Trending Events

لماذا تحدث خلافات بين الدول الصديقة أو المتحالفة أحياناً؟

د. خضر عباس عطوان

- د. خضر عباس عطوان أستاذ مساعد العلوم السياسية بجامعة النهرين- العراق

لاتزال دراسة العلاقات بين الدول من الموضوعات التي تحظى بأهمية مستمرة، سواء في بعدها النظري أو العملي.

يكمن جزء من أسباب الاهتمام بدراسة السياسات الدولية، ما تتيحه من إمكانية الوصول إلى صياغة نظريات وأطر تحكم هذه السياسات، وتطوير مداخل مفسرة لمجمل هذه العاقات، وتحليل جوانب تفصيلية فيها من جانب آخر. بالإضافة إلى التمكن من التوصل إلى صياغة سيناريوهات واستراتيجي­ات تمكن من التحكم، أو على الأقل التأثير فيها، سواء بشكلها النظري أو التطبيقي، والإجابة عن عدد من التساؤلات التي باتت مطروحة بقوة، ومنها تفسير التحولات في بعض العاقات بين الدول، سواء عاقات العداء أو التحالف، والتحول في العاقات بينهما.

اأولاً: الدول بين ال�سداقة والاختلاف

تعود نشأة الدول إلى فكرة الاستجابة لحاجة أساسية تتمثل في القدرة على إدارة مصالح البشر، تلك الحاجة غلفت بأغلفة دينية أحياناً، واجتماعية في أحيان أخرى، واقتصادية في حالات مغايرة. وقد استغل من يمسك بالسلطة هذه الأغلفة والتبريرات في بعض منها في كثير من الأحيان لتثبيت حكمه، بل واستعملها لتبرير عاقات دولته بالدول الأخرى. ومع تزايد الدور الذي تلعبه الشعوب في التأثير على نظم الحكم، وعلى فكرة الدولة، شهد النظام الدولي والعاقات السائدة فيه تطوراً كبيراً؛ فالدول، ومن منطلق أنها كيانات متفاعلة، اتجهت إلى تعميق ترابطها مع غيرها، وتقليل عوامل الصراع والنزاع المستندة لعوامل شخصنة السلطة، وظهور النزعات الإثنية كمسبب لاختاف. لكن هذه المحاولات لم تنجح بصورة كاملة، ما ترتب عليه تباين العاقات بين الدول في مضمونها بين التعاون، أو الصراع، بل إن بعضها غير مستقرة على وتيرة واحدة، بل يتغير من صورة لأخرى، تحت تأثير عوامل عدة، منها شكل وصيغة الصداقة أو التحالف، أو أسباب العداء، أو ظهور مسببات لاختاف.

والعاقات الناشئة بين الدول نتيجة أسباب مصلحية، عادة ما تتسم بصفات تختلف عن غيرها من أنماط العاقات بين الدول، فالمصلحة يمكنها تقليل حدة الاختاف الذي قد يكون موجوداً في العاقات، أما العاقات التي تتسم بالاختاف الناشئ من أسباب ترجع إلى موضوعات واعتبارات الجغرافيا والإثنية والرغبة في النفوذ والهيمنة، وتقاطع السياسات، والمكانة العالمية أو على مستوى الإقليم، فإنها قد تصل إلى مرحلة الصراع، إذا لم تكن هناك آليات واضحة للتعامل معها.

ثانياً: م�سامين اختلاف الدول المتحالفة

إن الاختاف في العاقات بين الدول مسألة واردة في كل صورها، فالاختاف وارد حدوثه بين الدول التي تربطها عاقات صداقة أو حلف، أو تعاون. ومن المهم الإشارة إلى أن عاقات الصداقة تعني أن الدول ترتبط بشبكة من الروابط: جغرافية و/أو اقتصادية، و/أو قومية، و/أو لغوية، و/أو سياسية، وكلها تجعل عاقات دولتين متينة كعاقات الولايات المتحدة بالمملكة المتحدة، كونها تحدد اتجاه تلك العاقات نحو مجالات واسعة من التعاون، وتجعل هذه الدول أكثر مياً إلى التغاضي عن جوانب

الاختاف والخاف الموجودة.

أما عاقات التحالف، فتتحدد بالأطر الاستراتيج­ية والمصالح، وقراءة الزعامات السياسية لوجود استفادة من تلك المصالح وبقائها والعمل على استمرارها، من أمثلة ذلك عاقة الولايات المتحدة وباكستان. فالزعامات السياسية، إذا رأت أن مصالحها لا يمكن أن تتحقق إلا عبر التحالف مع دول أخرى، في أطر مؤسسية، منها الأحاف المتعددة مثل (فرنسا والمانيا مثاً في إطار حلف الناتو)، أو عبر تعزيز منظومة التعاون الثنائية مثل (الولايات المتحدة واليابان)، ففي هذا الحالة تحاول الدولتان التعامل مع أسباب الاختاف التي قد تظهر، والعمل على تغليب عوامل الالتقاء على عوامل الاختاف.

لكن، هل يظهر خاف بين هذه الدول (الصديقة أو المتحالفة)؟ إن الجواب الأكيد هو أن هذه الدول غير معفية من الاختاف، مهما كان نوع عاقاتها. فالدول المتصارعة يمكن أن تظهر عوامل الاختاف بينها في كل حين، في حين أن الدول الصديقة أو المتحالفة يمكن أن يظهر الاختاف بينها تحت عناوين مختلفة، ومضامين العاقات تسمح في الغالب بوجودها من دون تأثير شامل وكلي وتام على فحوى العاقات.

وفي محاولة البحث حول مسببات هذه الاختافات، سنجدها تدور حول مجموعة واسعة من العناوين، أهمها: -عدم التطابق في الرؤى و/أو المصالح و/أو التوجهات بين الدول، وهذا التباين يعكس الاختاف مهما كان حجم المصالح ونوع العاقات التي تربطها. - عدم التطابق حول قضايا ومواقف محددة، مثاً الموقف من العراق في العاقات الأمريكية - التركية، أو الموقف من روسيا في العاقات الأمريكية - الأوروبية، أو الموقف من العراق مرة أخرى ولكن في المؤسسات الدولية مثل حالة مجلس الامن عام 2003-2002. وسواء كان الأمر متعلقاً بجوانب عسكرية و/أو أمنية و/ أو سياسية و/أو اقتصادية و/أو ثقافية؛ أي أن هناك مضامين متعددة لاختاف بين الدول، وكلها ترجع الى مسببات داخلية متعلقة بالدول نفسها أكثر مما ترجع إلى مسببات خارجية، كون احتياجات الدولة وتفسيرات صانعي السياسة فيها هي التي تساعد على توسيع دائرة الاختاف. والمسببات تلك تقود في أحيان كثيرة إلى إظهار وجود تباين في السياسات بين تلك الدول، وأحياناً يصل الأمر إلى التوتر، كما حدث في قضية تجسس الولايات المتحدة على اتصالات زعامات الدول الحليفة. والأمر متعلق بالعاقات بين الدول المتحالفة أكثر منه بالدول الصديقة، كون الأولى تبني عاقاتها على أساس أن هناك فسحة اختاف بين الدول، وأن الحاجة إلى التحالف فيها فائدة أكبر من النظر إلى أسباب الاختاف. وكلما اتسعت دائرة عدم التطابق، فإن العاقات تتجه إلى تقديم الصراع على التعاون، إن لم تكن هناك آليات واضحة للتعامل مع عوامل الاختاف.

والدول الصديقة أو الحليفة، تختلف في تقدير التعامل مع عوامل الاختاف، كون هذه الدول لديها أكثر من عامل لارتباط ببعض، وتجاوز حدة الخافات فيما بينها، ولننظر إلى عاقات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عام 1956 إبان العدوان الثاثي على مصر، إذ ظهر اختاف الدولتين تجاه بعضهما، لكنهما سرعان ما غلَّبا الصداقة على الاختاف. وفي عاقات الدول الصديقة، لا يمكن تصور أن تدفع عوامل الاختاف لحدوث تحولات أكبر، وانزلاقها نحو أشكال الصراع المختلفة أو التوتر، إلا في حال تعلق الأمر بحدوث تغير في فلسفة النظام السياسي لأحد طرفي العاقة، ومثال ذلك عاقات الولايات المتحدة بإيران بين فترتي الشاه ونظام حكم ما بعد 1979.

أما الدول المتحالفة فإنها تستند إلى عوامل مصلحية واستراتيجي­ة، وهذه العوامل في السياسة عرضة للتغير والتبدل بحسب مقدار الفائدة المتصورة من العاقة، ومن ثم تغير أنماط التحالفات، وإذا ما رجعنا إلى التاريخ نجد أن عوامل الخاف في التحالفات قد تطغى على جدوى التحالف، فتحوله إلى

مضمون هش.

ثالثاً: حدود الاختلاف في علاقات الدول المتحالفة

يكون السؤال إذاً، إلى أي مدى يمكن أن تؤدي الاختافات إلى وصول العاقات بين الدول المتحالفة إلى الاختاف والعداء بل والصراع؟ وهنا يمكن أن تتمثل الإجابة في المعايير التالية: -قوة العاقات الثنائية، ومتانتها وتاريخها، مثل العاقات الأمريكية - البريطانية. - فرق المنافع والكلفة بين استمرار عاقات التعاون والصداقة والتحالف وبين التحول عنها تحت مبدأ حاكم مفاده (لا صداقات دائمة، إنما مصالح دائمة)، مثل العاقات الأمريكية مع كل من اليابان وألمانيا. - الأيديولوج­يات التي تسود داخل الدولة، وقوة ارتباطها باستمرار منظومة عاقات محددة أم أنها ترتبط بتلك العاقات استناداً إلى معايير مصلحية، مثل العاقات الأمريكية - الصينية.

ومن ثم تقدم هذه المعايير الثاثة ما قد تستقر عليه العاقات، ضمن شكل من الأشكال التالية: استمرار العاقات، واحتواء ما يظهر من اختافات سواء ضمن منظومة مؤسساتية أو ضمن منظومة ثنائية أو إعادة النظر بالعاقات، وتحول الاختافات إلى خافات، إن كانت هناك عوامل مساعدة على هكذا مراجعة. ويمكن الإشارة إلى أنه خال الأعوام القليلة الماضية ظهرت في العاقات الدولية ظاهرة اختاف بين الولايات المتحدة مع أصدقائها وحلفائها في مسائل متعددة، منها، التجسس على اتصالات زعامات دول حليفة: ألمانيا وفرنسا، ومشكات التصدير، وفتح الأسواق أمام الشركات الأمريكية في العاقات مع اليابان، ومشكات الحمائية المتصاعدة داخل منظمة التجارة العالمية مع الشركاء الدوليين، ومشكات القيادة والنشر للقوات والتمويل والمشاركة من الحلفاء، مع القوات الأمريكية في إدارة عملياتها العسكرية خارج أو في إطار حلف الناتو، خصوصاً في حرب الخليج الثالثة 2003.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates