Trending Events

الربيع الكمبودي!

فرص التحوّل الديمقراطي بعد حركة الاحتجاجات الشعبية

-

شوبهدا شوداري

على الرغم من هيمنة حزب الشعب الكمبودي، ورئيس وزرائه هون سين على المشهد السياسي، واستشراء الفساد، فإن احتجاجات الربيع الكمبودي دفعت باتجاه لعب المعارضة دوراً أكبر في الحياة السياسية، فإن هذه المكاسب لا تزال محدودة ومعرضة للانتكاسة ما لم تستتبعها خطوات تبني على ما تم انتزاعه من إصلاحات ديمقراطية.

إن تحليل مستقبل الربيع الكمبودي أمر يتطلب الكثير من الحذر، وذلك بالنظر إلى تاريخ القمع السياسي وغياب الإصاحات الديمقراطي­ة، ومع ذلك يمكن القول إن هناك عاملين سلبيين أثرا على السياسة الداخلية الكمبودية، ويفسران لنا أسباب تراجع الإصاحات الداخلية، وهما: تاريخ الحرب الأهلية التي شهدتها الباد، والتي خلفت حقبة من سفك الدماء ظلت عالقة في الأذهان لدى الكثير من أبناء الشعب الكمبودي، بل والتي ألقت بظال سلبية على الثقافة السياسية للباد.

أما العامل الثاني، فيتمثل في التأثيرات المحدودة للرأسمالية الوطنية والعولمة على السياسة الداخلية في كمبوديا، على الرغم من ممارسة قدر من التأثير على برامج إعادة الإعمار الوطنية، ويرجع ذلك بصورة أساسية إلى أن مساحة كمبوديا وتراجع أهميتها الجيواسترا­تيجية يؤديان إلى التعامل معها بتجاهل في معظم الأحيان، وهو ما أثر بدوره سلباً على الحياة الثقافية والفكرية في الباد(1).

وعلى الرغم من ذلك، فإنه لايزال هناك بعض الأمل، والذي يتمثل في استمرار المجتمع الكمبودي في النضال من أجل الحصول على التمكين الذاتي، ومحاولته الخروج من حالة الانغاق(2).

اأولاً: الواقع ال�سيا�سي الكمبودي

نجح حزب الشعب الكمبودي منذ عام 1997 في الفوز بالانتخابا­ت البرلمانية المتعاقبة، وليس أدل على نجاحه في ذلك، هو أن هون سين– رئيس الوزراء الرابع والثاثين في تاريخ كمبوديا، والذي ينتمي إلى حزب الشعب الكمبودي– يعد واحداً من أكثر رجال العالم بقاءً في الحكم)3.( وعلى الرغم من أن نظامه كان وليد فترة الحرب الباردة، فإن نظام هون سين الديكتاتور­ي استطاع الاستمرار في الحكم حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

ونظراً لأن حزب الشعب الكمبودي، أقام نظاماً للحكم يتسم بالسلطوية واستشراء الفساد، فإنه أعاق التطور الديمقراطي للباد، وقلص من هامش الحقوق والحريات، وذلك على الرغم من المساعدات الخارجية الضخمة التي يتلقاها كمنح من المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية على وجه التحديد.

ونظراً لافتقاد كمبوديا الأهمية الجيواسترا­تيجية، فإنها لم تلق اهتماماً كبيراً من جانب المجتمع الدولي، على الرغم من تصريح مدير فرع آسيا في منظمة هيومان رايتس ووتش رسمياً بأن "كمبوديا تقف على حافة الهاوية"، فحقوق

الإنسان وحكم القانون والديمقراط­ية تشهد تراجعاً مستمراً، بسبب ممارسات رئيس الوزراء هون سين وحزب الشعب الكمبودي الذي ينتمي إليه(4).

ومن الملحوظ أن حالة كمبوديا هي حالة جديرة بالدراسة، لتميز هذا البلد عن جيرانه في جنوب شرق آسيا، فقد شهدت "انتقال سياسي" على مدى عشرين عاماً تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى الرغم من ذلك فايزال النظام السياسي يعاني من سمات ديكتاتورية، تتمثل في غياب الانتخابات الحرة والنزيهة، بالإضافة لانعدام دور الأحزاب السياسية(5).

ثانياً: الثقافة ال�سيا�سية للمجتمع الكمبودي

يعاني عدد كبير من أبناء الشعب الكمبودي من غياب العدالة الاجتماعية، وتراجع الرأسمال الاجتماعي، فضاً عن التوزيع غير العادل للدخل، وعلى الرغم من وجود جيوب للمقاومة والاحتجاج في المجتمع الكمبودي، فإن هناك عوائق منعت من اكتسابه دعماً جماهيرياً واسعاً، وتتمثل هذه العوائق فيما يلي: 1- سيطرة النظام الحاكم على الإعام إذ إن أغلب وسائل الإعام الكمبودية تعد بمنزلة الناطق باسم الحكومة، إذ إن حزب الشعب الكمبودي يحكم قبضته الشديدة على تدفق المعلومات، ولذلك نجد أن الحديث عن تراجع جودة الخدمات العامة لا تجد طريقها للإعام، على الرغم من أن كمبوديا تتصدر قائمة الدول الأقل تنمية في قارة آسيا، ويعيش ثلث سكانها تحت خط الفقر( 6 ). 2- عاقات الزبانية على غرار البلدان الأخرى في جنوب شرق آسيا، يتغلغل في المجتمع الكمبودي نظام الزبانية والمحسوبية، والذي يحكم العاقات السياسية والاجتماعي­ة، وساعد على ذلك الثقافة السياسية التي تتسم بالشك وانعدام الثقة، الأمر الذي ساعد على تقوية نظام الزبانية، حيث يكون الولاء للمسؤولين وذوي النفوذ أمراً لابد منه من أجل الحصول على الحماية والخدمات.

وتجدر الإشارة إلى أن عاقة الزبانية لا تنتشر في المناطق الريفية، حيث يغيب الرعاة أو الزعماء السياسيون، وقد استبدلها النظام القائم بنشر مشاعر الخوف والكبت، لإحكام سيطرته على هذه المناطق.

كما يعتبر الاعتراف ب "تسلسل الهرم الاجتماعي"، أحد السمات الأساسية لهذا النظام، كما أنها مصدر التوزيع غير العادل للسلطة وتساهم في زيادة الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، وقد تم تصنيف كمبوديا رسمياً كأكثر دولة في منطقة جنوب آسيا تتسم باتساع "مسافة السلطة")7،( ويؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى دعم الممارسات السلطوية، ويجعل من الصعب انتهاج أسلوب الامركزية في الثقافة السياسية لكمبوديا)8).

وإضافة إلى ذلك، يدعم الجيش الكمبودي عاقات الزبانية تلك، وذلك مع انتشار الخوف من التداعيات السلبية إذا تجرأ المواطنون على انتقاد أو حتى التشكيك في الحكومة، وقد أدت الثقافة السياسية الخاضعة للمواطنين، والمتغلغلة في بنية المجتمع، فضاً عن انتشار ثقافة الخوف إلى انتفاء حاجة الحكومة للتاعب بنتائج الانتخابات، كما أن الدعم الخارجي والمساعدات المادية التي تقدمها الدول الأجنبية، أصبحت أحد أسباب بقاء النظام الحاكم في كمبوديا.

وقد دفع هذا أندرو كوك للقول إنه منذ التخلص من حكم الخمير الحمر في كمبوديا، لاتزال الباد خاضعة لحكم النخبة الديكتاتور­ية نفسها تقريباً)9).

والجدر بالذكر أن الدولة أصبحت توظف مبادئ "الليبرالية الجديدة" في شقها الاقتصادي، لدعم عاقات الزبانية القائم، فبعد انتهاء فترة "سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا'، استشرت ظاهرة منح الهدايا والرشى إلى المسؤولين الحكوميين مقابل ترسية العقود الحكومية على المستثمرين)10).

وبالتالي فإن "الاتصال بالسياسيين" و"شبكة العاقات" تعتبر ذات أهمية كبيرة)11،( فعلى الرغم من التحول الذي أحدثته التكنولوجي­ا والاستثمار­ات الأجنبية، فإن السلطة وعاقات القوة تدور حول شخصية رئيس الوزراء هون سين.

ما زال الوضع السياسي في كمبوديا قلقاً بعد اتهام حزب الإنقاذ الوطني ببيع القضية مقابل مكاسب صغيرة، بعد تراجعه عن مطالبته بإجراء انتخابات جديدة، الأمر الذي انتقص من مصداقيته وانحيازه للصالح العام.

ثالثاً: عودة المعار�سة للم�سهد ال�سيا�سي

بعد الانتخابات المثيرة للجدل في 28 يوليو 2013، والتي فاز فيها حزب الشعب الكمبودي، الحزب الحاكم، اتسم المناخ السياسي بالتوتر الشديد، حيث شهدت الشوارع احتجاجات سلمية على مدار شهور، والتي قمعتها قوات الأمن في أغلب الأحيان، وهو ما أدى إلى زيادة إثارة سخط الكمبوديين وشعورهم بالإحباط وبالتالي بروز مفهوم "الربيع الكمبودي".

وإذا كان ميدان الاحتجاجات الأبرز في مصر هو ميدان التحرير، فإن متنزه الحرية (فريدوم بارك) في العاصمة الكمبودية بنوم بنه كان مقر الاحتجاجات، وهو التطور الافت في التاريخ الكمبودي، فالباد، لم تشهد طوال الثاثين عاماً الماضية من حكم حزب الشعب الكمبودي، تظاهرات سلمية حاشدة كهذه، بحيث أصبح رئيس الوزراء هون سين ونظام حكمه عاجزاً عن التعامل مع هذه التطورات.

وقد هدأت الأحداث مع عودة زعيم المعارضة الكمبودية "سام رينسي" من منفاه، والذي كان من حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي، فقد التقى رئيس الوزراء "هون سين"

مع "رينسي" في يوليو 2014، وتم التوصل لاتفاق سياسي تم بموجبه إنهاء المعارضة الكمبودية للمقاطعة البرلمانية، مقابل تلقي حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي وعوداً بتعزيز نفوذه في البرلمان، إضافة إلى الحصول على منصب نائب رئيس البرلمان، وعلى الرغم من ذلك فلم يتفق الحزبان على تحديد موعد ثابت لإجراء الانتخابات المقبلة، والتي من المقرر إجراؤها في العام (12 2018).

وقد استشهد "رينسي" في إحدى المقابات بقول مأثور كمبودي استخدمه رئيس الوزراء هون سين أثناء اقتراحه تلك الصفقة عليه، وهو أنه "عندما يرتفع مستوى الماء، فإن الأسماك تأكل النمل، وعندما ينحسر الماء، يقوم النمل بأكل الأسماك"، مؤكداً أن رئيس الوزراء هون سين حاول تنفيذ مبدأ فرّق تسد لإحداث الانشقاقات داخل المعارضة خال العام الذي شهد الاحتجاجات السياسية، إلا أنه أخفق في مسعاه هذا، ولذا أرغم على القيام بالإصاح)13).

وعلى الرغم من ذلك، فإن الوضع السياسي ما زال قلقاً، وذلك بعد اتهام حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي بأنه باع القضية مقابل تحقيق مكاسب صغيرة، وذلك بعد تراجعه عن مطالبته بإجراء انتخابات جديدة، وهو الأمر الذي انتقص من مصداقيته وانحيازه للصالح العام.

توضح هذه الأحداث أن هناك تغيراً طرأ على الثقافة السياسية في كمبوديا، فالاضطرابا­ت السياسية والتظاهرات السلمية، تكشف النقاب عن بداية مرحلة التحول الديمقراطي في كمبوديا، وعلى الرغم من أن الصفقة التي تم التوصل إليها بين النظام والمعارضة كانت "مائمة سياسياً"، فإن ذلك لا ينفي وجود قصور بها، ومن ذلك عدم وجود اتفاق تفصيلي على خطوات الإصاح التالية)14).

الخاتمة

لاتزال حرية التعبير تخضع لقيود كبيرة من قبل النظام الحاكم، بالإضافة لاستمرار عاقات الزبانية، وضيق الثقافة السياسية لأغلب المواطنين، وهي كلها عوامل تحد من محو ثقافة الاستبداد، وتعيق التحول للديمقراطي­ة، لكن هناك عوامل تحدد مستقبل الربيع الكمبودي منها: • صعود دور الشباب: لا يزال كبار السن يهيمنون على حزب الشعب الكمبودي وحزب الإنقاذ الوطني، وقد تعودوا على التعامل مع أجهزة السلطة والقمع، إلا أنه من المتوقع أن يتغير هذا الوضع مع مشاركة الشباب في الحراك الاحتجاجي، خاصة مع توقع أن يزداد دورهم في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في العام 2018. • وقف المساعدات الأجنبية: ظهر اتجاه في اجتماعات الكونغرس الأمريكي ولدى العديد من المسؤولين الحكوميين وأعضاء منظمة هيومان رايتس ووتش، يطالب بضرورة وقف المساعدات إلى كمبوديا، وفي حال حدث ذلك، ولو تدريجياً، فمن المؤكد أن ذلك سوف يضعف النظام الديكتاتور­ي ويدفعه للقيام بمزيد من الإصاحات. • حركة موحدة ورؤية واضحة: تحتاج الاحتجاجات السلمية لأن تتبلور في حركة ذات اتجاه واضح وقيادة وطنية، وأن تعمد لبناء قاعدة شعبية لها، حتى لا تضيع فكرة "الربيع الكمبودي"، ويجب أن يكون للحركة رؤية واضحة لمطالبهم وأولوياتهم، واستراتيجي­ات مناسبة للتعامل مع النظام الحاكم، ولاتزال أغلب هذه العناصر غائبة في الوقت الحالي.

 ??  ??
 ??  ?? شوبهدا شوداري
باحثة دكتوراه بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي
شوبهدا شوداري باحثة دكتوراه بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates