Trending Events

هل تتمكن لبنان من تجاوز التهديدات الحالية؟

د. فارس الزين

-

يثار التساؤل حول أسباب صمود الداخل اللبناني خلال السنوات الثلاث الماضية (2012 – 2014) في وجه الأزمة السورية والتمدد الداعشي والتكفيري في المنطقة، وهو كان من المرشحين الأساسيين للانهيار والتقسيم نتيجة تلك التحديات التي أسقطت دولاً مركزية أساسية في الإقليم، مثل سوريا والعراق.

فقد تمكن لبنان من الحفاظ على قدر من الاستقرار، ومواجهة التداعيات الأمنية السلبية للأزمة السورية، وذلك على الرغم من معاناة لبنان من أوضاع تجعلها أكثر قابلية للتأثر سلباً بهذه التداعيات، والتي تتمثل في أن لبنان تعتبر من الدول الأضعف في المنطقة من جهة تركيبة الدولة ومؤسساتها المدنية والأمنية والعسكرية، مقارنة مع دول مثل سوريا والعراق والأردن وتونس، كما أن لبنان كانت أبرز دولة عربية شهدت حرباً أهلية طائفية طالت لمدة 25 عاماً، وتدخلت فيها تقريباً جميع الدول )الولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتي سابقاً، إسرائيل، سوريا، السعودية، الأردن، مصر، ليبيا، العراق...(، هذا بالإضافة لهشاشة التركيبة الاجتماعية اللبنانية وانعكاسها السلبي على مؤسسات السلطة السياسية، التي كانت دائماً أضعف من المؤسسات الطائفية اللبنانية، التي قبلت الانخراط في "الكيان" شريطة الإبقاء على امتيازاتها الطائفية والمالية وأدوارها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

وبالإضافة إلى الاختالات الهيكلية التي تعانيها لبنان، أثرت الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني بصورة سلبية، والذي أصبح يعاني مصاعب تشغيلية وتمويلية بدأت تنذر بخطر على مداخيل الدولة والأسر، فضاً عن ارتفاع حجم الدين العام الذي يشكل التحدي الأساسي لنمو الاقتصاد اللبناني.

ويمكن القول إن الاستقرار الحالي في لبنان هو نتاج اجتماع عوامل داخلية وإقليمية ودولية رأت مصلحة وضرورة في الحفاظ على استقراره، والعمل على وقف انتقال الأزمات الإقليمية إليه.

اأولاً: في نق�ط القوة الداخلية

إن التركيبة السياسية اللبنانية بطبيعتها بعد اتفاق الطائف، وحتى قبله، هي تركيبة لا تستثني أي كتلة طائفية ذات ثقل من مؤسسات الدولة والحكم، وبصورة أكثر تحديداً، فإن التمثيل السياسي والاقتصادي وحتى الإداري السني تحديداً هو تمثيل متوازن بغض النظر عن هوية رئيس الوزراء (السني بحسب العرف) وحزبه السياسي. ولذلك، فإن الأسباب التي دعت سنّة العراق لانتفاضة على سلطة المالكي الشيعية، وتلك التي دعت سنّة سوريا للسعي للإطاحة بنظام بشار الأسد المدعوم أساساً من العلويين والأقليات وبعض التكوينات السنية، هي غير موجودة في الواقع اللبناني. وبالنتيجة، لم تجد بعض الدعوات لانشقاق السنّة عن الجيش اللبناني أو لاستقالة رئيس الوزراء السني، احتجاجاً على دور حزب اله في سوريا، أي آذان صاغية لدى أغلبية السنية، كما بقيت دعوات إقامة الدولة الإسامية في لبنان محصورة في بعض المناطق الفقيرة،

وهي في حقيقة الأمر تعبر عن تهميش اقتصادي واجتماعي أكثر منه اقتناعاً بضرورة زوال الكيان اللبناني وحل مؤسساته.

ومن جهة أخرى، لا تزال صور الحرب الأهلية اللبنانية حاضرة في أذهان أجيال لبنانية عدة، ولذلك أعلنت جميع الأطياف اللبنانية الأساسية المشارِكة في السلطة عدم رغبتها في العودة إلى وياتها مهما كانت المواقف من الحرب السورية، ولعل أحد المؤشرات الحاسمة في هذا الإطار هو إعان تيار المستقبل، الممثل الأساسي للسنّية السياسية، وحزب الله، الممثل الأساسي للشيعية السياسية، التكافل والتضامن مع حركة أمل وزعيمها رئيس مجلس النواب نبيه بري وأنهما متجهان للحوار حول أمور تسيير الدولة ورئاسة الجمهورية، بغض النظر عن دور حزب اله أو تيار المستقبل في سوريا، مما يعني ضمناً أن اللبنانيين قرروا تسيير أمورهم بالحد الأدنى، كما جسدته تركيبة الحكومة الحالية التوافقية، وذلك انتظاراً لتوافقات إقليمية يمكن حصولها على وقع التفاوض الإيراني – الأميركي.

وأخيراً، وفي الشق العسكري والأمني، يلعب الجيش اللبناني دوراً أساسياً في صيانة الاستقرار الهش، ولا تكمن قوة الجيش اللبناني في تسليحه، وهو الأضعف بين أقرانه العرب، بل في عقيدته القتالية، وقوة انتماء أفراده، وهو ما وضح من محدودية الانشقاقات عن الجيش اللبناني، مقارنة بما حصل من انشقاقات في الجيشين السوري والعراقي بوجه الثوار أو القوى التكفيرية، فضاً عن استشهاد ضباط سنّة لبنانيين في معركة عرسال ضد جبهة النصرة و"داعش".

وإلى جانب دور الجيش اللبناني الأساسي والرائد في حفظ الاستقرار، يلعب حزب اله هو الآخر دوراً أساسياً في حماية الحدود اللبنانية من الاختراقات من الجبهة السورية، وهو ما سمح للأول بحرية حركة أكبر، وذلك من خال تخفيف العبء عن وحداته المنتشرة على الحدود اللبنانية – السورية وفي داخل بؤر التوتر اللبنانية.

ث�نيً�: في الو�شع الاإقليمي

يعد أحد العوامل المهمة الداعمة لاستقرار لبنان هو التوازن الإيراني – السعودي عبر دور حزب اله وتيار المستقبل في صناعة القرار اللبناني، ومن خال نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني ووليد جنباط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، فبالنسبة للسعودية، يمثل وجود تيار المستقبل في السلطة ضمانة للدور السعودي في الملف اللبناني، ولا ترى المملكة حالياً ضرورة للتصعيد أكثر ضد المحور السياسي الذي يقوده حزب اله.

أما بالنسبة لإيران، فإنها لا ترى أيضاً ضرورة أو فائدة من التصعيد السياسي أو العسكري في لبنان، حتى لا يستنزف حليفها اللبناني حزب اله، المنشغل بتدعيم قدرته العسكرية والمخابرات­ية على الحدود الجنوبية من لبنان، وبحماية القرى الشيعية والقرى "الحليفة" على الحدود الشرقية للبنان، بالإضافة إلى انخراطه في معارك مهمة وأساسية في الداخل السوري. وبالتالي، فإنه في الوقت الحالي، ليس هناك من مصلحة سعودية أو إيرانية آنية بإشعال الساحة اللبنانية أو ربطها بالساحة السورية والعراقية.

أما الدور السوري المتحكم تاريخياً في العديد من المفاصل السياسية والعسكرية اللبنانية وحتى الاقتصادية، والراعي تاريخياً للعديد من الحروب الداخلية، فقد ضعف تأثيره نتيجة أزمته الداخلية، واتخذت القيادة السورية من حزب اله كوكيل لها في الداخل اللبناني، وذلك بما يحفظ مصالحها في لبنان، ويضمن عدم وقوع لبنان بأيدي المحور المعادي لها.

ث�لثً�: في الو�شع الدولي

إن الاهتمام الأميركي – الأوروبي بمستقبل حوض البحر المتوسط النفطي والغازي يجعل لهما مصلحة مشتركة في الحفاظ على استقرار لبنان، فقد أعلنت الإدارة الأميركية دعمها لاستقرار اللبناني، وترجمت هذا الدعم بالمساعدة العسكرية للجيش اللبناني وقوى الأمن في جميع المعارك "ضد الإرهاب" من معركة نهر البارد مروراً بمعركة عبرا ووصولاً إلى معركة عرسال، وذلك لأنه من المتوقع أن تستقر الشركات الأميركية والدولية المنقبة عن النفط والغاز بالمتوسط، في المستقبل القريب.

أما أوروبا، الجارة والشريك الاقتصادي الأول للبنان، فتعبر بشكل دوري عبر سفرائها في بيروت عن أهمية استقرار لبنان ومساعدته على عدم السماح للمنظمات "الإرهابية" في الحصول على موطئ قدم على السواحل اللبنانية لما يمكن أن يشكله هذا من خطر على الشواطئ الأوروبية، وبالتالي تدعم دول الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي، وعلى وجه الخصوص كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا الاستقرار اللبناني وتعتبره يساهم في وقف تمدد الفوضى الإقليمية.

وفي الختام، فإن الاستقرار النسبي الحالي في لبنان هو نتيجة لحظة تاريخية اجتمعت فيها العوامل والحسابات الداخلية مع الحسابات الإقليمية والدولية لدعم المظلة الأمنية التي تحمي استقرار لبنان النسبي، وهي لحظة يمكن للبنانيين البناء عليها للوصول لتفاهمات الحد الأدنى على المشاركة بالسلطة بانتظار التسويات المقبلة على المنطقة، وتداعياتها على التوازنات الداخلية اللبنانية.

إن التركيبة السياسية اللبنانية بطبيعتها بعد اتفاق الطائف، وحتى قبله، هي تركيبة لا تستثني أي كتلة طائفية ذات ثقل من مؤسسات الدولة والحكم، وبصورة أكثر تحديداً، فإن التمثيل السياسي والاقتصادي وحتى الإداري السني تحديداً هو تمثيل متوازن بغض النظر عن هوية رئيس الوزراء (السني بحسب العرف) وحزبه السياسي.

 ??  ??
 ??  ?? د. فارس الزين أستاذ محاضر في الإدارة والعلوم السياسية، جامعة سيدة اللويزة،
لبنان
د. فارس الزين أستاذ محاضر في الإدارة والعلوم السياسية، جامعة سيدة اللويزة، لبنان

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates