصبح تنظيم "داعش" في سوريا والعراق وجماعة بوكو حرام في نيجيريا وتنظيم القاعدة في الخليج أهم النماذج في المنطقة التي تتجسد فيها سمات الحروب الهجينة. 1- تنظيم "داعش": يمكن القول إن تنظيم "داعش" يعد أحد أهم التنظيمات الإرهابية الذي اعتمد بصورة أساسية على الدمج بين القدرات التقليدية للجيوش النظامية، وتلك التي تستخدم حروب العصابات، وهو ما يتضح فيما يلي: • القوة العسكرية التقليدية: والتي تمثلت في نجاح التنظيم في الاستياء على معدات وأسلحة الجيش العراقي، خاصة بعد انهياره في محافظة الموصل، بالإضافة لاستيائه على أسلحة كانت موجهة لمجموعات سورية تصفها حكومات غربية بالمعتدلة، وقدرته على استخدام هذه الأسلحة، ويرجع ذلك بصورة أساسية إلى أن جانباً من كوادر التنظيم، بل وحتى بعض قياداته العليا كانت قد خدمت في الجيش العراقي، وهو ما أعطاها قدرة على استخدام هذه الأسلحة، بالإضافة إلى قدرة التنظيم على التخطيط لحمات عسكرية وتنفيذها، إذ يتمتع التنظيم بالقدرة على تحديد القوة البشرية والمادية الواجب نشرها على الجبهات المختلفة، بما يعنيه ذلك من امتاكه القدرة على القيادة والسيطرة، وهو الأمر الذي مكنّه من شن عدة عمليات هجومية على أكثر من جبهة( 4 ). • تكتيكات حرب العصابات: كاستخدام السيارات المفخخة، والهجمات الانتحارية، وأسلوب التصفية الجسدية، والاغتيالا­ت. • الحرب المعلوماتي­ة: فقد نجح التنظيم في استخدام الثورة التكنولوجي­ة والمعلومات­ية في دعم الترويج لأفكاره من خال الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لجذب المجندين واستعراض القوة من خال ما نفذه من عمليات إرهابية، فالفيديوها­ت التي نشرها "داعش" ويوثق فيها لعمليات ذبح إنما تشير إلى امتاك التنظيم خبرات في مجال التكنولوجي­ا والإعام واعتماد ساح الإعام كأحد وسائل التنظيم إما لجذب متطوعين أو بث الخوف في نفوس المناهضين للتنظيم. فقد أصدر التنظيم مجلة دابق وهي أول مجلة للخافة الإسامية، والتي تسعى من خالها للترويج لما قامت به من أعمال إرهابية وخططها المستقبلية والتعريف بشرع اله وفقاً لأفكارهم. وكل هذا يعد عوامل مهمة تعمق مشاعر الحنين للخافة الإسامية، والتي تسيطر على أنصار

التيارات الإسامية ويقدم "داعش" لهم النموذج التطبيقي لإقامة الخافة. • الأداة العقائدية: يعد "داعش" أحد التنظيمات الجهادية التكفيرية التي تتبنى الترويج لتأسيس دولة الخافة الإسامية، والتي تحاول جاهدة تنفيذ ما تتبناه أيديولوجياً من خال تحديد مامح تلك الدولة الإسامية في الشام والعراق وتنصيب خليفة للمسلمين وإعان وجوب مبايعته. وهو ما يعد عامل جذب مهم لمن يراودهم حلم الخافة الإسامية من الأصوليين. • السيطرة على الموارد المالية: إذ حرص التنظيم على النهب والاستياء على بنوك المناطق التي اقتحمها كالبنك المركزي العراقي بالموصل، بالإضافة إلى إدارته لبعض الحقول النفطية الواقعة تحت سيطرته في العراق وسوريا، وقيامه ببيع نفطها، فضاً عن الموارد المالية التي استطاع الحصول عليها من عمليات الخطف، وأخيراً، إدارته للمرافق الاقتصادية والحكومية التي كانت تتبع الحكومة العراقية. • القدرات الاستخبارا­تية: يتميز التنظيم بقدرات استخباراتي­ة عالية، يرجع ذلك إلى حقيقة أن كثيراً من ضباط المخابرات السابقين من سوريا والعراق قد انضموا إلى صفوف "داعش"، وجميعهم ممن تلقوا تدريبات راقية في بلدان كبرى في عالم الاستخبارا­ت من الكتلة الشرقية السابقة، وتتمثل المهام الأولى لجهاز مخابرات "داعش" هو جمع المعلومات، والتأمين السياسي لقيادات هذا التنظيم الإرهابي في المناطق التي قد يتواجدون فيها، وإسداء النصح الأمني لهم بالظهور أو الاختفاء عن أعين الإعام والصحافة حسب تقديرهم للموقف الأمني، بالإضافة إلى مكافحة التجسس والاختراق لبنية التنظيم من خال كشف العناصر المتعاونة مع الدول التي أعلنت تحالفها للحرب والقضاء على "داعش" والإيقاع بعماء الأمن والاستخبار­ات للدول التي تحارب "داعش" خاصة عماء أجهزة الأمن الكردية والعراقية والسورية(4).

وعليه فإن ما يمثله "داعش" من تهديدات هجينة جعلت من الصعوبة بمكان تحقيق أي نصر من خال القوة العسكرية التقليدية فقط، وبالتالي كان رد الفعل الدولي من خال التحالف لشن الهجمات لجوية وعدم نية التدخل العسكري برياً، وهو ما كان سيكبد قوات التحالف خسائر فادحة، خصوصاً مع اتباع التنظيم حرب العصابات والشوارع، والتي هي جزء من سمات التهديدات الهجينة. 2- جماعة بوكو حرام: وهي ميليشيا إسامية مسلحة تشن هجومها على كل من المسلمين والمسيحيين في نيجيريا، وتعنى بلغة قبائل الهوسا التعليم الغربي حرام، وترفع هي الأخرى شعار تطبيق الشريعة الإسامية، بالإضافة إلى رفض كل ما هو غربي من ثقافة وتعليم، وقد تحوّل التنظيم من حركة تمرد إلى تنظيم مجهز بأسلحة عسكرية ومعدات، وتستخدم الجماعة نمطاً من الحروب المختلطة، كما هو موضح في التالي: • تكتيكات حرب العصابات: وقد كان الأسلوب الرئيسي للجماعة، قبل أن تتحول للسيطرة على مناطق واسعة من نيجيريا والسيطرة عليها، إذ كان التنظيم يقوم باستخدام العبوات الناسفة وعملية الاغتيالات، إضافة للعمليات الانتحارية، والتي تشارك الفتيات في بعضها. • تكتيكات الجيوش النظامية: إذ استطاعت بوكو حرام الهجوم على عدة قواعد نيجيرية والاستياء عليها، ومن ذلك ما قامت به الجماعة في يناير 2015 من الاستياء على قاعدة للقوات متعددة الجنسيات على الحدود بين نيجيريا وتشاد في ولاية بورنو(5،( وهو ما يكشف عن استخدام التنظيم طريقة قتال القوات النظامية، وليس حرب العصابات، وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم المعدات العسكرية التي تمتلكها بوكو حرام لا تشتريها لأنها مسروقة من الجيش النيجيري، ففي شهر فبراير 2014، اقتحم عشرات من مقاتلي بوكو حرام موقعاً عسكرياً نائياً في تال جوزا بولاية بورنو شمال شرق الباد ونهبوا 200 قذيفة مورتر و50 قذيفة صاروخية ومئات من طلقات الذخيرة، كما حصلوا من عمليات مماثلة على شاحنات ودراجات نارية وعربات مدرعة(6). • عمليات الخطف والقتل: إذ تعتمد الحركة بصورة أساسية على عمليات الخطف المتكررة، والتي تهدف من ورائها للحصول على موارد مالية للتنظيم من خال دفع الفدية، أو مقابل الإفراج عن معتقلين في السجون النيجيرية، وإن طرأ تغير في أسلوب الجماعة مؤخراً، إذ قام باختطاف الفتيات، وتحويلهن لسبايا لمقاتليه(7). • الحرب الإعلامية: إذ يدرك التنظيم هو الآخر أهمية الدعاية للترويج للتنظيم، فقد عرضت هي الأخرى مواد فيلمية وفيديوهات بايعت في إحداها أبا بكر البغدادي – خليفة داعش – كما تبث عشرات الفيديوهات التي تقوم فيها بأعمال وحشية، وذلك في محاولة لتهريب الخصوم، وبث الرهبة في نفوسهم. • الموارد المالية: فقد استولت الجماعة على عدد من البنوك، بالإضافة لعمليات الاختطاف والحصول على فدية مقابل الإفراج عنهم، كما تتلقى الجماعة دعماً من المتعاطفين معها دينياً داخل الباد، ومنهم بعض المهنيين الأثرياء وبعض سكان شمال الباد الذين يكرهون الحكومة.

على الرغم من أن الحروب الهجينة مفهوم أكاديمي جديد نظرياً، فإن التطبيقات العملية للمفهوم موجودة في العديد من الصراعات عبر التاريخ، فقد استخدم البريطانيو­ن القوات النظامية ضد نابليون، في الوقت نفسه الذي استخدم الإسبان حرب العصابات ضده، أثناء حرب الاستقلال الإسبانية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates