Trending Events

تمدد إرهابي:

الحركات المتطرفة في شرق ووسط أفريقيا

-

عبدالحكيم نجم الدين

لايعرف عن الحركات المسلحة في أفريقيا سوى اليسير، أو ربما لم يسمع عنها إلا بعد قيامها بهجمات وعمليات إرهابية. وبالنظر إلى خريطة هذه الحركات في أفريقيا وانتشارها، نجد أن بوكو حرام توجد في نيجيريا، وفي الوسط توجد الميليشيات المسيحية "أنتي بالاكا"، بينما تنتشر حركة الشباب في الصومال، كما تهدد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي منطقة الساحل. وعموماً يركز هذا التحليل على وسط وشرق القارة. ومن المهم لفهم أسباب ظهور الحركات المتطرفة في أفريقيا البحث عن المسببات الداخلية والخارجية، فالظروف السياسية، والظروف الاجتماعية والاقتصادي­ة، وغياب الأمن المجتمعي والإنساني، جميعها عوامل شديدة الأهمية. وإذا كان جانب من الباحثين يعتبرون أن الفقر السبب الرئيسي في انتشار الإرهاب)1،( لكن الواقع يشير إلى وجود حزمة من العوامل المجتمعة التي تدفع إلى نمو هذه الظاهرة.

اأولاً: حركة «اأنتي بالاكا» في و�سط اأفريقيا

يرى عدد من المراقبين أن تصرفات الميليشيات المسيحية "أنتي بالاكا" ما هي إلا رد فعل لاضطهاد حركة "سيليكا" ذات الأغلبية المسلمة لها، لكن لا يمكن إغفال أنه إذا كان ذلك بمنزلة رد الفعل، فإنه رد فعل شديد العنف والوحشية. وتشير تسمية "أنتي بالاكا" (المناهضون للسيف) إلى جماعات تشكلت في شهر أغسطس عام 2013 بهدف المقاومة المسلحة ضد "سيليكا"، خاصة بعد أن وصل ميشيل جوتوديا– زعيم سليكا وأول رئيس مسلم– إلى السلطة في جمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك بانقاب عسكري في مارس 2014، وهو ما أدى لتفجر القاقل. ومن هنا ظهرت مجموعات أخرى تشكلت من المزارعين، ومن أتباع الرئيس فرانسوا بوزيزيه، رئيس أفريقيا الوسطى السابق في شمال غرب الباد لتقوم بمواجهة حركة سيليكا مع مطالبتها بأن يتولى رجل مسيحي رئاسة الباد، وبالطبع قادت هذه الأوضاع إلى تفجر الطائفية في أسوأ صورها بين المسلمين والمسيحيين، حيث يعتبر المسلمون في جمهورية وسط أفريقيا أقلية مقارنة بالمسيحيين، وباقي السكان من الديانات الأخرى.

وقد قادت هذه الأوضاع إلى قيام ميليشيات أنتي بالاكا بتثكيف هجماتها على المسلمين، بدعوى أنهم ضمن أنصار متمردي "السيليكا"، وقتلت الحركة ما يفوق ال 1000 شخص خال أيام معدودات فقط، وفر نحو عشرات الآلاف من المسلمين من الباد إلى تشاد والكاميرون، كما لجأ عدد منهم إلى مخيمات مخصصة للنازحين داخل الباد. واعتبرت المنظمات الدولية ما يحدث تطهيراً عرقياً ومن ذلك موقف منظمة العفو الدولية )2)(Amnesty). من جانبها اعتبرت الرئيسة المؤقتة للجمهورية، والتي خلفت الرئيس جوتوديا سامبا بانزا ما يحدث في بادها مشكلة أمنية وليس تطهيراً عرقياً. لكن منظمة العفو الدولية أصرت على التنديد بالجرائم التي ارتكبت في أرجاء الجمهورية في 2013 و2014. ودعت المنظمة في أحد تقاريرها بعنوان "جمهورية أفريقيا الوسطى: حان وقت المساءلة" إلى التحقيق بشأن الجناة ومقاضاتهم ومعاقبتهم. ويحدد التقرير أن الطرفين الرئيسيين المتسببين في الانتهاكات الخطيرة لحقوق

الإنسان هما حركة "أنتي بالاكا" و"سيليكا"، واعتبر التقرير الجماعتين متورطتين في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

وفي مايو 2014، فرض مجلس الأمن الدولي وحكومة الولايات المتحدة عقوبات ضد عدد من قادة جمهورية أفريقيا الوسطى وردت أسماؤهم في هذا التقرير. فأخضعت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الرئيس السابق فرانسوا بوزيزيه، وليفي ياكيتيه وهو أحد منسقي حركة "أنتي بالاكا"، وكذلك قائد "سيليكا"، والرجل الثاني في التنظيم نور الدين أدم، للعقوبات. وبالإضافة إلى هذه الأسماء الثاثة، أصدر رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما، أمراً تنفيذياً فرض بموجبه عقوبات على بوزيزيه– الرئيس السابق– وميشيل دجوتوديا– زعيم "سيليكا"– وعلى قائد الجماعة المسلحة

عبد الايي مسكين.)3)

ثانياً: �سرق اأفريقيا وحركة ال�سباب المجاهدين

تركزت أنشطة التطرف والإرهاب في شرق أفريقيا في حركة الشباب التي تعتبر بمنزلة أحد افرع تنظيم القاعدة هناك. وترتبط هذه الحركة بحركات أخرى مماثلة في دار السام وجزر القمر ونيروبي وكمبالا وربما بالقوات الديمقراطي­ة المتحالفة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطي­ة)4.( وعلى الرغم من التطورات الإيجابية في الصومال والمؤشرات التي تذهب إلى التفاؤل باستقرار الأوضاع، فإنه لاتزال التطورات تحمل أيضاً توقعات بأن هناك إمكانية لحدوث اضطرابات مجدداً، خاصة أن الصراع في الصومال متعدد الأوجه. وتتنوع التسميات التي تطلق على حركة الشباب المجاهدين، فيسميها الإعام "حركة الشباب الصومالية"، ويعبرون هم عن أنفسهم ب"المجاهدون" أو "حركة المجاهدين" و"حركة الشباب الإسامي" أو "حركة الشباب المجاهدين" أو "جناح الشباب" أو "الشباب الجهادي" أو "وحدة الشباب الإسامي"، وجميعها مسميات تطلق عليهم من قبل جماعات أخرى أو من قبل الكتاب والباحثين، وإن كانت جميعها تعبر عن الكيان ذاته وهو الفصيل الصومالي المسلح ذو التوجهات الجهادية)5).

وتعود نشأة هذه الحركة والظهور الحقيقي لاسم "حركة الشباب" في عام 2006 حيث كان تنظيماً شبابياً يتصف بالتشدد، ويتبع اتحاد المحاكم الإسامية، الذي وصل إلى الحكم في الصومال، وكان وقتها يقاتل القوات الإثيوبية التي دخلت الباد لدعم الحكومة المؤقتة للصومال، والتي كانت حكومة شديدة الضعف. ويرى المراقبون أن من أحد أسباب التطرف الشديد الذي وسم هذه الحركة التدخل الإثيوبي.

وقد عبر عن الاستنتاج السابق عبداله فاضل القمري، أمين سر تنظيم القاعدة وأحد قياداتهم في شرق أفريقيا، فقد أشار في مذكراته إلى أنه: "كانت لدينا خليتان يقودهما رجال من القاعدة، الأولى شكلت من قبل الأخوين يوسف التنزاني وعيسى الكيني (صالح النبهاني) وهما عضوان من القاعدة، وكانا قد اختلفا مع طلحة السوداني وتحالفا مع جماعة صومالية مجاهدة يترأسها الأخ (آدم عيرو) من شباب الشيخ حسن طاهر أويس، وشارك معنا في عملية طردنا للقوات الأمريكية في الصومال سنة 1994، وبالتنسيق مع الأخ مختار الصومالي (أحمد عبدي)، وهو أمير حركة الشباب آنذاك، الذي يعتبر من قدامى المجاهدين في أفغانستان. أما الخلية الثانية فكانت تحت قيادة الأخ طلحة السوداني الذي ترأس خلية القاعدة في عمليات ضرب القوات الأمريكية"(6).

وفي بداية عام 2007، وبعد أن قامت إثيوبيا بتدخلها العسكري تأسس التحالف في إرتريا من قِبل قيادات من المحاكم الإٍسامية والمنشقين عن برلمان حكومة عبداله يوسف، وقيادات المجتمع المدني والمغتربين الصوماليين لإعادة تحرير الصومال، لكن وقتها انشقت حركة الشباب المجاهدين عن المحاكم الإسامية متهمة إياها بالتحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل اله، وعززت سيطرتها على جنوب ووسط الصومال، "ومن هنا برزت الحركة في الساحة كحركة جهادية واسعة لها أطرها التنظيمية، ولم تكن ذات شهرة على الساحة الصومالية من قبل(7).

ومن بين مبادئ حركة الشباب عدم التفاوض مع الحكومة الانتقالية الصومالية بعد انشقاقها عن المحاكم الإسامية، باعتبار أنها حكومة عميلة لإثيوبيا والولايات المتحدة. كذلك عدم التفاوض مع الحكومة الإثيوبية لأن الحركة ترى إمكانية نجاحها في مواجهاتها، وتثق في قدرتها على إخراج القوات الإثيوبية من الصومال مهزومة "ومن ثم ستكون معادلة القوة فى صالح الفصائل الصومالية وليس إثيوبيا"(8).

كانت الحركة قد أعلنت في عام 2007 عن أميرها الجديد أحمد عبدي غودني، واسمه التنظيمي (مختار عبدالرحمن الملقب بأبي زبير) خلفاً لقائدها السابق عبدالرحمن إسماعيل عرالي، الذي أُلقي القبض عليه في جيبوتي منتصف عام 2007. ثم أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إدراج حركة الشباب المجاهدين في قائمة المنظمات الإرهابية يوم 13 مارس 2008 بسبب ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتردَّد اسم حركة شباب المجاهدين بوتيرةٍ عالية في وكالات الأنباء المحلية والعالمية، ما أعطى زخماً كبيراً في عملياتها العسكرية ضد حكومة علي محمد غيدي آنذاك والقوات الإثيوبية التي ساندتها.

وعلى الصعيد الميداني حقَّقت الحركة مكاسب على الأرض، حيث بسطت سيطرتها على معظم مناطق جنوب ووسط الصومال، وأسَّست ولايات إسامية في معظم مناطق

يبدو أن مستقبل حركة الشباب لايزال يعريه الغموض، إذ يرى البعض أن الحركة صناعة غربية أو أنها تدعم من قبل الغرب، وآخرون لا يرونها سوى حركة تشددية اتخذت التطرف مذهباً، خاصة بعد مقتل زعيمها أحمد غودني مما جعل الخبراء يشكّون في قدرة قائدها الجديد على حمل المسؤولية.

وسط وجنوب الصومال، وخضع لسيطرتها ثلثا مساحة أحياء العاصمة مقديشو من 2009 وحتى أواخر عام 2011 ). وبالعودة إلى كتابات الباحثين وتحليات الكتاب تتحدث بعضها عن خطورة هذه الجماعة وحتمية التصدي لها، وأخرى تتطرق إلى أرقام قياسية عن توافد الأجانب إلى الصومال للقتال ولمساعدة "الشباب". وقد استطاعت حركة الشباب في أقل من أربع سنوات من 2006 وحتى 2011 السيطرة على أكثر من 20% من مناطق وسط وجنوب الصومال، وأدّى تشددها وتوجهها الفكري إلى خسارة التأييد الشعبي والقبلي الذي حظت به أثناء قتالها للقوات الإثيوبية، ثم تغيرت الأوضاع في أواخر العام 2011؛ حينما تمكنت بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السام في الصومال، من إخراجها من العاصمة مقديشو ومناطق أخرى مهمة أبرزها؛ ميناء كيسمايو. وكانت هذه خسارة كبيرة للشباب لأنها كانت تتيح لهم تجهيز المناطق التي يسيطرون عليها بما تحتاج من مؤن، إضافة الى الضرائب التي كانوا يجبونها من السفن التي ترسو في الميناء( ).

وفي فبراير 2012 أعلن أمير الحركة أبو الزبير في تسجيل له عن انضمامهم إلى تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أيمن الظواهري( ).

الخاتمة

ليس من المستبعد أن توسع "الشباب" نشاطاتها، وأن تنقلها إلى دول الجوار، كما أن المراقبين يصنفون ارتيريا داعماً وحيداً للحركة في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا - حتى وإن كان الارتريون ينفون قيامهم بتزويدها بالساح. فقد جاء في أحد تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، أنه "على الرغم من الجهود الجارية من جانب الحكومات الإقليمية وقوة الاتحاد الأفريقي في الصومال "أميصوم"، مازالت إريتريا تواصل تقويض جهود السام في الصومال الذي مزقته الحروب"( ).

قامت الحركة بتبني الهجومات والاغتيالا­ت داخل الصومال وخارجها، ومن أشهرها هجوم نيروبي على مركز تسوق "ويستغيت" في الحادي والعشرين من سبتمبر 2013، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 68 شخصاً. كما أن الحركة مسؤولة عن الهجوم الانتحاري المزدوج الذي شهدته العاصمة الاوغندية كامبالا عام 2010، والذي أسفر عن مقتل 76 شخصاً كانوا يتابعون المباراة النهائية لبطولة كأس العالم لكرة القدم. وعبرت هذه التفجيرات من ناحية عن تحول حركة "شباب المجاهدين" إلى "حركة إرهابية" بسبب توجيه ضرباتها لأفراد مدنيين أي ليسوا قوات محاربة أو عسكريين في وقت الحرب، وتدميرها للممتلكات العامة والخاصة، كما أن ضربها للمدنيين لم يكن إلا رسالة لطرف ثالث هو الحكومة الأوغندية وحكومات دول شرق أفريقيا"( ).

وعللت الحركة سبب قيامها بالعملية؛ لأن قوات اوغندا– إضافة الى بورندي – تشكل عماد القوة الأفريقية العاملة في الصومال وذلك قبل انضمام كينيا إلى القوة( ).

ويعتقد أن هجومي 2002 على أهداف إسرائيلية في ميناء مومباسا الكيني قد خطط لهما في الصومال من قبل خلية تابعة للقاعدة، بينما تقول الولايات المتحدة إن عدداً من عناصر القاعدة الذين شاركوا في الهجومين على سفارتيها في نيروبي والعاصمة التنزانية دار السام عام 1998 هربوا إلى الصومال( ).

لكن، يبدو أن مستقبل حركة الشباب لايزال يعتريه الغموض، إذ يرى البعض أن الحركة صناعة غربية أو أنها تدعم من قبل الغرب، وآخرون لا يرونها سوى حركة تشددية اتخذت التطرف مذهباً، خاصة بعد مقتل زعيمها أحمد غودني مما جعل الخبراء يشكّون في قدرة قائدها الجديد على حمل المسؤولية.

 ??  ??
 ??  ?? عبدالحكيم نجم الدين مدير مجمع الأفارقة - وباحث في الشئون
الإفريقية-نيجيريا
عبدالحكيم نجم الدين مدير مجمع الأفارقة - وباحث في الشئون الإفريقية-نيجيريا

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates