Trending Events

التقلبات المفاجئة:

الآثار المحتملة لانخفاض أسعار النفط على اقتصادات دول الخليج العربية

- رضوى رضوان منسق برنامج تحليل التوجهات الاقتصادية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

لم يكن يتوقع أحد وفق الحسابات الاقتصادية كافة أن يرتفع سعر النفط بشكل جنوني خلال النصف الأول من عام 2014 من دون مبررات حقيقية، ثم ينخفض وبشكل شبه جنوني أيضاً خلال النصف الثاني من العام ذاته. ففي مايو الماضي وصل السعر 115 دولاراً للبرميل الواحد، ثم أخذ في الانخفاض التدريجي ليستقر السعر عند 56 دولاراً في فبراير 2015، وذلك بعد أن وصل 48 دولاراً في شهر يناير.

إن هذا الصعود والهبوط المفاجئين يمسان بطبيعة الحال الاقتصاد العالمي في مجموعه بالنظر لما يشكله سوق الطاقة من تأثير على كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى من جانب، ولما يمثله قطاع الطاقة ذاته من إجمالي التدفقات والاستثمار­ات المالية في أنحاء العالم من جانب آخر. كما أنهما يطولان بطرق اقتصادات الدول الرئيسية، سواء المصدرة أو المستورد للنفط، فوفقاً لسعره تتغير موازنات وبرامج وخطط ومشروعات العديد من دول العالم.

ومما لا شك فيه أن هبوط سعر النفط يهدد معدلات النمو الاقتصادية في العالم عموماً وفي الدول المصدرة للنفط بشكل خاص، ولذا فإن استمرار انخفاض الأسعار يلقي أعباء ثقيلة على ميزانيات الدول الرئيسية المصدرة، ومنها دول الخليج العربية، خصوصاً أن أحداً ربما لم يتوقع أن يهبط السعر بهذا الشكل الحاد، وأن تسود توقعات أكثر تشاؤماً في ظل أن السعر لم يعد يتحدد وفق ظروف العرض والطلب فقط، وإنما باتت تتداخل مجموعة من العوامل المختلفة لتحديد هذا السعر، منها وضع الاقتصاد العالمي، والمستجدات في إنتاج النفط الصخري الأمريكي، عاوة على التأثير الكامن للعوامل والمتغيرات السياسية والأمنية على المستوى الدولي.

وبعيداً عن أقل سعر قد يبلغه النفط في الفترة القادمة، فمن المرجح أن تظل مستويات أسعار النفط العالمية منخفضة خال الفترة المقبلة، فالقفزات والانهيارا­ت السعرية دائماً ما يترتب عليها اتجاه سعري مماثل لاتجاه القفزة لعدة سنوات. فكما حافظ سعر النفط على الصعود ومستويات الأسعار المرتفعة منذ 2011، يتوقع أيضاً أن تبقى مستويات أسعار النفط منخفضة ربما خال السنوات الثاث القادمة.

في هذا الإطار تناقش هذه الدراسة أسباب هبوط أسعار النفط، والمواقف الدولية الرئيسية قبل هذا الانخفاض وبعده، والتوقعات الخاصة بالمنحى العام للأسعار خال عام 2015، وإبراز أهم الآثار المحتملة لانخفاض الأسعار على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتوضيح ما إذا كانت ستتعرض لآثار اقتصادية سلبية جراء استمرار هذا الانخفاض على المدى القصير.

اأولاً: الاأSسباب المرجحة لانخفاVض اأSسعار النفط

لا توجد أسباب قاطعة ومطلقة لمعرفة لماذا انخفضت أسعار النفط منذ بداية النصف الثاني من عام 2014، وهو ما ينطبق كذلك على السؤال المقابل: لماذا ارتفعت الأسعار في النصف الأول من العام نفسه. لكن ذلك لا يمنع من استعراض بعض العوامل الاقتصادية والأسباب السياسية المتداخلة التي أدت إلى هذا الانخفاض غير المتوقع، والتي يمكن الإشارة إلى أبرزها فيما يلي: 1- انكماش الطلب العالمي: أدى الكساد الذي ضرب بعض دول العالم الكبرى ذات الاقتصادات الضخمة، وما تمر به الأسواق الكبرى، في كل من أوروبا والصين واليابان من ركود، إلى وجود خلل بين جانبي العرض والطلب؛ ففي الوقت الذي استمر فيه العرض كما هو، تراجع الطلب على النفط من قبل ألمانيا والصين واليابان والولايات المتحدة.

وزاد من هذا الخلل وفرة العرض نتيجة توسع الولايات المتحدة في إنتاج النفط الصخري في السنوات الماضية، حيث شهد إنتاج النفط الأمريكي زيادة بنسبة 70% منذ عام 2008، إذ أضافت الولايات المتحدة حوالي 4 مايين برميل يومياً في السنوات الثاث الماضية.

أما في جانب الطلب، فياحظ أن منتجي منظمة "أوبك" استمروا في العمل بكامل طاقتهم. وعلى سبيل المثال، لاتزال المملكة العربية السعودية تنتج نحو 10 مايين برميل نفط يومياً، ما يعني استمرار المعدل الإنتاجي نفسه (75 مليون برميل يومياً في عام 2013،) على الرغم من تراجع إيراداتها النفطية في ظل الأسعار الراهنة بواقع 300 مليون دولار يومياً. 2- قرار منظمة أوبك بعدم تخفيض الإنتاج: إن أحد أسباب استمرار هبوط سعر النفط (وليس سبب بدايات الهبوط)، هو القرار الضمني لمنظمة "أوبك" بعدم خفض الإنتاج، وذلك على عكس التوقعات الأولية التي أشارت إلى أن دول "أوبك" سوف تخفض الإنتاج لحدود مليوني برميل يومياً للحد من هبوط الأسعار، وهو ما لم يحدث نتيجة لاعتبارات مختلفة.

ولذا يمكن القول إن عدم تغيير سياسات دول "أوبك" الإنتاجية ساهم، ولو بقدر ضئيل، في استمرار انخفاض الأسعار ليهبط من 76 دولاراً في نوفمبر 2014، إلى 60 دولاراً في ديسمبر 2014، ثم إلى أقل من 50 دولاراً في يناير 2015.

وربما يعزى ذلك، إلى جانب مواقف المصدرين الكبار داخل أوبك، إلى أن المنظمة لم تعد وحدها صاحبة القرار

الأخير في سوق النفط، حيث لا تزيد نسبة إنتاجها من النفط العالمي الآن عن 31.% 3- ثورة النفط الصخري الأمريكي: يرى العديد من خبراء الطاقة أن زيادة الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري تمثل أحد أهم أسباب تراجع الطلب العالمي على النفط، في مقابل زيادة العرض، وبالتالي انخفاض الأسعار. ويطلق على هذه الظاهرة "طفرة النفط الصخري"، والتي بدأت تنتقل من الولايات المتحدة إلى دول مختلفة في انحاء العالم. ووفقاً لذلك، فقد أثرت "طفرة النفط الصخري" الأمريكي بطريقتين، حيث: • تعد الولايات المتحدة أهم مستورد للنفط في العالم، وبالتالي يؤثر تراجع الطلب الأمريكي، مع زيادة إنتاج أمريكا المحلي من النفط الصخري، والحد من اعتمادها على نفط الخارج؛ إلى هبوط أسعار النفط عالمياً. • وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فقد تراجعت واردات النفط الأمريكي من 9.783 ألف برميل في عام 2008، إلى 730.7 ألف برميل في عام 2013، بنسبة انخفاض بلغت 21% أنظر جدول (1). 4- استراتيجيا­ت وخطط الدول المستقبلية: أعلنت العديد من الدول الرئيسية المستهلكة للطاقة عن تدابير جديدة للحد من استهاك النفط، إذ أعلنت الصين عن هدفها لتقليل كثافة استخدام الطاقة في الصناعات بنسبة 16% في عام 2015، واعتمدت الولايات المتحدة معايير جديدة لترشيد استهاك الوقود، وبدأت العديد من دول الاتحاد الاوروبي خطة تقليص الطلب على الطاقة غير المتجددة بنسبة 20% بحلول عام 2020، وتسعى اليابان إلى تخفيض استهاكها من الكهرباء بنسبة 10% بحلول عام 2030 ). ومع أن هذه الخطط تبدو في ظاهرها مستقبلية، إلا أنها قد تكون بدأت في التطبيق الفعلي، خصوصاً مع الركود الاقتصادي، وما يعنيه من تراجع الطلب على النفط بوجه عام. 5- زيادة الإنفاق الاستثماري في استخراج النفط: ساهمت الارتفاعات الهائلة في أسعار النفط بأكثر من أربعة أضعاف منذ أواخر عام 2011، وحتى منتصف العام الماضي، إلى تضخم الأرباح الرأسمالية لشركات النفط الدولية الكبرى، ما أدى إلى تضخم الأرباح الرأسمالية لتلك الشركات، ودعم الإنفاق الاستثماري للبحث والتنقيب عن المزيد من النفط، وإن كان من مصادر غير تقليدية وأكثر كلفة، مثل النفط الصخري في أمريكا، والرملي في كندا؛ وهو ما أدى لزيادة الإنتاج والمعروض النفطي في مقابل ثبات الطلب.

وبعيداً عن العوامل الاقتصادية، لم يستبعد العديد من الخبراء وجود أسباب سياسية تداخلت مع العوامل السابقة لتنتج هذا التأثير السلبي في أسعار النفط، إذ يعتبر البعض أن ما يجري في أسواق النفط له خلفيات سياسية كما سيتضح في المحور القادم، أبرزها عقاب الولايات المتحدة لروسيا والضغط على إيران، وهو ما حدث في أزمة هبوط الأسعار في ثمانينيات القرن الماضي.

وثمة من يشير كذلك إلى أن جزءاً من أسباب هذا الانخفاض يعود إلى دخول منتجين ومصدرين غير شرعيين لسوق الطاقة، خصوصاً تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، والميليشيا­ت المتعددة في ليبيا على سبيل المثال، وإن كان هذا التأثير يعتبر محدوداً جداً في هذا السياق.

ثانياً: المواقف الدولية الرئي�سية وانخفا�ض �سعر النفط

انخفض سعر برميل النفط بنسبة 58% في أقل من سبعة أشهر، وقسم هذا الانخفاض دول العالم إلى ثاث فئات: دول منتجة ومطمئنة تتعامل مع الأزمة المستجدة بهدوء مثل السعودية والإمارات، ودول منتجة لكنها قلقة مثل روسيا وإيران يطال الانخفاض اقتصاداتها بالسلب، وفئة ثالثة من الدول المستهلكة مستفيدة من الأزمة( ). ويمكن هنا تناول مواقف كل من دول منظمة "أوبك" ومواقف كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران، وذلك كما يلي: 1- موقف منظمة أوبك قررت دول منظمة "أوبك" أكثر من مرة عدم تخفيض إنتاجها النفطي، كان آخرها في 27 نوفمبر الماضي، حينما قررت بقاء مستويات الإنتاج على معدلاتها السابقة، لأن مستويات الإنتاج الحالية تلبي الطلب، وأنه لا يوجد فائض يزيد عن ذلك المطلوب من النفط حتى تتخذ قراراً بتخفيض الانتاج.

وربما هذا ما لم تكن ترغب فيه دول نفطية أخرى، مثل فنزويا وروسيا وإيران، التي تواجه أزمات اقتصادية في ضوء تراجع أسعار النفط بأكثر من 50% من مستوياتها في يوليو الماضي. فإيران تحتاج إلى سعر للنفط لا يقل عن 130 دولاراً لمعادلة الموازنة خال عام 2016، / 2015 حتى تتجنب الدخول في حالة من الركود.

وقد أدى قرار أوبك إلى استمرار هبوط أسعار النفط، لأقل من 60 دولاراً، وهو أدنى مستوى له منذ يوليو 2010، كما تراجع الخام الأمريكي بشكل حاد أيضاً إلى مستويات ما بين 54 و 55 دولاراً، في أدنى مستوى له منذ مايو 2010.

ويمكن تفسير موقف أوبك بالنظر لما حدث في عام 1986 حينما انهارت أسعار النفط لتسجل 13.53 دولار للبرميل في المتوسط خال العام، متراجعة من مستوى 27 دولاراً للبرميل في عام 1985، والتي أدت إلى أزمات اقتصادية كبيرة داخل الدول المنتجة للنفط، بعدما قررت المنظمة في ديسمبر 1985 التخلي عن دور المنتج المتمم،

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates