Trending Events

تأثير "داعش":

إعلان بوكو حرام الخلافة في نيجيريا

-

حمدي جوارا

أعلنت بوكو حرام مؤخراً إقامة الخلافة الإسلامية في شمال شرق نيجيريا، وذلك بعد أن استطاعت السيطرة على 20 مدينة في ولايات بورنو وآداماوة ويوبي، كما نصبت بعض الأمراء على المدن التي سقطت في يدها، وذلك على غرار تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، لتمثل تهديداً لوحدة الأراضي النيجيرية، خاصة بعد إعلان أبوبكر شيكاو – أمير التنظيم – أنهم لن يكونوا جزءاً من نيجيريا مرة أخرى.

وقد سعت الحكومات النيجيرية المتعاقبة للقضاء على هذا التنظيم، ولكن من دون جدوى، ولذا سوف يتم التركيز على البدايات الأولى لبوكو حرام، ثم انتقالها للعنف، ثم مبايعتها لأبي بكر البغدادي – زعيم تنظيم "داعش" في أواخر يوليو 2014 – والقواسم المشتركة بين التنظيمين، بالإضافة إلى أسباب نجاح الحركة في السيطرة على مناطق في شمال نيجيريا، وأخيراً الإشارة لعدد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها للقضاء على التنظيم.

اأولاً: البداي�ت ال�شلمية للحركة

بدأت جماعة بوكو حرام مسيرتها كجماعة سلمية، لأن مؤسسها علي يوسف كان منضماً لجماعة الإخوان الإسامية النيجيرية، والمعروفة ب "جماعة تعاون مسلمي نيجيريا"، وقد كان تلميذاً مخلصاً لمؤسس الجماعة الشيخ إبراهيم الزكزكي، غير أنه انشق عنه لاحقاً بسبب سلمية الجماعة، وعدم اتخاذها أي موقف ضد الحكومات النيجيرية المتعاقبة، التي كانت تعادي مسلمي الشمال، الأمر الذي جعل علي يوسف ينشق عن الجماعة، ويؤسس جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد، أو "بوكو حرام" أي أن "التعليم الغربي حرام"، وذلك في عام 2004. وساعدت عوامل عدة على أن تستقطب جماعته مزيداً من الشباب، منها ما هو متعلق بالخطاب الحماسي لمؤسسها علي يوسف، فضاً عن استغال الحماسة الدينية لمسلمي شمال نيجيريا، خاصة في ظل التوتر الدائم بين المسيحيين والمسلمين، وشعور العديد من هؤلاء الشباب بأن الحكومة تركتهم فريسة للمتطرفين من المسيحيين. وياحظ أن الجماعة حافظت على سلمية حماتها – على الرغم من طابعها المتشدد – ضد ما تصفه ب"الحكم السيئ والفساد"، قبل أن تلجأ في عام 2009 إلى العنف، وذلك إثر مقتل زعيمها محمد يوسف أثناء احتجازه لدى الشرطة.

ث�نيً�: لجوء الجم�عة للعنف

تمّ انتخاب أبي بكر شيكاو رئيساً للجماعة في 2009، إثر مقتل مؤسس الجماعة، والذي تخلى عن المنهج السلمي، وقام في العام 2010 بإعان "الجهاد"، وأعلن حرباً مفتوحة ضد الحكومة النيجيرية ومؤسساتها.

ويقدر عدد المنتسبين للجماعة بحوالي 15 ألف فرد، وتتخذ بوكو حرام معقاً رئيسياً في غابة "سامبيسا" التي تمتد إلى ما يقرب من 60 ألف كيلومتر مربع عبر ولايات الشمال الشرقي في نيجيريا (بورنو ويوبي وبوتشي وغومبي) وصولاً إلى ولايات الشمال الغربي (كانو وجيغاوا)، كما أنه

من المعاقل الأخرى المعروفة الجماعة تال جوزا الشهيرة في الإقليم الذي يحمل الاسم نفسه، وترتفع نحو 1300 متر فوق مستوى سطح البحر، وتضم سلسلة من الجبال، تعرف باسم "جبال ماندرا" الكبرى، وتشكل حاجزاً حدودياً بين نيجيريا والكاميرون.

وقد قام التنظيم مؤخراً بالسيطرة على 20 مدينة في ولايات بورنو وآداماوة ويوبي في شمال شرق نيجيريا في عام 2014، كما قام بالسيطرة على المباني الحكومية، والمؤسسات الدينية الرسمية في كل هذه المدن، ونصب أميراً على كل منها، وذلك بعد تغيير أسمائها لتأخذ أسماءً إسامية، مثل تغيير اسم مدينة موبي إلى مدينة الإسام، وتسمية "الجوزا" دار الحكمة، كما قامت بتطبيق الشريعة الإسامية من منظورها المتطرف، وقامت بتجنيد مئات، إن لم يكن آلاف الشباب والشابات مع تهديد أولئك الرافضين لانضمام للجماعة بالقتل.

أما في شمال غرب نيجيريا، فقد قامت بوكو حرام بعمليات إرهابية من أجل إثارة عدم الاستقرار والاضطرابا­ت للحكومة من خال القيام بتفجيرات في المدن الكبرى، وعلى الرغم من أن هذه الهجمات متفرقة، فإن تأثيرها كان كبيراً، نظراً لارتفاع عدد الضحايا الذين يسقطون في هذه العمليات الإرهابية، فضاً عن استهداف المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، بالإضافة إلى اختيار منشآت حيوية كالكنائس والمساجد والسجون وأقسام الشرطة للقيام بعمليات إرهابية ضدها.

ث�لثً�: القوا�شم الم�شتركة مع «داع�ص»

أعلن زعيم بوكو حرام أبوبكر شيكاو في 3 أغسطس 2014، إقامة خافة إسامية في شمال شرق نيجيريا ومبايعته للبغدادي، في خطوة هدف منها إلى تحقيق عدد من الأهداف يمكن إيجازها فيما يلي: • الحصول على الدعم المادي من "داعش"، إذ إن هناك حديثاً عن قيام "داعش" بالنظر في تقديم الدعم المادي لبوكو حرام، كما أن "داعش" يوجه المجاهدين الذين لا يستطيعون السفر إلى سوريا للسفر إلى نيجيريا وليبيا، لالتحاق بالجماعات الإرهابية المرتبطة به هناك. • إرهاب الحكومة النيجيرية وزعزعتها سياسياً، فضاً عن إظهار ضعف الحكومة، خاصة في ظل احتجاز الجماعة للرهائن، كالفتيات اللواتي التي تم خطفهن منذ أبريل 2014، واستخدامها كورقة ضغط ضد الحكومة لانصياع لمطالبها وتحقيق أهدافها. • إنهاك اقتصاد الدولة النيجيرية وإغراقها في دوامة صراعات داخلية، من خال تهديد منشآتها ومواردها النفطية الكبرى، لمنع الاقتصاد النيجيري من التعافي. • إلقاء الأضواء على التنظيم إعلامياً وإكسابه شهرة تمكنه من تجنيد مزيد من المؤيدين له. • استقطاب المزيد من الشباب الأفارقة للانضمام لصفوفها، خاصة بعد الخسائر البشرية التي تكبدتها جراء ضربات الجيش النيجيري.

وفضاً عما سبق، فإنه لا يمكن إغفال وجود قواسم مشتركة بين بوكو حرام و"داعش"، والتي تتمثل في تطبيق الشريعة الإسامية بطريقة متطرفة، ومحاربة الغرب الكافر وإزاحة قبضته عن الدول الإسامية، فضاً عن رفضها الديمقراطي­ة أو الاحتكام لانتخابات، كما ترفض الأنظمة الحاكمة حالياً باعتبارها أنظمة علمانية كافرة.

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود تشابه في البيئة الحاضنة لبوكو حرام مع تنظيم "داعش"، ف"داعش" يتركز في مناطق العرب السنة في سوريا والعراق، حيث يشعر العرب السنة بأن السلطة السياسية في البلدين اغتصبت منهما لصالح الشيعة المدعومين إيرانياً في بغداد ودمشق، ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لبوكو حرام، إذ إن 75% من أعضاء بوكو حرام ينتمون إلى إثنية الكانوري (Kanuris)، التي أسست خافة كانم – بورنو، والتي امتدت من 900 إلى 1900 ميادية، وكانت هذه الخافة مقسمة ما بين نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد، ويلوم الأب المؤسس للتنظيم محمد يوسف الاستعمار "الكافر" على ضم بورنو إلى نيجيريا، ونقل مركز السلطة الديني إلى قادة الهوسا فولاني في شمال غرب نيجيريا، ونقل السلطة السياسية والاقتصادي­ة إلى مسيحيي الجنوب.

وفضاً عما سبق، فإن هناك تبنياً للطرح الطائفي المذهبي نفسه لتنظيم "داعش"، ومن ذلك قيام بوكو حرام باستهداف احتفالات عاشوراء الشيعية في مدينة يوبي في 3 نوفمبر 2014، وبالتالي إثارة صراع طائفي ضد الشيعة في نيجيريا، لم يكن موجوداً من قبل، وبدء استخدامها لمصطلح المسلمين السنة، لاجتذاب مزيد من المجاهدين للتنظيم.

أضف إلى ما سبق، وجود تشابه بين التنظيمين على مستوى أدوات الحركة، ومن ذلك تحول بوكو حرام من القيام بعمليات إرهابية إلى السعي للسيطرة على مناطق وحكمها، كما يفعل تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وكذلك التشابه على مستوى الخطاب والدعاية الإعامية، لاسيما قطع الرؤوس لتخويف وترهيب الخصوم، فضاً عن احتجاز الرهائن، خاصة من النساء، كما في احتجاز بوكو حرام للفتيات الصغيرات من المسيحيات والمسلمات على حد سواء، أو احتجاز "داعش" الأيزيديات، وبيعهن كسبايا لمقاتليها.

رابعً�: اأ�شب�ب نج�ح التنظيم

يمكن القول إن ثمة عوامل ساعدت على تمدد التنظيم في نيجيريا، وهي العوامل التي يمكن إجمالها فيما يلي: • التوتر الطائفي: في شمال نيجيريا بين المسلمين والمسيحيين، خاصة في ظل وجود جماعات متطرفة داخل الطائفتين، تعمل على إذكاء الصراعات الطائفية الدموية،

وذلك حتى قبل ظهور بوكو حرام. • الحاضنة الاجتماعية: إذ إن أغلب أبناء الشمال من المسلمين المحافظين على دينهم، كما أقيمت ولايات كبرى قبل بوكو حرام، مثل ولايات كانو وكادونا وسوكوتو، والتي سعت لتطبيق الشريعة الإسامية، وقد سارت بوكو حرام في الاتجاه نفسه، وبالتالي فإن البيئة مهيأة أصاً لتقبل الفكرة. • الانحياز الحكومي: للطوائف المسيحية، وهيمنتهم على الحكم وإدارة الباد وتوزيع الثروات، فضاً عن تغاضي الجيش النيجيري عن المجازر التي كانت الميليشيات المسيحية تقوم بها في المحافظات الإسامية، بالإضافة إلى السياسات الحكومة المعادية للإسام وتعاليمه داخلياً، ففي 16 أكتوبر 2014، تمّ منع الحجاب نهائياً عن المدارس الرسمية، خاصة في العاصمة أبوجا والعاصمة الاقتصادية لاغوس، فضاً عن اتخاذ الحكومة النيجيرية مواقف معادية للإسام خارجياً، وذلك عندما وعدت لجنة فلسطين بالتصويت لصالح الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية، إلا أنها تراجعت وامتنعت عن التصويت في اجتماع مجلس الأمن. • غياب التنمية: في مناطق شمال نيجيريا ذات الأغلبية المسلمة، هناك كثير من المرافق الحياتية الازمة ليست متوفرة، فضاً عن تراجع البنى التحتية الأساسية، كما أن المؤسسات التعليمية في الشمال تعاني إهمالاً حكومياً مقارنة بنظيرتها الجنوبية. • انتشار البطالة: وهو أحد أسباب انضمام كثير من الشباب للجماعة، خاصة أنها تغري منتسبيها بالمال، وهو ما يسهل استقطابها للفقراء والبسطاء في ظل انتشار البطالة والفقر، وغياب أي دور تنموي للحكومة.

خ�م�شً�: �شبل مك�فحة تمدد بوكو حرام

لن يكون القضاء على جماعة بوكو حرام سهاً في ظل التمدد الذي تشهده الحركة في شمال نيجيريا، وخشية الحكومة من الدخول في مواجهات معها، فضاً عن نجاحها في التسلل إلى داخل الأراضي الكاميروني­ة، ولذلك فإن القضاء على الجماعة يتطلب اتخاذ إجراءات على عدة مستويات، وذلك على النحو التالي: • التنسيق المشترك: السياسي والأمني والعسكري بين الدول الأفريقية التي يهددها خطر هذه الجماعة، خاصة أنها أصبحت عدوى يمكن أن تمتد للبلدان التي توجد فيها جماعات إرهابية مماثلة أو لديها تقبل بفكر التنظيمات المتطرفة، وهو الأمر الذي من شأنه تقويض استقرار المنطقة، ولعل أزمة شمال مالي أكدت ذلك الاتجاه، حيث تم التغرير ببعض الشباب فالتحقوا بجماعات جهادية، عملت على زعزعة الاستقرار هناك. • التحصين الفكري: وذلك من خال تحصين الشباب فكرياً، من خال الرد على دعاوى وحجج التنظيم، حتى لا يقعوا فريسة له، خاصة أن النواة الأولى له كانت طاب علم في المدارس العربية والإسامية. • تشجيع نموذج الإسلام الوسطي: والترويج لأخاق التسامح وقيم التعايش بين المسلمين والمسيحيين، وإرساء مبدأ المواطنة، وتوظيف المجتمع المدني في مواجهة الفكر المتطرف، ومواجهة البؤر التي تروج له. • تحسين الدولة للأوضاع الحياتية للشماليين: وتنمية مناطقهم والنهوض بالبنية التحتية والمرافق المختلفة، خاصة في ظل ارتفاع نسبة الفقر في الشمال، مقارنة مع بعض المناطق الجنوبية، كما يزيد من ضرورة قيام الدولة بدورها التنموي حقيقة أنها دولة نفطية، وتأتي في مرتبة تاسع أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وعندما يرى المسلمون أن الحكومة تستحوذ على الثروات النفطية وتقدمها لأطراف دون أخرى فان ذلك سيشجع الكثيرين على الانضمام للتنظيم. • دمج المسلمين في الحياة السياسية العامة: وعدم سيطرة بعض القبائل على مقاليد الحكم والسلطة والثروة، خاصة أن نيجيريا بها أكثر من 150 قومية ولغة، وهو ما يستوجب ضرورة احتواء الجميع، وأن يشعر الجميع بثمار التنمية الاقتصادية. • دعم حيادية الجيش النيجيري: ووقف الانتهاكات والتجاوزات التي يقوم بها ضد المسلمين، إذ ينبغي وقف تعدي أفراد الجيش المسيحيين على بعض المسلمين العزل أو تستره على قيام الميليشيات المسيحية المتطرفة بذبح المسلمين في أكثر من مدينة وولاية، وذلك كرد فعل انتقامي على هجمات وتفجيرات بوكو حرام. • التفاوض المباشر مع الجماعة: وذلك بالتوازي مع الحل الأمني، وذلك لإجبار الجماعة على التخلي عن مسار العنف.

وسوف تساعد هذه العوامل على مواجهة الجماعة أو على الأقل في الحد من تمددها، واكتسابها مزيداً من الأراضي، إذ إن غلبة الخيار الأمني وحده في التعامل مع الجماعة، حتى وإن نجح في القضاء على التنظيم، وانتزاع ما بيده من أراض يسيطر عليها، إلا أنها لن تقضي على الفكر المتطرف، الذي ما يلبث أن يعود مرة أخرى، ما إن تهيأت الظروف لظهوره، كما أنه يفتح الباب أمام احتمال استنزاف الجيش النيجيري في مواجهات مفتوحة مع التنظيم، الأمر الذي سيؤثر سلباً على دور نيجيريا في قضايا القارة السمراء.

وفي الختام، يمكن القول إنه من غير المتوقع أن يجد إعان جماعة بوكو حرام للخافة الإسامية صدى لدى الشعوب الأفريقية، باستثناء بعض القطاعات الفقيرة والمهمشة، ويرجع ذلك لحقيقة أن فكرة الخافة في شكلها المتطرف لا يمكن أن تجد لها البيئة الحاضنة في الأوساط الأفريقية عامة، وفي نيجيريا على وجه الخصوص.

هناك تشابه بين التنظيمين على مستوى أدوات الحركة، ومن ذلك تحول بوكو حرام من القيام بعمليات إرهابية إلى السعي للسيطرة على مناطق وحكمها، كما يفعل تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وكذلك التشابه على مستوى الخطاب والدعاية الإعلامية، لاسيما قطع الرؤوس لتخويف وترهيب الخصوم، فضلًا عن احتجاز الرهائن، خاصة من النساء.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates