Trending Events

حوائط الصد:

محددات إنشاء ”المناطق العازلة“ في الشرق الأوسط د. محمد عزالعرب

- د. محمد عزالعرب خبير الشؤون الخليجية بمركز الدراسات السياسية والاسراتيج­ية بالأهرام

شهدت ظاهرة إنشاء مناطق عازلة على الحدود مع دول الجوار في الإقليم تزايداً ملحوظاً، نتيجة تداعيات ما سمي بالربيع العربي، وشيوع حالة من ”السيولة“في الخطوط الحدودية. وباتت ظاهرة انتشار هذه المناطق من الشيوع لدرجة توقع تحليلات أن دولاً بالكامل ستتحول إلى مجرد مناطق عازلة بعد انتهاء أزمات الإقليم.

تزايد اتجاه عدد من دول الإقليم، في السنوات الماضية، لإنشاء "مناطق عازلة" على الحدود مع دول الجوار، خاصة بعد تداعيات الحراك الثوري في العام 2011 التي تسببت في "انسيابية" الخطوط الحدودية، ومع تصاعد تأسيس المناطق العازلة أوشك أن تكون لكل دولة في الإقليم فواصل لخطوط الحدود المحيطة بها كافة، لدرجة مبالغة بعض الكتابات في افتراض أنه في حال عدم انتهاء أزمات الإقليم فإن دولاً بحالها ستتحول إلى مجرد مناطق عازلة.

اأولاً: الاتجاهات ال�سائدة في تعريف المناطق العازلة

إن الاتجاه السائد في الأدبيات يشير إلى أن المنطقة العازلة هي مساحة جغرافية برية تحددها دولة أو أطراف دولية أو مؤسسات دولية، مثل مجلس الأمن داخل الأمم المتحدة، بحيث يصدر قرار دولي بشأنها من خال سيطرة قوة حفظ سام عليها، بحيث يتم إيجاد مساحة فصل بين القوات المتناحرة بعد تصاعد الصراعات الداخلية المسلحة، وتقليل خطر تجدد المواجهات بين الدول أو الجماعات المتحاربة، بهدف إبعاد هذه المنطقة وعزلها عن باقي مناطق الصراع سواء داخل الدولة أو الإقليم الواقعة فيه.

وقد يكون ذلك القرار من خال تحالف دولي، على نحو ما حدث بالنسبة لتشكل تحالف دولي في العام 1990 ضد العراق بعد غزوها للكويت، ويمكن أن تكون منطقة حظر طيران أو حظر تجول، غير أنه قد يتم إنشاء هذه المنطقة، في بعض الأحيان، بقرار من طرف واحد، وهو ما فعلته إسرائيل بعد إقامتها منطقة عازلة بالقوة وبشريط حدودي بعمق عشرة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن ثمة فارقاً بين المناطق العازلة (Buffer Zone )والمناطق الآمنة (Safe Havens )، فالأولى تنشأ في الغالب على الحدود الدولية بين دولتين، أو قد تكون داخل مساحة جغرافية من الأرض يثار خاف بشأنها، وقد تنشأ في الحالات التي تشهد انقسامات حادة، سواء لأسباب دينية أو إثنية أو عرقية، أو في مناطق تشهد كوارث طبيعية أو عسكرية نتيجة استخدام أسلحة

الدمار الشامل (نووية – كيماوية - بيولوجية)، والافت للنظر أن خاصية العزل تجعلها "منزوعة الساح"، على نحو يقود في النهاية إلى أن تصبح فارغة وأشبه ب "المنطقة العسكرية".

أما المنطقة الآمنة، فالهدف من إنشائها ليس الفصل بين طرفين بقدر ما هو جعل مساحة من الأرض آمنة، سواء للقاطنين فيها أو الاجئين إليها، كما لا يشترط أن تقام هذه المناطق الآمنة على الحدود الدولية، بل قد تكون داخل الدول أو الكيانات أو المناطق، ويتمثل الهدف من إنشاء هذه المناطق في أن تكون متصلة بممر مفتوح عبر الحدود الدولية أو من خال مناطق أخرى داخل الدولة أو عبر مرفأ أو مطار، كما أن المنطقة الآمنة وعلى عكس العازلة تكون مقصداً للنازحين.

ثانياً: اأ�سباب اإن�ساء المناطق العازلة في ال�سرق الاأو�سط

يتم اللجوء لإنشاء المناطق العازلة في دول الإقليم لعدد من الأسباب، يتمثل أهمها فيما يلي: 1- تصاعد الاقتصادات الحدودية: تصاعدت "اقتصادات الحدود" في أنحاء مختلفة من إقليم الشرق الأوسط، خال السنوات الماضية، عبر تهريب واسع للأسلحة والمخدرات والأموال والبضائع والبشر، على نحو أدى إلى تجاوز مهام عناصر الأمن وقوات حرس الحدود ومراقبة خفر السواحل بمستويات غير معتادة من الاختراقات، لاسيما عبر الحدود المترامية الأطراف، والتي تكون فيها التجارة الموازية غير الرسمية ذات عوائد ضخمة، فيما يطلق عليه بعض الباحثين "اقتصاد الاحتيال" في دولة تونس.

وعلى الرغم من أن هذه الممارسات كانت قائمة طوال الوقت في عدد كبير من دول الإقليم، وصنفت بأنها جرائم قانونية، لكنها تزايدت بدرجة كبيرة في مرحلة ما بعد الثورات العربية، لأن أجهزة المراقبة الأمنية غير قادرة على السيطرة على حالات العبور الشرعي عبر المعابر الحدودية أو عبر المسارات غير الشرعية. 2- الامتدادات السكانية والقبلية: تشير الأدبيات النظرية والممارسة العملية إلى أنه كلما اتسمت فروع القبيلة بالامتداد الجغرافي والتنظيمي عبر إقليم الدولة وباتجاه حدود دول الجوار، أصبحت أكثر ثقاً وقدرة على التأثير العابر للحدود، فالطوارق، على سبيل المثال، تمتد الروابط بينهم عبر الحدود بين مالي والمغرب وموريتانيا، وهو ما يجعل تأثيرهم قوياً، وهو ما ينطبق على القبائل الحدودية بين مصر والسودان، خاصة في منطقة حايب وشاتين داخل الحدود المصرية، والقبائل المصرية في شبه جزيرة سيناء.

ويؤدي قرب القبائل من المناطق الحدودية لتصاعد تماسكها وقدرتها على أداء أدوار ووظائف متعددة في ظل انسحاب الدول من الأطراف باتجاه المركز مما يجعل القبيلة دائرة الانتماء الأهم لدى الأفراد بالمقارنة بالدولة فضاً عن هيمنة القبائل اليمنية على التجارة غير الشرعية العابرة للحدود للأسلحة والبضائع المهربة مع دول الجوار. 3- تطور تكنولوجيا الأنفاق: بالتوازي مع تطوير الدول لأدوات مراقبة مهربي الحدود فإن المهربين يطورون أيضاً آليات ووسائل التهريب وتكنولوجيا الأنفاق، وهو ما تشير إليه حالة الحدود بين مصر وقطاع غزة، فالتطور في بناء الأنفاق تحت المنازل أو المزارع أو حتى دور العبادة التي لم تسلم من العبث بها، مثل أحد المصادر الرئيسية لدخول الجماعات التكفيرية المسلحة إلى سيناء وتنفيذ العمليات الإرهابية ضد قوات الجيش والشرطة، فضاً عن ذلك فإن تجارة الأنفاق تهدر المايين من الموازنة العامة للدولة نتيجة استخدامها من قبل العصابات المنظمة لتهريب المواد التموينية والغذائية والبترولية المدعومة إلى قطاع غزة، فضاً عن استخدام الأنفاق في تهريب المواد المخدرة والأسلحة والذخائر. 4- منع تسلل الجماعات الإرهابية: أحد الأهداف الرئيسية لإقامة المناطق العازلة هو منع سكان الحدود من الانخراط مع المجموعات المسلحة الجهادية الإجرامية التي باتت تشكل ظاهرة "جيوش قطاع خاص" عابرة للحدود بين الدول، أو ما يعرف بخصخصة الجهاد، فالإرهاب هو الشجرة التي تخفي غابة الجريمة المنظمة، والخطر هو أن تتمكن شبكات التهريب وعصابات الجهاديين من نسج تحالف دائم وتشكيل كيان واحد مقاتل. لذا، فإن اعداد القتلى تتزايد في المناطق الحدودية لغالبية دول الثورات العربية.

فقد برزت هذه الفئة في العديد من الحالات، منها الحدود السعودية اليمنية، حيث تتهم المملكة العربية السعودية بعض القبائل اليمنية بتمويل الجماعات المتطرفة، وتسهيل مرورها إلى دول مجلس التعاون الخليجي عبر الحدود اليمنية المشتركة، كما تجلت أيضاً في حالة الحدود بين الجزائر وتونس، لاسيما مع تسلل الإرهابيين إلى منطقة جبل الشعانبي بمحافظة القصرين التونسية، والتي أصبحت واحدة من مهددات الأمن القومي التونسي بشكل مباشر، كما يُثار حالياً مسألة إقامة منطقة عازلة بين سوريا وتركيا، وبين سوريا والأردن، وبين سوريا ولبنان خاصة في منطقة القلمون، لمواجهة التهديدات القادمة من تنظيم الدولة الإسامية في العراق والشام. 5- حماية تجمعات المدنيين: إن واحداً من الأهداف المعلنة من جانب المؤسسات الدولية هو حماية المدنيين، وبصفة خاصة الأقليات من تعقيدات الصراع الداخلي المسلح، وهو ما سبق أن تدخلت الولايات المتحدة لإحداثه تحت غطاء التدخل الدولي الإنساني، عبر الأمم المتحدة، وقد تطالب به دول إقليمية لتضررها من استضافة الاجئين النازحين من بادهم.

فعلى سبيل المثال، تسعى المملكة الأردنية لإنشاء منطقة عازلة على الحدود الجنوبية مع سوريا لاجئين السوريين مما يخفف الأعباء المترتبة على استضافتهم، لاسيما أن أكثر من ثلثهم يقطنون في مخيمات أعدت خصيصاً لهم، ذات الأمر ينطبق على مطالبة تركيا بمنطقة آمنة على الحدود مع سوريا، تصل حدودها إلى 80 كم وبحد أدنى 30 كم لإيقاف

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates