Trending Events

ولايات الإرهابيين:

إدارة شؤون الحياة في مناطق سيطرة الجماعات المتطرفة

- عبدالحق أحمد باحث متخصص في الشؤون العراقية

عبدالحق أحمد

شهدت المنطقة العربية مؤخراً بروز عدة جماعات إرهابية استطاعت حكم مناطق واسعة، وإقامة نظم لحكم وإدارة الأفراد الخاضعين لها، واستعصت على السقوط بما يجعلها تفرض تهديدات جدية على وحدة الدول القائمة – في حال استمرارها – وتفتح الباب أمام تقسيم دول المنطقة على نحو عجزت عنه الإدارة الأمريكية في العراق مثلاً.

ولا شك أن التطورات والتحولات التي تمر بها المنطقة العربية والعديد من دولها منذ بداية مرحلة ما يسمى ب "الربيع العربي" في 2011، قد أفرزت أوضاعاً تتسم بالتعقيد، ويتجلى أهمها في فقدان عدد من الدول العربية، كسوريا وليبيا والعراق واليمن وقبلها الصومال، أجزاء كبيرة من أراضيها لصالح الجماعات الإسامية المسلحة ذات الفكر السلفي الجهادي، بحيث أصبحت لهذهِ الجماعات أراضٍ تسيطر عليها وتقيم فوقها إماراتها وتحكم سكانها وفق ما تعتنقه من أفكار وترفعه من شعارات. فقد أعلن تنظيم "داعش" إقامة دولته بعد أن فرض سيطرته على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، بينما تقيم جبهة النصرة إمارتها في سوريا، وأعلنت الجماعات الإسامية إمارتها في درنة بليبيا، ولا يختلف الوضع كثيراً في الصومال، وما تقوم به حركة الشباب المجاهدين في المناطق التي تسيطر عليها. ويتطلب التعرف على طبيعة حكم الجماعات المسلحة للمناطق والسكان الخاضعين لسيطرتها أن تتم مناقشة أسلوب ونمط إدارة هذه الجماعات، وكذلك التعرف على طريقتها في تقديم الخدمات والاحتياجا­ت الأساسية للسكان، وكذلك الوقوف على مدى قدرة هذه الجماعات على تقديم نظام بديل للحكومات الحالية، ومدى تقبل السكان وجود وأداء هذه الجماعات المسلحة المسيطرة على مناطقهم.

اأولاً: الهيكل التنظيمي في الحكم

تتعامل الجماعات الإسامية المسلحة في المناطق التي تسيطر عليها باعتبارها دولاً تمتلك شروط وأركان قيام الدولة، وفي الأغلب تتقارب الهياكل والبنى التنظيمية لهذه الجماعات أو الإمارات التي تقيمها، من حيث وجود زعيم أو مسؤول يمتلك صاحيات واسعة ومساعدين بمؤهات خاصة تؤهلهم لتولي المسؤولية في حال اغتياله أو عجزه عن القيادة، وجناح عسكري يمثل البنية الأساسية في مختلف هذه الجماعات، كونها حركات مسلحة بالأساس، كما تمتلك هيئات تتولى الشؤون المالية والقضائية والاستخبار­ية والإعامية، فضاً عن الأجهزة الإدارية التي أصبحت تتولى مهمة إدارة شؤون السكان تحت ولاية هذهِ الجماعات.

فبالنسبة لتنظيم "داعش" الأكثر تأثيراً من بين الجماعات، فإنه يمتلك جهازاً بيروقراطياً متطوراً إذا ما قورن بالحركات السلفية الجهادية الأخرى، تتسم بنيته بالمركزية الشديدة بما يضمن سيطرة زعيمه أبوبكر البغدادي على كافة مفاصل التنظيم، وذلك من خال الإشراف المباشر على ما يسمى ب "المجالس"، والتي تُعد بمنزلة المفاصل الأساسية لتنظيم الدولة، التي تشكل "القيادة المركزية"، ويمتلك البغدادي صاحيات تعيين وعزل رؤساء المجالس وأمراء الولايات، بعد أخذ رأي مجلس الشورى. ومن أهم هذهِ المجالس: مجلس الشورى الذي تقع على عاتقه مهمة النظر في القضايا المستجدة واتخاذ القرارات المهمة ورسم السياسات العامة، ومجلس أهل الحل والعقد، والهيئة الشرعية، والهيئة الإعامية، وديوان بيت المال، والمجلس العسكري، والمجلس الأمني)1،( وكذلك ديوان الحسبة وديوان التعليم. ويعمل تنظيم "داعش" في خطين، الأول عسكري يتمثل في وضع الخطط العسكرية وإدارة المعارك للحفاظ على المناطق المسيطر عليها والتمدد العسكري لكسب المزيد من الأراضي في سوريا والعراق، والخط الثاني يتمثل في إدارة متطلبات الحياة اليومية لعناصره وللسكان القاطنين في المناطق الخاضعة له، وتقديم الخدمات المختلفة لهم، وصرف الرواتب وإدارة الشؤون المالية.

ث�نيً�: طبيعة اإدارة المجتمع�ت المحلية

تختلف الجماعات المسلحة في نمط إدارتها المحلية لهذه المجتمعات اختافاً كبيراً، فتنظيم "داعش" يميل إلى تطبيق نمط الامركزية في إدارة المجتمعات المحلية، فقد منح البلدات والمدن السورية والعراقية استقالية أكبر في إدارة شؤونها اليومية، وذلك على الرغم من امتاك "داعش" السيطرة العسكرية والسياسية الكاملة على المناطق الخاضعة لسيطرتها( 2 ). ويقسم "داعش" مناطق نفوذه إلى وحدات إدارية يطلق عليها اسم "الولايات"، ويتولى مسؤولية الولايات مجموعة من "الأمراء"، تتوزع هذهِ الولايات في كل من العراق وسوريا، وأهم ولايات العراق هي: ولاية ديالى، وولاية الجنوب، وولاية صاح الدين، وولاية كركوك، وولاية نينوى، وولاية شمال بغداد، وولاية بغداد. أما الولايات الواقعة في سوريا فهي: ولاية حمص، وولاية حلب، وولاية الخير (دير الزور)، وولاية البركة (الحسكة)، وولاية البادية، وولاية الرقة، وولاية حماة، وولاية دمشق. وهذهِ الولايات تقسم بدورها إلى "القواطع" التي تضم بدورها المدن وفق تسمياتها المعتمدة قبل سيطرة التنظيم عليها. وتكون سلطة الولاية العليا بيد ما يُسمى ب "الوالي" الذي يُعين من قبل قيادة تنظيم "داعش"، ويعاونه مجموعة من المسؤولين يحملون صفة "أمير"، مثل "الأمير العسكري" و"الأمير الشرعي" و"الأمير الأمني" فيما يُعد "أمير القاطع" السلطة الأعلى في كل قاطع، ويعاونه كذلك مجموعة من الأمراء في المجالات )العسكرية والشرعية والأمنية(، وهو الأمر الذي يسري ويُتبع في كافة المدن، ويقع على عاتق "الولاة" ومعاونيهم من "الأمراء" مهمة الإشراف على "أمراء القواطع" ومعاونيهم، ويشرف هؤلاء بدورهم على "أمراء المدن" ومعاونيهم)3). ويمنح هؤلاء الولاة صاحيات واسعة في اتخاذ القرارات الازمة لإدارة شؤون الولايات والمدن والاضطاع بالمسؤوليا­ت التي تكلفهم بها قيادة التنظيم من دون الرجوع في اتخاذ القرارات إليها، كما تفرض الطبيعة الأمنية للتنظيم عدم الاطاع على المعلومات التي يمتلكها أحد "الأمراء" من قبل "الأمراء" الآخرين. ويختلف نمط الإدارة لحركة شباب المجاهدين الصومالية للمناطق الخاضعة لسيطرتها من منطقة إلى أخرى، فبعض المناطق التي تسيطر عليها الحركة توجد فيها إدارة تضمن مشاركة شيوخ العشائر وبعض المثقفين في المستويات التنفيذية ومراكز اتخاذ القرارات المتعلقة بالحكم المحلي وإدارة شؤون المجتمع، وذلك استجابة لرغبات العشيرة وتفادي الصدام معها، ومن ذلك إقليم "بنادر" حيث ينتمي المحافظ والناطق الرسمي إلى إحدى عشائر الإقليم. وتوجد مناطق أخرى يتم فيها حصر المشاركة في أي مستوى من مستويات السلم الإداري بعناصر الحركة فقط، ولا يسمح بأي مشاركة من خارج نطاق الحركة في إدارة شؤون المنطقة والمجتمع، مثل إقليم جوبا، حيث المحافظ والناطق الرسمي ويتم تعيينهما من خارج المحافظة، وذلك بسبب اعتماد قيادات الحركة هناك على الأيديولوج­يا فقط كمحدد لنشاطها الإداري والسياسي والعسكري، وتجاهلها للبعد القبلي)4،( وبذلك يكون التباين هو السمة الأساسية لنمط الإدارة المحلية في الصومال.

ث�لثً�: التع�مل مع ال�شك�ن وتقديم الخدم�ت

يُعد ضمان الحاضنة الاجتماعية مسألة مهمة أدركتها وتعاملت معها الجماعات الإسامية المسلحة الرامية لتأسيس إمارات لها، وهو أمر لا يتحقق من دون معرفة ما تحتاجه هذه المجتمعات من خدمات واحتياجات أساسية، بغية كسب ولائها أو على الأقل إسكاتها أو تحييدها من أجل عدم الثورة أو الانقاب عليها، وهي المسألة التي فهمها تنظيم "داعش" جيداً واعتمدها ضمن استراتيجيا­ته(5). وقد سعى التنظيم لتوفير الخدمات والاحتياجا­ت الأساسية للسكان في المناطق التي يسيطر عليها، فأقام إدارة محلية سريعة وفاعلة، مستفيداً من تراجع الخدمات الحكومية، فتم ملء الفراغ الحاصل من خال إدارة البلدية، متمثلة بأجهزة التنظيم (الشرطة الإسامية، والأمن الاقتصادي، ولجان ديوان الحسبة)، وقدم التنظيم للسكان غالبية الخدمات التي كانت توفرها المؤسسات الحكومية، ولكن تحت إشراف أكثر صرامة، وهو ما لاقى استقراراً وقبولاً لدى بعض القطاعات( 6 ).

واهتم التنظيم بمسألة توفير الخدمات الاجتماعية من خال تحكمه في المرافق البلدية والدوائر الخدمية، بهدف الظهور بمظهر الدولة من جهة، وضمان ما يعتبره توفيراً للخدمات بشكل أكثر كفاءة ومساواة من جهة أخرى، ففرض سلطته على مرافق الكهرباء والمياه والمصانع المحلية الحكومية، بما يمنح التنظيم السيطرة الكاملة على الاحتياجات الأساسية للسكان، فدعم أسعار الخبز في المناطق السورية، وخفض أسعار الإيجارات السكنية في مناطق دير الزور منذ شهر يوليو 2014، وأجبر المخابز على دفع الزكاة للفقراء(7). كما تقوم الإدارات المحلية المتمثلة بالولايات والقواطع بتعبيد الطرق، وإصاح أعطاب الكهرباء، وإدارة مشاريع المياه، وتسيير الحافات المجانية، وتقديم الخدمات الصحية المجانية للمرضى، وتتم متابعة البضائع والسلع في الأسواق عن طريق مفارز ما يسمى بالأمن الاقتصادي، التي تعتبر بمنزلة نظام "رعاية المستهلك". وفضاً عن ذلك، يتم توزيع مادة "غاز الطهي" ومفردات "البطاقة التموينية" عن طريق الوكاء المعتمدين من قبل وزارة التجارة سابقاً، وتقديم النفقات للشباب الراغبين بالزواج، وفتح المتنزهات العامة في المدن والبلدات في العراق، وكلها محاولات تشير إلى سعي التنظيم للظهور بمظهر الدولة. كل تلك الممارسات ترافقها محاولات فرض القانون والنظام المشفوع بقوات شرطية من الذكور والإناث، ومحاكم شرعية في كل بلدة أو مدينة لضمان تطبيق نمط ومناهج الحياة الصارمة التي يحاول التنظيم فرضها على المجتمعات التي يسيطر عليها والمستندة على أسس ومبادئ متطرفة(8). وفيما يخص جماعات مسلحة أخرى، تحاول أيضاً إقامة دويات إسامية صغيرة في المناطق التي تسيطر عليها مثل "جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام" في سوريا، نجد أن هذه الجماعات استطاعت كسب تأييد السكان عن طريق ما تقدمه لهم من خدمات، وما تحققه لهم من الاستقرار في ظل الصراع الدائر على الأراضي السورية، إذ ساعدت على توفير الكهرباء والمياه والاحتياجا­ت الأساسية للسكان، كما حرصت على بقاء إدارة البلدات بالطريقة نفسها التي كانت تدار بها قبل أن تسيطر عليها هذه الجماعات، فضاً عن تأسيس ما يسمى "بالهيئات الشرعية" التي تعمل كنظام قضائي، كما أوجدت أجهزة شرطة خاصة بها لتكون بذلك أشبه بالحكومات في إدارتها للمناطق التي تسيطر عليها(9). وتختلف الجماعات الإسامية فيما بينها في طريقة تقديم الخدمات للسكان في المناطق التي تسيطر عليها، بحسب إمكانياتها المادية، وقوتها ونفوذها، وكذلك درجة تشدد أيديولوجيت­ها الدينية.

رابعً�: البديل ال�شعب

تثير مسألة إقامة المنظمات الإرهابية إماراتها على أجزاء من دول عربية تساؤلاً مهماً حول مدى إمكانية أن تمثل بدياً أو خياراً مقبولاً عن الدولة الوطنية لدى المجتمعات العربية، خاصة المجتمعات أو السكان الذين يخضعون لسيطرة هذه الجماعات، وحتى إن كان ذلك لوقت محدد. ولا يمكن فصل هذا الأمر عن سياق الظروف والأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، التي تمر بها المنطقة العربية منذ سنوات عدة، نشأت في ظلها هذه الحركات والتنظيمات التي تبنت العنف منهجاً ووسيلة لتحقيق غاياتها، ولعل أهم العوامل التي ساهمت في نشأتها تتمثل في: • حرب الخليج الأولى والثانية مطلع التسعينيات، بالإضافة لحرب احتال العراق في عام 2003. • ضعف وهشاشة الدولة الوطنية الجامعة لكل المجتمع، واستبداد الطبقات الحاكمة. • استمرار وتوسع التشيع السياسي المصحوب بالعنف المفرط الذي تمارسه الأنظمة الحاكمة في سوريا والعراق. • تراجع آمال التغيير والإصاح(10). وقد تردت هذه الأوضاع مع تحولات ما سمي ب "الربيع العربي"، وما رافقه من تفاقم لمشكات سياسية واقتصادية وأمنية في أغلب الدول العربية، خاصة ليبيا واليمن وسوريا والعراق. وكانت كل هذه المتغيرات سبباً في طرح الجماعات الإسامية المسلحة نفسها بدياً ياقي قبولاً، وإن كان نسبياً أو مرحلياً لدى العديد من المجتمعات العربية، ناهيك عن الظروف الخاصة بكل دولة من الدول العربية على حدة، والتي عززت هذا الاتجاه. ففي العراق كانت السياسات الطائفية الحكومية هي التي هيمنت على الدولة منذ بداية الاحتال الأمريكي عام 2003 وعملت على إذلال المكون العربي السني، ولم تجلب محاولات السنة لانخراط في العملية السياسية سوى المزيد من التهميش والظلم والتمييز، وحتى حركة الاحتجاجات السلمية التي انطلقت في المحافظات السنية مع نهاية عام 2012 جوبهت بطريقة عنيفة من قبل القوات الحكومية، وتمت تصفية السياسيين السنة معنوياً عن طريق اتهامهم وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب أو قانون المساءلة والعدالة، كما حصل لكل من طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية، وأحمد العلواني، النائب في البرلمان، اللذين حُكم عليهما بالإعدام، فضاً عن ممارسات القوات الحكومية الطائفية في الأحياء السنية(11،( واعتقال الآلاف من السجناء من دون أن توجه لهم التهم. أما المتغيرات الخاصة بسوريا، فقد تمثلت في هيمنة الأقلية العلوية التي تمثلها عائلة الأسد من الأب إلى الابن على السلطة منذ عقود، والتي مارست قمع السنة وارتكبت مجازر بحقهم أبرزها مجزرة حماة عام (12 1982).

يعمل تنظيم "داعش" في خطين؛ الأول عسكري يتمثل في وضع الخطط العسكرية وإدارة المعارك والخط الثاني يتمثل في إدارة متطلبات الحياة اليومية لعناصره وللسكان القاطنين في المناطق الخاضعة له وتقديم الخدمات المختلفة لهم.

يضاف إلى ذلك تفاقم الأزمة السورية منذ مارس 2011 واستخدام النظام السوري العنف المفرط بحق المطالبين بالإصاح، وهو ما عزز مشاعر الإحباط لدى المجتمع السوري، وساعد على تنامي المشاعر الطائفية مع انخراط حزب اله وإيران والقوى الشيعية العراقية في دعم النظام السوري(13.( فكانت هذهِ المتغيرات فرصة مواتية لأن تطرح الجماعات المسلحة مشروعها لتكون بدياً يحكم المجتمعات السنية عن الحكومات في سوريا والعراق. وإذا استمرت الأوضاع الراهنة المتمثلة بهيمنة النزعة الطائفية، وانفجار الصراعات على أسس طائفية ودينية في كل من العراق وسوريا، واستمرار القمع والإقصاء، واستمرار فشل الدولة الوطنية وسيادة حالة من الفوضى الأمنية والفراغ السياسي)14،( فإن البديل هو اختيار أي جهة مهما كانت درجة تطرفها أو عنفها للخاص من الاستمرار في الوضع الراهن بالنسبة للمجتمعات التي تعاني الإقصاء والتهميش. من هنا استطاع تنظيم "داعش" في العراق أن يطرح نفسه بدياً عن الحكومة في العديد من المناطق التي يسيطر عليها، وتدفع الحكومة العراقية الحالية المجتمعات السنية للقبول به، لاسيما بعد عدم تحقيق أي من مطالب القوى السنية المشاركة في العملية السياسية، فضاً عن رفض تشكيل الحرس الوطني في المحافظات السنية، والتخلي عن العشائر السنية وعدم تقديم الدعم الحكومي لها مما جعلها عرضة لقيام "داعش" بتصفية مقاتلي العشائر التي وقفت إلى جانب الحكومة ضده، كما حصل في الرمادي مؤخراً، ولا يختلف الوضع كثيراً في سوريا، خاصة في ظل قيام النظام بمزيد من الجرائم ضد شعبه وبأسلوب طائفي كذلك. يضاف إلى ما سبق، أن الأسلوب الحكومي بالعراق وسوريا المعتمد في إعادة السيطرة على المدن والبلدات التي يسيطر عليها "داعش" كان يتم بتدمير تلك المدن ونهب ممتلكات المدنيين وارتكاب مجازر بحقهم، ومنع الباقي من العودة إليها وتهجيرهم بهدف تغيير التركيبة الديمغرافي­ة لصالح الطائفة الشيعية، كما حدث في مناطق طوزخورماتو والعظيم وجرف الصخر وبيجي والسعدية وجلولاء، فقد كانت الميليشيات الشيعية تقود القوات الحكومية، وكان قاسم سليماني، قائد "فيلق قدس" في الحرس الثوري الإيراني، يضع لهما الخطط، وهو الأمر الذي طبع الصراع بمظهر طائفي. لا يختلف الأمر كثيراً عن قبول السكان في سوريا جبهة النصرة في المناطق التي تسيطر عليها، إذ استطاعت النصرة استثمار مجمل الأوضاع وطرحت نفسها بدياً لحكم النظام السوري، فاقت قبولاً في عدد من مناطق الباد(16). ينطبق الوضع ذاته في الصومال التي تعاني ضعف وهشاشة الدولة وفقدان الثقة بها من قبل المواطنين، فقد ساهم ذلك في نجاح حركة شباب المجاهدين في كسب تأييد قطاع واسع من السكان واستقطاب إعداد هائلة من المؤيدين لها(17).

الخ �تمة

ساهمت المتغيرات المعقدة التي تمر بها المنطقة العربية ودولها في ظهور حالة جديدة تتمثل في قيام الجماعات الإسامية المسلحة بالسيطرة على أراض واسعة أنشأت عليها كيانات وإمارات تقوم على أُسس دينية متطرفة، وتعاملت هذهِ الجماعات مع السكان باعتبارها دولاً حقيقية فقدمت الخدمات وفرضت القوانين والتعليمات المتشددة، وطرحت نفسها بدياً عن الحكومات والدول القائمة في ظل أوضاع مواتية لذلك، وزاد من قبول الناس لها الأساليب الأمنية المتبعة في مكافحة هذهِ الجماعات، والتي تطال المدنيين بالضرر الكبير، وفي حال عدم وضع استراتيجية شاملة لمعالجة أسباب نشوء هذهِ الجماعات والاعتماد على الجانب الأمني فقط فستتمكن هذهِ الجماعات من اكتساب الحاضنة الاجتماعية، التي ما إن تحققت فإن الدول الحالية في المنطقة ستكون عرضة للتفكك والانهيار.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates