Trending Events

الانتخابات التايوانية:

أزمة ممتدة مع الصين

- شوبهدا شوداري باحثة دكتوراه بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي

شوبهدا شوداري

شهدت تايوان، المعروفة أيضاً باسم جمهورية الصين، مؤخراً انتخابات محلية في 29 نوفمبر 2014، وصفت "بالزلزال السياسي"، كونها مثلت منعطفاً تاريخياً في مسيرة الديمقراطي­ة لهذه الجزيرة الصغيرة. تعتبر تايوان دولة صغيرة ذات سيادة، ولها رئيسها ودستورها وقواتها المسلحة ومجلسها التشريعي. وعلى الرغم من كونها مستقلة عملياً منذ عام 1950، فإنها تواجه أزمة "وجودية" مزمنة، تدور حول عاقتها بالصين ومدى استقالها فعليا عنها. واتضحت هذه الأزمة بصورة كبيرة عقب الانتخابات الأخيرة. وقد ساهم وجود مضيق تايوان في زيادة حساسية الجزيرة السياسية، كما أثر موقعها في طريقة تصور الاعبين الدوليين لدورها في السياسات الواقعية في حقبة ما بعد الحرب الباردة.

اأولاً: ت�أزم الو�شع الداخلي في ت�يوان

ساهمت أسباب كثيرة في وجود توترات سياسية واجتماعية واقتصادية تواجهها تايوان، أولها الصين التي تزعم السيادة على تايوان منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1949، والتي أصبحت مشكلة مزمنة منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. من جانب آخر أدى النمو الاقتصادي والتطور العمراني الكبير إلى إيجاد طبقة مؤثرة من النخبة الرأسمالية، التي تريد اندماجاً أوثق بالصين. الأمر الآخر وجود قوى المعارضة الحالية في جنوب وسط تايوان، والتي تدعو علناً إلى الاستقال الرسمي. ومن ثم اجتمعت كل هذه العوامل، إلى جانب التضخم السكاني وأزمة البطالة وارتفاع تكاليف العقارات، وتزايد عدد الوظائف التي لا أمل للموظف فيها بالترقية والتطور، هذا إضافة إلى مشكلة الامساواة.

وعلى الرغم من ضعف حزب كومينتانغ (الحزب الوطني الشعبي الصيني) الحاكم منذ ثمانينيات القرن العشرين، ووجود تحالفات مختلفة للقوى السياسية والاجتماعي­ة، فإنها لم تتمكن على الإطاق من تعزيز سيطرتها، وأن تكون بدياً للحزب الوطني الذي حكم لمدة 65 سنة، وكان على الدوام يدعم الليبرالية الجديدة ويؤيد تحقيق اندماج اقتصادي أوثق مع الصين، بدلاً من التركيز على برامج الرفاه الاجتماعي والتوزيع العادل للثروات. من جانب آخر تم تسييس المجتمع التايواني منذ عام 2000 من خال مظاهر عدة، منها عملية الانتقال السياسي من نظام الحزب الواحد، واستمرار نظام المحسوبية القديم، الذي كانت له مصالح وشراكات راسخة، وتعزيز دستور تايوان لانقسام السياسي، إلى جانب الانشقاق الجيوسياسي المستمر في تايوان على طول البنية الاجتماعية والذي حرض على عملية التعبئة السياسية.

ث�نيً�: نظرة عميقة في الانتخ�ب�ت

أجريت الانتخابات المحلية، التي اعتبرت على نطاق واسع

اختباراً لاستفتاء حول العاقات مع الصين، يوم 29 نوفمبر 2014. واشتهرت هذه الانتخابات شعبياً باسم "انتخابات تسعة في واحد" (تسعة أنواع من المناصب الحكومية)، وفيها أدلى 18 مليون مواطن بأصواتهم لانتخاب عمد المدن، والقضاة والمستشاري­ن ومسؤولي المقاطعات المحلية، ورؤساء البلديات وقضاة الأقاليم. وترشح 20000 مواطن للحصول على 11000 منصب في الانتخابات التي شهدت إقبال 86% من الناخبين. وكشفت هذه الانتخابات من خال نتائجها المفاجئة، التصدعات التي اعترت عملية التحول الديمقراطي في تايوان. • أداء حزب كومينتانغ: فاز الحزب في 6 فقط من أصل 22 مدينة كبيرة، ومني بهزيمة كبرى. وكانت استطاعات الرأي تنبأت بأن الجيل الحالي الأكثر شباباً كان شديد السخط بسبب غياب برامج الرفاه الاجتماعي. وأشارت نتائج الاقتراع إلى حاجة الحزب إلى الإصاح. ويرمز الحزب إلى معجزة تايوان الاقتصادية، وعلى الرغم من تحول تايوان إلى بلد متطور، فإنه من غير الممكن تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة في الفترة المقبلة. ولذلك فإن حزب كومينتانغ يحتاج الآن إلى التركيز على العدالة الاجتماعية والرفاه. وعلى الرغم من فوزه بمنصب الرئاسة، لكنه خسر قاعدة قوته في مدينة تايتشونغ وفي العاصمة تايبيه، ولم يشفع له سوى استمرار سيطرته على مدينة "نيو تايبيه". وإضافة إلى ذلك، استقال على الفور رئيس الوزراء جيانج يى-هوا المنتمي للحزب، كما استقال الأمين العام للحزب تسينغ يونغ-شوان، وهو ما أضعف الحزب الموالي لبكين. ولكي يتمكن حزب كومينتانغ من تعزيز قوته في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في عام 2016، ستحتاج إدارته إلى رسم سياسات واضحة نحو إعادة تايوان إلى مستوى النمور الآسيوية، إضافة إلى ضرورة الحفاظ في الوقت نفسه على برامج الرفاه الاجتماعي. • أداء الحزب الديمقراطي التقدمي: فاز هذا الحزب بالانتخابا­ت في 13 مدينة، وقد تأسس في عام 1986 ويتبنى موقفاً مؤيداً لاستقال عن الصين. ومن ناحية أخرى، وفي دولة مثل تايوان، حيث اكتسبت أحزاب المعارضة حق الاقتراع العام في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، اعتبر الانتصار الذي حققه هذا الحزب صاعقاً. وعلى الرغم من ذلك فإن الانتصار الساحق، الذي حققه المرشح المستقل كو وين-جي بدعم غير رسمي من الحزب الديمقراطي التقدمي، يشكّل العائق الرئيسي لتقدم الحزب. ذلك أن السبب الرئيسي لانتصار الحزب الديمقراطي التقدمي هو استغاله لموجة التمرد القومي ضد حزب كومينتانغ، حيث أصبح الجيل الأكثر شباباً ساخطاً على الحزب الحاكم، خصوصاً بعد سحق ما يعرف ب "حركة زهور عباد الشمس". ومن ثم اندفع المواطنون الأكثر شباباً إلى التصويت في اللحظة الأخيرة، وأصبح الحزب الديمقراطي التقدمي يسيطر على السلطات في حوالي 60% من تايوان، وبالتالي يجب أن يكون أكثر من مجرد بديل لحزب كومينتانغ إذا أراد أن يحظى برضا جيل الشباب، الذي أعطى معظم أصواته لصالح الحزب الديمقراطي التقدمي.

ومن ثم فإن توقع دخول تياوان في حقبة ما بعد الحزبية أو ظهور قوة ثالثة في الحياة السياسية التايوانية ما زال احتمالاً محدوداً، وذلك بسبب ندرة الأدلة الداعمة لها. وفي الواقع تسير الأمور في الاتجاه المعاكس. فانسحاب عدد كبير من حزب كومينتانغ وانضمامهم إلى الحزب التقدمي الديمقراطي يوضح أن "التسميات الحزبية" صارت تعني الآن أكثر مما كانت تعنيه قبل عقدين من الزمن. وحتى يحين موعد الانتخابات المقبلة في العام 2016، أي بعد عام من الآن، فإن اخفاق مسؤولي الحزب التقدمي الديمقراطي في العمل بما يتوافق مع طموحات جيل الشباب سيعني أن نتائج الانتخابات التايوانية يمكن أن تكون صادمة مرة أخرى.

أما في الوقت الراهن، فإنه يبدو من غير المرجح أن تكون السياسات الداخلية في تايوان قادرة على شق طريقها للخروج من عباءة الائتلاف "الأزرق" الموالي للصين الذي يقوده حزب كومينتانغ والائتلاف "الأخضر" المؤيد للاستقلال عن الصين، والذي يقوده الحزب الديمقراطي التقدمي.

ث�لثً�: ت�أثير الانتخ�ب�ت الت�يوانية على ال�شين

هناك مثل قديم يقول "إن كنت تظن أنك تفهم الصين، فهذا يعني أنك لا تفهمها". ومن ثم وعلى الرغم من النتائج الانتخابية في تياوان والمصاعب السياسية هناك، فإن الصين وتايوان من الناحية الاقتصادية تكمان بعضهما البعض، حيث يصل حجم التجارة بينهما في الوقت الحالي إلى 25 مليار دولار في السنة، كما حققت تايوان ازدهاراً واسعاً بسبب سياسة الشراكة engagement التي اتبعتها الولايات المتحدة مع الصين. ولكن إذا أرادت الصين مثاً أن تزعزع نمو تايوان، فما عليها إلا أن تهز العملة التايوانية وأسواق البورصة، مستعينة بأرصدتها الضخمة من النقد الأجنبي، وهو ما يكفي لإحداث الضرر من دون أي دور للآلة العسكرية أو الصواريخ أو الجنود أو وقوع ضحايا في الحروب.

إضافة إلى ذلك، يجب الإشارة إلى أن التدخل العسكري الصيني في تايوان ليس بالأمر السهل، فبروز تايوان كمسألة عالمية وضع قادة جيش التحرير الشعبي في معضلة مربكة. ومن ثم يبقى تحليل القوى المشاركة في السجال الدائر حول ثنائية "الاستقال مقابل الاتحاد"، ضمن سياسات تايوان المحلية، أكثر أهمية من الجدل حول ما إذا كانت الصين

ستشن هجوماً عسكرياً أم لا. وقد كشف استطاع أجراه إيمرسون إم. إس. نيو عن نتائج مدهشة مفادها أن الشعور العام في تايوان سيفضّل الاتحاد مع الصين إذا أصبحت الصين أكثر حداثة وأكثر ديمقراطية وأكثر انفتاحاً. وفي الوقت نفسه، فإن أفضل طرق تحقيق الردع المتبادل في مضيق تايوان هي سياسة "الغموض الاستراتيج­ي" التي يتم العمل بها الآن من قبل الطرفين.

ويرى محللون أنه منذ تحول مضيق تايوان إلى نقطة شديدة الأهمية جيوستراتيج­يا بعد نهاية الحرب الباردة، فإن الصين لن تطلق أية سياسة عدوانية من شأنها أن تعرّض عاقاتها الاقتصادية مع تايوان للخطر. وثانياً، يعمل تشجيع الولايات المتحدة للديمقراطي­ة، خصوصاً في ما يتعلق بالسياسات الداخلية التايوانية، على كبح ردود الفعل العكسية الصينية، وهو ما يكبح أيضاً طموحات الاتحاد. وبناء على ذلك، فإن تايوان نفسها ليست مستعدة لمواجهة غضب كل من الصين والولايات المتحدة إذا تركت سياساتها الداخلية تتدخل في الواقعية الدولية.

ومن دلائل ما سبق أنه فور فوز الحزب الديمقراطي التقدمي بالانتخابا­ت في 29 نوفمبر، قام الأمين العام للحزب جوزيف وو بالسفر إلى واشنطن، حاماً معه رسالة واضحة المعالم مفادها أن السياسات المعنية بالعاقات مع الصين لن تتأثر بنتيجة الانتخابات، وأن عملية التصويت تمت على مجمل أداء الحكومة السابقة، وأن سياساتها الكلية أثرت على مجريات التصويت، وأن التصويت لم يكن لصالح حزبه؛ لأنه يقول فقط لا للصين. ومن ثم فإن السياسات المعنية بالعاقات مع الصين التي يمارسها الرئيس ما يينغ جيو لم تكن هي السبب وراء هزيمة حزب كومينتانغ. ومن الواضح أنه حتى رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي والمرشحين لانتخابات قد تجنبوا، وبطريقة دبلوماسية، تضمين هذه المسائل في سياسات حماتهم الانتخابية.

ولا يمثل الحزب الديمقراطي التقدمي قوة على المستوى الوطني، ولذلك فإن سياساته المعنية بالصين لم يكن لها أي تأثير، فالحزب ملزم ليس بالخوض في المعارك الأيديولوج­ية، بل بالتركيز أكثر على الحكم على الأمد القصير. ولا ينبغي هنا اختبار الفقرة المتعلقة بالاستقال عن الصين في ميثاق الحزب الديمقراطي التقدمي إلا في العام 2016، أي عندما يدور الجدل الفعلي حولها. أما في الوقت الحالي، فإن أمام الحزب الديمقراطي التقدمي فرصة للدعوة إلى التوزيع العادل للثروة وللنمو الاقتصادي. كما أنه من الضروري عقد الاتفاقيات الاقتصادية مع الصين بأسلوب مقنع جداً من شأنه أن يضعها في موضع أفضل في مجال التعامل مع السياسات المعنية بالعاقات مع الصين في وقت لاحق، أي في العام 2016. وهنا تشكل سياسات الحزب الديمقراطي التقدمي المعنية بالرفاه الاجتماعي عاماً مقوياً، وهو ما يجتذب الجيل الأكثر شباباً. ولذا لا ينبغي على الحزب أن يخذل ناخبيه، ولكن من غير الضروري أن ينخرط في سياسات مؤيدة أو معادية للصين، بل عليه أن يركز فقط على برامج الرفاه الاجتماعي وعلى الأجندات للتنفيذ.

وفي الخاصة أن الممارسة الديمقراطي­ة في تايوان ستستمر في ادهاش أوساط المفكرين والخبراء السياسيين المراقبين للأوضاع في تايوان في السنوات المقبلة، خصوصا أن الانتخابات الرئاسية في عام 2016 باتت قريبة وتلوح في خلفية المشهد. ولذلك فإن السعي إلى فهم الديناميات السياسية في تايوان سوف تكون أكثر إثارة لاهتمام عندما سيكون الحزب الديمقراطي التقدمي في مواجهة الاختبار السياسي الحقيقي.

أما في الوقت الراهن، فإنه يبدو من غير المرجح أن تكون السياسات الداخلية في تايوان قادرة على شق طريقها للخروج من عباءة الائتاف "الأزرق" الموالي للصين الذي يقوده حزب كومينتانغ والائتاف "الأخضر" المؤيد لاستقال عن الصين، والذي يقوده الحزب الديمقراطي التقدمي. وفي حال فاز الحزب الديمقراطي التقدمي في انتخابات 2016، فإنه سيكون من المبكر جداً أن نتنبأ بأن منهجاً متشدداً حيال استقال تايوان الجائز قانونياً عن الصين، سيكون هو القوة الدافعة الأهم في البرنامج الانتخابي الرسمي لهذا الحزب.

أما الجيل الأكثر شباباً الذي ليست له خبرة سابقة في التصويت فسيلعب دوراً مهماً في نسبة الإقبال على الانتخابات في عام 2016. وهناك أيضاً المنافسة الشديدة بين حزب كومينتانغ والحزب الديمقراطي التقدمي، التي إذا لم تتم السيطرة عليها فإن من شأنها أن تعرض التنمية الاقتصادية في تايوان للخطر بل وتجعلها أكثر اعتماداً على الصين. وبالعودة إلى تأثير هذه الانتخابات المحلية على الصين، من الممكن أن نستنتج أنه لا يوجد منهج فوري وعدواني، أو غير محسوب من الناحية السياسية، يمكن تبنيه. وباعتبار أنه ليس لهذه الانتخابات تأثير، إلى الآن فإن الصين، التي يطلقون عليها اسماً شعبياً هو "العماق النائم"، لن تتسرع في اتخاذ أية قرارات. فالنخبة التايوانية الصاعدة التي تطالب صراحةً بتكامل نيو- ليبرالي مع الصين من شأنها أن تستغل غياب جبهة ثالثة متماسكة في السياسات المحلية التايوانية. وفي غضون ذلك، فإن الضغط المتصاعد الذي تشكله الهيمنة الأميركية على مضيق تايوان من شأنه أن يحمي، نسبياً، موقع تايوان في اللعبة الجيوسترات­يجية السياسية. ولن تسمح الأوضاع المتوترة في سوريا والعراق والدور الأمريكي هناك باندلاع أي توتر في مضيق تايوان الذي يشكل نقطة جيوسياسية رئيسية في المنطقة الآسيوية. وباختصار شديد، فإن الصين قد تكون بالضرورة قلقة بعد نتائج الانتخابات التايوانية، لكن ذلك لن يؤدي إلى حدوث أي زعزعة للعاقات بين تايوان والصين بسبب وجود العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادي­ة التي تلعب دوراً رئيسياً في الابقاء على الواقع الحالي وعلى الاستقرار.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates