Trending Events

:Sharing Economy

فرص وتحديات "اقتصاد المشاركة" في الدول العربية

- رضوى رضوان منسق برنامج تحليل التوجهات الاقتصادية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

رضوى رضوان

عادة ما تدفع التغيرات الاقتصادية المتنامية، التي تحدث في الأسواق والأسعار، التي تترك تأثيراتها على المستهلكين، نحو البحث عن آليات اقتصادية جديدة لمحاولة البحث عن حلول، وفي هذا السياق برزت في السنوات الأخيرة آلية “اقتصاد المشاركة”، التي تعتمد على فكرة الاستهلاك الجماعي.

لقد أضحت هذه الآلية الاقتصادية موضع اهتمام مع النجاح الذي حققته شركات مثل AirBNB، التي تعتمد على تأجير أشخاص لغرفهم ومنازلهم الخاصة، وZipCar التي تتيح استئجار السيارة لمدة ساعة واحدة مثاً، وموقع dubizzle الذي يستطيع أي شخص أن يقوم بالإعان فيه عن بيع أي شيء أو رغبته في شرائه، مثل الأدوات المنزلية والأجهزة والهواتف والسيارات والمراكب والشقق.....إلخ. ومع تحول هذه الشركات إلى مصاف الشركات الكبرى بات اقتصاد المشاركة آلية محل اهتمام. وقد ساعد على نمو هذه الآلية وزيادة عدد الشركات والأفراد المتعاملين بها التطور التكنولوجي في مجال تقنية المعلومات، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي سهلت التعامات المباشرة، وإيجاد شبكات تربط بين الأفراد والشركات الوسيطة، كما أن الحمات الدعائية التي أطلقتها هذه الشركات ساهمت في انتشارها، وأصبح هناك يوم عالمي للدعاية عن هذه الشركات، هو يوم المشاركة العالمي Global Sharing، Day بالإضافة إلى وجود مواقع باتت مهمتها تجميع هذه الشركات فيما يشبه الدليل لتسهيل عملية البحث، ووصول الأفراد إلى المنتجات التي يرغبون في تأجيرها أو بيعها، ومنها دليل The Mesh . وخال فعالية بطولة كأس العالم لكرة القدم في البرازيل، ظهرت أهمية اقتصاد المشاركة، فبسبب النقص الكبير في غرف الفنادق(1)، قام أكثر من مائة ألف شخص بالبحث على شبكة الإنترنت للوصول إلى مواقع مشاركة المساكن والغرف الخاصة. ووفقاً لتقديرات مجلة فوربس، فإن عائدات اقتصاد المشاركة تجاوزت 3.5 مليار دولار في عام )2 2013).

اأولاً: م�هية اقت�ش�د الم�ش�ركة

اقتصاد المشاركة هو آلية اقتصادية تعتمد على مشاركة، واستعارة ومبادلة البضائع والخدمات بدلاً من شرائها أو تملكها. وتوفر هذه الآلية صيغة جديدة للحياة تعرف بالنمط التعاوني، يشارك فيه الأفراد ممتلكاتهم وخدماتهم ووقتهم. في هذا الصدد، يمكن للمستخدم من خال اقتصاد المشاركة الانتفاع من منتجات لا يستخدمها بشكل دائم، كالسيارات والدراجات الهوائية وحتى أقراص الأفام وأدوات الأطفال حديثي الولادة المرتفعة التكلفة، والتي لا

تستخدم إلا لفترات قصيرة جداً. وبذلك فإن لاقتصاد المشاركة مجالات وأشكالاً مختلفة ومتنوعة، منها على سبيل المثال، المشاركة في زراعة الأراضي وتقاسم منتجاتها، وتأجير السيارات من أفراد لمدة ساعة أو أكثر، بالإضافة إلى موقع التسويق الإلكتروني TaskRabbit، الذي يتيح للأفراد الإعان عن الخدمات التي يمكن أن يقدموها بعض الوقت في مقابل مادي لإنجاز أعمال الآخرين، وكذلك مشاركة المنازل والغرف، وغيرها. ولا يعتبر اقتصاد المشاركة جديداً في المطلق، كان أجدادنا يمارسون هذا النمط المعيشي قبل قرون كثيرة، حين كانوا يتبادلون المواد، والبضائع والخدمات من دون تملكها، وكانوا أيضاً يتشاركون في مسؤولية الاهتمام بالمصادر الطبيعية كالأراضي الزراعية، ويعيشون في مجتمعات وقرى مشتركة(3). ومن النماذج البارزة في اقتصاد المشاركة تجربة AirBNB لتأجير المنازل والغرف، التي احتلت المرتبة الاولى عالمياً في عام 2014 بين شركات المشاركة، وفقاً لمجلة فوربس. وبدأت فكرتها في عام 2007 بين شابين لم يكونا قادرين على دفع إيجار غرفتهما في سان فرانسيسكو، وفي الوقت ذاته كان هناك زحام شديد على تأجير الغرف الفندقية في المدينة لوجود مؤتمر كبير فيها، فقررا الإعان عن وجود مساحة يمكن لأي راغب أن يأجرها في غرفتهما للنوم على وسادة هوائية مع الإفطار، مقابل مبلغ محدد يقل كثيراً عن أسعار الغرف العادية في الفنادق. واستمرا في استغال الفعاليات الكبرى التي تحدث في المدينة، وأسسا في عام 2008 موقعاً إلكترونياً بهذا الاسم الذي يعبر عن اختصار " Airbed and breakfast سرير ووجبة إفطار" وقاما بتشجيع الشباب الآخرين على الإعان من خال الموقع عن توفر مساحات مماثلة في غرفهم مقابل مبلغ بسيط يذهب إلى الموقع. ولتوفير مزيد من الأموال لدعم توسيع الموقع قاما بإنتاج حبوب الإفطار الصباحية الخاصة بهم وحققا في شهرين أرباحاً قدرها 30 ألف دولار أمريكي. وفي 2009 تغير اسم الشركة اختصاراً للحروف الأولى لتصبح (Air BNB). وتوسعت الأعمال مؤخراً لتشمل تأجير منازل وغرف لحوالي 800 ألف شخص في 33 ألف مدينة عبر 192 دولة(4،( ونجحا في إيجاد سمعة عالمية، ووفقاً لآخر تقدير للفوربس، قدرت قيمة الشركة ب10 مليارات دولار في أبريل 2014. ويعتبر نصف مضيفي شركة (Air BNB ( في الولايات المتحدة من ذوي الدخول المنخفضة إلى المعتدلة. وساهم انتشار الأجهزة الذكية، خاصة الهواتف المحمولة في انتشار مزيد من الشركات التي تقدم خدمات تصب في فكر وجوهر آلية اقتصاد المشاركة، ومن أمثلة ذلك شركة UBER التي تتيح تطبيقاً على الهواتف الحمولة، يتمكن من خاله الأفراد من استئجار سيارات بسائق، بالإضافة إلى إمكانية استئجار السيارات الفارهة مرتفعة السعر، ما يعني أن محبي قيادة السيارات الباهظة الثمن أصبحت لديهم إمكانية تأجيرها عوضاً عن تملكها)5.( بالإضافة إلى ذلك تتيح الخدمة للأفراد تأجير سياراتهم في الأوقات التي لا يستخدمون فيها سياراتهم من خال اشتراكهم في التطبيق، وهو ما يعد مصدراً لدخل إضافي للشخص. ويقوم المشترك بالدخول إلى التطبيق وعرض سيارته ومكان وجودها والساعات التي تتوفر بها.

ث�نيً�: ملامح مهمة في اقت�ش�د الم�ش�ركة

وبناء على ذلك فاقتصاد المشاركة يغير أمرين أساسيين هما: التملك الفردي، إذ لم يعد من الضروري أن ترتبط الحاجة لاستخدام بتملك الأشياء، بل أصبحت هناك طرق جديدة للتفكير في إمكانية استفادة مجموعة من الأشخاص من الغرض نفسه، ومن ثم تحول في الاقتصاد من التركيز على الفرد إلى الجماعة، والانتقال من "عصر الملكية إلى عصر الاستخدام". والأمر الثاني يتعلق بالمعامات، التي بدلاً من أن تكون بين الفرد والشركة، أصبحت ممكنة من فرد لفرد، والوسيط بينهما هو المنصة التكنولوجي­ة المتمثلة في الموقع المستخدم من خال شبكة الانترنت لإتمام العملية، أو من خال تطبيق على الهواتف الذكية، بالإضافة إلى إيجاد شكل جديد للعاقات بين المستهلكين والمؤسسات، هدفه تحقيق الربح لجميع الأطراف. وتشير الدراسات إلى أن هناك عوامل تشجع على دعم اقتصاد المشاركة ومنها، التقدم التكنولوجي في مجال التطبيقات التي يتم استخدامها من خال الحاسب الآلي أو الهواتف الرقمية، مما يتيح استخدام تطبيقات المؤسسة عبر الاشتراك، والوصول لمحتوى المنصة حسب الطلب. من جانب آخر أدى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي إلى سهولة الدعاية ومشاركة الإعانات عن المواقع والمنتجات، ومن ثم أصبحت مواقع التواصل أداة لتحقيق أرباح للأفراد في هذا الصدد، كما ساهم التطور التقني في مجال إمكانية الدفع مقابل الخدمات من خال أجهزة الهاتف النقال إلى تسهيل اتمام مثل هذه المعامات وانتشارها(6). ويمكن الإشارة إلى الدور التنموي لاقتصاد المشاركة ومنه التشغيل الكامل للموارد بتشجيع الأفراد والكيانات الاقتصادية المختلفة على المشاركة الإيجابية الفاعلة في دورات التشغيل والإنتاج. والربط بين عنصري العمل ورأس المال لتفعيل الجهود في مجال التنمية الاقتصادية، مما يوسع قاعدة الملكية. من جانب آخر يشجع اقتصاد المشاركة على الاستفادة من موارد وممتلكات قد تكون مهدرة بصورة تجعل منها قيمة ربحية.

ث�لثً�: اقت�ش�د الم�ش�ركة - اإيج�بي�ت وتحدي�ت

في ضوء المميزات التي يقدمها اقتصاد المشاركة يكون السؤال إلى أي مدى يمكن تطبيق هذه الآلية والاستفادة منها في المنطقة العربية؟ وهل يمكن لهذه الآلية أن تحل بعض المشكات الاقتصادية في المنطقة، والتخفيف من حدة تلك التحديات؟ بداية، من المهم الإشارة إلى أن "ثقافة المشاركة"

تختلف في الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، عمّا هي عليه في المنطقة العربية، فهناك حاجة ملحة لفهم الاختافات في سلوك المستهلكين في السوقين، والوقوف على أسباب نجاح النموذج الأصلي. فعلى سبيل المثال، فكرة تأجير غرف في المنازل قد تكون غير مقبولة عند كثيرين في المنطقة العربية، على الرغم من رواجها في الدول الغربية. وترتبط الرغبة في تأجير الشقق في المنطقة في حالة خلوها تماماً، وليس مشاركتها مع أسرة أخرى. ومن ثم تقف عقبات ثقافية، وأخرى قانونية أيضاً في تنفيذ بعض مجالات اقتصاد المشاركة في المنطقة.

وبالأخذ في الاعتبار هذه الخصوصيات، فايزال من الممكن لاقتصاد المشاركة أن يساهم في حل عدة مشاكل تواجهها المنطقة العربية، حيث إن له وجوهاً إيجابية عدة يمكن إيجازها فيما يلي( ): 1- خفض الاستهلاك وتحقيق أرباح تتيح آلية اقتصاد المشاركة كمشاركة الغرف، وتأجير السيارات بالساعة، واستعارة أدوات تستخدم لوقت قصير، إلى تخفيض النفقات الاستهاكية ومعدلات استهاك الأسر، فبذلك لن يضطر المستهلكون إلى شراء أدوات وأجهزة يستخدمونها بالكاد من وقت إلى آخر، من خال إمكانية تأجيرها مقابل تكلفة محدودة بشكل كبير، مقارنة بالسعر في حال الشراء. ومن ثم يساعد اقتصاد المشاركة إلى مساعدة المستهلك على توفير المال، بل والربح أيضاً عبر تزويده بسبل تأجير أغراضه غير المستعملة. 2- المساعدة في تخفيض حدة معدلات البطالة تساعد آليات اقتصاد المشاركة في ظل ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب في المساعدة في تخفيف حدة هذه الظاهرة، من خال فتح باب جديد لإيجاد فرص عمل على نطاق مختلف، حيث يمكن للشباب في المنطقة التعاون مع مواقع عالمية ويصبحون وكاء لها في المنطقة. 3- الاستخدام الكفء للأراضي الزراعية على الرغم من أن 50% من سكان المنطقة العربية يتألفون من مجتمعات ريفية، فإن نشاط الزراعة يشكل أقل من 15% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، ومن ثم فإن آلية اقتصاد المشاركة يمكن أن تساهم في تشارك الأراضي الزراعية بشكل أفضل، بحيث يمكن أن تسهل من عملية تأجير الأراضي لزراعتها من قبل أفراد يهتمون بالزراعة ولا يمتلكون الأرض في مقابل أفراد يمتلكون الأراضي ولا يزرعونها. 4- آثار إيجابية بيئية يمكن أن تؤدي آليات المشاركة إلى خفض أعداد السيارات، ومن ثم خفض معدلات عوادمها التي تؤثر سلباً في البيئة، الى جانب تخفيف زحمة السير بالسماح للأشخاص الذين يريدون الذهاب إلى الوجهة نفسها بأن يستخدموا السيارة نفسها.

من جانب آخر هناك جوانب سلبية في آليات اقتصاد المشاركة أو تحديات تواجهها هذه الآليات منها التالي( ):

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates